الأرث المسلوب ... من وحي الهوبيت
كثيراً ما كان هذا العنوان مألوفاً في الفكر الإنساني والأدب العالمي ، انه العنوان الأشد اتصالاً بقصص الأبطال في ملاحم حياتهم الحافلة بالشدائد والمحن ، فلطالما كان هناك بطل ما على مر العصور قد سلبته فئة من الناس حقه المشروع الذي لا غبار عليه تعدّياً وظلماً ، ولن أتحدث هنا عن رجال كانوا على الهامش دوماً في سجلات الكتب ، لا بل ما يعنيني في هذه الأسطر ان القي الضوء على عظماء البشر الذين تخلّدوا لإنجازاتها وتضحياتهم النبيلة في سبيل الخير والصلاح ، الأنبياء عليهم السلام هم اصدق مثال على تلك الفئة المظلومة من الناس ، لأنها ببساطة وجدت الحق قد أعطاه الله عز وجل لها دون سائر الخلق وعلى مرئى ومسمع من الجميع ، الا ان أيادي الحسد والجحود والكفر دوماً ما تتحد لغصب الحق المعلوم الذي لا غبار عليه ، فذاك هو موسى الكليم (ع) من تلك الأمثلة المقدسة التي نتحدث عنها هنا ، قدم كل ما عنده لبني إسرائيل وترك فيهم وصياً هو يوشع بن نون (ع) فتاه المبجل والخليفة المنصوص عليه الأ ان قومه ما رعوه حق رعايته وسلبوه حقه وخرجوا عليه بزوجة موسى تدعى"صفوراء بنت شعيب النبي (ع)" تركب دابة امعاناً في ظلمه وجحود حقه ، حتى تغيّر ناموس موسى وشريعته جيلاً بعد جيل الى ان وصل الأمر ان جلس على كرسيه الألهي من ليس أهلاً لكرسي بيته وعياله ، فحرفوا الكلام وغيروا الأحكام واطلقوا السنن ، فقال فيهم يسوع المسيح (ع) شهادةً للتاريخ والزمن في إنجيله (على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون) ، ومن بعد تمم الرهبان والأساقفة والبابوات النصارى ما فعله أسلافهم من بني إسرائيل فجلسوا على كرسي المسيح (ع) بذريعة إكمال الرسالة فبدلوا وغيّروا بالكيفية التي فعلها أحبار اليهود ، فسُجل المسيح مظلوماً كما موسى (عليهما السلام) وسلب حقه واستبيح كرسيه ، وكان نصيب النبي الخاتم (ص) اكثر مما جرى على أسلافه من الأنبياء (ع) كما قال هو (ص) فظلامته لم يرقى اليها نبي من الأنبياء وأشد ما وصل اليه من الظلم ما وقع على اهل بيته (ع) واحداً بعد واحد حتى خاتمهم الموعود (عج) ، فهؤلاء (ع) لم يزالوا مقتولين مشردين مغصوبين الى اليوم ، ولا زال أعداؤهم ينعمون بإرثهم المسلوب منذ قبض النبي (ص) أليس اليوم وبإنتظار من سيأخذ بثأرهم من أعداء الله عز وجل ويشفي صدور المؤمنين .
وبما ان حديثنا هو في قبال ساحل ما سطرته أنامل الكاتب (ج توكين) صاحب رواية الهوبيت ، فقد أحببت ان أشير في هذه الأسطر الى المعنى الذي كتب عنه الراوي فيما يخص موضوع مقالتنا اليوم ، هو تحديداً بطل القصة جنباً الى جنب مع الهوبيت (بلبو باجنز) ونعني به القائد (ثورن) سليل الملوك وابن الملك (ثرور) ، هو صاحب الإرث المسلوب موضوع حلقتنا ، لقد حاول الكاتب ان يحاكي شخصية السيد المسيح (ع) من خلال هذه الشخصية المؤثرة في القصة ، وانت حينما تقرأ الملامح والزوايا التي رسمها توكين بين فصول الرواية للبطل ثورن تدرك ان هذا الرجل هو شخص مألوف او انك ربما عشت او عرفته من قريب او من بعيد ، لنترك العقل يجول بالفكر في تحديد ملامح البطل من خلال حوارات القصة التي يكشف فيها الحقائق للقارئ ، إذ نراه يسلط الضوء على شخصية الملك وقصة الإرث المسلوب في اول حوار مفصل بين بلبو باجنز والملك ثورن حين استفهم الهوبيت عن سبب او علة الرحلة والمغامرة الخطيرة التي يراد إقحامه بها من قبل الأقزام الأثني عشر ، يقول ( .. حسن ، ساطلعك على بعض الأمور : منذ زمن بعيد اضطر جدي (ثرور) وبقية عائلتي الى الرحيل عن منطقة أقصى الشمال ، وعادوا ومعهم كل ثرواتهم ومعداتهم الى هذا الجبل الموضح على الخريطة ، والذي اكتشفه من قبلهم جدي الأكبر (ثرين الأكبر) ومن ثم ظلوا ينقبون وينجمون ، وحفروا حفراً هاءلة وأعدوا ورشاً ، وبالإضافة الى ذلك ، اعتقد أنهم وجدوا كميات كبيرة من الذهب بل الجواهر أيضاً ، بأية حال ،تضاعفت ثرواتهم ، ونالوا نصيباً من الشهرة وتم تتويج جدي في سفوح الجبل من جديد ، وكان يعامل بوقار وتبجيل من قبل بني البشر الذين عاشوا في الجنوب ، وكانوا قد بداءوا ينتشرون تدريجياً حول النهر المتدفق وحتى أطراف الوادي المستظل بظل الجبل ...) نحتاج في تعقيبنا على كلام الملك مع الهوبيت الى الألتفات أولاً الى الخلفية الدينية التي يتمتع بها الكاتب توكين مؤلف القصة ، فمع التنبّه الى انه كاتب مسيحي متديّن وصديق للكاتب (سي اس لويس) صاحب سلسلة قصص "مدوّنات نارنيا" الشهيرة وهي الأخرى ذات مغزى ديني معلوم لدى العالم الذي قرأها ، يثبت لدينا ان هنالك إشارات دينية واضحة البيان مبطنة خلف شخصيات وحوارات وتفاصيل القصة او الرواية التي في الظاهر هي أدب فتنازيا او أدب موجه للأطفال ، هي ببساطة خلاصة او عصارة فكر توكين الديني المتعلق بشكل كبير بمسألة المخلص الموعود الذي يخرج في زمان لينادي بحقه على رؤوس الأشهاد ، مع الإلتفات الى كل تلك الأمور الجلية نعرف ونفهم ان الكاتب يرسم ملامح ذلك الملك السليب او المسلوب وارث جده صاحب المملكة الحقيقي ، ربما يكون المقصود هو داوود النبي (ع) جد السيد المسيح (ع) كما يذكر الأنجيل ان المسيح من نسل داوود ، وهذا ما يتبادر الى ذهن القارئ المسيحي المتبحر في مكنونات الكاتب والباحث عن مراميه ، ولعل الروعة العجيبة في قصة الهوبيت لا تنحصر في تناسق القصة ومراحلها المثيرة والممتعة ، بل ان روعتها تكمن في شموليتها القصصية حيث بمقدورها ان تسع أفكار أديان مختلفة فيما بينها في قضايا عديدة على الرغم من المشتركات المسلم بها ، أعني بكلامي ان النفحة المسيحية في القصة ليست هي الوحيدة التجوال بين طيات الكتاب ، لا بل ان الروح الإسلامية موجودة هي الأخرى وحسبك ان تقرأ بقية الكلام الذي سرده ثورن على مسامع بلبو باجنز لتفهم ما اقول ،
اليك تكملة القصة يقول ( لقد بنوا في تلك الأيام بلدة (ديل ) المبهجة ، وكان الملوك يستعينون بالحدادين منا ويكافئون حتى أقلهم مهارة بسخاء ، كان الآباء يتوسلون إلينا كي نأخذ غلمانهم ليتمرنوا على الجرف ، ويدفعون الكثير في مقابل ذلك ، فكانوا يزودننا بالطعام ، حيث أننا لم نكن نزرع او نبحث عن طعامنا بأنفسنا ، إجمالاً كانت تلك أياماً طيبة بالنسبة إلينا ، وافقر فقراوءنا امتلك من الأموال ما يكفيه وما يكفي ان يقرض غيره ، ومن الوقت ما يكفي ان يقضيه في الاستمتاع بها ، ناهيك عن اكثر الألعاب روعك وسحراً ، والتي ليس لها مثيل في عالمنا اليوم ، وعليه فقد امتلأت ساحة وأروقة جدي بالدروع والجواهر والمنحوتات والكؤوس ، وأصبحت سوق الألعاب ببلدة (ديل) بمثابة أعجوبة الشمال ...) الحديث عن جده هنا يذكر بشكل رمزي معين الى قضية ارث الإمام المهدي (عج) وهو وريث جده رسول الله الأعظم (ص) ، وهو في هذه النقطة يشترك مع السيد المسيح في كونهما مستحقين لأرث شرعي لا غبار عليه من أسلافهم الأنبياء ، وهو حق يعترف الجميع انه ملك صرف لهم دون منازع او شريك ، الا ان الأمور لم تجري على نصابها الصحيح فظهر من سلبهم هذا التراث الإلهي ، وقد عبر عنه الكاتب فيما بعد بشخصية او مخلوق أسطوري لطالما كانت نتاج خيال البشرية الخصب في قرون من الزمان في أدب الأطفال ، هو "التنين" ذلك المخلوق المفترض انه يعيش في البحر في أعماقه السحيقة ويظهر في كل قصة ملحمية ليكون محنة مع البشر الذي يركبون السفن ويجولون البحار والمحيطات ، غير ان هذا المخلوق لم يكن في قصص الخيال موجودا فحسب بل ان وجوده تعدّى الى الكتب المقدسة اذ نراه بوضوح على لسان يوحنا الرسول في رؤياه اللاهوتية الموجودة في كل نسخة كتاب مقدس اليوم ، المهم ان هذا التنين عبر عنه في الأنجيل انه رمز لعدو المسيح الذي لن يكون له هم سوى ان يحارب المخلص الإلهي الموعود مع أنصاره وأعوانه في يوم الدينونة العظيم ، لذلك نجد ان الأقتباس من الكتاب المقدس عاد مجدداً يبرز بوضوح في أدب توكين ، وهذه المرة يكون هو العدو الأول والأخير لرفقة الأقزام بقيادة سليل الملوك (ثورن) ، لننظر ما يقول توكين عن هذه المسالة بالذات ومما لا شك فيه ان تلك الأسباب هي التي أتت بالتنين ، فانت تعرف التنانين يسرقون الذهب والجواهر من بني البشر والالفيين والأقزام أينما وجدوا، ويحرسون كل ما يسرقونه وينهبونه ما داموا أحياء ، بمعنى اخر ،إلى الأبد ، ما لم يتم قتلهم ، ولا يستمتعون أبداً بأي من غناءمهم ، فهم لا يعرفون الفرق بين ما هو جيد الصنع وما هو رديء الصنع ، رغم أنهم عادةً ما تكون لديهم معرفة جيدة بالقيمة السوقية لما يسرقون وقت سرقته ، هوءلاء التنانين لا يمكنهم صنع أي شيء لأنفسهم ، بل لا يمكنهم حتى إصلاح جزء صغير تألف في دروعهم . في تلك الأيام كان الكثير من التنانين يسكنون الشمال ، ومن المحتمل ان يكون الذهب قد صار شحيحاً هناك ، بما ان الاقزام كانوا أما يرحلون الى الجنوب او يقتلون ، وأيضاً بنتيجة الخراب او الدمار اللذين تسبب فيهما التنانين بصفة عامة ...) والحديث عن التنانين من وجهة نظر إيحائية او كتابية لو صح التعبير يحتاج الى الإستعانة بكتب التفاسير الأنجيلية الكثيرة في المكتبة ، اذ اشبع العديد من الباحثين ورجال الدين المسيحيين الموضوع شرحاً وتنظيراً وتفسيراً إزاء هذه الشخصية الشريرة في كلام يوحنا اللاهوتي ، ولن نذكر بالطبع كل تلك التفاسير هنا لأن الموضوع سيخرج عن سياقه الذي رسمناه في بحثنا الصغير هذا ، ولعلنا ينفرد حلقة خاصة عن التنين وماهيته وكشف حقيقته من خلال الربط بين الرؤيا وقصة توكين هذه فإلى ذلك الحين نختصر على القول انه يشير الى كل عدو لدود لأولياء الله عبر التأريخ ، وقس على ذلك البناء كل من وقف قبال الأنبياء والرسل من أشخاص وحكومات وقوى غاشمة وطغاة ، هو إذن كل شر عرفه العالم منذ فجر التأريخ يصارع الخير ويرصد له العداء والحرب ، ولا شك انه صديق حميم لروح الشر الأزلية (إبليس) اللعين الذي لا يفتأ يتربص بالحق والعدل والخير منذ ولادة آدم وحتى مجئ الخلاص .
وتلخيصاً للبحث نقول ان الكاتب اكتفى بتسليط الضوء على حقيقة التنين الذي هو المجرم الذي سرق الإرث من الملك الموعود والوارث الشرعي الرسمي ، والى هذه النقطة تكون ملامح القصة مجملاً توضحت بشكل كبير ، فالأبطال بقيادة الملك هم مجموعة تطلب استعادة الكنز المفقود والإرث المسروق من التنين العظيم الذي تجرأ بطمعه ووقاحته وعنجهيته الى الإستيلاء على ما ليس له ، لذا هي محاكاة واضحة لقصة المسيح والإمام المهدي (عليهما السلام) .. فكلاهما كما أسلفنا ينتظر الفرج وينتظر اكتمال العدة (الرفقة) للمطالبة بحقه المنزوع منذ قرون ، اما الذهب والكنز فهو اشارة واضحة الى الشئ الثمين الذي لا يقدر بمقدار ، وإن كانت حلية الملوك القصصين والحقيقيين هي المجوهرات والذهب واللألئ في قوانين الدنيا الزائفة ، فإن الأمر يختلف تماماً مع رجالات الله المقدسين الذيو لا يكنزون الذهب ولا الفضة في الدنيا ، فهمهم هو اقامة دولة العدل الإلهي حلم الأنبياء على مر العصور ، فنحن نعلم ما يريد الكاتب الإيحاء به من خلال الترميز بالكنز الذي هو الذهب ، لأن مملكة المنقذ الموعود لن تنحصر بمادة او معدن باهض الثمن ونادر الوجود ، بل هي منصب الهي رفيع خصه الخالق عز وجل به اولياءه من دون الناس ، ومكانة لا يدانيهم فيها احد ، ومن تسوّل له نفسه منازعة الملك الحقيقي عليه ان يتوقع رجوع الورثة الذي سيطلبون حقهم عاجلاً ام آجلاً .
أخيراً نقول ان "ج ر. ر. توكين" الكاتب بعد ما قرأناه قد يكون سمع بقصة المهدي (عج) او يكون لم يفعل !... وقد يكون أراد الإيحاء بالرؤية الإسلامية او نقول ان النظرية الملائمة لتفسير ما كتب هو انه كتب برؤية وروحية مسيحية بحتة لكن يد التصرف الإلهي كانت حاضرة خلال كتابة روايته (الهوبيت) فناغت فصوله قصة المهدي الموعود (عج) الى جنب المسيح (ع) من حيث لا يعلم ، والحال ان الهدف المنشود في كل الأحوال قد أصاب اتجاهه بإحكام ، وهوليود بإنتاجها هذه القصة وترجمتها الى عمل سينمائي عالمي قد لعبت على أوتار وأنغام اكثر من ديانة واستوعبت بهذه الصياغة اكثر شعوب الأرض التي تنتظر -وفق أدبياتها الدينية - مخلصاً موعوداً يطالب بحقه المسلوب ولو بعد حين ، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة من تأريخ البشرية الذي يمر بأزمات متلاحقة ومقبل على حروب ونزاعات اكبر ربما مما مر على صفحات التاريخ نفسه ، فالجميع يترقب حدوث امر عظيم ويتوقع ان تبدأ التنانين النائمة بالحراك والتكشير عن أنيابها المخفية خلف وجوه آدمية باسمة بثغر خداع وماكر ليس له هم سوى ابتلاع من تبقى من عصابة الملك السليب سليل الملوك الأوائل .
كثيراً ما كان هذا العنوان مألوفاً في الفكر الإنساني والأدب العالمي ، انه العنوان الأشد اتصالاً بقصص الأبطال في ملاحم حياتهم الحافلة بالشدائد والمحن ، فلطالما كان هناك بطل ما على مر العصور قد سلبته فئة من الناس حقه المشروع الذي لا غبار عليه تعدّياً وظلماً ، ولن أتحدث هنا عن رجال كانوا على الهامش دوماً في سجلات الكتب ، لا بل ما يعنيني في هذه الأسطر ان القي الضوء على عظماء البشر الذين تخلّدوا لإنجازاتها وتضحياتهم النبيلة في سبيل الخير والصلاح ، الأنبياء عليهم السلام هم اصدق مثال على تلك الفئة المظلومة من الناس ، لأنها ببساطة وجدت الحق قد أعطاه الله عز وجل لها دون سائر الخلق وعلى مرئى ومسمع من الجميع ، الا ان أيادي الحسد والجحود والكفر دوماً ما تتحد لغصب الحق المعلوم الذي لا غبار عليه ، فذاك هو موسى الكليم (ع) من تلك الأمثلة المقدسة التي نتحدث عنها هنا ، قدم كل ما عنده لبني إسرائيل وترك فيهم وصياً هو يوشع بن نون (ع) فتاه المبجل والخليفة المنصوص عليه الأ ان قومه ما رعوه حق رعايته وسلبوه حقه وخرجوا عليه بزوجة موسى تدعى"صفوراء بنت شعيب النبي (ع)" تركب دابة امعاناً في ظلمه وجحود حقه ، حتى تغيّر ناموس موسى وشريعته جيلاً بعد جيل الى ان وصل الأمر ان جلس على كرسيه الألهي من ليس أهلاً لكرسي بيته وعياله ، فحرفوا الكلام وغيروا الأحكام واطلقوا السنن ، فقال فيهم يسوع المسيح (ع) شهادةً للتاريخ والزمن في إنجيله (على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون) ، ومن بعد تمم الرهبان والأساقفة والبابوات النصارى ما فعله أسلافهم من بني إسرائيل فجلسوا على كرسي المسيح (ع) بذريعة إكمال الرسالة فبدلوا وغيّروا بالكيفية التي فعلها أحبار اليهود ، فسُجل المسيح مظلوماً كما موسى (عليهما السلام) وسلب حقه واستبيح كرسيه ، وكان نصيب النبي الخاتم (ص) اكثر مما جرى على أسلافه من الأنبياء (ع) كما قال هو (ص) فظلامته لم يرقى اليها نبي من الأنبياء وأشد ما وصل اليه من الظلم ما وقع على اهل بيته (ع) واحداً بعد واحد حتى خاتمهم الموعود (عج) ، فهؤلاء (ع) لم يزالوا مقتولين مشردين مغصوبين الى اليوم ، ولا زال أعداؤهم ينعمون بإرثهم المسلوب منذ قبض النبي (ص) أليس اليوم وبإنتظار من سيأخذ بثأرهم من أعداء الله عز وجل ويشفي صدور المؤمنين .
وبما ان حديثنا هو في قبال ساحل ما سطرته أنامل الكاتب (ج توكين) صاحب رواية الهوبيت ، فقد أحببت ان أشير في هذه الأسطر الى المعنى الذي كتب عنه الراوي فيما يخص موضوع مقالتنا اليوم ، هو تحديداً بطل القصة جنباً الى جنب مع الهوبيت (بلبو باجنز) ونعني به القائد (ثورن) سليل الملوك وابن الملك (ثرور) ، هو صاحب الإرث المسلوب موضوع حلقتنا ، لقد حاول الكاتب ان يحاكي شخصية السيد المسيح (ع) من خلال هذه الشخصية المؤثرة في القصة ، وانت حينما تقرأ الملامح والزوايا التي رسمها توكين بين فصول الرواية للبطل ثورن تدرك ان هذا الرجل هو شخص مألوف او انك ربما عشت او عرفته من قريب او من بعيد ، لنترك العقل يجول بالفكر في تحديد ملامح البطل من خلال حوارات القصة التي يكشف فيها الحقائق للقارئ ، إذ نراه يسلط الضوء على شخصية الملك وقصة الإرث المسلوب في اول حوار مفصل بين بلبو باجنز والملك ثورن حين استفهم الهوبيت عن سبب او علة الرحلة والمغامرة الخطيرة التي يراد إقحامه بها من قبل الأقزام الأثني عشر ، يقول ( .. حسن ، ساطلعك على بعض الأمور : منذ زمن بعيد اضطر جدي (ثرور) وبقية عائلتي الى الرحيل عن منطقة أقصى الشمال ، وعادوا ومعهم كل ثرواتهم ومعداتهم الى هذا الجبل الموضح على الخريطة ، والذي اكتشفه من قبلهم جدي الأكبر (ثرين الأكبر) ومن ثم ظلوا ينقبون وينجمون ، وحفروا حفراً هاءلة وأعدوا ورشاً ، وبالإضافة الى ذلك ، اعتقد أنهم وجدوا كميات كبيرة من الذهب بل الجواهر أيضاً ، بأية حال ،تضاعفت ثرواتهم ، ونالوا نصيباً من الشهرة وتم تتويج جدي في سفوح الجبل من جديد ، وكان يعامل بوقار وتبجيل من قبل بني البشر الذين عاشوا في الجنوب ، وكانوا قد بداءوا ينتشرون تدريجياً حول النهر المتدفق وحتى أطراف الوادي المستظل بظل الجبل ...) نحتاج في تعقيبنا على كلام الملك مع الهوبيت الى الألتفات أولاً الى الخلفية الدينية التي يتمتع بها الكاتب توكين مؤلف القصة ، فمع التنبّه الى انه كاتب مسيحي متديّن وصديق للكاتب (سي اس لويس) صاحب سلسلة قصص "مدوّنات نارنيا" الشهيرة وهي الأخرى ذات مغزى ديني معلوم لدى العالم الذي قرأها ، يثبت لدينا ان هنالك إشارات دينية واضحة البيان مبطنة خلف شخصيات وحوارات وتفاصيل القصة او الرواية التي في الظاهر هي أدب فتنازيا او أدب موجه للأطفال ، هي ببساطة خلاصة او عصارة فكر توكين الديني المتعلق بشكل كبير بمسألة المخلص الموعود الذي يخرج في زمان لينادي بحقه على رؤوس الأشهاد ، مع الإلتفات الى كل تلك الأمور الجلية نعرف ونفهم ان الكاتب يرسم ملامح ذلك الملك السليب او المسلوب وارث جده صاحب المملكة الحقيقي ، ربما يكون المقصود هو داوود النبي (ع) جد السيد المسيح (ع) كما يذكر الأنجيل ان المسيح من نسل داوود ، وهذا ما يتبادر الى ذهن القارئ المسيحي المتبحر في مكنونات الكاتب والباحث عن مراميه ، ولعل الروعة العجيبة في قصة الهوبيت لا تنحصر في تناسق القصة ومراحلها المثيرة والممتعة ، بل ان روعتها تكمن في شموليتها القصصية حيث بمقدورها ان تسع أفكار أديان مختلفة فيما بينها في قضايا عديدة على الرغم من المشتركات المسلم بها ، أعني بكلامي ان النفحة المسيحية في القصة ليست هي الوحيدة التجوال بين طيات الكتاب ، لا بل ان الروح الإسلامية موجودة هي الأخرى وحسبك ان تقرأ بقية الكلام الذي سرده ثورن على مسامع بلبو باجنز لتفهم ما اقول ،
اليك تكملة القصة يقول ( لقد بنوا في تلك الأيام بلدة (ديل ) المبهجة ، وكان الملوك يستعينون بالحدادين منا ويكافئون حتى أقلهم مهارة بسخاء ، كان الآباء يتوسلون إلينا كي نأخذ غلمانهم ليتمرنوا على الجرف ، ويدفعون الكثير في مقابل ذلك ، فكانوا يزودننا بالطعام ، حيث أننا لم نكن نزرع او نبحث عن طعامنا بأنفسنا ، إجمالاً كانت تلك أياماً طيبة بالنسبة إلينا ، وافقر فقراوءنا امتلك من الأموال ما يكفيه وما يكفي ان يقرض غيره ، ومن الوقت ما يكفي ان يقضيه في الاستمتاع بها ، ناهيك عن اكثر الألعاب روعك وسحراً ، والتي ليس لها مثيل في عالمنا اليوم ، وعليه فقد امتلأت ساحة وأروقة جدي بالدروع والجواهر والمنحوتات والكؤوس ، وأصبحت سوق الألعاب ببلدة (ديل) بمثابة أعجوبة الشمال ...) الحديث عن جده هنا يذكر بشكل رمزي معين الى قضية ارث الإمام المهدي (عج) وهو وريث جده رسول الله الأعظم (ص) ، وهو في هذه النقطة يشترك مع السيد المسيح في كونهما مستحقين لأرث شرعي لا غبار عليه من أسلافهم الأنبياء ، وهو حق يعترف الجميع انه ملك صرف لهم دون منازع او شريك ، الا ان الأمور لم تجري على نصابها الصحيح فظهر من سلبهم هذا التراث الإلهي ، وقد عبر عنه الكاتب فيما بعد بشخصية او مخلوق أسطوري لطالما كانت نتاج خيال البشرية الخصب في قرون من الزمان في أدب الأطفال ، هو "التنين" ذلك المخلوق المفترض انه يعيش في البحر في أعماقه السحيقة ويظهر في كل قصة ملحمية ليكون محنة مع البشر الذي يركبون السفن ويجولون البحار والمحيطات ، غير ان هذا المخلوق لم يكن في قصص الخيال موجودا فحسب بل ان وجوده تعدّى الى الكتب المقدسة اذ نراه بوضوح على لسان يوحنا الرسول في رؤياه اللاهوتية الموجودة في كل نسخة كتاب مقدس اليوم ، المهم ان هذا التنين عبر عنه في الأنجيل انه رمز لعدو المسيح الذي لن يكون له هم سوى ان يحارب المخلص الإلهي الموعود مع أنصاره وأعوانه في يوم الدينونة العظيم ، لذلك نجد ان الأقتباس من الكتاب المقدس عاد مجدداً يبرز بوضوح في أدب توكين ، وهذه المرة يكون هو العدو الأول والأخير لرفقة الأقزام بقيادة سليل الملوك (ثورن) ، لننظر ما يقول توكين عن هذه المسالة بالذات ومما لا شك فيه ان تلك الأسباب هي التي أتت بالتنين ، فانت تعرف التنانين يسرقون الذهب والجواهر من بني البشر والالفيين والأقزام أينما وجدوا، ويحرسون كل ما يسرقونه وينهبونه ما داموا أحياء ، بمعنى اخر ،إلى الأبد ، ما لم يتم قتلهم ، ولا يستمتعون أبداً بأي من غناءمهم ، فهم لا يعرفون الفرق بين ما هو جيد الصنع وما هو رديء الصنع ، رغم أنهم عادةً ما تكون لديهم معرفة جيدة بالقيمة السوقية لما يسرقون وقت سرقته ، هوءلاء التنانين لا يمكنهم صنع أي شيء لأنفسهم ، بل لا يمكنهم حتى إصلاح جزء صغير تألف في دروعهم . في تلك الأيام كان الكثير من التنانين يسكنون الشمال ، ومن المحتمل ان يكون الذهب قد صار شحيحاً هناك ، بما ان الاقزام كانوا أما يرحلون الى الجنوب او يقتلون ، وأيضاً بنتيجة الخراب او الدمار اللذين تسبب فيهما التنانين بصفة عامة ...) والحديث عن التنانين من وجهة نظر إيحائية او كتابية لو صح التعبير يحتاج الى الإستعانة بكتب التفاسير الأنجيلية الكثيرة في المكتبة ، اذ اشبع العديد من الباحثين ورجال الدين المسيحيين الموضوع شرحاً وتنظيراً وتفسيراً إزاء هذه الشخصية الشريرة في كلام يوحنا اللاهوتي ، ولن نذكر بالطبع كل تلك التفاسير هنا لأن الموضوع سيخرج عن سياقه الذي رسمناه في بحثنا الصغير هذا ، ولعلنا ينفرد حلقة خاصة عن التنين وماهيته وكشف حقيقته من خلال الربط بين الرؤيا وقصة توكين هذه فإلى ذلك الحين نختصر على القول انه يشير الى كل عدو لدود لأولياء الله عبر التأريخ ، وقس على ذلك البناء كل من وقف قبال الأنبياء والرسل من أشخاص وحكومات وقوى غاشمة وطغاة ، هو إذن كل شر عرفه العالم منذ فجر التأريخ يصارع الخير ويرصد له العداء والحرب ، ولا شك انه صديق حميم لروح الشر الأزلية (إبليس) اللعين الذي لا يفتأ يتربص بالحق والعدل والخير منذ ولادة آدم وحتى مجئ الخلاص .
وتلخيصاً للبحث نقول ان الكاتب اكتفى بتسليط الضوء على حقيقة التنين الذي هو المجرم الذي سرق الإرث من الملك الموعود والوارث الشرعي الرسمي ، والى هذه النقطة تكون ملامح القصة مجملاً توضحت بشكل كبير ، فالأبطال بقيادة الملك هم مجموعة تطلب استعادة الكنز المفقود والإرث المسروق من التنين العظيم الذي تجرأ بطمعه ووقاحته وعنجهيته الى الإستيلاء على ما ليس له ، لذا هي محاكاة واضحة لقصة المسيح والإمام المهدي (عليهما السلام) .. فكلاهما كما أسلفنا ينتظر الفرج وينتظر اكتمال العدة (الرفقة) للمطالبة بحقه المنزوع منذ قرون ، اما الذهب والكنز فهو اشارة واضحة الى الشئ الثمين الذي لا يقدر بمقدار ، وإن كانت حلية الملوك القصصين والحقيقيين هي المجوهرات والذهب واللألئ في قوانين الدنيا الزائفة ، فإن الأمر يختلف تماماً مع رجالات الله المقدسين الذيو لا يكنزون الذهب ولا الفضة في الدنيا ، فهمهم هو اقامة دولة العدل الإلهي حلم الأنبياء على مر العصور ، فنحن نعلم ما يريد الكاتب الإيحاء به من خلال الترميز بالكنز الذي هو الذهب ، لأن مملكة المنقذ الموعود لن تنحصر بمادة او معدن باهض الثمن ونادر الوجود ، بل هي منصب الهي رفيع خصه الخالق عز وجل به اولياءه من دون الناس ، ومكانة لا يدانيهم فيها احد ، ومن تسوّل له نفسه منازعة الملك الحقيقي عليه ان يتوقع رجوع الورثة الذي سيطلبون حقهم عاجلاً ام آجلاً .
أخيراً نقول ان "ج ر. ر. توكين" الكاتب بعد ما قرأناه قد يكون سمع بقصة المهدي (عج) او يكون لم يفعل !... وقد يكون أراد الإيحاء بالرؤية الإسلامية او نقول ان النظرية الملائمة لتفسير ما كتب هو انه كتب برؤية وروحية مسيحية بحتة لكن يد التصرف الإلهي كانت حاضرة خلال كتابة روايته (الهوبيت) فناغت فصوله قصة المهدي الموعود (عج) الى جنب المسيح (ع) من حيث لا يعلم ، والحال ان الهدف المنشود في كل الأحوال قد أصاب اتجاهه بإحكام ، وهوليود بإنتاجها هذه القصة وترجمتها الى عمل سينمائي عالمي قد لعبت على أوتار وأنغام اكثر من ديانة واستوعبت بهذه الصياغة اكثر شعوب الأرض التي تنتظر -وفق أدبياتها الدينية - مخلصاً موعوداً يطالب بحقه المسلوب ولو بعد حين ، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة من تأريخ البشرية الذي يمر بأزمات متلاحقة ومقبل على حروب ونزاعات اكبر ربما مما مر على صفحات التاريخ نفسه ، فالجميع يترقب حدوث امر عظيم ويتوقع ان تبدأ التنانين النائمة بالحراك والتكشير عن أنيابها المخفية خلف وجوه آدمية باسمة بثغر خداع وماكر ليس له هم سوى ابتلاع من تبقى من عصابة الملك السليب سليل الملوك الأوائل .
تعليق