بقعة .. آثار معسكر جيش الامام علي (ع) في معركة الجمل
لم يكن المواطن بهاء محمد العبادي يتصور أن الأرض التي يشغلها لأغراض زراعية، وفقاً لعقد طويل الأمد مع مديرية زراعة البصرة، ستكون قبلة لآلاف المواطنين الذين توافدوا للتبرك بتربتها وقراءة الدعاء وأداء الصلاة فيها، بالرغم من بعدها عن مدينة البصرة ووقوعها في منطقة حدودية شبه مقفرة تبعد أقل من كيلومترين عن الأراضي الإيرانية.
ولم يتوقف الأمر عند توافد الأهالي من سائر مناطق المحافظة، وإنما تحولت قطعة الأرض ذات البقع البيضاء بأشكال متناسقة ومنتظمة بخطوط تمتد لمئات الأمتار، إلى مثار جدل تاريخي وعلمي استدعى تدخل الحكومة المحلية ومؤسسات علمية ودينية مختلفة بعد أن أعلنت ممثلية الأمانة العامة للمزارات الشيعية أن البقع هي آثار مخيم الجيش الذي شارك بقيادة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (سلام الله عليه) في معركة الجمل التي وقعت في العام 36 للهجرة.
بينت الدراسة أيضاً أن "أعمال الحفر التي نفذت خارج وداخل البقع ولعمق خمس أمتار لم تظهر وجود رفات موتى أو بقايا مقبرة".
كما اعتبرت الدراسة أن "وجود البقع الأرضية ليست ظاهرة جيولوجية طبيعية"، وفسرت وجود البقع باتجاهين "الأول يشير إلى أنها "ناجمة عن إجراء عمليات نقل للتربة لأغراض زراعية"، والتفسير الآخر هو امتداد للتفسير الأول ويفيد بأن "البقع الأرضية عبارة عن مخلفات نظام إروائي قديم يمتد بمحاذاة شط العرب”.
رائحته زكية
ويقول المواطن نصير عبد الرضا (55 سنة) "إن "البقع لها حكايات متوارثة من جيل إلى آخر لكن المنطقة التي توجد فيها وبحكم قربها من الأراضي الإيرانية كانت شبه محرمة على المدنيين قبل عام 2003"، مبيناً أن "الحكايات بعضها يشير إلى أن البقع تشع أحياناً بالضياء خلال الليل وأن تربتها حلوة المذاق في حين التربة المحيطة بها مالحة".
ويضيف عبد الرضا أن "تربة البقع تكون أحياناً ذات رائحة زكية، ويؤكد بعض سكان القرى أنهم يسمعون بين حين وآخر أصوات قعقعة سيوف وصهيل خيول ونداءات تكبير مصدرها موقع البقع"، ويروي أنه شاهد ذات مرة بلمحة بصر مجموعة من الخيام والمواقد المشتعلة في الموقع "لكن ما أن دققت النظر حتى اختفى ذلك المشهد الذي مازال محفوراً في ذاكرتي، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ويزيد من غموض تلك البقع تأكيد رئيس المجلس البلدي في ناحية السيبة جنوب البصرة التي تقع ضمنها منطقة كوت الزين حيث توجد البقع، والذي يصفها بـ"المعجزة الإلهية".
ويقول نعمة غضبان "إن "المنطقة تفتقر إلى سند تاريخي لكن الروايات المتوارثة عبر أجيال تشير إلى أن المنطقة كانت معسكراً لجيش الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) خلال معركة الجمل".
ويضيف غضبان أن "البقع الأرضية تختفي لسنوات ثم تعاود الظهور، وتتغير أشكالها من حين إلى آخر، إذ تتحول من شبه دائرية إلى مربعة ومن ثم إلى مستطيلة، من دون أن تتبدل خواصها الغريبة".
موكداً أن "المواطنين الذين يسلكون الطريق الواصل بين مدينة البصرة وقضاء الفاو يتحدثون أحياناً عن مشاهدتهم لخيم ونيران مشتعلة في موقع البقع لدى مرورهم بالقرب منها"، مستدركا أن "المجلس البلدي لا يؤكد أو ينفي أن الموقع كان معسكراً خلال المعركة التاريخية، لكنه يصر على أن البقع تشكل ظاهرة غريبة ونادرة وعلى هذا الأساس نطالب بالحفاظ عليها ودراستها بعمق
جدل علمي وتاريخي
وعقب اتساع الحديث عن البقع في غضون العامين الماضيين بادرت كلية العلوم في جامعة البصرة بإعداد دراسة حول الظاهرة أجراها أربعة باحثين من قسم علم الأرض وتشير خلاصتها إلى أن "البقع هي شبه دائرية إلى شبة مستطيلة الشكل مساحة الواحدة منها تتراوح ما بين متر إلى مترين وتتميز بأن لها لوناً أفتح من المنطقة المحيطة بها ونسبة ملوحة أقل من المناطق المجاورة، كما تعكس انطباعاً اتجاه المطر يختلف عما تحيطها من ترسبات، أي إنها بحلول المطر تكون أصلب من محيطها كما أن البقع تتوزع بشكل مستقيم وعلى هيئة خطوط متوازية". وبينت الدراسة أيضاً أن "أعمال الحفر التي نفذت خارج وداخل البقع ولعمق خمس أمتار لم تظهر وجود رفات موتى أو بقايا مقبرة".
كما اعتبرت الدراسة أن "وجود البقع الأرضية ليست ظاهرة جيولوجية طبيعية"، وفسرت وجود البقع باتجاهين "الأول يشير إلى أنها "ناجمة عن إجراء عمليات نقل للتربة لأغراض زراعية"، والتفسير الآخر هو امتداد للتفسير الأول ويفيد بأن "البقع الأرضية عبارة عن مخلفات نظام إروائي قديم يمتد بمحاذاة شط العرب".
وأسند الباحثون هذا التفسير بالقول إن "المرئية الفضائية للمنطقة المحصورة بين شط العرب وناحية خور الزبير كشفت عن وجود مجارٍ مائية قديمة مندثرة تقع غرب المجرى الحالي لشط العرب"، كما كشفت الدراسة عن وجود مواقع أخرى في نفس المنطقة تحتوي على عدد من البقع المماثلة، مشيرين إلى أن "نمط توزيع البقع في المواقع الثلاثة الأخرى يبين أنها لا تتجه صوب القبلة وهذا دليل على عدم وجود علاقة للبقع باتجاه القبلة، وإن حدث تطابق فإنه من باب المصادفة". من جانبها، أعدت كلية الزراعة دراسة حول الظاهرة في العام 2009، ويقول رئيس قسم علوم التربة والمياه الدكتور عبد الزهرة طه ظاهر في كتاب يحمل توقيعه وموجه إلى رئاسة الجامعة إن "الفريق البحثي اطلع على الخصائص المورفولوجية والفيزيائية والكيميائية لقطاع التربة ولعمق مترين لكلا التربتين الاعتيادية والتربة المكونة للبقع". ويلفت إلى أن "النتائج أظهرت أن التربة المكونة للبقع تختلف في كافة خصائصها عن التربة الاعتيادية المحيطة بها، مع أن من المفترض أن تكون البقع مالحة شأنها شأن التربة المحيطة بها، لكن هذا لم يحدث، ومن الملاحظ أن هذه التربة غير مستغلة زراعيا منذ عقود من الزمن"، وجاء في الجملة الأخيرة من الكتاب أن "الاختلاف الحاصل بين البقع والتربة المحيطة بها يرجع إلى أسباب لا يمكن تفسيرها بالأدلة المادية والعلمية المباشرة". وعلى المستوى التاريخي فإن كلية الدراسات التاريخية في جامعة البصرة تنفي بشكل قاطع على لسان عميدتها الدكتورة رباب جبار السوداني أن تكون "المنطقة التي توجد فيها البقع وقعت فيها معركة الجمل أو عسكر فيها جيش الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قبل أو بعد المعركة لأنها كانت مغمورة بالمياه في تلك الفترة"، وهو ما قد يتناقض مع ما جاءت به الدراسة التي أعدتها كلية العلوم لأنها ذكرت أن المنطقة التي توجد فيها البقع والمناطق القريبة منها كانت تنفذ فيها مشاريع زراعية كبيرة وأنها تحتوي حتى الآن على آثار قنوات أروائية مندثرة. وتشير السوداني في الدراسة إلى أن "الروايات التاريخية تؤكد أن المعركة شهدتها الأطراف الشمالية أو الشمالية الغربية من مدينة البصرة آنذاك" كما اعتبرت الدراسة التي استندت على مراجع قديمة منها معجم البلدان لياقوت الحمودي والكامل في التاريخ لابن الأثير ومراجع أخرى حديثة نسبياً منها كتاب خطط البصرة ومناطقها أن "الأعداد الكبيرة لمقاتلي الجيشين كانت تحتاج وفق المتطلبات العسكرية السائدة حينها إلى مساحة واسعة من الأرض، وهذه الميزة كانت متوفرة في الأجزاء الشمالية والغربية من البصرة كونها مفتوحة على الصحراء بخلاف المنطقة التي توجد فيها البقع" وخلصت الدراسة التاريخية إلى أن "حشود الجيشين لم تقترب حتى من المنطقة التي توجد فيها البقع
لم يكن المواطن بهاء محمد العبادي يتصور أن الأرض التي يشغلها لأغراض زراعية، وفقاً لعقد طويل الأمد مع مديرية زراعة البصرة، ستكون قبلة لآلاف المواطنين الذين توافدوا للتبرك بتربتها وقراءة الدعاء وأداء الصلاة فيها، بالرغم من بعدها عن مدينة البصرة ووقوعها في منطقة حدودية شبه مقفرة تبعد أقل من كيلومترين عن الأراضي الإيرانية.
ولم يتوقف الأمر عند توافد الأهالي من سائر مناطق المحافظة، وإنما تحولت قطعة الأرض ذات البقع البيضاء بأشكال متناسقة ومنتظمة بخطوط تمتد لمئات الأمتار، إلى مثار جدل تاريخي وعلمي استدعى تدخل الحكومة المحلية ومؤسسات علمية ودينية مختلفة بعد أن أعلنت ممثلية الأمانة العامة للمزارات الشيعية أن البقع هي آثار مخيم الجيش الذي شارك بقيادة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (سلام الله عليه) في معركة الجمل التي وقعت في العام 36 للهجرة.
بينت الدراسة أيضاً أن "أعمال الحفر التي نفذت خارج وداخل البقع ولعمق خمس أمتار لم تظهر وجود رفات موتى أو بقايا مقبرة".
كما اعتبرت الدراسة أن "وجود البقع الأرضية ليست ظاهرة جيولوجية طبيعية"، وفسرت وجود البقع باتجاهين "الأول يشير إلى أنها "ناجمة عن إجراء عمليات نقل للتربة لأغراض زراعية"، والتفسير الآخر هو امتداد للتفسير الأول ويفيد بأن "البقع الأرضية عبارة عن مخلفات نظام إروائي قديم يمتد بمحاذاة شط العرب”.
رائحته زكية
ويقول المواطن نصير عبد الرضا (55 سنة) "إن "البقع لها حكايات متوارثة من جيل إلى آخر لكن المنطقة التي توجد فيها وبحكم قربها من الأراضي الإيرانية كانت شبه محرمة على المدنيين قبل عام 2003"، مبيناً أن "الحكايات بعضها يشير إلى أن البقع تشع أحياناً بالضياء خلال الليل وأن تربتها حلوة المذاق في حين التربة المحيطة بها مالحة".
ويضيف عبد الرضا أن "تربة البقع تكون أحياناً ذات رائحة زكية، ويؤكد بعض سكان القرى أنهم يسمعون بين حين وآخر أصوات قعقعة سيوف وصهيل خيول ونداءات تكبير مصدرها موقع البقع"، ويروي أنه شاهد ذات مرة بلمحة بصر مجموعة من الخيام والمواقد المشتعلة في الموقع "لكن ما أن دققت النظر حتى اختفى ذلك المشهد الذي مازال محفوراً في ذاكرتي، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ويزيد من غموض تلك البقع تأكيد رئيس المجلس البلدي في ناحية السيبة جنوب البصرة التي تقع ضمنها منطقة كوت الزين حيث توجد البقع، والذي يصفها بـ"المعجزة الإلهية".
ويقول نعمة غضبان "إن "المنطقة تفتقر إلى سند تاريخي لكن الروايات المتوارثة عبر أجيال تشير إلى أن المنطقة كانت معسكراً لجيش الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) خلال معركة الجمل".
ويضيف غضبان أن "البقع الأرضية تختفي لسنوات ثم تعاود الظهور، وتتغير أشكالها من حين إلى آخر، إذ تتحول من شبه دائرية إلى مربعة ومن ثم إلى مستطيلة، من دون أن تتبدل خواصها الغريبة".
موكداً أن "المواطنين الذين يسلكون الطريق الواصل بين مدينة البصرة وقضاء الفاو يتحدثون أحياناً عن مشاهدتهم لخيم ونيران مشتعلة في موقع البقع لدى مرورهم بالقرب منها"، مستدركا أن "المجلس البلدي لا يؤكد أو ينفي أن الموقع كان معسكراً خلال المعركة التاريخية، لكنه يصر على أن البقع تشكل ظاهرة غريبة ونادرة وعلى هذا الأساس نطالب بالحفاظ عليها ودراستها بعمق
جدل علمي وتاريخي
وعقب اتساع الحديث عن البقع في غضون العامين الماضيين بادرت كلية العلوم في جامعة البصرة بإعداد دراسة حول الظاهرة أجراها أربعة باحثين من قسم علم الأرض وتشير خلاصتها إلى أن "البقع هي شبه دائرية إلى شبة مستطيلة الشكل مساحة الواحدة منها تتراوح ما بين متر إلى مترين وتتميز بأن لها لوناً أفتح من المنطقة المحيطة بها ونسبة ملوحة أقل من المناطق المجاورة، كما تعكس انطباعاً اتجاه المطر يختلف عما تحيطها من ترسبات، أي إنها بحلول المطر تكون أصلب من محيطها كما أن البقع تتوزع بشكل مستقيم وعلى هيئة خطوط متوازية". وبينت الدراسة أيضاً أن "أعمال الحفر التي نفذت خارج وداخل البقع ولعمق خمس أمتار لم تظهر وجود رفات موتى أو بقايا مقبرة".
كما اعتبرت الدراسة أن "وجود البقع الأرضية ليست ظاهرة جيولوجية طبيعية"، وفسرت وجود البقع باتجاهين "الأول يشير إلى أنها "ناجمة عن إجراء عمليات نقل للتربة لأغراض زراعية"، والتفسير الآخر هو امتداد للتفسير الأول ويفيد بأن "البقع الأرضية عبارة عن مخلفات نظام إروائي قديم يمتد بمحاذاة شط العرب".
وأسند الباحثون هذا التفسير بالقول إن "المرئية الفضائية للمنطقة المحصورة بين شط العرب وناحية خور الزبير كشفت عن وجود مجارٍ مائية قديمة مندثرة تقع غرب المجرى الحالي لشط العرب"، كما كشفت الدراسة عن وجود مواقع أخرى في نفس المنطقة تحتوي على عدد من البقع المماثلة، مشيرين إلى أن "نمط توزيع البقع في المواقع الثلاثة الأخرى يبين أنها لا تتجه صوب القبلة وهذا دليل على عدم وجود علاقة للبقع باتجاه القبلة، وإن حدث تطابق فإنه من باب المصادفة". من جانبها، أعدت كلية الزراعة دراسة حول الظاهرة في العام 2009، ويقول رئيس قسم علوم التربة والمياه الدكتور عبد الزهرة طه ظاهر في كتاب يحمل توقيعه وموجه إلى رئاسة الجامعة إن "الفريق البحثي اطلع على الخصائص المورفولوجية والفيزيائية والكيميائية لقطاع التربة ولعمق مترين لكلا التربتين الاعتيادية والتربة المكونة للبقع". ويلفت إلى أن "النتائج أظهرت أن التربة المكونة للبقع تختلف في كافة خصائصها عن التربة الاعتيادية المحيطة بها، مع أن من المفترض أن تكون البقع مالحة شأنها شأن التربة المحيطة بها، لكن هذا لم يحدث، ومن الملاحظ أن هذه التربة غير مستغلة زراعيا منذ عقود من الزمن"، وجاء في الجملة الأخيرة من الكتاب أن "الاختلاف الحاصل بين البقع والتربة المحيطة بها يرجع إلى أسباب لا يمكن تفسيرها بالأدلة المادية والعلمية المباشرة". وعلى المستوى التاريخي فإن كلية الدراسات التاريخية في جامعة البصرة تنفي بشكل قاطع على لسان عميدتها الدكتورة رباب جبار السوداني أن تكون "المنطقة التي توجد فيها البقع وقعت فيها معركة الجمل أو عسكر فيها جيش الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قبل أو بعد المعركة لأنها كانت مغمورة بالمياه في تلك الفترة"، وهو ما قد يتناقض مع ما جاءت به الدراسة التي أعدتها كلية العلوم لأنها ذكرت أن المنطقة التي توجد فيها البقع والمناطق القريبة منها كانت تنفذ فيها مشاريع زراعية كبيرة وأنها تحتوي حتى الآن على آثار قنوات أروائية مندثرة. وتشير السوداني في الدراسة إلى أن "الروايات التاريخية تؤكد أن المعركة شهدتها الأطراف الشمالية أو الشمالية الغربية من مدينة البصرة آنذاك" كما اعتبرت الدراسة التي استندت على مراجع قديمة منها معجم البلدان لياقوت الحمودي والكامل في التاريخ لابن الأثير ومراجع أخرى حديثة نسبياً منها كتاب خطط البصرة ومناطقها أن "الأعداد الكبيرة لمقاتلي الجيشين كانت تحتاج وفق المتطلبات العسكرية السائدة حينها إلى مساحة واسعة من الأرض، وهذه الميزة كانت متوفرة في الأجزاء الشمالية والغربية من البصرة كونها مفتوحة على الصحراء بخلاف المنطقة التي توجد فيها البقع" وخلصت الدراسة التاريخية إلى أن "حشود الجيشين لم تقترب حتى من المنطقة التي توجد فيها البقع
تعليق