منقول من موسوعة القائم( من فكرالسيد القحطاني)
سفياني الفتوى
قد يبدو مفهوم (سفياني الفتوى) غريباً للوهلة الأولى، وقد يثير في نفس القارئ سؤالاً محيراً، أليس السفياني هو سفياني واحد وهو الذي يخرج قبيل قيام الإمام المهدي (ع) فما المقصود بسفياني الفتوى يا ترى ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول:
إذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء وإلى زمان بعثة النبي الأكرم محمد (ص) حيث يتواجد أبو سفيان.
نجد إن أبي سفيان بن حرب كان له دور فعال ورئيسي في العداء للدعوة المحمدية والوقوف بوجه الإسلام والداعي إليه المتمثل برسول الله (ص) وهذا الدور ينقسم إلى دورين رئيسيين، الدور الأول هو ما كان قبل الهجرة، والذي اتسم فيه العداء بالطابع الفكري، أي إن أبو سفيان واجه الدعوة الإسلامية التي جاء بها محمد (ص) بالفكر العدائي المناهض لتلك الدعوة والذي وصل ذروته بمحاولة اغتيال الرسول (ص) والتي جاء فيها الإذن إلى الرسول (ص) بالهجرة إلى يثرب والتي أصبح اسمها فيما بعد بالمدينة المنورة، وإلى هنا ينتهي الدور الأول لأبي سفيان.
أما الدور الثاني فهو ما بعد الهجرة والذي اتسم العداء فيه بالطابع العسكري، أي ان أبا سفيان واجه الدعوة المحمدية بالعمل العسكري وقاد الصِدام المسلح الذي استمر منذ بداية الهجرة إلى عام الفتح ( فتح مكة ) والذي أنهى فيه الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) النشاط العسكري لأبي سفيان وهزمه عسكرياً فضلاً عن هزيمته فكرياً والذي تمثل في فشله في المقاومة للدعوة الإسلامية، وانتشارها رغم أنفه في مكة وما جاورها من المدن والبلدان الأخرى.
وبما إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لها شبه بدعوة جده رسول الله (ص) فعلى هذا الأساس لا بد من وجود أبي سفيان في الحقيقة، وهذا السفياني من باب الشبه بينه وبين الدعوتين دعوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ودعوة المهدي (عليه السلام) وجب عليه أن يقوم بذات الدور الذي قام به أبو سفيان في صدر الإسلام والمتمثل بجانبين أو دورين، دور العداء الفكري للإمام (عليه السلام) ودور العداء العسكري المسلح .
وإذا ما علمنا إن سفياني السيف هو سفياني النسب أي يرجع في نسبه إلى بني أمية وإلى جده أبي سفيان بن حرب فإنه من السهولة بمكان أن يقاوم دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) بالسيف ويحاول القضاء عليها عن طريق العمل العسكري، ولكن كيف يستطيع أن يقوم بالدور الثاني أي العداء الفكري لدعوة الإمام المهدي (عليه السلام)؟
وإذا قال قائل إن هذا من السهل حصوله فنحن نسمع ونرى هذه الأيام المبغضين لأهل البيت (ع) والناصبين العداء لهم يحيكون الدسائس ويكيلون التهم لأهل البيت (عليهم السلام) ويتعرضون لمحبيهم والموالين لهم ويسومونهم ذبحاً وقتلاً وينشرون الفكر المعادي لهم المحرض على إتباع العنف ضد هذا المذهب والمنتسبين إليه، وهذا ما قام به أبو سفيان سابقاً وسيقوم به أبو سفيان في عصر الظهور وهو السفياني.
ونحن نرد عليه بالقول صحيح إن المعادين لأهل البيت (عليهم السلام) كثر وقد تفننوا في التعبير عن حقدهم وعدائهم لهم ولمن والاهم.
وبما إن السفياني في أول الزمان كان مكان تواجده مكة المكرمة فهذا يعني إن أبا سفيان في آخر الزمان ( السفياني ) يكون مكان تواجده مكة والتي قلنا إنها الكوفة حسب التأويل( )، وبناءاً على هذا وجب أن يكون مكان تواجد السفياني في الكوفة من باب المقابلة بين السفياني الأول والسفياني الثاني، وهذا الفرض ما لا يمكن أن يكون مطلقاً لأن السفياني وكما أشارت الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) يكون مكان خروجه ومركز تواجده في بلاد الشام كما سنبين ذلك لاحقاً، ثم لا يمكن أن نتصور قبول الشيعة بأن يكون من بين ظهرانيهم السفياني ويقوم بمعادات دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وصد الناس عنها وهم يعرفون إنه هو السفياني ذاته، إلا أن يكون المقصود به سفياني آخر لا ينتمي إلى أبو سفيان نسباً وأصلاً بل ينتمي إليه فكراً وأسلوباً في العداء لأهل البيت (عليهم السلام).
وهذا في الواقع ما سيكون، فهذا السفياني لا ينتمي إلى أبو سفيان من ناحية الدم وصلة القربى بل ينتمي إليه من ناحية مشابهة فعله لفعل أبي سفيان، وهذا ما يطلق عليه سفياني الفتوى الذي أشرنا إليه.
كما إن أبى سفيان كان نشاطه في مكة وعليه فسفياني الفتوى يكون نشاطه في مكة المهدي (عليه السلام) وهي الكوفة حسب التأويل، كما أن أبو سفيان من أهل مكة وهم قريش الذين ينتسب إليهم بني أمية وهم أبناء عمومة بني هاشم فعبد شمس وهاشم أخوان، وهذا يعني إن له صلة قرابة بالبيت الذي ينتمي إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإنه أحد سادات قريش وكبرائها، أما سفياني الفتوى فلا بد والحال هذه أن يكون من قريش آخر الزمان الذين يسكنون الكوفة(مكة المهدي حسب التأويل) وهم أهل الكوفة (مكة حسب التأويل)، والمعروف إن قريش الكوفة هم بنو هاشم الذين يعودون في الأصل إلى قريش وهم أبناء عمومة الإمام المهدي (عليه السلام) وأبناء عمومة الداعي اليماني، وعليه فسفياني الفتوى يكون من أولئك الفقهاء الذين سوف يكذبون دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ويرفضونها بل إنهم يقولون للمهدي (عليه السلام): (إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة)
وهم من سيحاربون دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) فيقوم الإمام بالقضاء عليهم، فقد ورد عن مالك بن ضمرة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: (...عند ذلك يا مالك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم ثم يجمعهم الله على أمر واحد).
وهؤلاء السبعين هم علماء السوء المضلين، ومن هناك يظهر أو ينبثق سفياني الفتوى.
أما مصاديق انطباق سفياني الفتوى على أبي سفيان يتضح لنا من خلال ما يقوم به سفياني الفتوى من عداء فكري أو معنوي للدعوة المهدوية كما قام بذلك أبو سفيان مع الدعوة المحمدية فيما مضى من الزمان.
فإن سفياني الفتوى سيقوم بصد الناس عن الالتحاق بالدعوة المهدوية الجديدة والتي تدعو إلى التوحيد الخالص ونبذ عبادة الأصنام البشرية والتي تكون عوضاً عن الأصنام الحجرية في عصر الظهور الشريف.
وسيحاول الضغط على ضعفاء الناس وحملهم على عدم الانخراط في هذه الدعوة أو تركها إذا ما كانوا داخلين فيها، وهذا ما عمله أبو سفيان أيام البعثة النبوية الشريفة من حمل ضعفاء الناس على عدم الدخول في الدين الجديد وتركه إذا ما دخل فيه أحدهم( ).
كما سيتبع سفياني الفتوى أسلوب القتل المعنوي لصاحب دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) واتهامه بالكذب وغيرها من التهم التي يحاول من خلالها إسقاطه في أعين الناس كما يظن لكي لا يقدمون على إتباعه.
وهذا بعينه ما فعله أبو سفيان ومن سار في ركابه من زعماء قريش وكبارها من تكذيبهم للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وافتراءهم عليه وتلفيقهم الأكاذيب عليه وهو من كان يعرف عندهم بالصادق الأمين.
كما إن سفياني الفتوى سيصدر فتوى مضلة باطلة ضد دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنصاره ويحث الناس على عدم الالتحاق بها وتركها مما يتسبب في إضلال الكثير من الناس، وبهذه الفتوى ستضيق الحلقة على الدعوة والقائمين عليها لأنهم سيُطلبون ويُحارَبون في دعوتهم وقد تنقطع عليهم مصادر رزقهم وتهدد أماكن سكناهم بالتخريب.
وهذه إشارة ليست بالمستغربة إذا ما علمنا إن أبا سفيان ابن حرب أصدر ما يشابه الفتوى المضلة وهو ما تمثل بصحيفة قريش التي وقع عليها زعماء قريش الكبار وعلى رأسهم أبو سفيان وأعلنوا بها الوقوف بوجه دعوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كما أعلنوا مقاطعتهم لبني هاشم ولا سيما أبي طالب الذين ساندوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأن لا يبيعون ولا يشترون منهم ولا يتزاوجون فيما بينهم ولا يتعاملون بينهم بأي نوع من أنواع التعامل.
أي إعلان حرب اقتصادية فكرية على دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأنصاره وحتى على من يؤيده ويدافع عنه( ).
وهذا ما سيكون في آخر الزمان في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بالفتاوى التي سيصدرها سفياني الفتوى وكبار علماء وفقهاء السوء التي تشبه إلى حد كبير ما موجود في صحيفة قريش .
كما إنهم سيعاقبون ويتعقبون حتى من يؤيد الدعوة أو يحاول المحامات عنها أو عن صاحبها وهذا ما سيكون عليه حال صاحب النفس الزكية الذي سيقتل في الكوفة في سبعين من الصالحين لا لشيء إلا لأنه يعلن تأييده لصاحب دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وإعلانه إن هذه الدعوة هي الدعوة المهدوية الحقة التي ينتظرها العالم.
كما إن أنصار دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لا يسلمون من شر سفياني الفتوى وغيره من فقهاء السوء المضلين وزعماء الضلالة المسيطرين على مقاليد الحكم في العراق حتى بعد مهاجرتهم من العراق إلى خراسان حيث يقوم هؤلاء بمضايقة وتأليب من موجود من حكام خراسان وفقهاءها على تلك الدعوة ومحاولة ثنيهم عن احتضان المهاجرين.
وسوف يحاولون تصفية صاحب الدعوة وقتله مما يضطر معها إلى الاختفاء وفي نفس الوقت يهاجر أصحابه إلى خرسان مدينة المهدي، وهذا ما حدث أيام بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) الذي أجمع مشركوا قريش على أخذ من كل قبيلة شاباً فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل ولا يستطيع بنو عبد مناف المطالبة بدمه .
وقد يقول قائل ما الدليل على تعاون فقهاء السوء مع حكومة بني العباس التي تحكم العراق أثناء قيام الدعوة المهدوية ؟
والجواب على ذلك: إن التاريخ يعيد نفسه وإن آخر الأمة يمضي على ما مضى على أولها، حيث كان فقهاء السوء في العصور الإسلامية الأولى يسيرون في ركاب السلطة الحاكمة، وكان الحكام الظلمة يستعينون بالفقهاء المضلين وعلماء السوء والقضاة في دعم مخططاتهم واتخاذهم ستاراً أو غطاءاً دينياً لتمرير تلك المخططات، وإن نسينا فلا ننسى موقف شريح القاضي الكوفي الذي وقف إلى جانب عبيد الله بن زياد عليه اللعنة وحرض الناس على حرب الإمام الحسين (عليه السلام) ونهاهم عن الوقوف إلى صفه، بل إن ابن زياد إستحصل فتوى منه تجوز فيها قتاله للحسين (عليه السلام) لخروجه على يزيد بن معاوية لعنه الله( ) .
وعليه فمن السهولة بمكان أن تقوم الحكومة العباسية بإستحصال فتوى من الفقهاء وعلى رأسهم سفياني الفتوى، ضد دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لحمل الناس على الوقوف ضد هذه الدعوة، وهذا الشيء ليس بالمستغرب على بني العباس في آخر الزمان الذين يرجعون نسباً وعملاً لبني العباس الأوائل الذين كانوا يحكمون المسلمين بستار ديني وبنظرية الحق الإلهي في الحكم وأوهموا الناس بأنهم أولى بالحكم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأحاطوا أنفسهم بطبقة من الفقهاء المضلين وعلماء السوء الذين كانوا يحسنون أعمالهم في أعين الناس ويزينونها على إنها حق.
والتاريخ العباسي مليء بالكثير من الشواهد التاريخية على ذلك( ).
ومما تقدم يتضح لنا الدور الذي سيضطلع به سفياني الفتوى ( أبو سفيان عصر الظهور ) والذي يشابه إلى حد كبير ما قام به أبو سفيان بن حرب في عداءه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والتضييق عليه وعلى أنصاره ومنعهم من نشر دعوته.
وأعلم إن خطر سفياني الفتوى هذا لا يقل خطورة عن سفياني السيف، بل إن سفياني الفتوى أشد خطورة من سفياني السيف لأن حركة سفياني السيف هي حركة من خارج المذهب الشيعي وهي حركة عسكرية معلنة وظاهرة وتنتهي بالرد العسكري عليها وبمجابهتها بالسلاح ومن ثم القضاء عليها، ولكن حركة سفياني الفتوى هي حركة من داخل المذهب الشيعي والتي تتسبب في شق وحدة الصف الشيعي وحث الناس على عدم نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) وذلك من خلال إصادرهم للفاوى المضادة التي تجعل الناس ينظرون لهذه الدعوة المباركة على أنها من الدعوات الضالة .
فقد ورد عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): (.....ولا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يقرأ كتابان ، كتاب بالبصرة ، وكتاب بالكوفة ، بالبراءة من علي (عليه السلام)( ).
تعليق