((الختوم السبعة في رؤيا يوحنا ))
تعتبر رؤيا يوحنا من اسفار العهد الجديد النبوءاتية وهو آخر ما مدون او منظوي تحت مسمى العهد الجديد وآخر اسفار الكتاب المقدس ككل ، وقد اختلف في نسبة السفر الى من ولكن غالب الظن هو نسبته الى يوحنا تلميذ يسوع المسيح وايا كان المنسوب اليه فما يعنينا هو متن هذه الرؤيا وليس سندها ، فالكثير من المفسرين المسيحيين والمسلمين على حد سواء اهتموا بتفاصيل هذه الرؤيا والتي في نظر البعض اقرب الى الميثولوجيا الألهية ان صح التعبير ، فهي من اولها الى آخرها تحمل الكثير من الرمزية في معانيها ويكتنفه الغموض الى الحد الذي وقف عندها المفسرين بأبهام كبير منذ قرون وحتى اليوم ، ونجد ان هناك من شرق وغرب في الشرح والتفسير والتأويل فلك ان تبحث في محرك البحث داخل الشبكة العنكبوتية لتجد مصداق ما نقول حول كثرة التفاسير واختلاف المفسرين . وعلى اية حال فأننا سنحاول ان نتأمل في هذا السفر العظيم –في وجهة نظرنا- والذي يحمل الكثير من اسرار حركة الظهور المقدس وعلاماته الأخيرة خصوصا وهي ما ستراه عيون البشرية في وقت قريب انشاءالله ، ولا نجزم ان ما سنقوله هو الفيصل والفصل لكن هي محاولة لتقريب الفهم الصحيح المنطوي تحت ادلة كتابية ورواياتية من كلا الديانيتن الأسلامية والمسيحية ومحاولة الربط بألتراث الأسلامي من جهة والتراث المسيحي من جهة أخرى ومن الله التوفيق والتسديد.
نبدأ بعون الله من الأصحاح الخامس وتحديدا عند موضوع السفر المختوم والخروف :
(ورايت على يمين الجالس على العرش سفرا مكتوبا من داخل ومن وراء مختوما بسبعة ختوم ورايت ملاكا قويا ينادي بصوت عظيم من هو مستحق ان يفتح السفر ويفك ختومه) الختم في اللغة يعني (التغطية على الشيء والأستيثاق من ان لا يدخله شيء ..والختام الطين الذي يختم به الكتاب..)لسان العرب لأبن منظور ، اذن يبدأ الأصحاح بالحديث عن السفر الذي يحمله الخروف وهنا يصف حاله بأنه مختوم اي مغطى كما اسلفنا وعليه يحتاج الى فك لغطاءه وقد استحق السيد المسيح(ع) او الأمام الحسين(ع) في رجعتهما في آخر الزمان ان يفك كل منهما الختوم او الاغطية عن علامات آخر الزمان من خلال اظهارها للمؤمنين والمنتظرين والتي ستكون كنظام الخرز يتبع بعضها بعضا .
(ونظرت لما فتح الخروف واحدا من الختوم السبعة وسمعت واحدا من الاربعة الحيوانات قائلا كصوت رعد هلم وانظر. فنظرت واذا فرس ابيض والجالس عليه معه قوس وقد اعطي اكليلا وخرج غالبا ولكي يغلب) هنا بدأت عملية فك الرموز والختوم وكشف العلامات التي ستحدث واولها هو الفرس الأبيض ويشير الى الأمراض والأوبئة التي ستحدث في بداية عصر الظهور وهو ما يؤكده الخبر المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: " بين يدي القائم موت أحمر و موت أبيض و جراد في حينه و جراد في غير حينه كألوان الدم. فأما الموت الأحمر فالسيف. و أما الموت الأبيض فالطاعون (الغيبة للطوسي: 277) ولهذا سوف تمرالبشرية باولى الأبتلاءات وهو الطاعون وليس تحديدا هذا المرض الذي انحسر بشكل كبير في العالم اليوم لكن يشير انتشار مرض فتاك كصفة الطاعون من سرعة الأنتشار والفتك بالبشر اذا ما وقع في مدينة ما ، واليوم سمع العالم بأمراض غريبة عجيبة كانت اشد وطأة من الطاعون ولا زال العلم الحديث يكتشف في كل حين مرض خطير من شانه ان يربك العالم ويبث الرعب فيه .
(ولما فتح الختم الثاني سمعت الحيوان الثاني قائلا هلم وانظر. فخرج فرس اخر احمر وللجالس عليه اعطي ان ينزع السلام من الارض وان يقتل بعضهم بعضا واعطي سيفا عظيما) لا شك ان الفرس الأحمر له ارتباط وثيق بالموت الأحمر الذي اشارت اليه رواية امير المؤنين(ع) وهو الأبتلاء الثاني الذي تمر به البشرية بعد المرض والطاعون وهو يتجلى في كثرة القتل والقتال بين الناس (لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل) (نعم قتل فظيع وموت سريع وطاعون شنيع - الهداية للحصني ص 31) .
(ولما فتح الختم الثالث سمعت الحيوان الثالث قائلا هلم وانظر.فنظرت واذا فرس اسود والجالس عليه معه ميزان في يده. وسمعت صوتا في وسط الاربعة الحيوانات قائلا ثمنية قمح بدينار وثلاث ثماني شعير بدينار واما الزيت والخمر فلا تضرهما) هنا يبين مرحلة القحط التي ستمر والمتمثلة بالأزمة الأقتصادية العالمية التي تسبق القيام المقدس ويرى اكثر سكان الأرض في كساد كبير حتى تصل اثمان السلع الغذائية الأساسية الى اعلى مستوياتها فتجد اكثر شعوب الأرض وخصوصا البلدان الفقيرة والمستضعفة صعوبة بالغة في اقتناء لقمة العيش فتعيش تلك الأيام بفقر وجوع واضح وهو ما وصف في الأخبار (عن الصادق (عليه السلام): لابد أن يكون قدّام القائم سنة تجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبين، ثم تلا (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) كتاب الغيبة للنعماني: 250، باب 14، ح6 ، وبسنده أن جابر الجعفي سأل الباقر (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: ذلك خاص وعام، فأما الخاص من الجوع بالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم، وأما العام فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم مثله قط، وأما الجوع فقبل قيام القائم، وأما الخوف فبعد قيامه (كتاب الغيبة للنعماني: 251، باب 14، ح7) (ولما فتح الختم الرابع سمعت صوت الحيوان الرابع قائلا هلم وانظر. فنظرت واذا فرس اخضر والجالس عليه اسمه الموت والهاوية تتبعه واعطيا سلطانا على ربع الارض ان يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الارض) لا شك ان اللون الأخضر هو لون مبارك ولا معنى لأستخدامه في وصف مرحلة صعبة كهذه الا من باب ان ظاهر الشدة هي نقمة على البشر من خلال السيف والجوع والموت ، لكن الباطن هو رحمة للخلق ففيها سوف يزيل الله جزء كبير من اعداء الحجة المنتظر(عج) وفيه جاء في الأخبار
حديث محمد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قدّام القائم بلوى من الله، قلت: وما هي جعلت فداك؟ فقرأ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ)... الآية، ثم قال: الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأموال من كساد التجارات وقلة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام). الإرشاد للمفيد، ج2: 377.
وعن الصادق (عليه السلام): لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس(الغيبة للنعماني: 274، باب 14، ج54.) (ولما فتح الختم الخامس رايت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى ايها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الارض. فاعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم ان يستريحوا زمانا يسيرا ايضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم ايضا العتيدون ان يقتلوا مثلهم) بعد مرور العالم بكل تلك المراحل الصعبة الشديدة تأتي فترة هدوء وترقب لا تحصل فيها احداث مهمة او ملفتة للنظر بل هي فترة انتظار خصوصا للأنصار المرتقبين للفرج والدليل هو قول الملائكة لأرواح المستشهدين في سبيل الله وكلمته (استريحوا زمانا يسيرا) اي انها فترة قصيرة في الحساب الملكوتي امدها حتى(اكتمال العبيد ) وهم المؤنين الذين لا زالوا صابرين منتظرين للوعد الحق ، والقتل هنا لا يراد منه القتل الحقيقي بل ربما المعنوي وهو معناه ان يقتل الأنسن نفسه اي يخلصها من التعلق بالدنيا وزخرفها حيث رود في الخبر(موتوا قبل ان تموتوا) وقال المسيح نفسه في هذا الصدد (فان من اراد ان يخلّص نفسه يهلكها.ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها) مت 16: 25 ، (فان من اراد ان يخلّص نفسه يهلكها.ومن يهلك نفسه من اجلي ومن اجل الانجيل فهو يخلّصها.) مر 8: 35 . (ونظرت لما فتح الختم السادس واذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر والقمر صار كالدم ونجوم السماء سقطت الى الارض كما تطرح شجرة التين سقاطها اذا هزتها ريح عظيمة والسماء انفلقت كدرج ملتف وكل جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما. وملوك الارض والعظماء والاغنياء والامراء والاقوياء وكل عبد وكل حر اخفوا انفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف لانه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف) هذه العلامات المتعددة لها ارتباط وثيق بالعلامات المذكورة في سورة التكوير حيث يقول تعالى(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ* وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) ومع ذلك فأن هذا التعبير الذي وصفت به الشمس انها صارت سوداء ربما يشير الى شدة(الغيبة) اما احمرار القمر كالدم فربما يشير الى مقتل (الوزير) السيد اليماني في مرحلة من مراحل الظهور المقدس الذي يسبق قيام الأمام المهدي(عج) وبقية الرموزالمعنية بالختم السادس ربما تحتاج الى مفسر كبير له علم بالتأويل والله العالم وهذا مبلغ علمي والى اللقاء في حلقة قادمة تبدأ انشاءالله من حيث انتهينا اي في الختم السابع الذي ارتأينا تأجيله الى الحقة القادمة لما له صلة بموضوع مفصل آخر الا وهو الأبواق السبعة .