منقول من موسوعة القائم ( من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني )
فلسفة عبادة الأصنام
نشأت العبادة عند البشر منذ القدم فكان آدم (عليه السلام ) أول العابدين وكان المولى تبارك وتعالى أول من عُبد، فهو المعبود المطلق في هذا الكون. إلا أن البشرية بعد وفاة آدم (عليه السلام) بدأت تنحرف شيئاً فشيئاً عن عبادة الله عز وجل وراح كل قوم يجعلون أو يصنعون لهم إلهاً وعليهم أن يتقربوا إليه ويقدموا القرابين والنذور لأجل ذلك بدسيسة من إبليس عليه اللعنة وبما قام من غوايتهم في ذلك وقد جاءت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) لتكشف لنا أسرار عبادة الأصنام عند بني البشر والتي تعود إلى فترات بعيدة من التاريخ والى القصة التي وقعت في ذلك العهد القديم في عبادة الأصنام والتي كان محورها الأول وأصلها هو الإنسان، ليضل بها إبليس عن عبادة الله الواحد الأحد .
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (إن إبليس اللعين هو أول من صور صورة على مثل آدم (عليه السلام) ليفتن به الناس ويضلهم عن عبادة الله تعالى، وكان ود في ولد قابيل، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظمونه ويسودونه فلما أن مات ود جزع عليه أخوته وخلّف عليهم ابناً يقال له سواع فلم يغن غنا أبيه منهم فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال: قد بلغني ما أصبتم به من موت ود عظيمكم، فهل لكم أن أصور لكم على مثال ود صورة تستريحون إليها وتستأنسون بها ؟
قالوا: أفعل، فعمد الخبيث إلى ألانك فأذابه حتى صار مثل الماء. ثم صور لهم مثال صورة ود في بيته فتدافعوا على الصورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها، وأحب سواع أن يكون التعظيم والسجود له، فوثب على صورة ود فحطمها حتى لم يدع منها شيئاً وهموا بقتل سواع، فوعظهم وقال: أنا أقوم لكم بما كان يقوم به ودا وأنا ابنه، فإن قتلتموني لم يكن لكم رئيس، فمالوا إلى سواع بالطاعة والتعظيم.
فلم يلبث سواع أن مات وخلف ابنا يقال له: يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال: أنا الذي صورت لكم صورة ود فهل لكم أن اجعل لكم مثال سواع ؟على وجه أن لا يستطيع أحدا أن يغيره.
قالوا: فأفعل، فعمد إلى عمود فنجره ونصبه لهم في منزل سواع، وإنما سمي ذلك العمود خلافاً لأن إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ود قالوا: فسجدوا له وعظموه وقالوا ليغوث: ما نأمنك على هذا الصنم ان تكيده كما كاد أبوك مثال ود ، فوضعوا على البيت حرّاساً وحاجباً ثم كانوا يأتون الصنم في يوم واحد ويعظمونه أشد ما كانوا يعظمون سواع، فلما رأى ذلك يغوث قتل الحرس والحجاب ليلاً وجعل الصنم رميماً، فلما بلغ ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم إلى أن طلبوه ورأسوه وعظموه .
ثم مات وخلف ابناً له يعوق فأتاه إبليس فقال: قد بلغني موت يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر احد إن يغيره قالوا: فأفعل، فعمد الخبيث إلى حجر جرع ابيض فنقره بالحديد حتى صور لهم مثال بغوث، فعظموه اشد مما مضى وبنوا عليه بيتاً من حجر وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلا في رأس كل سنة وسميت البيعة يومئذٍ، بأنهم تبايعوا وتعاقدوا عليه فأشتد ذلك على يعوق، فعمد إلى ربطه وسحبه فألقاها في الحاير ثم رماها بالنار ليلاً فأصبح القوم وقد احترق البيت والصنم والحرس ونظروا الصنم ملقى فجزعوا وهموا بقتل يعوق .
فقال لهم إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم فكفوا فلم يلبث أن مات يعوق وخلف ابناً يقال له نسرا حتى أتاهم إبليس فقال: بلغني موت عظيمكم فأنا جاعل لكم يعوق على أن لا يبلى.
فقال: أفعل فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتى صار كالماء وعمل مثالاً من الطين على صورة يعوق ثم افرغ الذهب فيه ونصبه لهم في ديرهم، وأشتد ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدير فأنحاز عنهم في فرقة قليلة من إخوته يعبدون نسرا والآخرون يعبدون الصنم حتى مات نسر و ظهرت نبوة إدريس فبلغه حال القوم وإنهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وان نسراً كان يعبد من دون الله فصار إليهم بمن معه حتى نزل مدينة نسر وهم فيها فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب فتفرقوا في البلاد وأمروا بالصنم فحمل وألقي في البحر فاتخذت كل فرقة منهم صنماً وسموها بأسمائهم فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلا تلك الأسماء .
ثم ظهرت نبوة نوح (عليه السلام) فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام فقال: بعضهم لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ًولا يغوث و يعوق ونسراً)( ).
نستنتج مما تقدم إن عبادة الأصنام دارت أول الأمر حول الإنسان بدليل إن الناس أول من اتخذوا الأصنام وجعلوها على أشكال أو صور لعظمائهم وساداتهم لتكون لهم ونساً ولفقدهم عزاءً، وليذكروا أولئك العظماء بهم عن طريق النظر إلى تلك الأصنام فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
وقد ساعدهم إبليس عليه اللعنة أو بعبارة أدق أوحى إليهم لعبادة أولئك العظماء عن طرق اتخاذ تلك الصور والإشكال المختلفة لهم، وليعكفوا على عبادتها وتعظيمها وتقديسها.
وهذه الأشياء بمجملها سوف تكون سبباً في أن تتخذ بعض الشخصيات والرموز الكبيرة في المجتمع المسلم بصورة خاصة والمجتمع الإنساني بصورة عامة من نفسها أصناماً تعبد من دون الله تعالى، وتكون المنافسة فيما بينهم للحصول على المكانة المتقدمة والمنزلة الرفيعة سبباً في إنشاء هذا النوع من عبادة الأصنام (الأصنام البشرية) مستغلين حب الناس لهم واحترامهم إياهم وهذا ما يبتلي به القائم من آل محمد (عليه السلام) قبيل وعند قيامه المقدس مما يراه من الناس وتكالبهم على عبادة مثل تلكم الأصنام .
ولو عدنا إلى أصل العبادة سواء أكانت لله عز وجل أو للأصنام على اختلاف أنواعها لوجدنا إن الإنسان مجبول على العبودية وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها والعلة في إيجادهم كما سبق أن اشرنا.
عليه فإن الإنسان في كل زمان ومكان وعلى كل حال تنزع نفسه إلى العبادة والى التعلق بذات مقدسة، سيما أنها السبب وراء إيجاده وإيجاد هذا الكون كله وأنه لا ينفك عن الحاجة إليها واستغاثتها والاستعانة بها في الملمات وهذا ما تشترك به البشرية مشركها ومسلمها، برها وفاجرها.
ففي رواية أن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام ) وقالله دلني على الله.
قال: هل ركبت سفينة قط.
قال: نعم .
قال: هل كسر بك من حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك .
قال: نعم
قال: هل تعلق قلبك هنالك أن شيء من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك .
قال : نعم .
قال الصادق (عليه السلام) فذلك الشيء الله القادر على الانجاء حيث لا منجي وعلى الإغاثة حيث لا مغيث )( ).
وهذا ما يشترك به حتى الملاحدة الذين لا يؤمنون بوجود الله عز وجل ويعزون هذا الكون وخلقه إلى صنع الطبيعة وغيرها، لكن إذا ما أحسوا بخطر ما فإنه يتعلق قلبهم بشيء أقوى من الطبيعة وذلك هو الله عز وجل لأنهم في هذه الحالة قد أحسوا ذلك بفطرتهم التي فطروا عليها .
إلا أن اغلب الناس ميالون بطبعهم إلى الملموسات دون المحسوسات وينظرون إلى الأشياء نظرة مادية صرفة مما جعلهم يقعون في مفارقة كانت سبباً مباشراً، وبها أغواهم إبليس، في اتخاذهم الأصنام وعبادتها، لذا نجد بني البشر وعلى مر العصور ما فتئوا يطالبون أنبيائهم أن يجعلونهم يرون الله عز وجل لتطمئن قلوبهم ويركنوا إلى عبادته على اعتبار إنهم سيشاهدوه بأم أعينهم ويصبح أمرا واقعاً لديهم (وهذا مما زينه لهم إبليس عليه اللعنة)..
يتبع يتبع
تعليق