الثالوث المزعوم :
في الواقع أن كلمة (التثليث أو الثالوث) لم ترد في الكتاب المقدس، ويعتقد أن أول من صاغها واستعملها هو ترتوليان في القرن الثاني للميلاد وهو كاهن عاش في قرطاجة خلال القرن الثالث الميلادي، عندما أعلن نظريته التي تقول بأن الابن والروح القدس يشتركان في كينونة الإله، وإن كانا هما والأب عبارة عن كيان واحد.
ثم ظهر سبيليوس في منتصف القرن الثالث وحاول أن يفسر العقيدة بالقول أن التثليث ليس أمرا حقيقيا في الله ، لكنه مجرد إعلان خارجي ، فهو حادث مؤقت وليس أبديا .
ثم ظهر أريوس الذي نادى بأن الأب وحده هو الأزلي وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده ولعنه وطرده من الكنيسة، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر، ثم الشماس إثناسيوس الذي وضع أساس العقيدة (الثالوث الأقدس) وقد تفرق علماء المسيحية وكبار قادة الكنيسة بين مؤيد لأريوس، ومؤيد لأثناسيوس الأمر الذي دفع بالامبراطور قسطنطين إلى الدعوة لعقد أول مجمع مسكوني في عام 325 ميلادي في نيقية وحضر هذا الاجتماع أكابر العلماء والأساقفة، للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها، فاجتمع في نقية 2048 أسقفاً منهم 338 يقولون بألوهية المسيح ، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح .
وبعد نزاعات ومعارك وقتل وتشريد بين اصحاب العقيدتين ثبت لدى النصارى هذا المعتقد واتسع ولم يبقى من الموحدين المسيح إلا نسبة قليلة تتمركز في أمريكا وكندا .
وهذا الحدث قد حصل ما يشابهه في زمن الاسلام في عدة مواقف ابتداء من السقيفة الاولى وكيف غير القوم ماسموعوه وراوه من رسول الله في غذير خم فلم يبقى من الثابتين الا قليل وكذلك فقد مر المخالفين بهذه السنة ايضا عندما اختلفوا الى مدرستين فقهيتين وهما مدرسة الحديث الذي قادها جملة من الفقهاء وبين مدرسة الرأي الذي قادها جملة من الفقهاء منهم ابو حنيفة النعمان ولم يسلم اتباع الائمة (عليهم السلام) من السير على هذه السنة فقد اختلف الامامية كذلك والى زماننا هذا فقد حصل الخلاف و النزاع بين التيار الإخباري الذي كان يعتمد على نصوص المعصومية وبين التيار الأصولي الذي وضع منهجا جديدا مستنبطا من العقل فولد النزاع بين التيارين وبعدما كان التيار الإخباري فارض لسيطرته في الساحة فهو المنهج الوحيد الذي كان يعتمد عند القدماء أصبح بسبب تلك النزاعات والمنازعات والقتل والتشريد منهجا شاذا لا تكاد تجد له حملة سوى في مناطق محدودة في الإحساء والبحرين ولايخفى فان هذه الحادثة التي جرت على السابقية وعلى المسلمين تباعا مرتبطة بقوله تعالى { لتركبن طبقا عن طبق} . كما بينا سابقا .
نعود إلى قصة الثالوث النصراني ..
وتنص عقيدة هذا الثالوث على ما يلي : (نحن نعبد إلها واحدا في الثالوث، والثالوث في التوحيد لأن هناك شخصا للأب وآخر للابن وأخر لروح القدس، أنهم ليسوا ثلاثة آلهة ولكن إله واحد. فكل الأشخاص الثلاثة هم أزليون معا و متساوون معا، وهكذا فإن الإنسان الناجي هو ذلك الذي يعتقد بالثالوث).
والقانون الذي وضعته الكنيسة (قانون الإيمان) يشير بوضوح إلى هذه العقيدة ونصه هو : (أؤمن باله واحد، أب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يرى، وأؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر، الذي به كان كل شئ، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس ومن مريم العذراء، وصار انسانا وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء. وأؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب والابن، الذين هو مع الأب والابن، يسجد له ويمجد، الناطق بالأنبياء، وأؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة ورسولية، واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين ).
ومن أهم ما ورد في الكتاب المقدس وأعتبره الرهبان إثباتا لعقيدة التثليث هو قول يسوع لتلاميذه (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح والقدس). متى 19:28
ولإثبات أن هؤلاء الرهبان قد خالفوا كتابهم بل حرفوه ليوافق عقائدهم الفاسدة سوف نناقش هذه الاية التي جاء ذكرها في الإنجيل ولمناقشة هذه الاية لابد من الاشارة باننا لو تتبعنا ما أوصى به عيسى (عليه السلام) تلامذته وبما تناولته هذه الآية لعرفنا أن يد التحريف قد نالتها حيث ورد ذكر الأب والإبن وروح القدس في إنجيل متى بينما لم تذكر المعاني الثلاثة تلك في إنجيل مرقس بل كانت الآية في إنجيل مرقس خالية من ذلك المعنى الذي وضعوه وإلا فكيف يمكن لمثل هذا الشيء العقائدي الحساس والمهم أن يهمل في موضع آخر بل إننا نلاحظ أن الأناجيل الأربعة قد اشتركت في الكثير من الآيات الأخرى التي أتفقت كلمة النصارى عليها فكيف انفرد إنجيل متى بهذه الآية إذا لم تكن مدسوسة أصلا ؟
والآيتين التين وردتا في إنجيل متى ومرقس هي :
أولاً : الاية الواردة في انجيل متى : (واما الاحد عشر تلميذا فانطلقوا الى الجليل الى الجبل حيث امرهم يسوع ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكّوا فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.آمين) متى19:28
ثانياً : الاية الواردة في انجيل مرقس : (اخيرا ظهر للاحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم لانهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبرأون) مرقس 38:6
فنلاحظ من سياق الآيتين أنهما يتحدثان عن ظهور يسوع المسيح لتلامذته الأحد عشر ووصيته لهم بكلمات وكان الدس في مضمون الرسالة في انجيل متى واضحا دون شبهة .
إدعائهم أن عيسى (عليه السلام) وَلَدُ الله :
وهذه البدعة من البدع التي اشتهر بها النصارى ومثلهم إدعى اليهود بأن عزيرا ابن الله لأسباب كانوا يرونها فيهما وقد ذكر المولى عز وجل ذلك في كتابه : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) التوبة – اية 30
ولو تصفحنا الإنجيل لوجدنا إن هناك من هو ابن أو ولد لله غير اليسوع وهذا يجعل من هذه العقيدة عقيدة متزلزلة ليس لها ما يدعمها من الأدلة فالإنجيل نفسه يصف كل من آمن بيسوع بأنه من أولاد الله ووفقا لذلك كيف يمكن أن تكون ليسوع هذه الميزة بأنه ابن الله والإنجيل يذكر أن هناك الكثير من الناس هم ابناء الله حيث جاء في الإنجيل : (كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضًا. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ : إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ. فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ : أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ . وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً، لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا. مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟) رسالة يوحنا الرسول الاولى- الاصحاح 5 –عدد1 وقد حاول رهبان النصارى رفع الشبهة عن هذا الإدعاء بتفسير معنى البنوة للناس بمعنى مغاير لبنوة اليسوع حيث ذكروا في ذلك بأن البشر يدعون أبناء الله فقط من أجل محبة الله لهم وعنايته بهم، وهذه المحبة تجتاز الهوة بين الخالق والمخلوق، ولكنها لا تزيلها أي أن بنوة المسيح "بنوة جوهرية"، أما نحن "فبنوتنا تكريمية"، بنوة المسيح أزلية، أما بنوتنا فهي زمنية.
بينما نلاحظ من خلال النص الإنجيلي عدم وجود مائز في الكلام يجعل المعنى ينصرف إلى وجود تفاوت في المعنى بين بنوة اليسوع وبنوة الناس . بل يرى من خلال ذلك كله أن هناك تحريف لدفع المعنى إلى الجهة التي يريدها هؤلاء الرهبان الذين قادتهم أهوائهم وعقولهم القاصرة إلى الشرك بالله بل التناقض في اقوالهم بأن جعلوا الإله الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وقد استشهد بعضهم بهذا النص على إتحاد الله بالمسيح : (مَنْ رآني فقد رأى الآب..) يوحنا 14: 9
وهذا نوع آخر من تحريف المعنى فالأنبياء منذ آدم (عليه السلام) إلى يومنا هم خلفاء الله في أرضه وعينه في عبادة فلا يصح أن نفهم هذا المعنى فهما يخرجنا من التوحيد إلى الشرك فالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وصف في القرآن وصفا أكثر عمقا من هذا الوصف فهل يحق لنا أن نقول بأنه إله أو أنه ابن الله والعياذ بالله ، قال تعالى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) بل إن الحديث القدسي الذي يصف الله تعالى به العبد الطائع بأنه يكون مثل الله يقول للشيء كن فيكون حيث جاء في الحديث القدسي : ( عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون ) .
إنكار نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) :
كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى أعلم بزمان ومكان ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فانتقلوا إلى الجزيرة العربية على الرغم من مناخها القاسي ليحضوا بشرف لقاء النبي الخاتم والتصديق به وقد أخبرهم كبار الأحبار والرهبان بخبر النبي وما سيأتي به من آيات وما يحمل من سمات وعلامات تميزه عن غيره من الخلق حيث ورد في كتاب السنن الكبيرة عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من قريظة أنه قال هل تدرى عم كان اسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير كانوا فوق ذلك فقلت لا قال فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بسنتين فكنا إذا قحطنا وقل علينا المطر نقول له يا ابن الهيبان اخرج فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم نقدم فيقول صاعا من تمر أو مدين من شعير ثم يخرج إلى ظاهرة حرتنا ونحن معه فيستسقى فوالله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من ارض الخمر والخمير إلى ارض البؤس والجوع فقلنا أنت اعلم فقال إنه إنما أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه ، هذه البلاد مهاجره فأتبعه فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود فإنه يسفك الدماء ويسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه - ثم مات فلما كانت تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية الثلاثة وكانوا شبانا احداثا يا معشر يهود للذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو قالوا بلى والله لهو يا معشر اليهود انه والله لهو لصفته ثم نزلوا فاسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم قال وكانت أموالهم في الحصن مع المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم ...) السنن الكبرى - البيهقي - ج 9 - ص 114
وقد وردت صفات كثيرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في كتبهم سواءً كان في التوراة أم في الإنجيل وبعد أن تحقق ذلك الأمر لم يكن من هؤلاء الأحبار والرهبان إلا أن كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) جريا على سنن من كان قبلهم فكل الأمم كانت منتظرة لأنبيائها وما أن يأتي ذلك النبي إلا ويكون أكثر المؤمنين بقدومه الد اعدائه ، وبعد أن الجمتهم الحجج التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما كان منهم إلا أن أصروا على موقفهم بل وازدادوا عنادا وتمردا على الرغم من وجود تلك الصفات في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والتي تحققت كلها على يديه الشريفتين فأصبح هؤلاء الاحبار والرهبان أمام أمر واقع لابد أن يعالجوه ليخرجوا من الزاوية التي افحمت حججهم وذلك عن طريق تحريف الكلم عن موضعه في كتبهم ليخرجوا بنتيجة أن ما لديهم من صفات لا تنطبق على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ليضللوا الناس الذين سيأتون من بعدهم عن الحق .
وهنا سنأتي على ذكر ما ينفعنا في هذا المقام من إثباتات وأدلة تشير إلى ذلك :
في الواقع أن كلمة (التثليث أو الثالوث) لم ترد في الكتاب المقدس، ويعتقد أن أول من صاغها واستعملها هو ترتوليان في القرن الثاني للميلاد وهو كاهن عاش في قرطاجة خلال القرن الثالث الميلادي، عندما أعلن نظريته التي تقول بأن الابن والروح القدس يشتركان في كينونة الإله، وإن كانا هما والأب عبارة عن كيان واحد.
ثم ظهر سبيليوس في منتصف القرن الثالث وحاول أن يفسر العقيدة بالقول أن التثليث ليس أمرا حقيقيا في الله ، لكنه مجرد إعلان خارجي ، فهو حادث مؤقت وليس أبديا .
ثم ظهر أريوس الذي نادى بأن الأب وحده هو الأزلي وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده ولعنه وطرده من الكنيسة، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر، ثم الشماس إثناسيوس الذي وضع أساس العقيدة (الثالوث الأقدس) وقد تفرق علماء المسيحية وكبار قادة الكنيسة بين مؤيد لأريوس، ومؤيد لأثناسيوس الأمر الذي دفع بالامبراطور قسطنطين إلى الدعوة لعقد أول مجمع مسكوني في عام 325 ميلادي في نيقية وحضر هذا الاجتماع أكابر العلماء والأساقفة، للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها، فاجتمع في نقية 2048 أسقفاً منهم 338 يقولون بألوهية المسيح ، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح .
وبعد نزاعات ومعارك وقتل وتشريد بين اصحاب العقيدتين ثبت لدى النصارى هذا المعتقد واتسع ولم يبقى من الموحدين المسيح إلا نسبة قليلة تتمركز في أمريكا وكندا .
وهذا الحدث قد حصل ما يشابهه في زمن الاسلام في عدة مواقف ابتداء من السقيفة الاولى وكيف غير القوم ماسموعوه وراوه من رسول الله في غذير خم فلم يبقى من الثابتين الا قليل وكذلك فقد مر المخالفين بهذه السنة ايضا عندما اختلفوا الى مدرستين فقهيتين وهما مدرسة الحديث الذي قادها جملة من الفقهاء وبين مدرسة الرأي الذي قادها جملة من الفقهاء منهم ابو حنيفة النعمان ولم يسلم اتباع الائمة (عليهم السلام) من السير على هذه السنة فقد اختلف الامامية كذلك والى زماننا هذا فقد حصل الخلاف و النزاع بين التيار الإخباري الذي كان يعتمد على نصوص المعصومية وبين التيار الأصولي الذي وضع منهجا جديدا مستنبطا من العقل فولد النزاع بين التيارين وبعدما كان التيار الإخباري فارض لسيطرته في الساحة فهو المنهج الوحيد الذي كان يعتمد عند القدماء أصبح بسبب تلك النزاعات والمنازعات والقتل والتشريد منهجا شاذا لا تكاد تجد له حملة سوى في مناطق محدودة في الإحساء والبحرين ولايخفى فان هذه الحادثة التي جرت على السابقية وعلى المسلمين تباعا مرتبطة بقوله تعالى { لتركبن طبقا عن طبق} . كما بينا سابقا .
نعود إلى قصة الثالوث النصراني ..
وتنص عقيدة هذا الثالوث على ما يلي : (نحن نعبد إلها واحدا في الثالوث، والثالوث في التوحيد لأن هناك شخصا للأب وآخر للابن وأخر لروح القدس، أنهم ليسوا ثلاثة آلهة ولكن إله واحد. فكل الأشخاص الثلاثة هم أزليون معا و متساوون معا، وهكذا فإن الإنسان الناجي هو ذلك الذي يعتقد بالثالوث).
والقانون الذي وضعته الكنيسة (قانون الإيمان) يشير بوضوح إلى هذه العقيدة ونصه هو : (أؤمن باله واحد، أب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يرى، وأؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر، الذي به كان كل شئ، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس ومن مريم العذراء، وصار انسانا وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء. وأؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب والابن، الذين هو مع الأب والابن، يسجد له ويمجد، الناطق بالأنبياء، وأؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة ورسولية، واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين ).
ومن أهم ما ورد في الكتاب المقدس وأعتبره الرهبان إثباتا لعقيدة التثليث هو قول يسوع لتلاميذه (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح والقدس). متى 19:28
ولإثبات أن هؤلاء الرهبان قد خالفوا كتابهم بل حرفوه ليوافق عقائدهم الفاسدة سوف نناقش هذه الاية التي جاء ذكرها في الإنجيل ولمناقشة هذه الاية لابد من الاشارة باننا لو تتبعنا ما أوصى به عيسى (عليه السلام) تلامذته وبما تناولته هذه الآية لعرفنا أن يد التحريف قد نالتها حيث ورد ذكر الأب والإبن وروح القدس في إنجيل متى بينما لم تذكر المعاني الثلاثة تلك في إنجيل مرقس بل كانت الآية في إنجيل مرقس خالية من ذلك المعنى الذي وضعوه وإلا فكيف يمكن لمثل هذا الشيء العقائدي الحساس والمهم أن يهمل في موضع آخر بل إننا نلاحظ أن الأناجيل الأربعة قد اشتركت في الكثير من الآيات الأخرى التي أتفقت كلمة النصارى عليها فكيف انفرد إنجيل متى بهذه الآية إذا لم تكن مدسوسة أصلا ؟
والآيتين التين وردتا في إنجيل متى ومرقس هي :
أولاً : الاية الواردة في انجيل متى : (واما الاحد عشر تلميذا فانطلقوا الى الجليل الى الجبل حيث امرهم يسوع ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكّوا فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.آمين) متى19:28
ثانياً : الاية الواردة في انجيل مرقس : (اخيرا ظهر للاحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم لانهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبرأون) مرقس 38:6
فنلاحظ من سياق الآيتين أنهما يتحدثان عن ظهور يسوع المسيح لتلامذته الأحد عشر ووصيته لهم بكلمات وكان الدس في مضمون الرسالة في انجيل متى واضحا دون شبهة .
إدعائهم أن عيسى (عليه السلام) وَلَدُ الله :
وهذه البدعة من البدع التي اشتهر بها النصارى ومثلهم إدعى اليهود بأن عزيرا ابن الله لأسباب كانوا يرونها فيهما وقد ذكر المولى عز وجل ذلك في كتابه : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) التوبة – اية 30
ولو تصفحنا الإنجيل لوجدنا إن هناك من هو ابن أو ولد لله غير اليسوع وهذا يجعل من هذه العقيدة عقيدة متزلزلة ليس لها ما يدعمها من الأدلة فالإنجيل نفسه يصف كل من آمن بيسوع بأنه من أولاد الله ووفقا لذلك كيف يمكن أن تكون ليسوع هذه الميزة بأنه ابن الله والإنجيل يذكر أن هناك الكثير من الناس هم ابناء الله حيث جاء في الإنجيل : (كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضًا. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ : إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ. فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ : أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ . وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً، لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا. مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟) رسالة يوحنا الرسول الاولى- الاصحاح 5 –عدد1 وقد حاول رهبان النصارى رفع الشبهة عن هذا الإدعاء بتفسير معنى البنوة للناس بمعنى مغاير لبنوة اليسوع حيث ذكروا في ذلك بأن البشر يدعون أبناء الله فقط من أجل محبة الله لهم وعنايته بهم، وهذه المحبة تجتاز الهوة بين الخالق والمخلوق، ولكنها لا تزيلها أي أن بنوة المسيح "بنوة جوهرية"، أما نحن "فبنوتنا تكريمية"، بنوة المسيح أزلية، أما بنوتنا فهي زمنية.
بينما نلاحظ من خلال النص الإنجيلي عدم وجود مائز في الكلام يجعل المعنى ينصرف إلى وجود تفاوت في المعنى بين بنوة اليسوع وبنوة الناس . بل يرى من خلال ذلك كله أن هناك تحريف لدفع المعنى إلى الجهة التي يريدها هؤلاء الرهبان الذين قادتهم أهوائهم وعقولهم القاصرة إلى الشرك بالله بل التناقض في اقوالهم بأن جعلوا الإله الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وقد استشهد بعضهم بهذا النص على إتحاد الله بالمسيح : (مَنْ رآني فقد رأى الآب..) يوحنا 14: 9
وهذا نوع آخر من تحريف المعنى فالأنبياء منذ آدم (عليه السلام) إلى يومنا هم خلفاء الله في أرضه وعينه في عبادة فلا يصح أن نفهم هذا المعنى فهما يخرجنا من التوحيد إلى الشرك فالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وصف في القرآن وصفا أكثر عمقا من هذا الوصف فهل يحق لنا أن نقول بأنه إله أو أنه ابن الله والعياذ بالله ، قال تعالى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) بل إن الحديث القدسي الذي يصف الله تعالى به العبد الطائع بأنه يكون مثل الله يقول للشيء كن فيكون حيث جاء في الحديث القدسي : ( عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون ) .
إنكار نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) :
كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى أعلم بزمان ومكان ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فانتقلوا إلى الجزيرة العربية على الرغم من مناخها القاسي ليحضوا بشرف لقاء النبي الخاتم والتصديق به وقد أخبرهم كبار الأحبار والرهبان بخبر النبي وما سيأتي به من آيات وما يحمل من سمات وعلامات تميزه عن غيره من الخلق حيث ورد في كتاب السنن الكبيرة عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من قريظة أنه قال هل تدرى عم كان اسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير كانوا فوق ذلك فقلت لا قال فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بسنتين فكنا إذا قحطنا وقل علينا المطر نقول له يا ابن الهيبان اخرج فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم نقدم فيقول صاعا من تمر أو مدين من شعير ثم يخرج إلى ظاهرة حرتنا ونحن معه فيستسقى فوالله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من ارض الخمر والخمير إلى ارض البؤس والجوع فقلنا أنت اعلم فقال إنه إنما أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه ، هذه البلاد مهاجره فأتبعه فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود فإنه يسفك الدماء ويسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه - ثم مات فلما كانت تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية الثلاثة وكانوا شبانا احداثا يا معشر يهود للذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو قالوا بلى والله لهو يا معشر اليهود انه والله لهو لصفته ثم نزلوا فاسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم قال وكانت أموالهم في الحصن مع المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم ...) السنن الكبرى - البيهقي - ج 9 - ص 114
وقد وردت صفات كثيرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في كتبهم سواءً كان في التوراة أم في الإنجيل وبعد أن تحقق ذلك الأمر لم يكن من هؤلاء الأحبار والرهبان إلا أن كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) جريا على سنن من كان قبلهم فكل الأمم كانت منتظرة لأنبيائها وما أن يأتي ذلك النبي إلا ويكون أكثر المؤمنين بقدومه الد اعدائه ، وبعد أن الجمتهم الحجج التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما كان منهم إلا أن أصروا على موقفهم بل وازدادوا عنادا وتمردا على الرغم من وجود تلك الصفات في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والتي تحققت كلها على يديه الشريفتين فأصبح هؤلاء الاحبار والرهبان أمام أمر واقع لابد أن يعالجوه ليخرجوا من الزاوية التي افحمت حججهم وذلك عن طريق تحريف الكلم عن موضعه في كتبهم ليخرجوا بنتيجة أن ما لديهم من صفات لا تنطبق على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ليضللوا الناس الذين سيأتون من بعدهم عن الحق .
وهنا سنأتي على ذكر ما ينفعنا في هذا المقام من إثباتات وأدلة تشير إلى ذلك :
تعليق