الحرية في مدرسة الامام الصادق عليه السلام
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل عل محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحرية عنوان شيق وجميل، وهو ضروري حياتياً وحضارياً وكونياً، وذلك لأن مسألة الحرية هي مسألة الحياة والوجود لبني البشر قاطبة.
والعنوان مؤلف من ثلاث كلمات ذات مداليل مترابطة، ونحاول جَدْلها من أجل إعطاء فكرة أقوى وأشد وأجمل عن بعض المعاني الحضارية لمسألة القيادة الإسلامية للدين والدنيا والتي تتمثل هنا بشخصية ومقام الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
فالحرية هي مطلب جماهيري، وضرورة لحياتها من أجل التفتح والعطاء في كل نواحي الحياة العامة والخاصة.
الحرية أصل من أصول الوجود الإنساني وهي دعامة قوية، وركيزة أساسية لهذا الوجود وشرط من الشروط الأساسية لبقائه ونمائه وتفتح أفكاره كتفتح الربيع الذي يهب الدنيا بكل بهجة ولون وعطر، فيتمتع الأحباء بمباهج الحياة البكر.
وليست الحرية من ضرورات الحياة فقط، بل هي فطرة شكلت حقيقة وجودنا الإنساني وجوهره، فلا بديل للإنسان عن الحرية ولا غنى له عنها.
فهو يحتاجها كما يحتاج إلى الخبز والماء والهواء، ويتعطش إليها كما تتعطش الوردة الضاحكة في فم الرابية إلى الماء وقطرات الندى.
فالحرية والإنسان ولدا معاً توأمين، ولا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، إذ لو سلبت من الإنسان حريته لذوى ومات ـ رغم حياته بين البشر ـ كما تذوي الأغصان الطرية عندما تحرم من هبات النسيم وقطرات الماء.
الحرية أعظم كلمة وجهتها السماء للراسفين في أغلال الجهل والضياع، والعجز الإنساني، ولا غرو فلأننا لا نحيا بالخبز وحده، بل بكلمات الله التي ألهمنا إياها بتلقينه وتعليمه، وإن كنا لا نعيها إلاّ على ألسنة أوليائه الكرام، وهذا أكبر وأهم وأعظم.
لأن الخبز ينعش أبداننا، وأما أرواحنا فلا تنعش ولا تنطلق ولا تحيى إلاّ بالحرية. فالحرية نشيد لا يفارق شفاه الإنسان كما لا تفارق النغمة الجميلة لهاة البلابل، ولو منعنا الإنسان من ممارسة حريته فقد تتعطل قواه ونشاطاته ويصبح جثة هامدة، أو ركاماً من الخمول والكسل.
فالأصل في الإنسان الحرية أي أنه مفطور عليها، وهي نابعة من صبغته التكوينية الأساسية (فالحرية الطبيعية عنصر جوهري في كيان الإنسان، وظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات مختلفة، تبعاً لمدى حيويتها، ولذلك كان نصيب الإنسان من هذه الحرية أوفر من نصيب أي كائن آخر.
وهكذا كلما ازداد حظ الكائن من الحياة، عظم نصيبه من الحرية الطبيعية، فهي أحد المقدمات الجوهرية للإنسانية، لأنها تعبير عن الطاقة فيها.. فالإنسان بدون هذه الحرية لفظ بدون معنى).
فالحرية أصل من أول تحقق الإنسانية في الإنسان، وهي ضرورة لحياته سواء في الدنيا أو في الآخرة، فلولا الحرية لبطل الثواب والعقاب في الدار الآخرة.
أما في الحياة الدنيا فهي معشوقة الفقراء وضالتهم، وهي عدوة الطغاة وطريدتهم، فأخشى ما يخشاه الطاغية، هو نداء الحرية، وتطلع الشعب والجماهير إلى التحرر من شتى أنواع الاستغلال.
والحرية في هذا العصر هي حديث الساعة باسم (الديمقراطية) فمنهم من يتغنى ويفخر بحريته، ومنهم من يبكي وينتحب عليها، ويذهب يميناً وشمالاً باحثاً عنها عند الدول القوية أو في المحافل الدولية.
وكثيرون لم يعرفوا أن الحرية الحقيقية لأي شعب لا يمكن أن تتحقق إلاّ بقلع جذور العبودية لغير الله من أعماق وقلوب ذاك الشعب (فلكي لا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار(
فالشعب الحر يأبى الاستعباد والشعب الذي تجري في عروقه دماء العبودية يتضجر من الحرية وربما يرفضها لأنها لا تلائمه، ولا يستطيع أن يتأقلم معها كحال الملوّنين في أميركا في مطلع القرن الماضي.
ولعل هذه الحرية هي من أبرز الميزات للعرب في الجاهلية إذ كانوا يأبون الضيم، ويبغضون التسلط، من قبل الغير إلاّ برضاهم، ولذلك نجد أن الإمام الحسين عليه السلام قبل معركة الطف بقليل خاطب الجموع الغفيرة التي كانت تتراكض إلى النار بقوله: ( إن لم تكونوا مؤمنين فكونوا أحراراً في دنياكم(
والإمام الصادق عليه السلام هو إنسان، أي أن الله قد غرس في أعماقه الحرية، فتفجر من قلبه العظيم نبع الحريات الإسلامية، فراح يمارسها ويعلمها للناس بتواضع وأناة طيلة عمره الشريف.
وجده أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا )
والحرية نظرياً في أعماق الإنسان كالفطرة، وأما عملياً فهي ممارسة مسؤولة ومنظمة وليست ضرباً من الفوضى واللامبالاة والاستهتار بالآخرين أفراداً ومجتمعات.
فالحرية وهي كون الإنسان حر حقيقة فلا فوضى، ولا كبت صريح أو مغلف، وهي لا توجد إلاّ في النظام الإسلامي..). ( فقد أعطى الإسلام للإنسان كامل الحرية، حرية الفكر، وحرية القول، وحرية العمل، ولكن في الإطار المعقول الصحيح ( من عدم الإضرار بالآخرين، وعدم الإضرار البالغ بالنفس)
وإن المتأمل في كلمة (التوحيد) التي ذكرت في القرآن والسنّة آلاف المرات، والتي يرددها المسلمون في شعائرهم في وقت الصلاة وغيرها، يجد أن هذه الكلمة هي رمز الحرية وجوهرها، لأنه عندما صدع الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله بكلمة) لا الله إلاّ الله) فإنه فجّر ثورة على كل القيود (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.(.
وأعلن أنه لا سيد إلاّ سيد واحد هو الله سبحانه وتعالى، ويجب أن لا يطاع إلاّ هو وحده وللمرء أن يقيم صلة مباشرة بينه وبين الله.
والإمام الصادق عليه السلام جسد هذه النظرية، وطبقها بحذافيرها في مدرسته الفكرية في ذاك العصر الرهيب، وأول ما طبقها هو نفسه على الكثير من النظريات العلمية الوافدة، بحيث أنه لا يكاد يرىـ ببصيرته النافذة وعلمه اللدني ـ أي خطأ في نظرية من النظريات إلاّ ويوجه إليها نقده مشيراً إلى الخطأ ومعطياً البديل الصحيح ليُثبت في كتب العلم عند تلامذته. وبهذا الأسلوب، والمنهج الشجاع والفريد في زمن كانت النظريات العلمية تؤخذ كمسلّمات وحقائق لا يجوز التشكيك فيها أو انتقاصها وحتى التفكير فيها، بل تؤخذ كما هي على علاّتها.
إن الدين الإسلامي، وأئمة المسلمين أعطوا الحرية حقها لاسيما الإمام السادس جعفر محمد الصادق عليه السلام فقد ناقش الكثير من النظريات بكل حرية، وسمح لكل الملل والنحل بأن تناقشها بأدق التفاصيل دون قيود أو أغلال، وقد حدثنا التاريخ عن أمثال ابن أبي العوجاء ذاك المنحرف عن خط التوحيد، والتارك لأستاذه الحسن البصري. هذا الرجل جاء ذات يوم من أيام الحج إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال: يا أبا عبد الله، إن المجالس بالأمانات، ولابد لكل من به سُعال أن يسعل، أفتأذن لي بالكلام؟
فقال عليه السلام: تكلم.
فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر )تعريضاً بالطواف والحج وشبهه بالبيدر عند الحصاد) وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت (الكعبة) المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر، إن من فكر بهذا وقدر، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أُسه ونظامه.
فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق، ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره (تقديم رائع، وتنبيه للفطرة الإنسانية في المخاطب) وهذا البيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محلّ أنبيائه، وقبلة المصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق فيما أمر وانتهى عمّا نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب.
فقال الإمام الصادق عليه السلام: ويلك، كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل عل محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحرية عنوان شيق وجميل، وهو ضروري حياتياً وحضارياً وكونياً، وذلك لأن مسألة الحرية هي مسألة الحياة والوجود لبني البشر قاطبة.
والعنوان مؤلف من ثلاث كلمات ذات مداليل مترابطة، ونحاول جَدْلها من أجل إعطاء فكرة أقوى وأشد وأجمل عن بعض المعاني الحضارية لمسألة القيادة الإسلامية للدين والدنيا والتي تتمثل هنا بشخصية ومقام الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
فالحرية هي مطلب جماهيري، وضرورة لحياتها من أجل التفتح والعطاء في كل نواحي الحياة العامة والخاصة.
الحرية أصل من أصول الوجود الإنساني وهي دعامة قوية، وركيزة أساسية لهذا الوجود وشرط من الشروط الأساسية لبقائه ونمائه وتفتح أفكاره كتفتح الربيع الذي يهب الدنيا بكل بهجة ولون وعطر، فيتمتع الأحباء بمباهج الحياة البكر.
وليست الحرية من ضرورات الحياة فقط، بل هي فطرة شكلت حقيقة وجودنا الإنساني وجوهره، فلا بديل للإنسان عن الحرية ولا غنى له عنها.
فهو يحتاجها كما يحتاج إلى الخبز والماء والهواء، ويتعطش إليها كما تتعطش الوردة الضاحكة في فم الرابية إلى الماء وقطرات الندى.
فالحرية والإنسان ولدا معاً توأمين، ولا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، إذ لو سلبت من الإنسان حريته لذوى ومات ـ رغم حياته بين البشر ـ كما تذوي الأغصان الطرية عندما تحرم من هبات النسيم وقطرات الماء.
الحرية أعظم كلمة وجهتها السماء للراسفين في أغلال الجهل والضياع، والعجز الإنساني، ولا غرو فلأننا لا نحيا بالخبز وحده، بل بكلمات الله التي ألهمنا إياها بتلقينه وتعليمه، وإن كنا لا نعيها إلاّ على ألسنة أوليائه الكرام، وهذا أكبر وأهم وأعظم.
لأن الخبز ينعش أبداننا، وأما أرواحنا فلا تنعش ولا تنطلق ولا تحيى إلاّ بالحرية. فالحرية نشيد لا يفارق شفاه الإنسان كما لا تفارق النغمة الجميلة لهاة البلابل، ولو منعنا الإنسان من ممارسة حريته فقد تتعطل قواه ونشاطاته ويصبح جثة هامدة، أو ركاماً من الخمول والكسل.
فالأصل في الإنسان الحرية أي أنه مفطور عليها، وهي نابعة من صبغته التكوينية الأساسية (فالحرية الطبيعية عنصر جوهري في كيان الإنسان، وظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات مختلفة، تبعاً لمدى حيويتها، ولذلك كان نصيب الإنسان من هذه الحرية أوفر من نصيب أي كائن آخر.
وهكذا كلما ازداد حظ الكائن من الحياة، عظم نصيبه من الحرية الطبيعية، فهي أحد المقدمات الجوهرية للإنسانية، لأنها تعبير عن الطاقة فيها.. فالإنسان بدون هذه الحرية لفظ بدون معنى).
فالحرية أصل من أول تحقق الإنسانية في الإنسان، وهي ضرورة لحياته سواء في الدنيا أو في الآخرة، فلولا الحرية لبطل الثواب والعقاب في الدار الآخرة.
أما في الحياة الدنيا فهي معشوقة الفقراء وضالتهم، وهي عدوة الطغاة وطريدتهم، فأخشى ما يخشاه الطاغية، هو نداء الحرية، وتطلع الشعب والجماهير إلى التحرر من شتى أنواع الاستغلال.
والحرية في هذا العصر هي حديث الساعة باسم (الديمقراطية) فمنهم من يتغنى ويفخر بحريته، ومنهم من يبكي وينتحب عليها، ويذهب يميناً وشمالاً باحثاً عنها عند الدول القوية أو في المحافل الدولية.
وكثيرون لم يعرفوا أن الحرية الحقيقية لأي شعب لا يمكن أن تتحقق إلاّ بقلع جذور العبودية لغير الله من أعماق وقلوب ذاك الشعب (فلكي لا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار(
فالشعب الحر يأبى الاستعباد والشعب الذي تجري في عروقه دماء العبودية يتضجر من الحرية وربما يرفضها لأنها لا تلائمه، ولا يستطيع أن يتأقلم معها كحال الملوّنين في أميركا في مطلع القرن الماضي.
ولعل هذه الحرية هي من أبرز الميزات للعرب في الجاهلية إذ كانوا يأبون الضيم، ويبغضون التسلط، من قبل الغير إلاّ برضاهم، ولذلك نجد أن الإمام الحسين عليه السلام قبل معركة الطف بقليل خاطب الجموع الغفيرة التي كانت تتراكض إلى النار بقوله: ( إن لم تكونوا مؤمنين فكونوا أحراراً في دنياكم(
والإمام الصادق عليه السلام هو إنسان، أي أن الله قد غرس في أعماقه الحرية، فتفجر من قلبه العظيم نبع الحريات الإسلامية، فراح يمارسها ويعلمها للناس بتواضع وأناة طيلة عمره الشريف.
وجده أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا )
والحرية نظرياً في أعماق الإنسان كالفطرة، وأما عملياً فهي ممارسة مسؤولة ومنظمة وليست ضرباً من الفوضى واللامبالاة والاستهتار بالآخرين أفراداً ومجتمعات.
فالحرية وهي كون الإنسان حر حقيقة فلا فوضى، ولا كبت صريح أو مغلف، وهي لا توجد إلاّ في النظام الإسلامي..). ( فقد أعطى الإسلام للإنسان كامل الحرية، حرية الفكر، وحرية القول، وحرية العمل، ولكن في الإطار المعقول الصحيح ( من عدم الإضرار بالآخرين، وعدم الإضرار البالغ بالنفس)
وإن المتأمل في كلمة (التوحيد) التي ذكرت في القرآن والسنّة آلاف المرات، والتي يرددها المسلمون في شعائرهم في وقت الصلاة وغيرها، يجد أن هذه الكلمة هي رمز الحرية وجوهرها، لأنه عندما صدع الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله بكلمة) لا الله إلاّ الله) فإنه فجّر ثورة على كل القيود (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.(.
وأعلن أنه لا سيد إلاّ سيد واحد هو الله سبحانه وتعالى، ويجب أن لا يطاع إلاّ هو وحده وللمرء أن يقيم صلة مباشرة بينه وبين الله.
والإمام الصادق عليه السلام جسد هذه النظرية، وطبقها بحذافيرها في مدرسته الفكرية في ذاك العصر الرهيب، وأول ما طبقها هو نفسه على الكثير من النظريات العلمية الوافدة، بحيث أنه لا يكاد يرىـ ببصيرته النافذة وعلمه اللدني ـ أي خطأ في نظرية من النظريات إلاّ ويوجه إليها نقده مشيراً إلى الخطأ ومعطياً البديل الصحيح ليُثبت في كتب العلم عند تلامذته. وبهذا الأسلوب، والمنهج الشجاع والفريد في زمن كانت النظريات العلمية تؤخذ كمسلّمات وحقائق لا يجوز التشكيك فيها أو انتقاصها وحتى التفكير فيها، بل تؤخذ كما هي على علاّتها.
إن الدين الإسلامي، وأئمة المسلمين أعطوا الحرية حقها لاسيما الإمام السادس جعفر محمد الصادق عليه السلام فقد ناقش الكثير من النظريات بكل حرية، وسمح لكل الملل والنحل بأن تناقشها بأدق التفاصيل دون قيود أو أغلال، وقد حدثنا التاريخ عن أمثال ابن أبي العوجاء ذاك المنحرف عن خط التوحيد، والتارك لأستاذه الحسن البصري. هذا الرجل جاء ذات يوم من أيام الحج إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال: يا أبا عبد الله، إن المجالس بالأمانات، ولابد لكل من به سُعال أن يسعل، أفتأذن لي بالكلام؟
فقال عليه السلام: تكلم.
فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر )تعريضاً بالطواف والحج وشبهه بالبيدر عند الحصاد) وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت (الكعبة) المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر، إن من فكر بهذا وقدر، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أُسه ونظامه.
فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق، ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره (تقديم رائع، وتنبيه للفطرة الإنسانية في المخاطب) وهذا البيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محلّ أنبيائه، وقبلة المصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق فيما أمر وانتهى عمّا نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب.
فقال الإمام الصادق عليه السلام: ويلك، كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم
تعليق