الإمام المهدي (عج) في مخيلة الشعوب
قضية
الإمام المهدي (عج) من القضايا الكبرى التي تمثل آخر فصول المسرحية الكونية لهذا االابداع الكوني بشخوصه وأشخاصه والتي نشهد آخر فصولها في عالم الشهود , حيث أن آدم عليه السلام مثل الانتقالة الأولى التي هبطت بهذا المخلوق وتسببت في طرد مخلوقات أخرى من ذلك العالم المثالي إلى عالم التكليف , والمهدي عليه السلام يمثل الانتقالة الخاتمة التي سوف تنتقل بالكون وما فيه إلى عالمه المثالي الذي جاء منه .
تصميمٌ معلومة بدايته ونهايته لابد أن يكون مزروعا في فطرة الكائنات التي يُمسك بخيوطها المهدي , ولابد أن تكون المخلوقات عالمة عارفة بذلك من عالم الذر الذي نثره الله تعالى بين يديه على كوكب الخزائن فلا يُنزل منه تعالى إلا بقدر معلوم . ومن هنا وعلى طول مسيرة الإنسان لم يخلو زمان من فكرة الإمام المهدي وإن اختلفت المسميات ، إلا أنها كلها تصب في مفهوم ((المخلّص المنتظر))
فعقيدة المهدي قائمة منذ التاريخ الأول لخلق الإنسان ونزوله للأرض .
فالسومريون عرفوه . ومهديهم المخلص هو إيليا ثم من بعده حفيده الإله دو مو سين وهو أيضا مخلص عوالم ذلك الزمن (الآشوريين والبابليين والأكديين)، أنه يظهر بإسم إيل.
والسينيون (اليزيديون) وهم الديانة الباقية من ذلك الزمن السومري السحيق لازالوا يؤمنون بهذا المخلص وينتظروه وهم يذكرونه بإسم (خضر الياس )
والمنداء(الصابئة) الديانة الثانية بالقدم بعد السينيين(وهي نشأت في منتصف الألف الثالثة ق . م) تؤمن بمهدي منتظر وهو السيد سيتيل(الإله سيت) وهو شيت إبن آدم وغالبا ما يرد إسمه بصفته العينية(عاذيمون) التي تعني إبن الإله.
وفي شاكموني الهندوس يذكر: سينتهي النظام الملكي في هذه الدنيا علي يد ابن سيّد الخلائق كشن وسوف يحكم على جبال المشرق والمغرب ويركب الغيوم. وهذا القول نفسه الذي قاله المعصوم من أن المهدي : سوف يرتقي الأسباب ويمتطي الغيوم.
وفي زند الزردشيتة : سيأتي أعوان أهورا ليغيثوا ايزدان لينتصروا على اهريمان وسيعيش العالم في سعادة وبازدهار .
ومخلص اليهود حسب آخر سفر في العهد القديم (سفر ملاخي) هو إيليا،الذي ينتظروه إلى اليوم والذي ارتفع به الله إلى السماء : ((وكان عند اصعاد الرب ايليا في العاصفة الى السماء صعد ايليا في العاصفة الى السماء)).سفر الملوك الثاني الإصحاح 1 : 1ـ11. واليهود ينتظرونه على أنه المخلص وهو غير المسيا العسكري الذي سوف يأتي قبل إيليا حيث أن التوراة انبأتهم عند صعود إيليا إلى السماء بأنه سوف يأتي : ((انذا ارسل اليكم ايليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف)) سفر ملاخي الاصحاح 4 : 5.
ومخلص المسيحيين هو المسيح ذاته الذي ينتظرونه ، حيث قال لهم عندما ارتفع من بينهم : (( تاجروا حتى آتي )). إنجيل لوقا الإصحاح 19 : 13. وأنهم يدعون بأن المسيح اخبرهم بأنه سوف يعود كما رأوه يرتفع هكذا سوف يرجع لهم ويخلصهم : ((يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سياتي هكذا كما رايتموه منطلقا الى السماء.)) سفر أعمال الرسل الإصحاح 1 : 11.
وهكذا يظهر الإمام المهدي عج في مختلف العقائد والأديان وبمسميات شتى فالمهدي رافق مخيلة البشرية منذ وعيها الأول.وقد ظهر بأسماء عديدة منها:يس، ياسين، سِث، شيت، زوس، دوموزي، ، سنبل،هلال،عاذيمون،أمانوئيل،مار جي يس(جرجيس)،مقه،خضر ، مادين (1 )، ماشيع ، بوخس (2 ). وكلها تشير إلى خلاص العالم من الشر والاشرار على يده . حتى أن طائفة عظيمة من الناس يكونون ثلث البشرية تقريبا أولئك هم النصارى مع الهنات الموجودة في عقائدهم إلا أنهم يعتقدون بأن الله: ((اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدما للجميع)) سفر أعمال الرسل الاصحاح 17 : 31 . فإذن هذا الرجل عينه لإقامة العدل . وأعلم به الجميع . فالجميع يعرفونه .
ومن هنا، فعقيدة المهدي المخلص هي عقيدة لازمت التدين العالمي منذ بواكيره.أو منذ سبعة ألاف عام على الأقل الذي هو عمر البشرية على هذه الأرض .وهي إحدى المسلمات الرئيسية التي يمثل نقضها نقض الإيمان ذاته،لكل الديانات السماوية تقريبا . وللمتابع حرية الخيار أما أن يصدق مسلمات هذه الديانات وإجماعها على المهدي المخلص،أو يكذبها .
لنترك البحث في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولنترك تجربة الوجدان على أمرٍ تصافق عليه أهل الملل والنحل والأديان من أنه سيأتي في آخر الزمان من يستتب الأمن علي يديه وتفيض النعم تحت قدميه ، ونتجه إلى تحكيم العقل فلا تكاد ترى ملة أو نحلة أو دين إلا وتتصدر عقائدها مسألة هذا القادم الموعود . وما ذلك إلا أن للفكرة أصلٌ واحد ومنشأ واحد من أول يوم خلق الله السموات والأرض . حتى أن الأفكار الإلحادية الوجودية منها والسياسية فلسفية كانت أو اجتماعية ، استمدت هذه الفكرة من الأديان وحورتها وقلبتها على أنها من مبتدعات الإنسان وابتكاراته .فوضعت نهاية سعيدة لأفكارها المستقبلية . والشيوعية مثلا فإنها تنظر إلى نهاية الحكم الشيوعي بعد الوصول للمشاعية العظمى حيث يصبح الإنسان ليس بحاجة للعمل أو القانون ولا للمحاكم والشرطة حيث يسود السلام كل شيء وتعم العدالة على الأرض حيث تسود دولة العدل في ظل فكرتها .
ولو بحثت في أنحاء الفطرة التي فطر الله الناس عليها لوجدت أن ذلك مقترن بالتوحيد الخالص فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وأنه لا تبديل لخلق الله تعالى . فالأمن والسلام مطلب كل إنسان . وذلك عندما كان الناس أمة واحدة ، ولكن لما افترقوا افترقت فكرة اليوم الموعود وأصبح لكل فرقة فلسفتها الخاصة التي ترى على ضوئها مسألة المهدوية , ولكن مع ذلك فإن منشأ الفكرة واحد والأصل هو دين التوحيد ، دين الفطرة السليمة .وإن الله تعالى ومنذ أول يوم خلق فيه الخلق وزع الأدوار وعين الشخصيات لهذه الأدوار ،وقد وجدنا ذلك في أقدم كتاب وهو إرمياء النبي الذي وردت صحفه ضمن العهد الجديد ( الإنجيل ) حيث يقول النص : ((إن الله لم يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل. لانه اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدما للجميع)). سفر أعمال الرسل الاصحاح 17 : 31 .
نعم أن هذا الرجل قد عينه الله تعالى مقدما منذ أن خلق السموات والأرض وأخبرنا تعالى بإسمه وإن اختلفت المسميات وأنه سيخرج مع السيد المسيح ، في نص إنجيلي واضح لا لبس ولا غبار عليه فقال : (( سيكون أصل يسَّى والقائم ليسودا على الأُمم، عليه سيكون رجاء الأُمم )) تعليق بولص على إشعياء . نعم سينزل السيد المسيح عليه السلام ليجد القائم بإنتظاره ليسودا على الأمم . وفي نص إشعياء النبي قال : (( إياه تطلب الأمم )) إشعياء النبي 11 : 10
ونحن إذا دققنا في ما ورد عن المهدي في نصوصنا المقدسة الحديث والسيرة لا نرى اختلافا اطلاقا من حيث وصف زمن المهدي وحكمه فقد وجدنا ذلك في سفر إشعياء وكأنه هو نفسه الذي نطق به المعصوم عليه السلام فيقول أشعياء بأن الموعود الذي عينه الله لا يحكم بحسب هواه بل بحكم الله فيقول : ((فلا يقضي بحسب نظر عينه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف لبائسي الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. 5 ويكون البر منطقة متنيه والامانة منطقة حقويه 6 فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معا وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان.تربض اولادهما معا والاسد كالبقر ياكل تبنا. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الافعوان. لا يسوؤون ولا يفسدون لان الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ويكون في ذلك اليوم ان اصل يسى القائم راية للشعوب اياه تطلب الامم ويكون محله مجدا)) سفر إشعياء الإصحاح
ولم يكن امر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حكرا على الديانة اليهودية أو النصرانية أو ا|لإسلامية بل أنها تعيش في لا وعي العقائد والأديان .
فقد مجدت الإفستا بالقائم ، وتهيأت الأمم لإستقباله في الإرياني ستيانس ، ولا زالت تنتظره في الگنزا رِبا ، وعيونها مسمّرة على طلعته في شرع منّوا ، أو شرع منّو سمرتي . ورأيناه حاضرا في كتاب الرشتا . فلم يغفل عنه راعوث ، ولا عزرا ولا نحميا ولا استير واسأل أيوب في محنته وإرمياء في خوفه ، وهوشع في تيهته ، وعاموس في آلامه ، وحبقوق في أزمته .
وإن شئت فهذا ملاخي وحجاي وصولا إلى آدم عليه السلام الذي يتحرق شوقا لطلعته أو إسرافيل ليأذن في صرخته ، واضعا فاهُ على شيبور نفخته . ولننظر إلى موسى الكليم ماذا يقول عن يومه الأغر في تثنيتهِ : (( أين الصخرة التي بها يحتمون .لأن صخرهم باعهم)) سفر التثنية ـ 37. مشيرا بذلك إلى يوم اليهود الأسود الذي سيحتمي فيه اليهود خلف الصخور هربا من المهدي ولكن الصخور إنما هي عبدٌ مأمور فتنادي : تعال يا عبد الله أن خلفي يهوديا فأقتله .
تعليق