منذ ان عني فلاسفة الاغريق في اقدم العصور بمسائل الفلسفة ، والى يومنا هذا ، وهناك قضية شاغلة لاهتمام الفلاسفة والمفكرين هي قضية الشك واليقين وماهيتها ، وهل ثمة امل في ان يرتقي الانسان الى مرتبة تنفي منه الشك، وهل الفرق بين الشك واليقين هو مجرد خلاف ظاهري ؟ يقول الامام جعفر لصادق(ع) وقوله صحيح ، ان الشك مصدره الجهل ، فان كنا على يقين من نتيجة معادلة رياضية ما ، لم يخامرنا شك من حولها ، اما ان افقرنا الى هذا اليقين بالنسبة لقاعدة في علم النفس مثلاً ، لم يكن هناك مفر من الشك فيها ، فمسائل النفس شيء ، والقواعد الرياضية مثل 2×2=4 شيء اخر . فالاولى تفتح الباب امام الاستثناءات والحلات الشاذة والقوانين غير الثابتة فيرتاب المرء في نتائجها ، اما الثانية فلا خلاف عليها ولاهي تحتمل شكاً ، ومعروف ان الافراد يتباينون ويختلفون ، ويستقل كل منهم بصفات وخصائص خلقية ونفسية تغاير ما لدى الغير منها ، فيؤدي هذا الوضع الى استحالة التوصل الى قواعد نفسية عامة نطبق على الناس جميعاً مهما اختلفت مشاربهم وامزجتهم ونشاتهم وصفاتهم . والمتأمل لاوضاع الجنس البشري ، يرى ان الناس تختلف من حيث اللون والعنصر والعرق والاصل والمنبت والقومية ، وتختلف الى جانب ذلك من حيث الاتجاهات الفكرية والسياسية والخصائص النفسية ، فان تحقق الوفاق والوئام في مجتمع ما بين جميع افراده برغم اختلافهم ، فما ذلك الا ان افراد المجتمع ولاسيما الضعاف منهم قد احسوا بضرورة التكيف في سلوكهم وتصرفاتهم مع السلطة القائمة التي تملك القدرة على الوفاء بمطالب هؤلاء الافراد والمحافظة على حقوقهم . ولو نظرنا الى الاسرة الواحدة باعتبارها وحدة المجتمع ، لوجدناها تفتقر الى التطابق التام في الاراء والسلوك بين افرادها ، وهم اقرب الاقرباء ، لان لكل من الاب والابن ، والام والبنت ، والزوج والزوجة شخصيته الخاصة التي تستقل بميولها وارائها ومزاجها ورغباتها وما الى ذلك . وقد سبق لنا ان اشرنا الى العالم النفسي الفرنسي(هنري برجسون)الذي عاش في النصف الاول من القرن العشرين، واكتسب شهر عالمية بسبب تجاربه العلمية ، وفي راي هذا العالم ان نظريات علم النفس تصدق على القبائل التي تعيش على الفطرة والبداوة او التي هي في طريقها الى التمدن ، اكثر من انطباقها على غيرها من الاقوام . يقول برجسون ان تفكير افراد القبيلة البدائية في اي موضوع يتشابه بل يتطابق ، لان معلوماتها محدودة وحاجاتها محدودة ايضاً . ومتى ارتقى الانسان واتسعت دائرة ثقافته ومعلوماته ، اتسعت ايضاً دائرة احتياجاته ومطالبه . وقواعد علم النفس الموضوعة على اساس المقومات النفسية لقبيلة بدائية يمكن باطمئنان تطبيقها على كل فرد من افراد هذه القبيلة ، ولكن هذه القواعد لاتصلح لافراد القبائل الاخرى . ومع ذلك ، فلا سبيل الى انكار القواعد العامة لعلم النفس ، ولا الى القول بانطباق هذه القواعد انطباقاً عاماً على كل حالة وفي كل موقف . واليقين عند الامام الصادق(ع) هو علم ما لا يتطرق اليه الشك او الربية ، وهو اصل من اصول الدين الاسلامي لان مصدره هو الله جل وعلا . ويقول الامام(ع) ان الله واحد ، وهو خالق كل شيء ، وهو مدبر العالم ومسيره وفقاً لارادته . ومن ينكر وجود الله برهن على جهله المركب ، وكان كالاصم الابكم الذي لايسمع ولاينطق ولايستطيع استخدام قدراته الفكرية للوصول الى معرفة الله ، ولا هو بقادر على ان ينتفع بتجارب الغير في معرفة الخالق ، وحياته لاتخرج عن حدود الاكل والشرب والنوم واشباع الغرائز دون التطلع الى اي هدف سام وهؤلاء لا يسعون لفهم شيء ، وينطق عليهم حكم القران الكريم { إن هم الا كالانعام * بل هم اضل سبيلا } الفرقان 44. فقد خلق الله الكائنات الحية ومنها الانسان وخص كلا منهما بما يختلف فيه عن سواه ، وهيأ له اسباب البقاء والتناسل ابقاء عليه من الانقراض ، وخلق بعلمه وقدرته حيوانات تطيق الحر الشديد في البراري والصحاري ، واخرى تتحمل البرد القارص مهما اشتد ، ومن الحيوانات ما ينام بقدرة الله وحكمته طوال اشهر الصيف في المناطق المتجمدة دون ان يحس جوعاً او عطشاً ودون ان يتاثر وزنها او صحتها بهذا البيات ، والغريب في امر هذه الحيوانات ان قلبها ينبض عادة خمسة الاف مرة في الساعة ، ولكنه ينبض في فترة البيات التي تمتد الى ستة اشهر او سبعة وستين او سبعين نبضة في الساعة ، نراه ينخفض عدد انفاسه في فترة البيات الشتوي الى 25مرة في الساعة . فان انت دنوت من هذه الحيوانات في نومها ولمست اجسامها ، لوجدتها باردة كالثلج، في حين ان الحياة سارية فيها ، وانها لن تلبث ان تستيقظ من بياتها عند مجيء الربيع . اما الانسان ، فلو هبطت درجة حرارته الى نصف درجة الحرارة الطبيعية لادركه الموت ، ولكن من حكم الله في خلقه انه يبقي الحيوانات على قيد الحياة ستة اشهر او سبعة واجسامها باردة كالثلج في فترة البيات . ولكن الجاهل الذي عميت بصيرته وبصره لايرى هذه الايات الماثلة امامه من صنع ربه . وكما خلق الله حيوانات اخرى تعيش في الاجواء الحارة كالجمل مثلاً الذي يقطع الصحراء والفيافي آكلا العشب اليابس والشوك ، متحملا العطش وقلة الماء ، ويحمل راكبه ليلاً ونهاراً الى ان يقع على ورد ماء ، وهناك من الانعام ما لو اكل العشب الجاف لاحتاج الى شرب كميات كبيرة من الماء ، وان لم تجد الماء لهلكت. هذه هي قدرة الله الذي منح الجمل طبيعة تجعله يتحمل الحر والعطش في جو لايطيقه لا انسان ولاغيره من الحيوانات . ولو ضل الانسان طريقه في الصحراء وترك لناقته اللجام ، لقادته الى نقطة الماء ، لان الناقة تحس برطوبة الماء من مسافات بعيدة ، وتهتدي اليه بهذه الحاسة الرهيفة التي هي من تدبير الله لكي يكفل لـ(سفينة الصحراء) العيش في القفار . وفي استطاعة الجمل ادخار الماء ثلاثة ايام واكثر ، وخاصة اذا ادرك انه سيجتاز الصحراء المقفرة .فالامام الصادق(ع) كان على حق عندما قال ان وجود الله لا ينكره الا من كان ذا جهل مركب . اما من تسلح بسلاح العقل والفهم ، ولو في حدود معينة ، فلا يشك في وجود الله . وللامام (ع) نظرية حول العالم ونظامه لاتختلف عن نظريات علماء الفيزياء في هذا العصر ، مع انه قال بها قبل اثني عشر قرناً ونصف قرن. يقول الصادق(ع) في عرض نظريته انك اذا شاهدت حوادث طارئة كالطوفان والسيل والزلازل وما الى ذلك من الظواهر الطبيعية في العالم ، فاعرف انها ليست دليلاً على ان العالم فقد نظامه ، لان هذه الحوادث تتبع قواعد ثابتة ، ولا تقع حادثة صغيرة او كبيرة الا وهي في حساب عند الله . وعلماء اليوم الذين يخضعون للقواعد الرياضية والفيزيائية دون سواها من الغيبيات ، يقولون بهذه النظرية عينها . افلا يستحق الامام جعفر الصادق (ع) إكباراً لعلمه وفضله ، وهو قد نادى بهذه النظرية قبل اثني عشر قرناً ونصف قرن ؟
فالزلازل والطوفانات وهياج البراكين وما اليها هي في راي علماءالفيزياء والجيولوجيا ظواهر تخضع لقوانين تنظيم الكون ، ومن يعتبر الزلازل حادثاً غير عادي يجهل قوانين الجيولوجيا التي تحدد اسباب حدوث الزلازل .
وقبل وقوف العلماء على القوانين الفيزيائية والجيولوجية التي تتحكم في الظواهر الطبيعة ، كان الاعتقاد السائد طوال الاف من السنين ان التغير المفاجيء فيالجو او وقوعه هذه الظواهر دليل على ان خللاً قد اصاب نظام الكون ، إذ ليس من المعقول مثلاً ان تهبط درجة الحرارة في الصيف بصورة مفاجئة او أن ترتفع في الشتاء بغتة . اما اليوم فقداصبح فيوسع العلماء ان يتغلبا على عامل المفاجأة في الظواهر الطبيعية، لقدرتم على التكهن بالاحوال الجوية قبل اسابيع وشهور . ولا تختلف الزلازل في طبيعتها عن سائر الجوية المفاجئة ، ولو عرف الانسان القانون الذي يحكم حدوث الزلازل ، عليه التكهن بوقوعها زماناً ومكاناً .وكان الصادق يقول لتلاميذه ان الذي يراه الناس ويحسبون انه دليل على خلل في نظم الكون،انمايخضع لقوانين ثابتهلا تقبل التغيير .
ويؤكد جميع الفلاسفة ان للكون قواعد واوضاعا ًلا تقبل التغيير ، وانما يحسبه الانسان تغييراً ادى الى زلزال او طوفان هو ناموس طبيعي من وضع الله ، فالله قد خلق الكون بجميع اوضاعه ونظمه وحركاته وحوادثه ،ووضع نواميس ضابطة لذلك ، فكل حركات الكون خاضعة لهذه النواميس التي هي في سابق علم الله . ويقول هؤلاء الفلاسفة ان التغييراالتي تطرأ على القوانين البشرية ناتجة عن جهل الانسان وضعفه ، وما دام الانسان عاجزاً عن التكهن بما ستكون عليه اوضاعه الاجتماعية او الفردية ، فهو يضع القانون ليومه ، ويغيره متى قضت مصلحته بذلك. ولئن كان الله قد وضع للكون قوانينه في لحظة واحدة ، فهي بفضل علم الله وقدرته قوانين ابدية وسرمدية ، وهذا ينطبق ايضاً على قوانين التي اتى بها الانبياء والمرسلون من عند الله بوحي من الله والهام من عنده تعالى.
وجميع الفلاسفة ، من كانوا يؤمنون بالله منهم ومن كانوا ماديين ، يقولون بثبات القوانين التي تتحكم في الكون وعدم قابليتها للتغيير .
فهذا الفيلسوف الملحد (مترلينك) الذي يؤكد بدوره ثبات هذه القوانين ، فيقول : لو انهدم العالم فجأة ، وسقطت الشمس والنجوم والاف المجرات والنيازك والمجموعات الضوئية وغيرها . فهذا الخراب ليس حادثاً مفاجئاً او غير متوقع ، وانماقد حدث طبقاً لنظام كوني معين ، ومن وقف على هذا القانون استطاع ان يحدد زمان وقوع هذا الخراب . والوحيد بين المفكرين في القديم الذي تنبه الى ثبات قواعد الكون ونظمه هو الامام جعفر الصادق (ع) بل ان الاعتقادالسائد عند القدامى هو ان كل قاعدة في الكون قابلة التغيير ، وارسطو نفسه اعتبر الاعتقاد بتغيير الكون ونظمه وقواعده جزءاً من اساس تفكيره الفلسفي ،مما اكسب الاعتقاد تقبلاً وشيوعاً باعتباره امراً لا يقبل المناقشة او الجدل .
يقول ارسطو ان العالم مركب من جزئين ، هماالمادة والصورة ، وهما غير قابلتين للتجزئة او الحل ، ولا بد لكي تنطبق الصورة مع المادة من وجود حركة وتغيير ، ولولا الحركة لما اتخذت المادة شكلها الحقيقي ، فالحركة تلازم التغيير وتستلزمه ، والتغيير يلازم قوانين الكون .
.
يتبع
فالزلازل والطوفانات وهياج البراكين وما اليها هي في راي علماءالفيزياء والجيولوجيا ظواهر تخضع لقوانين تنظيم الكون ، ومن يعتبر الزلازل حادثاً غير عادي يجهل قوانين الجيولوجيا التي تحدد اسباب حدوث الزلازل .
وقبل وقوف العلماء على القوانين الفيزيائية والجيولوجية التي تتحكم في الظواهر الطبيعة ، كان الاعتقاد السائد طوال الاف من السنين ان التغير المفاجيء فيالجو او وقوعه هذه الظواهر دليل على ان خللاً قد اصاب نظام الكون ، إذ ليس من المعقول مثلاً ان تهبط درجة الحرارة في الصيف بصورة مفاجئة او أن ترتفع في الشتاء بغتة . اما اليوم فقداصبح فيوسع العلماء ان يتغلبا على عامل المفاجأة في الظواهر الطبيعية، لقدرتم على التكهن بالاحوال الجوية قبل اسابيع وشهور . ولا تختلف الزلازل في طبيعتها عن سائر الجوية المفاجئة ، ولو عرف الانسان القانون الذي يحكم حدوث الزلازل ، عليه التكهن بوقوعها زماناً ومكاناً .وكان الصادق يقول لتلاميذه ان الذي يراه الناس ويحسبون انه دليل على خلل في نظم الكون،انمايخضع لقوانين ثابتهلا تقبل التغيير .
ويؤكد جميع الفلاسفة ان للكون قواعد واوضاعا ًلا تقبل التغيير ، وانما يحسبه الانسان تغييراً ادى الى زلزال او طوفان هو ناموس طبيعي من وضع الله ، فالله قد خلق الكون بجميع اوضاعه ونظمه وحركاته وحوادثه ،ووضع نواميس ضابطة لذلك ، فكل حركات الكون خاضعة لهذه النواميس التي هي في سابق علم الله . ويقول هؤلاء الفلاسفة ان التغييراالتي تطرأ على القوانين البشرية ناتجة عن جهل الانسان وضعفه ، وما دام الانسان عاجزاً عن التكهن بما ستكون عليه اوضاعه الاجتماعية او الفردية ، فهو يضع القانون ليومه ، ويغيره متى قضت مصلحته بذلك. ولئن كان الله قد وضع للكون قوانينه في لحظة واحدة ، فهي بفضل علم الله وقدرته قوانين ابدية وسرمدية ، وهذا ينطبق ايضاً على قوانين التي اتى بها الانبياء والمرسلون من عند الله بوحي من الله والهام من عنده تعالى.
وجميع الفلاسفة ، من كانوا يؤمنون بالله منهم ومن كانوا ماديين ، يقولون بثبات القوانين التي تتحكم في الكون وعدم قابليتها للتغيير .
فهذا الفيلسوف الملحد (مترلينك) الذي يؤكد بدوره ثبات هذه القوانين ، فيقول : لو انهدم العالم فجأة ، وسقطت الشمس والنجوم والاف المجرات والنيازك والمجموعات الضوئية وغيرها . فهذا الخراب ليس حادثاً مفاجئاً او غير متوقع ، وانماقد حدث طبقاً لنظام كوني معين ، ومن وقف على هذا القانون استطاع ان يحدد زمان وقوع هذا الخراب . والوحيد بين المفكرين في القديم الذي تنبه الى ثبات قواعد الكون ونظمه هو الامام جعفر الصادق (ع) بل ان الاعتقادالسائد عند القدامى هو ان كل قاعدة في الكون قابلة التغيير ، وارسطو نفسه اعتبر الاعتقاد بتغيير الكون ونظمه وقواعده جزءاً من اساس تفكيره الفلسفي ،مما اكسب الاعتقاد تقبلاً وشيوعاً باعتباره امراً لا يقبل المناقشة او الجدل .
يقول ارسطو ان العالم مركب من جزئين ، هماالمادة والصورة ، وهما غير قابلتين للتجزئة او الحل ، ولا بد لكي تنطبق الصورة مع المادة من وجود حركة وتغيير ، ولولا الحركة لما اتخذت المادة شكلها الحقيقي ، فالحركة تلازم التغيير وتستلزمه ، والتغيير يلازم قوانين الكون .
.
يتبع
تعليق