اغلاق الباب بوجه المسيح(ع)
وعد السيد المسيح تلامذته واتباعه في اثناء مجيئه الأول انه سيعود ويحكم العالم في مجيئه الثاني وقد استخدم في هذا الصدد تعبير ابن الأنسان خصوصا اشارة الى عودته ليدين العالم ويحكم قبل يوم الدينونة الكبرى ، ومن تلك العبارات الأنجيلية الحاكية عن هذا الموضوع نورد :-
(يرسل ابن الانسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الاثم.) متي 13 : 41 ، (فان ابن الانسان سوف يأتي في مجد ابيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله) متي 16 : 27 ، (فقال لهم يسوع الحق اقول لكم انكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون انتم ايضا على اثني عشر كرسيا تدينون اسباط اسرائيل الاثني عشر) متي 19 : 28 ، (لانه كما ان البرق يخرج من المشارق ويظهر الى المغارب هكذا يكون ايضا مجيء ابن الانسان) متي 24 : 27 ، وغيرها من الآيات الكثيرة اعرضنا عنها بغية الأختصار ومن خلالها ترسخ الأيمان بان المسيح له يوم مجيء تميز به عن باقي الرسل والأنبياء السابقين ومكانة خاصة في يوم الدينونة الصغرى . وقد اصطلح على مفهوم المجيء الثاني بمصطلح (الحكم الألفي) وهو مستمد من ورود اشارة صريحة لحكم الالف سنة في اكثر من مرة في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي (ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما ورأيت نفوس الذين قتلوا من اجل شهادة يسوع ومن اجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى ايديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح الف سنة.) رؤ 20 :4 ، (مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الاولى.هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة للّه والمسيح وسيملكون معه الف سنة) رؤ 20 :6 ، (فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو ابليس والشيطان وقيّده الف سنة) رؤ 20 :2 ، (وطرحه في الهاوية واغلق عليه وختم عليه لكي لا يضل الامم في ما بعد حتى تتم الالف سنة وبعد ذلك لا بد ان يحل زمانا يسيرا) رؤ20 :3 ، اذن مسألة صحة العقيدة القائلة بالملك الألفي لا غبار عليها بعد ورودها في مواضع عدة من كلام القديس يوحنا خلال سفره الشهير . لكن الاختلاف في مفهوم وكيفية الحكم الألفي قد وقع بين الطوائف المسيحية وخصوصا (البروتيستانت من جهة والأرذدوكس والكاثوليك من جهة معاكسة) وعلى الرغم من وجود خلافات عديدة بين تلك الطوائف التي تعد الأبرز بين غيرها في العالم والتـأريخ المسيحي ، الا اننا سنركز على موضوع الخلاف حول عقيدة الحكم الألفي وتفاصيله عند الطوائف الآنفة الذكر في مقالتنا هذه.
اشتهر قول البروتستانت لدى الباحثين انهم التزموا بالنص الصريح لموضوع الحكم الالفي مع الاعتقاد بمجيئه على الأرض وهو مرتبط اولا بعقيدتهم الأساسية في المجيء الثاني ليسوع اذ يذهبون الى القول بان يسوع ستكون له مملكة ارضية مادية قبل الدينيونة الكبرى للأموات حين يجيء ليدين العالم ويخلص مختاريه ارضيا وروحيا ، وبذلك اشتهر اتباع مارتن لوثر حول العالم بأنتظارهم ممكلة المسيح الأرضية منذ تعليقه على الخشبة ايام هيرودس ، اما الكاثوليك والآرذدوكس فقد كانت طريقتهم في تفسير النص الصريح حول الحكم الألفي تختلف تماما عن نظرائهم من البروتستانت ، اذ ذهبوا الى القول بأن المسيح لن يأتي الى الأرض ثانية " وان مملكته ستكون روحية اكثر من كونها مادية ولا معنى لعودته رجلا حيا الى سطح الأرض وانما ستكون عودته بأسلوب المسير في السحاب وهو تفسيرهم لقول يسوع حين تحدث عن مجيئه الأخير (وحينئذ يبصرون ابن الانسان آتيا في سحاب بقوة كثيرة ومجد) مرقس 13 : 26 ، ويعتقدون كذلك ان الحكم الألفي قد بدأ حين علق المسيح على الصليب فمن تلك اللحظة بدأ ملكوته والى ذلك المعنى يشير الأنبا شنودة الثالث في كتابه اللاهوت المقارن في جزءه الأول مدافعا عن هذا المفهوم قائلا (هذا الملك بدأ علي الصليب، حينما اشترانا الرب بدمه. بعد سقوط آدم. دخلت الخطية إلي العالم، وبها دخل الموت ، وكنا جميعاً مبيعين تحت الخطية، تحت حكم الموت. فجاء المسيح بفدائه، دفع ثمن خطايانا، واشترنا بدمه. وهكذا قيل: الرب ملك على خشبة –مزمور 95، ومن ذلك الحين، من وقت الفداء، أصبحنا وكل المفديين ملكاً للرب. وبدأ ملك المسيح وبدأت تتحقق نبؤات المزامير، التي تبدأ بعبارة (الرب قد ملك) (مز92: 96، 98). وتضعها الكنيسة في صلاة الساعة السادسة، والساعة التاسعة، منذ صلب المسيح حتى موته.. وبدأ المسيح ملكه الألفي من علي الصليب. ) اما بخصوص الرقم المذكور في سفر الرؤيا ونعني به (الألف سنة) فهنا تحديدا يجد الأنبا تفسيرا مناسبا لأطروحته او اطروحة كنيسته بكل حال من الأحوال ويقول ان الرقم الف انما هو اشارة رمزية لا تعني تحديدا تلك الفترة من حكم المسيح الموعود وانما هي تفيد الكثرة ، يقول في نفس الموضع من الكتاب (كلمة (ألف سنة) هي تعبير رمزي. لا تؤخذ بالمعني الحرفي إطلاقاً. فرقم 10 يرمز إلي الكمال ... ورقم ألف هو 10×10×10 أي مضاعفات هذا الرقم. والقديس بطرس الرسول يقول (لا يخفي عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد) (2بط8:3). فالألف سنة هي فترة غير محدودة، مثلها مثل أيام الخليقة الستة، والقياس مع الفارق. وهي الفترة من الصليب، حتى يحل الشيطان من سجنه ) وظاهر الأمر ان الأنبا قد نجح في تذليل العقبات والمطبات القوية في اطروحة الكنيسة الأرذدوكسية هذه حول حكم المسيح عندما اجتاز موضوع الألف سنة من خلال الفهم الرمزي وان كانت لا تصمد امام قلم الناقد ، اذ ان المعنى الرمزي لا يصح ان يكرر في اكثر من موضع ..واذا ما رجعنا الى سفر الرؤيا نجد ان كلمة الألف وردت 4 مرات بشكل صريح وهذا انما يعني ان موضع الألف سنة مؤكد لا يقبل الرمزية بل يفيد التحديد والتخصيص ، وهو رقم محترم ومقدس والا لما كررته نبوءة يوحنا في سفرها اللاهوتي عدة مرات ، وعلى أي حال فأننا لو تنزلنا وقلنا بأطروحة الأنبا شنودة ومن تبناها من بعده او قبله من ارباب المدارس الكنسية التفسيرية فنجد انفسنا مرة اخرى امام عقبة يصعب تخطيها وفق هذه الطريقة في التفسير وهي موجودة في باقي تفاصيل السفر ، هذه المطبة الثانية تتمثل في مسألة تقييد الشيطان المرتبطة بعدد سنوات ملك المسيح ، والآن كيف سيحلها الأنبا شنودة ؟!...لكن الدهاء الاول والألتفاف على النص كما يقولون هو ديدن آباء الكنيسة الماكرين ، حيث يحاول ان يقدم دليل اهون من نسيج العنكبوت معتقدا انه سيصمد طويلا امام الرياح العاتية القادمة الى مدرسته المتهرئة ، نعم ...انظر كيف يطرح ادلة عقلية متدنية واستدلالات غريبة حين يجد نفسه محرجا امام نص تأريخي ومقدس يصرح بان الشيطان سيكون مقيد ومكبل لألف سنة في اثناء حكم المسيح الأخير ، وهنا وجد ان لا مفر من سؤال لا بد من الأجابة عليه (اذا كان المسيح قد ملك ولا زال يملك ، فأين قيود الشيطان منذ ذلك الحين؟) ..هذه المرة هو يسأل ويجيب في ذات الوقت قائلا size]
يتبع ......
تعليق