،، البداء في صاحب العظائم ،،من المواضيع المهمة التي يجب أن يسلط الضوء عليها موضوع البداء وبالخصوص البداء في القضية المهدوية والتي تعتبر من أهم القضايا التاريخية والدينية المعقدة 0
لا نريد هنا أن تكلم عن البداء بالمفهوم العام بل بحدود المفهوم الخاص في القضية المهدوية وبقيود النصوص الشريفة لنكتشف بعض الحقائق التي ربما خفيت على البعض ، وأريد هنا أن اجعل هذا البحث على شكل مستويات ومقدمات مختصرة لنصل إلى أصل وهدف الموضوع ولا تخلوا المسألة من بعض التعقيد فنحتاج إلى تدبر وتأمل أكثر لأن مما شك إن في التدبر والتأمل مفاتح الحلول فتعال معي إلى فهم تلك المقدمات والمستويات :
المستوى الأول : نعلم جيدا من خلال النصوص الشريفة بان أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فيها ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ومطلق ومقيد ومحكم ومتشابه مثل عام القرآن وخاصه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه فهم (عليهم السلام ) عدل القرآن وترجمانه وحديثهم حديثه ومنطقهم منطقه لأنهم القرآن الناطق فكل مافي القرآن فيهم وكل حديثهم حديث القرآن فقد ،، ورد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) مرفوعا عن بريد بن معاوية قال : قلت له : قول الله : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) أنتم هم ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا ،، ،، وعن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا ) قال : هي لنا خاصة ، إيانا عنى ،، (وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 18 - ص 146) 0
فقد ورد عنهم (عليهم السلام) أحاديث كثيرة في مضمون كلامهم ككلام القرآن في محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه فقد ورد عن الرضا (عليه السلام) قوله ،، إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها ، فتضلوا ،،( فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 4 - ص 67)
المستوى الثاني : في هذه النقطة نريد أن نتحدث في أي منطقة يحدث البداء الإلهي أي في أي عالم من عوالم التكوين تحدث مرحلة البداء وهذه النقطة حساسة ومهمة فلنتدرج مع الأحاديث الشريفة لفهم المطلب :
1)روى الكليني بسنده عن عن جهم ابن أبي جهمة ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل أخبر محمدا صلى الله عليه وآله بما كان منذ كانت الدنيا ، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه . (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 148) 0 هذه الرواية تثبت إن غير المحتوم استثني عن الرسول حتى لا يكون في إخباره شيء من الكذب والرواية الثانية تثبت هذا المطلب 0
2)روى الكليني بسنده مرفوعا عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : العلم علمان : فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ، ويؤخر منه ما يشاء ، ويثبت ما يشاء . وروى مرفوعا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله علمين : علم مكنون مخزون ، لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه 0 (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 147) 0 نفهم من ذلك إن كل الاخبارات الغيبية للنبي والرسول والوصي هي في منطقة خارجة عن منطقة البداء حتى لا تكون اخباراته من باب الكذب وكما عبر الإمام (فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله) 0 ثم إن هناك مسألة مهمة ربما تنقدح في ذهن القارئ كأشكال على هذه النقطة حيث ورد في بعض الأخبار والآثار إن النبي أخبر عن موت شخص ثم لم يمت حيث حدث البداء فسأله النبي عما فعل فأخبره انه تصدق فدفع الله عنه الموت بصدقته ، والأخبار بذلك كثيرة في إن بعض الأعمال وبالخصوص الصدقة تدفع البلاء المبرم ، كل هذه الأخبارات غير داخلة في باب البداء الذي نتحدث عنه بل هي من صلب الشريعة والرسالة المبعوث فيها النبي لتعليم الناس فكثير من أمور الشريعة لا يمكن أن تأخذ حيز في قلب المتلقي إلا بأمثلة حسية وبتجربة واقعية ليكون أثرها على المتلقي أثر القبول والخضوع لها على العكس لو تكلم بها النبي كلاما شفويا من غير مثالا حيا وعيانا واضحا أمامه ، فالنبي كان يعلم انه لن يموت هذا الشخص ولكنه أخبر عنه لاتمام الحجة على الناس وتبليغهم بأمر الصدقة بمثال عملي لكي يرسخ الأمر الشرعي لأهميته في ذهن المتلقي ، وبعض هذه الاخبارات من النبي فيها بلاء وفتنة للناس لكي يختبر المؤمن من غيره ، وإلا لا يمكن أن نسلم إن النبي يخبر عن شيء ثم يظهر خلافه فهذا طعن في النبي والرسول بالكذب وهذا لا يقول به أحد ، إذن هذه الاخبارات لا تقدح في أصل البداء الذي نحن في صدده 0
3)هذه الرواية والتي تحدد معالم البداء بدقة وتخصص عموم بعض الروايات الخاصة بالبداء وهي من الروايات المحكمة في هذا الباب فالنفهم الرواية جيدا الرواية يرويها الكليني في الكافي الشريف بستده عن ،، معلى بن محمد قال : سئل العالم عليه السلام كيف علم الله ؟ قال : علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الامضاء ، والعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء . فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا ، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس . فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالامضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 148 – 149) 0
قال المازندراني في شرح أصول الكافي ج4 ص261 في شرح هذه الرواية :
( قال علم ) أي علم في الأزل بأنه سيوجد الأشياء ، وهذا العلم بعينه هو العلم بها بعد وجودها 0 ( وشاء ) ما يكون في وجوده مصلحة ويكون وجوده خيرا محضا أو خيرا غالبا 0( وأراد ) إرادة عزم فهي آكد من المشية وأخص منها 0( وقدر ) أي قدر الأشياء أولها وآخرها وحدودها وذواتها وصفاتها وآجالها وأرزاقها إلى غير ذلك مما يعتبر في كمالها وتميزها وتشخصها ( وقضى ) أي حكم بوجود تلك الأشياء في الأعيان على وفق الحكمة والتقدير ( وأمضى ) أي أنفذ حكمه وأتمه فجاءت الأشياء كما أرادها وقدرها وقضاها مع أسبابها وشرايطها وتميزاتها وتشخصاتها في أماكنها ومساكنها طوعا وانقيادا لقدرته القاهرة
: ( فبعلمه كانت المشية ) إذ مشية الشيء متوقفة على العلم به وبجهات حسنه ( وبمشيته كانت الإرادة ) أي الإرادة المؤكدة بالعزم على المشية إذ العزم على الشيء فرع لحصول ذلك الشيء ( وبإرادته كان التقدير ) إذ تقدير الشيء يقع بعد إرادته كما أن الباني يقدر في نفسه طول البيت وعرضه وسائر ما يعتبر في خصوصياته بعد العزم على بنائه ( وبتقديره كان القضاء ) إذ خلق الشيء والحكم بوجوده يقع بعد تقديره بقدر معين ووزن معلوم ومقدار مخصوص فإن القضاء بمنزلة البناء والقدر بمنزلة الأساس ولا يتحقق البناء بلا أساس ( وبقضائه كان الإمضاء ) إذ الإمضاء هو إتمام القضاء وإنفاذه والفراغ منه ولا يتصور ذلك بدون القضاء ، ثم أكد ذلك بقوله : ( والعلم متقدم على المشية ، والمشية ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ) النسبة بين التقدير والقضاء كالنسبة بين العلم والمعلوم في التقدم والتأخر فكما أن العلم واقع على المعلوم منطبق عليه إذا وجد المعلوم كذلك التقدير واقع على القضاء منطبق عليه إذا وجد القضاء بالإمضاء ، ثم لما كان الانطباق من الطرفين كان القضاء أيضا منطبقا على التقدير واقعا على وفقه ( فلله البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ) أشار بذلك إلى إذا لوحظت تلك الأسباب من أولها إلى أعلى المسببات أعني القضاء بالإمضاء كان له تعالى البداء في كل مرتبة من مراتب تلك الأسباب إذ له أن يشاء وأن لا يشاء بقدرته واختياره على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة وأن يريد وأن لا يريد وأن يقدر وأن لا يقدر ، وهذا معنى البداء في حقه تعالى . وإذا لوحظت تلك المسببات من آخرها وهو القضاء بالإمضاء لا بداء له في شيء من مراتبها ; لأن تحقق القضاء دليل على وقوع جميع أسبابها ، ووقوع ما وقع خارج عن متعلق القدرة والإرادة إذ لا يقدر أحد على وقوع ما وقع ولا يمكن له إرادته ; لأن القدرة والإرادة إنما يتعلقان بالشيء قبل وقوعه لا بعده بالاتفاق ، ثم أشار إلى أن كلا من العلم والمشية والإرادة والتقدير متعلق بمتعلقه قبل وجود ذلك المتعلق في الأعيان على سبيل التفريع لكونه نتيجة للسابق ومعلوما منه بقوله : ( فالعلم بالمعلوم قبل كونه )
ثم قال : ( فإذا وقع العين المفهوم المدرك ) بالحواس بعد القضاء بالإمضاء ( فلا بداء ) إذ لا تتعلق الإرادة والقدرة بإيجاد الموجود كما عرفت ( والله يفعل ما يشاء ) الظاهر أنه تأكيد لثبوت البداء له تعالى فيما ذكر ويحتمل أن يكون بيانا وتعليلا لعدم ثبوت البداء له في المفعولات العينية المدركة بالحواس ; لأن المراد بالبداء هنا هو أن يفعل ما يشاء فعله وإيجاده ، وهذا المعنى لا يمكن تحققه في شيء بعدما فعله وأوجده ، نعم يمكن له أن يعدمه ويزيل وجوده لحكمة ومصلحة كما في النسخ وغيره ، وهذا أيضا بداء ولكن المراد بالبداء المنفي هو البداء في إيجاد الموجود فليتأمل 0 انتهى 0
قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية - ص 37 - 39
وقال بعض المحدثين من المتأخرين ، في جواب من سأل عن الفرق بين القضاء والقدر ، والامضاء والمشيئة ، والإرادة والخلق : المستفاد من الأخبار أن هذه الأشياء متغايرة في المعنى ، مترتبة في الوجود ، إلا أن الظاهر أن الإمضاء والخلق بمعنى واحد . فالمشيئة قبل الإرادة ، والإرادة قبل القدر ، والقدر قبل القضاء ، والقضاء قبل الامضاء ، وهو الخلق ، وهو إبراز المعدوم في الوجود ، وتأليفه ، وتركيبه ، فالمشيئة بالنسبة إلينا هي الميل الأول بعد حصول العلم بالشئ . والإرادة : هي الميل الثاني القريب بعد أن تنشطت النفس إلى فعله ، وصممت على إيجاده . والقدر : هو التقدير بالمقدار طولا وعرضا مثلا . والقضاء : هو التقطيع والتأليف . والامضاء : هو إبراز الصنعة في عالم المصنوع ، مثاله في المحسوس : هو أنك إذا أردت أن تخيط ثوبا ، فلا بد أن تكون عالما بالعلة الغائية التي هي المرتبة الأولى ، فيحصل لك ميل إلى لبس الثوب ، وهذا هو المشيئة وهي المرتبة الثانية ، فيدعوك ذلك الميل إلى لبسه إلى الميل إلى خياطته وتقطيعه ، وهذا هو الإرادة : وهي المرتبة الثالثة . فتقدره أولا قبل تقطيعه ، لئلا يحصل فيه الزيادة والنقصان ، وهذا هو القدر : وهي المرتبة الرابعة ، فتقطعه بعد ذلك على حسب وضع الثوب في كيفيته ، فيحصل الغرض المقصود منه ، وهذا هو القضاء : وهي المرتبة الخامسة ، ثم تؤلف تلك الأجزاء ، وتضعها في مواضعها . وهذا هو الامضاء : وهو الخلق ، وهو الصنع والتصوير 0 انتهى .
يهمنا في هذه الرواية عبارتين الأولى قوله (عليه السلام) (فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ) والعبارة الثانية قوله (فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ) 0 من هنا نفهم بان الأشياء بعد وجودها في الواقع الخارجي لا يمكن أن يحدث فيها البداء أي خارجة من منطقة البداء الإلهي ، ولا يتصور أحد عندما نقول خارج عن البداء يعني خارج عن القدرة ؟ نقول لا إن القدرة تشمل الجميع وفي كل مرتبة من مراتب الوجود ولكن الشيء بعد تحيزه في الوجود الخارجي وأصبح شيئا في زمان ومكان محددين تشمله القدرة بالفناء لا بالبداء ، فالبداء شيء والفناء شيء آخر ، لأن البداء يقع في المرتبة التكوينية التي قبل الإمضاء والوجود أما إذا وقع الوجود على شيء ما وتحيز خارجا فيشمله الفناء بلحاظ القدرة ، والفناء الذي يقع على هذا الوجود الخارجي لا يسلبه عنوانه الذي كان موجودا فيه بل يسلبه وجوده فتأمل ذلك جيدا 0
المستوى الثالث : وهنا نريد أن نتحدث عن أصل الموضوع وهو هل يشمل البداء صاحب العظائم أو القائم أو صاحب هذا الأمر في ما يخص القضية المهدوية ؟ تعال معنا إلى النصوص الشريفة لنكتشف الحقيقة حسب الرواية المتقدمة في فهم البداء ؟
روى النعماني في كتابه الغيبة بسنده عن المفضل بن عمر ، قال : " سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين : يرجع في أحدهما إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك في أي واد سلك ، قلت : كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال : إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله " (كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 178) 0
هذه الرواية تثبت إن صاحب هذا الأمر وهو القائم هو صاحب العظائم وأي شخص يلتبس عليكم أمره يسأل عن العظائم التي لا يستطيع أي أحد أن يجيب عنها غيره والتي تعتبر ميزان معرفة صاحب هذا الأمر أو القائم ، والسؤال هنا ماهي تلك العظائم والتي جعلها أهل البيت ميزان معرفة شخص القائم ؟ بضميمة الرواية الثانية نعرف هذه العظائم ؟
الرواية يرويها صاحب مختصر البصائر مرفوعا عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ( ع ) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه وقد قال الله عزو جل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله (مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي - ص 24) 0
هذه الرواية ترجمة العظائم بالرجعة إذن صاحب العظائم هو صاحب الرجعة ، وهنا نكتة مهمة يجب الانتباه إليها حسب مفهوم الروايتين إن الذي يميز الشخصية التي يبحث عنها الجميع هي تعرف عن طريق بحث علمي حول ماهية الرجعة ، بقرينة رواية النعملني الأولى قالت (( اسألوه عن العظائم )) والرواية الثانية قول الإمام لزرارة (( ان هذا الذي تسألون عنه )) بقرينة هاتين العبارتين يتبين إن صاحب هذا الأمر أو القائم يعرف ببحث علمي حول ماهية الرجعة لم يقل به أحد قبله ولا يقوله أحد بعده 0 إذن عرفنا من الروايتين بعد جمعهما ، إن الرجعة بمفهومها الحقيقي هي من العظائم وإن صاحب هذا الأمر أو القائم هو صاحب العظائم يبقى تساؤل مهم وهو هل يمكن أن يحدث البداء بصاحب هذا الأمر أو القائم أو صاحب العظائم أم لا ؟ نعرف ذلك من النص الشريف التالي ؟
يروي النعماني في غيبته مرفوعا عن أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : " كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : نعم . قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم . فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد "( كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 314 )
نفهم من هذه الرواية انه ممكن حدوث البداء حتى في المحتوم إلا القائم فلا يمكن أن يحدث فيه البداء وخارج عنه تخصصا لأنه من الميعاد والله لا يخلف الميعاد 0
إذن نفهم بان القائم وصاحب هذا الأمر وصاحب العظائم لا يحدث فيه البداء البتة لسببين رئيسيين :
الأول : إذا خرج لنا شخص ما وتكلم في ماهية الرجعة بأدلة علمية روائية قرآنية بحيث لم يقل فيه قبله ولا بعده على طول خط الغيبة ولا يوجد عليه نقض علمي من أي عالم وفي أي زمن نفهم إن هذا الشخص لا يمسه البداء لأنه خرج تخصصا تكوينيا عن منطقة البداء كما في الرواية الثالثة التي نقلناها في المستوى الثاني – فراجع - حيث قول الإمام ((فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء )) 0
الثاني : إن صاحب هذا الأمر والقائم وصاحب العظائم خارج عن منطقة البداء تخصيصا نصيا كما في رواية النعماني قول الإمام ((إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد)) 0 نقول بكلمة أخيرة إن البداء حسب النصوص الشريفة يشمل الجميع ولكن على نحو العموم لا على نحو الإطلاق ، وهذا العموم يخصص مرة تكوينا بالعيان الخارجي ومرة نصا من المعصوم 0 فتأمل ذلك جيدا ؟؟
أبو آية الناصري
10 ذي الحجة 1434هـ
15/10/2013 م
لا نريد هنا أن تكلم عن البداء بالمفهوم العام بل بحدود المفهوم الخاص في القضية المهدوية وبقيود النصوص الشريفة لنكتشف بعض الحقائق التي ربما خفيت على البعض ، وأريد هنا أن اجعل هذا البحث على شكل مستويات ومقدمات مختصرة لنصل إلى أصل وهدف الموضوع ولا تخلوا المسألة من بعض التعقيد فنحتاج إلى تدبر وتأمل أكثر لأن مما شك إن في التدبر والتأمل مفاتح الحلول فتعال معي إلى فهم تلك المقدمات والمستويات :
المستوى الأول : نعلم جيدا من خلال النصوص الشريفة بان أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فيها ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ومطلق ومقيد ومحكم ومتشابه مثل عام القرآن وخاصه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه فهم (عليهم السلام ) عدل القرآن وترجمانه وحديثهم حديثه ومنطقهم منطقه لأنهم القرآن الناطق فكل مافي القرآن فيهم وكل حديثهم حديث القرآن فقد ،، ورد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) مرفوعا عن بريد بن معاوية قال : قلت له : قول الله : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) أنتم هم ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا ،، ،، وعن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا ) قال : هي لنا خاصة ، إيانا عنى ،، (وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 18 - ص 146) 0
فقد ورد عنهم (عليهم السلام) أحاديث كثيرة في مضمون كلامهم ككلام القرآن في محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه فقد ورد عن الرضا (عليه السلام) قوله ،، إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها ، فتضلوا ،،( فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 4 - ص 67)
المستوى الثاني : في هذه النقطة نريد أن نتحدث في أي منطقة يحدث البداء الإلهي أي في أي عالم من عوالم التكوين تحدث مرحلة البداء وهذه النقطة حساسة ومهمة فلنتدرج مع الأحاديث الشريفة لفهم المطلب :
1)روى الكليني بسنده عن عن جهم ابن أبي جهمة ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل أخبر محمدا صلى الله عليه وآله بما كان منذ كانت الدنيا ، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه . (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 148) 0 هذه الرواية تثبت إن غير المحتوم استثني عن الرسول حتى لا يكون في إخباره شيء من الكذب والرواية الثانية تثبت هذا المطلب 0
2)روى الكليني بسنده مرفوعا عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : العلم علمان : فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ، ويؤخر منه ما يشاء ، ويثبت ما يشاء . وروى مرفوعا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله علمين : علم مكنون مخزون ، لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه 0 (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 147) 0 نفهم من ذلك إن كل الاخبارات الغيبية للنبي والرسول والوصي هي في منطقة خارجة عن منطقة البداء حتى لا تكون اخباراته من باب الكذب وكما عبر الإمام (فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله) 0 ثم إن هناك مسألة مهمة ربما تنقدح في ذهن القارئ كأشكال على هذه النقطة حيث ورد في بعض الأخبار والآثار إن النبي أخبر عن موت شخص ثم لم يمت حيث حدث البداء فسأله النبي عما فعل فأخبره انه تصدق فدفع الله عنه الموت بصدقته ، والأخبار بذلك كثيرة في إن بعض الأعمال وبالخصوص الصدقة تدفع البلاء المبرم ، كل هذه الأخبارات غير داخلة في باب البداء الذي نتحدث عنه بل هي من صلب الشريعة والرسالة المبعوث فيها النبي لتعليم الناس فكثير من أمور الشريعة لا يمكن أن تأخذ حيز في قلب المتلقي إلا بأمثلة حسية وبتجربة واقعية ليكون أثرها على المتلقي أثر القبول والخضوع لها على العكس لو تكلم بها النبي كلاما شفويا من غير مثالا حيا وعيانا واضحا أمامه ، فالنبي كان يعلم انه لن يموت هذا الشخص ولكنه أخبر عنه لاتمام الحجة على الناس وتبليغهم بأمر الصدقة بمثال عملي لكي يرسخ الأمر الشرعي لأهميته في ذهن المتلقي ، وبعض هذه الاخبارات من النبي فيها بلاء وفتنة للناس لكي يختبر المؤمن من غيره ، وإلا لا يمكن أن نسلم إن النبي يخبر عن شيء ثم يظهر خلافه فهذا طعن في النبي والرسول بالكذب وهذا لا يقول به أحد ، إذن هذه الاخبارات لا تقدح في أصل البداء الذي نحن في صدده 0
3)هذه الرواية والتي تحدد معالم البداء بدقة وتخصص عموم بعض الروايات الخاصة بالبداء وهي من الروايات المحكمة في هذا الباب فالنفهم الرواية جيدا الرواية يرويها الكليني في الكافي الشريف بستده عن ،، معلى بن محمد قال : سئل العالم عليه السلام كيف علم الله ؟ قال : علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الامضاء ، والعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء . فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا ، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس . فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالامضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 148 – 149) 0
قال المازندراني في شرح أصول الكافي ج4 ص261 في شرح هذه الرواية :
( قال علم ) أي علم في الأزل بأنه سيوجد الأشياء ، وهذا العلم بعينه هو العلم بها بعد وجودها 0 ( وشاء ) ما يكون في وجوده مصلحة ويكون وجوده خيرا محضا أو خيرا غالبا 0( وأراد ) إرادة عزم فهي آكد من المشية وأخص منها 0( وقدر ) أي قدر الأشياء أولها وآخرها وحدودها وذواتها وصفاتها وآجالها وأرزاقها إلى غير ذلك مما يعتبر في كمالها وتميزها وتشخصها ( وقضى ) أي حكم بوجود تلك الأشياء في الأعيان على وفق الحكمة والتقدير ( وأمضى ) أي أنفذ حكمه وأتمه فجاءت الأشياء كما أرادها وقدرها وقضاها مع أسبابها وشرايطها وتميزاتها وتشخصاتها في أماكنها ومساكنها طوعا وانقيادا لقدرته القاهرة
: ( فبعلمه كانت المشية ) إذ مشية الشيء متوقفة على العلم به وبجهات حسنه ( وبمشيته كانت الإرادة ) أي الإرادة المؤكدة بالعزم على المشية إذ العزم على الشيء فرع لحصول ذلك الشيء ( وبإرادته كان التقدير ) إذ تقدير الشيء يقع بعد إرادته كما أن الباني يقدر في نفسه طول البيت وعرضه وسائر ما يعتبر في خصوصياته بعد العزم على بنائه ( وبتقديره كان القضاء ) إذ خلق الشيء والحكم بوجوده يقع بعد تقديره بقدر معين ووزن معلوم ومقدار مخصوص فإن القضاء بمنزلة البناء والقدر بمنزلة الأساس ولا يتحقق البناء بلا أساس ( وبقضائه كان الإمضاء ) إذ الإمضاء هو إتمام القضاء وإنفاذه والفراغ منه ولا يتصور ذلك بدون القضاء ، ثم أكد ذلك بقوله : ( والعلم متقدم على المشية ، والمشية ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ) النسبة بين التقدير والقضاء كالنسبة بين العلم والمعلوم في التقدم والتأخر فكما أن العلم واقع على المعلوم منطبق عليه إذا وجد المعلوم كذلك التقدير واقع على القضاء منطبق عليه إذا وجد القضاء بالإمضاء ، ثم لما كان الانطباق من الطرفين كان القضاء أيضا منطبقا على التقدير واقعا على وفقه ( فلله البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ) أشار بذلك إلى إذا لوحظت تلك الأسباب من أولها إلى أعلى المسببات أعني القضاء بالإمضاء كان له تعالى البداء في كل مرتبة من مراتب تلك الأسباب إذ له أن يشاء وأن لا يشاء بقدرته واختياره على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة وأن يريد وأن لا يريد وأن يقدر وأن لا يقدر ، وهذا معنى البداء في حقه تعالى . وإذا لوحظت تلك المسببات من آخرها وهو القضاء بالإمضاء لا بداء له في شيء من مراتبها ; لأن تحقق القضاء دليل على وقوع جميع أسبابها ، ووقوع ما وقع خارج عن متعلق القدرة والإرادة إذ لا يقدر أحد على وقوع ما وقع ولا يمكن له إرادته ; لأن القدرة والإرادة إنما يتعلقان بالشيء قبل وقوعه لا بعده بالاتفاق ، ثم أشار إلى أن كلا من العلم والمشية والإرادة والتقدير متعلق بمتعلقه قبل وجود ذلك المتعلق في الأعيان على سبيل التفريع لكونه نتيجة للسابق ومعلوما منه بقوله : ( فالعلم بالمعلوم قبل كونه )
ثم قال : ( فإذا وقع العين المفهوم المدرك ) بالحواس بعد القضاء بالإمضاء ( فلا بداء ) إذ لا تتعلق الإرادة والقدرة بإيجاد الموجود كما عرفت ( والله يفعل ما يشاء ) الظاهر أنه تأكيد لثبوت البداء له تعالى فيما ذكر ويحتمل أن يكون بيانا وتعليلا لعدم ثبوت البداء له في المفعولات العينية المدركة بالحواس ; لأن المراد بالبداء هنا هو أن يفعل ما يشاء فعله وإيجاده ، وهذا المعنى لا يمكن تحققه في شيء بعدما فعله وأوجده ، نعم يمكن له أن يعدمه ويزيل وجوده لحكمة ومصلحة كما في النسخ وغيره ، وهذا أيضا بداء ولكن المراد بالبداء المنفي هو البداء في إيجاد الموجود فليتأمل 0 انتهى 0
قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية - ص 37 - 39
وقال بعض المحدثين من المتأخرين ، في جواب من سأل عن الفرق بين القضاء والقدر ، والامضاء والمشيئة ، والإرادة والخلق : المستفاد من الأخبار أن هذه الأشياء متغايرة في المعنى ، مترتبة في الوجود ، إلا أن الظاهر أن الإمضاء والخلق بمعنى واحد . فالمشيئة قبل الإرادة ، والإرادة قبل القدر ، والقدر قبل القضاء ، والقضاء قبل الامضاء ، وهو الخلق ، وهو إبراز المعدوم في الوجود ، وتأليفه ، وتركيبه ، فالمشيئة بالنسبة إلينا هي الميل الأول بعد حصول العلم بالشئ . والإرادة : هي الميل الثاني القريب بعد أن تنشطت النفس إلى فعله ، وصممت على إيجاده . والقدر : هو التقدير بالمقدار طولا وعرضا مثلا . والقضاء : هو التقطيع والتأليف . والامضاء : هو إبراز الصنعة في عالم المصنوع ، مثاله في المحسوس : هو أنك إذا أردت أن تخيط ثوبا ، فلا بد أن تكون عالما بالعلة الغائية التي هي المرتبة الأولى ، فيحصل لك ميل إلى لبس الثوب ، وهذا هو المشيئة وهي المرتبة الثانية ، فيدعوك ذلك الميل إلى لبسه إلى الميل إلى خياطته وتقطيعه ، وهذا هو الإرادة : وهي المرتبة الثالثة . فتقدره أولا قبل تقطيعه ، لئلا يحصل فيه الزيادة والنقصان ، وهذا هو القدر : وهي المرتبة الرابعة ، فتقطعه بعد ذلك على حسب وضع الثوب في كيفيته ، فيحصل الغرض المقصود منه ، وهذا هو القضاء : وهي المرتبة الخامسة ، ثم تؤلف تلك الأجزاء ، وتضعها في مواضعها . وهذا هو الامضاء : وهو الخلق ، وهو الصنع والتصوير 0 انتهى .
يهمنا في هذه الرواية عبارتين الأولى قوله (عليه السلام) (فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ) والعبارة الثانية قوله (فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ) 0 من هنا نفهم بان الأشياء بعد وجودها في الواقع الخارجي لا يمكن أن يحدث فيها البداء أي خارجة من منطقة البداء الإلهي ، ولا يتصور أحد عندما نقول خارج عن البداء يعني خارج عن القدرة ؟ نقول لا إن القدرة تشمل الجميع وفي كل مرتبة من مراتب الوجود ولكن الشيء بعد تحيزه في الوجود الخارجي وأصبح شيئا في زمان ومكان محددين تشمله القدرة بالفناء لا بالبداء ، فالبداء شيء والفناء شيء آخر ، لأن البداء يقع في المرتبة التكوينية التي قبل الإمضاء والوجود أما إذا وقع الوجود على شيء ما وتحيز خارجا فيشمله الفناء بلحاظ القدرة ، والفناء الذي يقع على هذا الوجود الخارجي لا يسلبه عنوانه الذي كان موجودا فيه بل يسلبه وجوده فتأمل ذلك جيدا 0
المستوى الثالث : وهنا نريد أن نتحدث عن أصل الموضوع وهو هل يشمل البداء صاحب العظائم أو القائم أو صاحب هذا الأمر في ما يخص القضية المهدوية ؟ تعال معنا إلى النصوص الشريفة لنكتشف الحقيقة حسب الرواية المتقدمة في فهم البداء ؟
روى النعماني في كتابه الغيبة بسنده عن المفضل بن عمر ، قال : " سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين : يرجع في أحدهما إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك في أي واد سلك ، قلت : كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال : إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله " (كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 178) 0
هذه الرواية تثبت إن صاحب هذا الأمر وهو القائم هو صاحب العظائم وأي شخص يلتبس عليكم أمره يسأل عن العظائم التي لا يستطيع أي أحد أن يجيب عنها غيره والتي تعتبر ميزان معرفة صاحب هذا الأمر أو القائم ، والسؤال هنا ماهي تلك العظائم والتي جعلها أهل البيت ميزان معرفة شخص القائم ؟ بضميمة الرواية الثانية نعرف هذه العظائم ؟
الرواية يرويها صاحب مختصر البصائر مرفوعا عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ( ع ) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه وقد قال الله عزو جل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله (مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي - ص 24) 0
هذه الرواية ترجمة العظائم بالرجعة إذن صاحب العظائم هو صاحب الرجعة ، وهنا نكتة مهمة يجب الانتباه إليها حسب مفهوم الروايتين إن الذي يميز الشخصية التي يبحث عنها الجميع هي تعرف عن طريق بحث علمي حول ماهية الرجعة ، بقرينة رواية النعملني الأولى قالت (( اسألوه عن العظائم )) والرواية الثانية قول الإمام لزرارة (( ان هذا الذي تسألون عنه )) بقرينة هاتين العبارتين يتبين إن صاحب هذا الأمر أو القائم يعرف ببحث علمي حول ماهية الرجعة لم يقل به أحد قبله ولا يقوله أحد بعده 0 إذن عرفنا من الروايتين بعد جمعهما ، إن الرجعة بمفهومها الحقيقي هي من العظائم وإن صاحب هذا الأمر أو القائم هو صاحب العظائم يبقى تساؤل مهم وهو هل يمكن أن يحدث البداء بصاحب هذا الأمر أو القائم أو صاحب العظائم أم لا ؟ نعرف ذلك من النص الشريف التالي ؟
يروي النعماني في غيبته مرفوعا عن أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : " كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : نعم . قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم . فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد "( كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 314 )
نفهم من هذه الرواية انه ممكن حدوث البداء حتى في المحتوم إلا القائم فلا يمكن أن يحدث فيه البداء وخارج عنه تخصصا لأنه من الميعاد والله لا يخلف الميعاد 0
إذن نفهم بان القائم وصاحب هذا الأمر وصاحب العظائم لا يحدث فيه البداء البتة لسببين رئيسيين :
الأول : إذا خرج لنا شخص ما وتكلم في ماهية الرجعة بأدلة علمية روائية قرآنية بحيث لم يقل فيه قبله ولا بعده على طول خط الغيبة ولا يوجد عليه نقض علمي من أي عالم وفي أي زمن نفهم إن هذا الشخص لا يمسه البداء لأنه خرج تخصصا تكوينيا عن منطقة البداء كما في الرواية الثالثة التي نقلناها في المستوى الثاني – فراجع - حيث قول الإمام ((فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء )) 0
الثاني : إن صاحب هذا الأمر والقائم وصاحب العظائم خارج عن منطقة البداء تخصيصا نصيا كما في رواية النعماني قول الإمام ((إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد)) 0 نقول بكلمة أخيرة إن البداء حسب النصوص الشريفة يشمل الجميع ولكن على نحو العموم لا على نحو الإطلاق ، وهذا العموم يخصص مرة تكوينا بالعيان الخارجي ومرة نصا من المعصوم 0 فتأمل ذلك جيدا ؟؟
أبو آية الناصري
10 ذي الحجة 1434هـ
15/10/2013 م
تعليق