تأثر أمير المؤمنين(ع) كثيراًبأستشهاد عمار ورثاه بهذه الابيات
ألا أيّها الموت الذي هو قاصدي أرحني فقد أفنيتَ كلّ خليلِ
أراك بـصـيـراً بالذين أحبُّهُم كـأنّك تنحو نحوَهم بدليلِ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسولنا محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم من بدء الزمان الى قيام يوم الدين..
عمار بن ياسر هو بن عامر بن مالك المذحجي العنسي القحطاني أبو اليقظان. وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين. وكان لا يغير شيبه وقيل: كان أصلع في مقدم رأسه شعرات.
ويعد عمار بن ياسر من السابقين الأولين إلى الإسلام وهو حليف بني مخزوم. وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله عز وجل وهو وأبوه وأمه من السابقين. وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين. وهو ممن عذب في الله.
وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان مع رسول الله .
عمار بن ياسر في الجاهلية:
قال الواقدي وغيره من أهل العلم بالنسب والخبر: إن ياسرا والد عمار عربي قحطاني مذحجي من عنس إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا..
وكان سبب قدوم ياسر مكة أنه قدم هو وأخوان له يقال لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع فرجع الحارث ومالك إلى ((اليمن)) وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وتزوج أمة له يقال لها: "سمية" فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة؛ ومن هنا صار عمار مولى لبني مخزوم وأبوه عربي كما ذكرنا.
*******
صفاته
عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، وكان رسول الله (ص) يمر به ويمرر يده على رأسه ويقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم عليه السلام.
فقال له النبي(ص) اصبر اللهم أغفر لآل ياسر.
قال: وقد فعلت. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب رسول الله (ص) وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله (ص) قال: ما وراءك؟ قال شر يا رسول الله، ما تركت، حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال رسول الله(ص) فكيف تجد قلبك؟
قال: أجد قلبي مطمئنا بالإيمان.
قال: فان عادوا فعد. وعن ابن عباس أن النبي(ص) قال: إن عمار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه.
وعن علي قال: جاء عمار يستأذن على النبي(ص) فقال: ائذنوا له، مرحبا بالطيب المطيب.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(ص): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح. وعن خالد بن سمير قال كان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة.
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟
قالوا: لا.
قال فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار ابن ياسر أنه قال: وهو يسر إلى صفين إلى جنب الفرات: اللهم لو علم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت، ولو اعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك.
*******
قتال الإنس والجن
قال عمّار بن ياسر: (قد قاتلت مع رسول الله(ص) الإنس والجن).
فقيل له: ما هذا؟ قاتلت الإنس فكيف قاتلت الجنَّ؟
قال: (نزلنا مع رسول الله (ص) منزلاً فأخذتُ قِرْبَتي، ودَلْوي لأستقي، فقال لي رسول الله (ص): (أما أنه سيأتيكَ آتٍ يمنَعُكَ مِنَ الماء) فلمّا كنتُ على رأس البئر إذا رجلٌ أسودٌ كأنه مَرَسٌ فقال: (لا والله لا تستقي منها ذَنوباً واحداً) فأخذته فصرعتَهُ، ثم أخذتُ حجراً فكسـرتُ به أنفه ووجهـهُ، ثم ملأتُ قِرْبَتـي فأتيتُ بها رسـول الله (ص) فقال: هل أتاك على الماء من أحد؟
فقلتُ: عبدٌ أسودٌ.
فقال: ما صنعت به؟
فأخبرته فقال: أتَدْري مَنْ هو؟
قلتُ: لا.
قال: ذاك الشيطان، جاء يمنعُكَ من الماء.
*******
حب الرسول لعمّار
استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة، وأخذ عمار مكانه عاليا بين المسلمين، وكان الرسول (ص) يحبه حبا عظيما، يقول عنه (ص)(إن عمّارا مُلِىء إيمانا إلى مُشاشه - تحت عظامه-) وحين كان الرسول(ص) وأصحابه يبنون المسجد بالمدينة إثر نزولهم، إرتجز علي بن أبي طالب أنشودة راح يرددها ويرددها المسلمون معه، وأخذ عمار يرددها ويرفع صوته، وظن بعض أصحابه أن عمارا يعرض به، فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول(ص) وقال: (ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، إن عمّارا جِلْدَة ما بين عيني وأنفي).
وعن أبي سعيد قال: كنّا نحملُ في بناء المسجد لبنةً لبنةً، وعمار يحمل لبنتَين لبنتَين، فرآهُ النبي(ص) فجعل ينفُض التراب عنه ويقول: (ويْحَ عمّار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار).
وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال الرسول: (من عادى عمّارا عاداه الله، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله) فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح كما قال - عليه أفضل الصلاة والسلام-: (اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال).
*******
ولاية الكوفة
لفضائله (عليه السلام) سارع عمر بن الخطاب واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال، وكتب الى أهلها مبشرا: (إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا، وابن مسعود مُعَلما ووزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر) يقول ابن أبي الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة: (رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر الكوفة يشتري من قِثائها، ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها الى داره) كما ناداه أحد العامة يوما: (يا أجدع الأذن) فيجيبه الأمير: (خَيْر أذنيّ سببت، لقد أصيبت في سبيل الله).
*******
وفاته
حمل الإمام علي عماراً فوق صدره الى حيث صلى عليه والمسلمـون معه، ثم دفنه في ثيابه، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون، فقبل قليـل كان يغـرد: (اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه)... وتذكروا قول الرسول (ص): (اشتاقت الجنة لعمّار).
وقد قال عليّاً (عليه السلام) حين قُتِلَ عمّار: (إنّ امْرأً من المسلمين لم يَعْظُمْ عليه قتلُ ابن ياسر وتدخلُ به عليه المصيبةُ الموجعةُ لغيرُ رشيد، رحِمَ الله عمّاراً يوم أسلمَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم قُتِلَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم يُبْعث حيّاً، لقد رأيتُ عمّاراً وما يُذْكَرُ من أصحاب رسول الله(ص) أربعةٌ إلا كان رابعاً ولا خمسةٌ إلا كان خامِساً، وما كان أحدٌ من قدماء أصحاب رسول الله(ص) يشكُّ أن عمّاراً قد وجَبَتْ لهُ الجنّة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئاً لعمّار بالجنّة، ولقد قيل: إنّ عمّاراً مع الحقِّ والحقُّ معه، يدور عمّارٌ مع الحقّ أينما دار، وقاتِلُ عمّار في النّار).
وعن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة وإنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاص معه الراية فقال: إن هذه الراية قد قاتلتها مع الرسول صلى الله عليه واله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن صاحبنا على الحق وأنهم على الضلالة. وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب فأني بقدح من لبن فشرب منه ثم قال: صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه، إن رسول الله (ص) قال: إن آخر شئ يرويه من الدنيا صبحة لبن ثم قال: والله لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل. قال أهل السير قتل عمار بصفين مع(ص)، قتله أبو الغادية. ودفن في سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقبل أربع وتسعين سنة.
وأخيراً حصل على بغيته، فنال وسام الشهادة، وسعد وفاز.. إلاّ أنّه خلّف إمامه أمير المؤمنين عليه السّلام متلهّفاً متأسّفاً عليه، حزيناً مكتئباً على فراقه، متشوّقاً إليه، متذكّراً أحبّته الذين فارقوه، يقول:
ـ أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضَوا على الحقّ ؟! أين عمّار، وأين ابن التَّيِّهان، وأين ذوالشهادتين ؟! وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة، وأُبرِد برؤوسهم إلى الفجرة ؟!
ثمّ ضرب عليه السّلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء ثمّ قال: أوِّهِ على إخواني الذين تلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيَوُا السنّة وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه.
وسمع معاوية الخبر فأظهر فرحه وشماتته بشهادة هذا الصحابيّ الجليل، فكان يقول: كانت لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان، قُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعني عمّار بن ياسر..
أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أبّنه أروع تأبين، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز، إذ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حِجره وأنشد يقول:
ألا أيّها الموت الذي هو قاصدي أرحني فقد أفنيتَ كلّ خليلِ
أراك بـصـيـراً بالذين أحبُّهُم كـأنّك تنحو نحوَهم بدليلِ
ثمّ حمله، وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه وهو يقول:
وما ظبيةٌ تسبي القلوب بطَرفِها إذا التـفـتَـت خِلْنا بأجفانها سِحْرا
بأحسنَ ممّن كلّل السيفُ وجهَهُ دَماً في سبيل الله حتّى قضى صبرا
ثمّ قال عليه السّلام: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّ امرأً لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء. ثمّ قال: رحم الله عمّاراً يوم يُبعث، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل... قاتلُ عمّار، وسالب عمّار، وشاتم عمّار في النار.
ثمّ إنّه عليه السّلام صلّى عليه، ودفنه بثيابه.[/quote][/color][/color][/b]
ألا أيّها الموت الذي هو قاصدي أرحني فقد أفنيتَ كلّ خليلِ
أراك بـصـيـراً بالذين أحبُّهُم كـأنّك تنحو نحوَهم بدليلِ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسولنا محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم من بدء الزمان الى قيام يوم الدين..
عمار بن ياسر هو بن عامر بن مالك المذحجي العنسي القحطاني أبو اليقظان. وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين. وكان لا يغير شيبه وقيل: كان أصلع في مقدم رأسه شعرات.
ويعد عمار بن ياسر من السابقين الأولين إلى الإسلام وهو حليف بني مخزوم. وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله عز وجل وهو وأبوه وأمه من السابقين. وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين. وهو ممن عذب في الله.
وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان مع رسول الله .
عمار بن ياسر في الجاهلية:
قال الواقدي وغيره من أهل العلم بالنسب والخبر: إن ياسرا والد عمار عربي قحطاني مذحجي من عنس إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا..
وكان سبب قدوم ياسر مكة أنه قدم هو وأخوان له يقال لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع فرجع الحارث ومالك إلى ((اليمن)) وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وتزوج أمة له يقال لها: "سمية" فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة؛ ومن هنا صار عمار مولى لبني مخزوم وأبوه عربي كما ذكرنا.
*******
صفاته
عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، وكان رسول الله (ص) يمر به ويمرر يده على رأسه ويقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم عليه السلام.
فقال له النبي(ص) اصبر اللهم أغفر لآل ياسر.
قال: وقد فعلت. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب رسول الله (ص) وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله (ص) قال: ما وراءك؟ قال شر يا رسول الله، ما تركت، حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال رسول الله(ص) فكيف تجد قلبك؟
قال: أجد قلبي مطمئنا بالإيمان.
قال: فان عادوا فعد. وعن ابن عباس أن النبي(ص) قال: إن عمار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه.
وعن علي قال: جاء عمار يستأذن على النبي(ص) فقال: ائذنوا له، مرحبا بالطيب المطيب.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(ص): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح. وعن خالد بن سمير قال كان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة.
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟
قالوا: لا.
قال فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار ابن ياسر أنه قال: وهو يسر إلى صفين إلى جنب الفرات: اللهم لو علم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت، ولو اعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك.
*******
قتال الإنس والجن
قال عمّار بن ياسر: (قد قاتلت مع رسول الله(ص) الإنس والجن).
فقيل له: ما هذا؟ قاتلت الإنس فكيف قاتلت الجنَّ؟
قال: (نزلنا مع رسول الله (ص) منزلاً فأخذتُ قِرْبَتي، ودَلْوي لأستقي، فقال لي رسول الله (ص): (أما أنه سيأتيكَ آتٍ يمنَعُكَ مِنَ الماء) فلمّا كنتُ على رأس البئر إذا رجلٌ أسودٌ كأنه مَرَسٌ فقال: (لا والله لا تستقي منها ذَنوباً واحداً) فأخذته فصرعتَهُ، ثم أخذتُ حجراً فكسـرتُ به أنفه ووجهـهُ، ثم ملأتُ قِرْبَتـي فأتيتُ بها رسـول الله (ص) فقال: هل أتاك على الماء من أحد؟
فقلتُ: عبدٌ أسودٌ.
فقال: ما صنعت به؟
فأخبرته فقال: أتَدْري مَنْ هو؟
قلتُ: لا.
قال: ذاك الشيطان، جاء يمنعُكَ من الماء.
*******
حب الرسول لعمّار
استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة، وأخذ عمار مكانه عاليا بين المسلمين، وكان الرسول (ص) يحبه حبا عظيما، يقول عنه (ص)(إن عمّارا مُلِىء إيمانا إلى مُشاشه - تحت عظامه-) وحين كان الرسول(ص) وأصحابه يبنون المسجد بالمدينة إثر نزولهم، إرتجز علي بن أبي طالب أنشودة راح يرددها ويرددها المسلمون معه، وأخذ عمار يرددها ويرفع صوته، وظن بعض أصحابه أن عمارا يعرض به، فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول(ص) وقال: (ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، إن عمّارا جِلْدَة ما بين عيني وأنفي).
وعن أبي سعيد قال: كنّا نحملُ في بناء المسجد لبنةً لبنةً، وعمار يحمل لبنتَين لبنتَين، فرآهُ النبي(ص) فجعل ينفُض التراب عنه ويقول: (ويْحَ عمّار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار).
وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال الرسول: (من عادى عمّارا عاداه الله، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله) فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح كما قال - عليه أفضل الصلاة والسلام-: (اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال).
*******
ولاية الكوفة
لفضائله (عليه السلام) سارع عمر بن الخطاب واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال، وكتب الى أهلها مبشرا: (إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا، وابن مسعود مُعَلما ووزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر) يقول ابن أبي الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة: (رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر الكوفة يشتري من قِثائها، ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها الى داره) كما ناداه أحد العامة يوما: (يا أجدع الأذن) فيجيبه الأمير: (خَيْر أذنيّ سببت، لقد أصيبت في سبيل الله).
*******
وفاته
حمل الإمام علي عماراً فوق صدره الى حيث صلى عليه والمسلمـون معه، ثم دفنه في ثيابه، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون، فقبل قليـل كان يغـرد: (اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه)... وتذكروا قول الرسول (ص): (اشتاقت الجنة لعمّار).
وقد قال عليّاً (عليه السلام) حين قُتِلَ عمّار: (إنّ امْرأً من المسلمين لم يَعْظُمْ عليه قتلُ ابن ياسر وتدخلُ به عليه المصيبةُ الموجعةُ لغيرُ رشيد، رحِمَ الله عمّاراً يوم أسلمَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم قُتِلَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم يُبْعث حيّاً، لقد رأيتُ عمّاراً وما يُذْكَرُ من أصحاب رسول الله(ص) أربعةٌ إلا كان رابعاً ولا خمسةٌ إلا كان خامِساً، وما كان أحدٌ من قدماء أصحاب رسول الله(ص) يشكُّ أن عمّاراً قد وجَبَتْ لهُ الجنّة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئاً لعمّار بالجنّة، ولقد قيل: إنّ عمّاراً مع الحقِّ والحقُّ معه، يدور عمّارٌ مع الحقّ أينما دار، وقاتِلُ عمّار في النّار).
وعن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة وإنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاص معه الراية فقال: إن هذه الراية قد قاتلتها مع الرسول صلى الله عليه واله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن صاحبنا على الحق وأنهم على الضلالة. وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب فأني بقدح من لبن فشرب منه ثم قال: صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه، إن رسول الله (ص) قال: إن آخر شئ يرويه من الدنيا صبحة لبن ثم قال: والله لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل. قال أهل السير قتل عمار بصفين مع(ص)، قتله أبو الغادية. ودفن في سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقبل أربع وتسعين سنة.
وأخيراً حصل على بغيته، فنال وسام الشهادة، وسعد وفاز.. إلاّ أنّه خلّف إمامه أمير المؤمنين عليه السّلام متلهّفاً متأسّفاً عليه، حزيناً مكتئباً على فراقه، متشوّقاً إليه، متذكّراً أحبّته الذين فارقوه، يقول:
ـ أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضَوا على الحقّ ؟! أين عمّار، وأين ابن التَّيِّهان، وأين ذوالشهادتين ؟! وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة، وأُبرِد برؤوسهم إلى الفجرة ؟!
ثمّ ضرب عليه السّلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء ثمّ قال: أوِّهِ على إخواني الذين تلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيَوُا السنّة وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه.
وسمع معاوية الخبر فأظهر فرحه وشماتته بشهادة هذا الصحابيّ الجليل، فكان يقول: كانت لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان، قُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعني عمّار بن ياسر..
أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أبّنه أروع تأبين، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز، إذ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حِجره وأنشد يقول:
ألا أيّها الموت الذي هو قاصدي أرحني فقد أفنيتَ كلّ خليلِ
أراك بـصـيـراً بالذين أحبُّهُم كـأنّك تنحو نحوَهم بدليلِ
ثمّ حمله، وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه وهو يقول:
وما ظبيةٌ تسبي القلوب بطَرفِها إذا التـفـتَـت خِلْنا بأجفانها سِحْرا
بأحسنَ ممّن كلّل السيفُ وجهَهُ دَماً في سبيل الله حتّى قضى صبرا
ثمّ قال عليه السّلام: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّ امرأً لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء. ثمّ قال: رحم الله عمّاراً يوم يُبعث، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل... قاتلُ عمّار، وسالب عمّار، وشاتم عمّار في النار.
ثمّ إنّه عليه السّلام صلّى عليه، ودفنه بثيابه.[/quote][/color][/color][/b]