لقد كان الزُّهد مَعْلَماً بارزاً من معالم شخصية الإمام علي (ع)، وسمة مميزة زيّنه الله تعالى به.
وقد كان من شواهد تلك الصفة التي حباه الله تعالى بها:
أن زَهِدَ الإمامُ (ع) عن كلِّ لذاذات الحياة وزينتها وتوجّه بكلِّ وجوده نحو الآخرة، وعاش عيشة المساكين وأهل المتربة من رعيّته.
لقد زهد الإمام(ع) بالدنيا وزخرفها زهداً تاماً وصادقاً:
زهد في المال والسلطان، وكلّ ما يطمع به الطامعون.
عاش في بيت متواضع لا يختلف عمّا يسكنه الفقراء من الأُمّة، وكان يأكل خبز الشعير، تطحنه إمرأته أو يطحنه بنفسه، قبل خلافته وبعدها، حيث كانت تُجبى الأموال إلى خزانة الدولة التي يضطلّع بقيادتها من شرق الأرض وغربها. وكان يلبس أبسط أنواع الثياب، وثمن قميصه ثلاثة دراهم.
وبقي ملتزماً بخطه في الزهد طوال حياته، فقد رفض أن يسكن القصر الذي كان مُعدّاً له في الكوفة، حِرْصاً منه على التأسِّي بالمساكين.
وهذه بعض المصاديق كما ترويها سيرته العطرة:
فعن الإمام الصادق (ع) يقول: "كان أمير المؤمنين أشبه الناس طُعمةً برسول الله (ص)، يأكل الخبز والخلّ والزيت، ويُطعِم الناس الخبز واللحم".
وعن الباقر (ع) قال: "ولقد ولّي خمس سنين، وما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاً ولا حُمراً".
وعن عمر بن عبدالعزيز قال: "ما علمنا أنّ أحداً كان في هذه الأُمّة بعد رسول الله (ص) أزهَد من علي بن أبي طالب، ما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة".
وعن الأحنف بن قيس قال: "دخلتُ على معاوية، فقدَّم إليَّ من الحلو والحامض، ما كَثُرَ تعجُّبي منه، ثمّ قال: قدِّموا ذاك اللّون، فقدَّموا لوناً ما أدري ما هو! فقلتُ ما هذا؟ فقال: مصارينُ البَطِّ محشوةٌ بالمُخِّ ودهنِ الفُستقِ قد ذُرَّ عليه السكّر!!.
قال الأحنف: فبكيتُ. فقال معاوية: ما يُبكيك؟ فقلتُ: لله دَرُّ ابن أبي طالب، لقد جادِ مِن نفسه بما لَم تسمح به أنتَ ولا غيرُك! قال معاوية: وكيف؟
قلتُ: دخلتُ عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: (قُم فَتَعَشَّ مع الحسن والحسين)، ثمّ قام إلى الصلاة، فلمّا فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً ثمّ خَتَمَه. فقلت: "يا أمير المؤمنين! لم أعهدك بخيلاً، فكيف خَتَمْتَ على هذا الشعير. فقال: (لم أختمهُ بُخلاً، ولكن خِفتُ أن يبسّهُ الحسنُ والحسينُ بِسَمنٍ أو إهالة)! فقلتُ أحرام هو؟ قال: (لا، ولكن على أئمّة الحقِّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأكل واللِّباس، ولا يتميّزوا عليهم بشيء لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير، فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغنيّ فيزداد شكراً وتواضعاً)".
وعن سويد بن غفلة قال: "دخلتُ على علي (ع) بالكوفة، وبين يديه رغيف من شعير، وقدح من لبن، والرغيف يابس، فشقَّ عليَّ ذلك، فقلتُ لجاريّةٍ من يُقال لها فضّة: ألا ترحمين هذا الشيخ، وتنخلين له هذا الشعير. فقالت إنّه عهد إلينا ألا ننخل لهُ طعاماً قطّ.
فالتفت الإمام إليَّ وقال: (ما تقول لها يا ابن غفلة؟)، فأخبرتهُ وقلت: يا أمير المؤمنين! إرفق بنفسِك. فقال لي: (وَيْحَكَ يا سويدُ؟ ما شَبعَ رسول الله (ص) وأهلُهُ مِن خبز بُرٍّ ثلاثاً حتّى لقي الله، ولا نُخِلَ لهُ طعام قطّ)".
وعن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس قال: "رُئِيَ على عليّ (ع) إزارٌ مرقوع، فعوتِبَ في ذلك، فقال: (يخشع له القلب، ويقتدي به المؤمن)".
وعن الغزالي يقول: "كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيتِ المالِ حتى يبيعَ سيفهُ، ولا يكون له إلاّ قميص واحد في وقت الغسل ولا يجد غيره".
هذا هو عليّ في شدّة زهده ورغبته عن الدنيا وزخارفها، وفي عظيم اقتدائه برسول الله (ص) وفي مواساته لأهل المتربة من أُمّته (ص)، فهل حدّثك التأريخ عن زعيم كعليّ (ع)؟ تُجبى إليه الأموال الأموال من الشرق والغرب، وعاصمته الكوفة تقع في أخصب أرض الله وأكثرها غِنىً يومذاك، بيدَ أنّه يعيش مواسياً لأقلّ الناس حظّاً في العيش في هذه الحياة، يأكل خبز الشعير دون أن يُخرج نخالته، ويكتفي بقميصٍ واحد لا يجد غيره عند الغسل، ويُحرِّم على نفسه الأكل من بيت المال، ويرقع مِدْرَعَتَهُ حتّى يستحي من راقعها مجسِّداً بذلك أرفع شعار للزاهدين: "فوَالله ما كنزتُ من دنياكم تِبْراً، ولا ادّخَرتُ مِنْ غنائمها وفراً، ولا أعدَدْتُ لبالي ثوبٍ طمراً، ولا حُزتُ من أرضها شِبراً، ولا أخذتُ منه إلاّ كقوتِ أتانٍ دَبِرَة، ولهي في عيني أوهى وأوهنُ مِن عفصةٍ مَقِرَة".
سؤال يطرح نفسه هل يوجد في هذا الزمن من يتحلى بهذه الخصال ويطبقها ممن يدعون الدين ويتسترون بزي الدين فلما لا نقف عند هذه الحقيقة للذين يدعون التشيع لاهل البيت -ع- السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته
تعليق