ان العالم البشري الذي يتخبط في أزماته وحروبه وان العولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، لدليل على ان العدالة حلم بشري تحن لتحقيقه. ومن هنا فان هذا الحلم البشري لا يتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم.
يبدأ مشروع العدالة العالمي عند المهدي عليه السلام من تحقيق التكامل المعرفي والعقلي عند الإنسان، لان معظم الشرور تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، فعن الباقر (عليه السلام): (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم). وهذا الجمع يعني أمرين: الأول ان التكامل الحضاري لا يعتمد على مستوى التقدم المادي والتكنولوجي والمعلوماتي بل يعتمد على التكامل العقلي والتركيز المعرفي من اجل بناء النفس والذات، والحضارة المادية هي وسيلة وليست غاية. والثاني: هو الحوار العقلاني والفكري الذي يعتمد على الثقة والتفاني فيتم التواصل والتقارب وهذا ما يحققه المهدي عليه السلام.
والمرحلة الثانية من مشروع الحكومة العالمية تنطلق من خلال إيجاد التوازن الاجتماعي والاقتصادي وإلغاء الاستغلال والاحتكار والتفرد في السيطرة على موارد الأرض. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): فيجيء إليه الرجل يقول يا مهدي اعطني اعطني اعطني، فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمله. وعنه رسول الله صلى الله عليه وآله: ابشروا بالمهدي...ويقسم المال صحاحا بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى انه يأمر مناديا ينادي من له حاجة اليّ... وتكثر الماشية وتعظم الأمة... وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض اكلها.. ويطبق الإمام عليه السلام قانون الإسلام الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحيا أرضا مواتا فهي له. وهذه هي قمة العدالة التي تعطي الحق للإنسان في امتلاك الأرض كالآخرين، يقول الباقر (عليه السلام): أيما قوم احيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم. لذلك تزدهر الأرض وتموج بالنشاط والعمل وكمثال على ذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمد...اتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء.
وبتحقيق العدالة والعدل ينتشر الأمن وتختفي الجريمة ويتحقق الآمان، يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثه عن الأمن والامان في عصر المهدي:... وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد.
وتتكامل دولة الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية بإلغاء الحدود الجغرافية وترفع الحواجز المصطنعة ويصل البشر الى مبتغاهم في حرية العمل والحركة والحياة، يقول فكتور باش: حق كل إنسان بوصفه إنسان في امتلاك حقوق، وهو الذي يخول لكل مواطن دولة ان يدخل أراضي دولة أخرى، وهذا الحق في التجول بحرية على الارض وفي عقد اتفاقيات قانونية مع سائر الناس يقوم حق المواطن العالمي.
فالأرض تصبح موطنا لكل إنسان في عهد الإمام المهدي (عليه السلام)، يقول الصادق (عليه السلام): ان القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلها ويظهر الله به دينه ولو كره المشركون. ويقول (عليه السلام): ان المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي بالمغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق.
ان المجتمع البشري لايصل الى طريق الوحدة الحقيقية التي تقضي على الحروب والأزمات والعواصف إلا بعد ان يرجع الى العوامل الواقعية المشتركة التي تجمع العنصر البشري، ولاشك ان العامل المادي لا يمثل غير عنصر للاختلاف والتنازع والاستغلال. أما العقل والفطرة فهما العاملان اللذان يقودان البشرية لاستجماع ذاتها والوصول الى حقيقتها وهذا لا يكون بوجود الا قيادة واقعية تقودها نحو التكامل العقلي والتأصل الفطري والتنكر عن الدوافع الأنانية المميتة وهو عصر العدالة والحرية والامان والسعادة عصر الإمام المنتظر المهدي (عليه السلام) وفقنا الله لرؤية نور وجهه الكريم والامتثال والعيش تحت راية عدالته العالمية الإلهية.