تويت
مدونات نارنيا .. قصة خيالية ذات مغزى ديني
خلال الحرب العالمية الثانية تتعرض لندن للقصف، ومعظم الأسر المقتدرة تخرج ابناءها من العاصمة البريطانية، فالطائرات تلقي القنابل، والصواريخ الالمانية تهبط عليها كالمطر، والحكومة تنصح بإخراج الصغار منها. اربعة اطفال انجليز (بيتر، سوزان، ادموند ولوسي) يضطر ذووهم إلى ارسالهم إلى منزل أستاذ جامعي (بروفسور)، غريب الأطوار. يجد الأطفال الحياة في دار البروفسور الكبيرة مملة جدا، فالجري ممنوع، والشجار ممنوع! ولا شيء سوى الملل.. ويلعب الأطفال «الاستغماية» للترويح عن انفسهم، ويتفرق الأطفال في ارجاء المنزل، وتعثر «لوسي» على «خزانة / دولاب» منزوية ومناسبة جدا للاختباء بداخلها. تدخل لوسي الخزانة وتجد نفسها في عالم غريب جدا. عالم يخيم عليه شتاء دائم ومغطى بالثلج، وهو عالم غريب وجميل جدا في آن، تعيش فيه كائنات اسطورية غريبة، تتحدث وتتصرف فيه الحيوانات كالبشر، العالم اسمه «نارنيا» وتسيطر عليه «الساحرة البيضاء (جاديس)» التي تفرض الشتاء القارس، لكنه شتاء ليس فيه «عيد ميلاد» (كريسماس)، وعلى النقيض من «جاديس» يوجد الملك الحكيم، «الأسد اسلان»، تحيط به مجموعة من الأوفياء. يكتشف الأطفال أن هناك نبوءة في «نارنيا» تقول إن هذه الأرض لن تتحرر إلا عند قدوم ابني آدم وابنتي حواء.
تلك باختصار قصة فيلم «يوميات نارنيا: الأسد، الساحرة والخزانة». الفيلم صور بطريقة مذهلة، ولا أعتقد أن بإمكان المرء استيعاب الابهار البصري في الفيلم الذي انتجته مؤسسة «والت ديزني» إلا بمشاهدته أو مشاهدة دعايته. وحتى من شاهد افلاما مثل «سيد الخواتم» أو «هاري بوتر» سيستغرب من العالم الذي صوره مخرج الفيلم، فالحيوانات والكائنات الغريبة ليست «كارتونية»، بل تشعرك انها حقيقية، ومن يشاهد الفيلم سوف يستغرب من الأسد «اسلان» ولن يصدق أنه رسم «كومبيوتري متحرك» على الإطلاق، أما عالم «نارنيا» بثلوجه وغاباته وبراريه فمدهش فعلاً. اين اذاً المشكلة ولماذا الضجة؟
قصة الفيلم قد تبدو بريئة وخالية من أي مضامين فلسفية او دينية، لكنها غير ذلك على الإطلاق، فالأسد «اسلان» ليس ملكا، بل «إلها معبودا» في عالم «نارنيا». الفيلم مأخوذ عن أولى روايات الكاتب البريطاني المثير للجدل سي. إس. لويس، للأطفال، الذي ما زال يثير الجدل بعد 42 عاما من وفاته، وما زالت كتاباته تستفز القطاعات العلمانية في العالم الانجلوسكسوني. وابلغت منظمة «امريكيون متحدون للفصل بين الكنيسة والدولة» حاكم ولاية فلوريدا، جب بوش (شقيق الرئيس الاميركي)، باستيائها من اختياره لكتاب «الأسد» الذي ألفه لويس ككتاب للقراءة خلال حملته الحالية لتشجيع طلاب المدارس على المطالعة، بدعوى أن الكتاب مليء بالإشارات المسيحية. وبالفعل يرمز الأسد عند لويس للمسيح، كما صرح هو وأفاد النقاد، ورواياته مليئة بمواضيع من العهدين القديم والجديد، ولكن كما قالت جي كي رولينغز، مؤلفة رواية «هاري بوتر»، إن المرء يستمتع بقصص لويس وهو طفل صغير ولا يفهم معانيها المسيحية إلا عندما يكبر.
وكتب لويس سلسلة روايات (7 كتب) «نارنيا» بين عامي 1950 و1956 وهي فترة عصيبة في حياته حيث كان يرعى اخا مدمنا للمخدرات، بالإضافة إلى والدته التي كان تعاني من مرض عضال. السلسلة حققت نجاحا مذهلا ودخلت التاريخ كواحدة من انجح القصص الموجهة للأطفال حيث باعت أكثر 85 مليون نسخة، وهذا أكثر من ما باعته كتبه الفلسفية والنقدية مجتمعة، حيث أن للويس مجموعة من الدراسات المسيحية المهمة من ابرزها «معضلة الألم» و«الطلاق العظيم» و«المعجزات» و«مسيحية فحسب».
ومن المرجح أن يحظى الفيلم المقتبس عن سلسة رواياته بنجاح كبير، فقصته سهلة وجميلة في آن، وتأتي ضمن سلسلة ملاحم الخير ضد الشر التي حققت نجاحا كبيرا كـ«سيد الخواتم». والمفارقة أن مؤلف «سيد الخواتم» (جي ار ار تولكين) كان صديقا للويس، ولم تعجبه سلسلة «نارنيا» على الإطلاق، بينما كان لويس معجبا بـ«سيد الخواتم». وعلى الرغم من ذلك ما كان للويس أن يكتب سلسلته لولا تولكين، حيث أن لويس كان مبغضا للعقيدة المسيحية بدعوى أنها تشبه الأساطير الوثنية التي تتحدث عن آلهة يموتون ليقوموا مرة اخرى. كان لويس يؤمن بالله إلا أنه كان منكرا لألوهية المسيح وللتثليث والقيام، غير أنه ذات ليلة عام 1931 قضى امسية طويلة مع صديقه تولكين وهو كاثوليكي متدين، واستاذ آخر في نقاش المسائل الدينية. وبعد ذلك كتب لويس رسالة إلى أحد اصدقائه قال فيها إن تولكين أقنعه بأن قصة المسيح أسطورة لكن الفارق أنها اسطورة «حقيقية» حصلت في الواقع. ويذكر لويس في مذكراته أنه آمن بوجود الله عام 1929 حيث أوصله النظر المجرد إلى أن «الله هو الله»، وجثى على ركبتيه وصلى.
بعد اعتناقه المسيحية وجه لويس وهو استاذ في الأدب جميع طاقاته تجاه الإبداع والكتابة مستلهما العقيدة المسيحية، وكتب مجموعة من القصص والروايات التي حققت نجاحا مذهلا، ويرى الأستاذ برايان ستون، المحاضر في كلية اللاهوت بجامعة بوسطن، أن فيلم ديزني الجديد سيثير الاهتمام بكتابات لويس غير الروائية مرة اخرى. ومع أن سلسلة «نارنيا» تثير الإعجاب لدى المؤمنين بالمسيحية وغير المؤمنين بها، إلا أن دراساته العقائدية تثير جدلا واسعا، بين مؤيد ورافض. ويقول الان جاكوبس، من جامعة ايلينوي، إن كتابات لويس تجذب المؤيدين بشدة وتستفز المخالفين بشدة ايضا. وكان جاكوبس قد تعرض لنقد شديد من المسيحيين التبشيريين والمؤيدين لسلسلة «نارنيا» لأنه اثار قضايا فلسفية وطرح تساؤلات بخصوص عدد من الشخصيات، ويجمع معاصرو لويس على أنه كان استاذا موسوعيا بحق وانه كان دمث الأخلاق. ولا تثير كتابات لويس او رواياته ضجة كبير في المملكة المتحدة (بلده الأصلي) عكس الولايات المتحدة التي يبدو أن مشهدها الثقافي سيضربه إعصار لويس، ويفسر الأب كلير ماك فرسون، المحاضر بكلية ترينيتي بنيويورك، ذلك بأن «المشهد الانجليزي اكثر علمانية.. وليسو مهتمين بالموضوع على الإطلاق». ويرى الاستاذ جاكوبس أن الضجة الحالية من صنع التيارين التبشيري البروتستانتي والكاثوليكي المحافظين، ويختلف مع القائلين بأن اهمية لويس في دفاعه العقلاني عن المسيحية تكمن في «تصويره الجميل والجذاب لذلك الدين».
منقول (عن صحيفة الشرق الأوسط الجمعـة 09 ذو القعـدة 1426 هـ 9 ديسمبر 2005 العدد 9873 )
خلال الحرب العالمية الثانية تتعرض لندن للقصف، ومعظم الأسر المقتدرة تخرج ابناءها من العاصمة البريطانية، فالطائرات تلقي القنابل، والصواريخ الالمانية تهبط عليها كالمطر، والحكومة تنصح بإخراج الصغار منها. اربعة اطفال انجليز (بيتر، سوزان، ادموند ولوسي) يضطر ذووهم إلى ارسالهم إلى منزل أستاذ جامعي (بروفسور)، غريب الأطوار. يجد الأطفال الحياة في دار البروفسور الكبيرة مملة جدا، فالجري ممنوع، والشجار ممنوع! ولا شيء سوى الملل.. ويلعب الأطفال «الاستغماية» للترويح عن انفسهم، ويتفرق الأطفال في ارجاء المنزل، وتعثر «لوسي» على «خزانة / دولاب» منزوية ومناسبة جدا للاختباء بداخلها. تدخل لوسي الخزانة وتجد نفسها في عالم غريب جدا. عالم يخيم عليه شتاء دائم ومغطى بالثلج، وهو عالم غريب وجميل جدا في آن، تعيش فيه كائنات اسطورية غريبة، تتحدث وتتصرف فيه الحيوانات كالبشر، العالم اسمه «نارنيا» وتسيطر عليه «الساحرة البيضاء (جاديس)» التي تفرض الشتاء القارس، لكنه شتاء ليس فيه «عيد ميلاد» (كريسماس)، وعلى النقيض من «جاديس» يوجد الملك الحكيم، «الأسد اسلان»، تحيط به مجموعة من الأوفياء. يكتشف الأطفال أن هناك نبوءة في «نارنيا» تقول إن هذه الأرض لن تتحرر إلا عند قدوم ابني آدم وابنتي حواء.
تلك باختصار قصة فيلم «يوميات نارنيا: الأسد، الساحرة والخزانة». الفيلم صور بطريقة مذهلة، ولا أعتقد أن بإمكان المرء استيعاب الابهار البصري في الفيلم الذي انتجته مؤسسة «والت ديزني» إلا بمشاهدته أو مشاهدة دعايته. وحتى من شاهد افلاما مثل «سيد الخواتم» أو «هاري بوتر» سيستغرب من العالم الذي صوره مخرج الفيلم، فالحيوانات والكائنات الغريبة ليست «كارتونية»، بل تشعرك انها حقيقية، ومن يشاهد الفيلم سوف يستغرب من الأسد «اسلان» ولن يصدق أنه رسم «كومبيوتري متحرك» على الإطلاق، أما عالم «نارنيا» بثلوجه وغاباته وبراريه فمدهش فعلاً. اين اذاً المشكلة ولماذا الضجة؟
قصة الفيلم قد تبدو بريئة وخالية من أي مضامين فلسفية او دينية، لكنها غير ذلك على الإطلاق، فالأسد «اسلان» ليس ملكا، بل «إلها معبودا» في عالم «نارنيا». الفيلم مأخوذ عن أولى روايات الكاتب البريطاني المثير للجدل سي. إس. لويس، للأطفال، الذي ما زال يثير الجدل بعد 42 عاما من وفاته، وما زالت كتاباته تستفز القطاعات العلمانية في العالم الانجلوسكسوني. وابلغت منظمة «امريكيون متحدون للفصل بين الكنيسة والدولة» حاكم ولاية فلوريدا، جب بوش (شقيق الرئيس الاميركي)، باستيائها من اختياره لكتاب «الأسد» الذي ألفه لويس ككتاب للقراءة خلال حملته الحالية لتشجيع طلاب المدارس على المطالعة، بدعوى أن الكتاب مليء بالإشارات المسيحية. وبالفعل يرمز الأسد عند لويس للمسيح، كما صرح هو وأفاد النقاد، ورواياته مليئة بمواضيع من العهدين القديم والجديد، ولكن كما قالت جي كي رولينغز، مؤلفة رواية «هاري بوتر»، إن المرء يستمتع بقصص لويس وهو طفل صغير ولا يفهم معانيها المسيحية إلا عندما يكبر.
وكتب لويس سلسلة روايات (7 كتب) «نارنيا» بين عامي 1950 و1956 وهي فترة عصيبة في حياته حيث كان يرعى اخا مدمنا للمخدرات، بالإضافة إلى والدته التي كان تعاني من مرض عضال. السلسلة حققت نجاحا مذهلا ودخلت التاريخ كواحدة من انجح القصص الموجهة للأطفال حيث باعت أكثر 85 مليون نسخة، وهذا أكثر من ما باعته كتبه الفلسفية والنقدية مجتمعة، حيث أن للويس مجموعة من الدراسات المسيحية المهمة من ابرزها «معضلة الألم» و«الطلاق العظيم» و«المعجزات» و«مسيحية فحسب».
ومن المرجح أن يحظى الفيلم المقتبس عن سلسة رواياته بنجاح كبير، فقصته سهلة وجميلة في آن، وتأتي ضمن سلسلة ملاحم الخير ضد الشر التي حققت نجاحا كبيرا كـ«سيد الخواتم». والمفارقة أن مؤلف «سيد الخواتم» (جي ار ار تولكين) كان صديقا للويس، ولم تعجبه سلسلة «نارنيا» على الإطلاق، بينما كان لويس معجبا بـ«سيد الخواتم». وعلى الرغم من ذلك ما كان للويس أن يكتب سلسلته لولا تولكين، حيث أن لويس كان مبغضا للعقيدة المسيحية بدعوى أنها تشبه الأساطير الوثنية التي تتحدث عن آلهة يموتون ليقوموا مرة اخرى. كان لويس يؤمن بالله إلا أنه كان منكرا لألوهية المسيح وللتثليث والقيام، غير أنه ذات ليلة عام 1931 قضى امسية طويلة مع صديقه تولكين وهو كاثوليكي متدين، واستاذ آخر في نقاش المسائل الدينية. وبعد ذلك كتب لويس رسالة إلى أحد اصدقائه قال فيها إن تولكين أقنعه بأن قصة المسيح أسطورة لكن الفارق أنها اسطورة «حقيقية» حصلت في الواقع. ويذكر لويس في مذكراته أنه آمن بوجود الله عام 1929 حيث أوصله النظر المجرد إلى أن «الله هو الله»، وجثى على ركبتيه وصلى.
بعد اعتناقه المسيحية وجه لويس وهو استاذ في الأدب جميع طاقاته تجاه الإبداع والكتابة مستلهما العقيدة المسيحية، وكتب مجموعة من القصص والروايات التي حققت نجاحا مذهلا، ويرى الأستاذ برايان ستون، المحاضر في كلية اللاهوت بجامعة بوسطن، أن فيلم ديزني الجديد سيثير الاهتمام بكتابات لويس غير الروائية مرة اخرى. ومع أن سلسلة «نارنيا» تثير الإعجاب لدى المؤمنين بالمسيحية وغير المؤمنين بها، إلا أن دراساته العقائدية تثير جدلا واسعا، بين مؤيد ورافض. ويقول الان جاكوبس، من جامعة ايلينوي، إن كتابات لويس تجذب المؤيدين بشدة وتستفز المخالفين بشدة ايضا. وكان جاكوبس قد تعرض لنقد شديد من المسيحيين التبشيريين والمؤيدين لسلسلة «نارنيا» لأنه اثار قضايا فلسفية وطرح تساؤلات بخصوص عدد من الشخصيات، ويجمع معاصرو لويس على أنه كان استاذا موسوعيا بحق وانه كان دمث الأخلاق. ولا تثير كتابات لويس او رواياته ضجة كبير في المملكة المتحدة (بلده الأصلي) عكس الولايات المتحدة التي يبدو أن مشهدها الثقافي سيضربه إعصار لويس، ويفسر الأب كلير ماك فرسون، المحاضر بكلية ترينيتي بنيويورك، ذلك بأن «المشهد الانجليزي اكثر علمانية.. وليسو مهتمين بالموضوع على الإطلاق». ويرى الاستاذ جاكوبس أن الضجة الحالية من صنع التيارين التبشيري البروتستانتي والكاثوليكي المحافظين، ويختلف مع القائلين بأن اهمية لويس في دفاعه العقلاني عن المسيحية تكمن في «تصويره الجميل والجذاب لذلك الدين».
منقول (عن صحيفة الشرق الأوسط الجمعـة 09 ذو القعـدة 1426 هـ 9 ديسمبر 2005 العدد 9873 )
تعليق