فرق الضلالة في صدر الإسلام
الناكثون وحرب الجمل
ذكر علي بن عيسى الأرملي في كتابه كشف الغمة: قال البغوي في "شرح السُنة"عن ابن مسعود قال: خرجَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فأتى منزل أُم سلمة، فجاء علي(عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي)( ).
وذكر الخوارزمي في الفائق قال: وقال- يعني نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لعلي: (ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)( ).
إن مبدئية الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت أحدى الجوانب الهامة التي أدت إلى تفرق الكثير من الناس عنه وناصبته العداء لضربه مصالحهم وتطلعاتهم غير المشروعة، فلم يجامل الأمام علي (عليه السلام) أحدا ولا داهن أخر على حساب المبادئ، فكان يسير السيرة القويمة التي لا ترى الأمور إلا بمنظار الحق والعدل وتطبيق الحق على كل إنسان مهما كانت منزلته ومكانته.
وعليه فإن من نتائج هذه النظرة والتصرف إزاءها، تخلى أكثر وجوه الكوفة وغيرهم عنه، بل نرى إن بعضهم أنحاز إلى أطراف كانت تناصبه العداء، أضف إلى ذلك الحسد، فإن النفوس إذا حسدت ظهر منها البغي والعدوان، وصدق الشاعر حيث قال:
أصبر على كيدَ الحسود فإن صبرك قاتلُـُـهْ
كالنار تأكلُ بعضهــا إن لم تجد ما تأكلـُهْ
وقعت فتنة الجمل في أول حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) في سنة ست وثلاثين من الهجرة، ذلك بأخذ الثأر لعثمان مع إنهم اشتركوا أو كانوا يشجعون على قتله والشواهد التاريخية تصرح بذلك، ومما جاءت به الأخبار فيما تولاه طلحة والزبير من عثمان ما رواه أبو إسحاق عن صلة بن زفر قال: (رأيتُ طلحة والزبير يرفلان في أدراعيهما في قتل عثمان، ثم جاءا من بعدُ إلى علي (عليه السلام) فبايعاهُ طائعَين غير مُكرهين)(1).
وكان طلحة والزبير أول المبايعين للإمام علي (عليه السلام) بالخلافة، ولكنهما أضمرا أشياء تَكَشفَت فيما بعد فإنهما بايعا طمعاً بالولاية والثروة، أما الولاية فكانا يطلبان توليتهما أمور المسلمين في بعض أقطار الدولة الإسلامية ويلحان عليه في ذلك، وهذا يعني أنهما يطلبان الولاية لا لخدمة المسلمين والتقرب إلى الله عز وجل بل طمعاً في استغلال منصبيهما في كسب امتيازات ومنافع شخصية ذاتية على حساب مصالح المسلمين، وهذا ما يتنافى ومبادئ الإسلام المقدسة، وهذا ما يرفضه الأمام علي(عليه السلام) رفضاً تاماً.
وان طلحة والزبير لما أيسا من نيل ما طمعا فيه من الأمر، ووجدا الأمة لا تعدل بأمير المؤمنين (عليه السلام) أحداً، أرادا الحظوة عنده بالمبادرة إلى مبايعته، ظنا أنهما يُشركانه في أمره.
فلما أستوى الحال وصارا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فطلب منه طلحة ولاية العراق، وطلب منه الزبير ولاية الشام، فامسك (عليه السلام) عن أجابتهما في شيء من ذلك فانصرفا ساخطان منه... ويقولان: والله ما بايعناه بقلوبنا وإن كنا بايعناه بألسنتنا. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): {إن الذين يبايعون الله يدُ الله فوقَ أيديهم فَمَنْ نكث فإنما ينكثُ على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}(1).
وأما طمعهما في الثروة فقد ظهر بعد أن ساوى علياً (عليه السلام) بين الجميع، فأخذا يشكوان منه أمام الملأ(2). فكيف يرضيان بعطاء يساويهما مع العبيد وبقية المسلمين ؟ حتى وقف الزبير يوماً في ملأ من قريش وقال (هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب وسَببنا له القتل، وهو جالس في بيته وكفي الأمر، فلما نال منا ما أراد جعل دوننا غيرنا ) فقال طلحة (ما اللوم إلا كنا ثلاثة من أهل الشورى كرههُ أحدنا وبايعناه، وأعطينا ما في أيدينا ومنحنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا)(1).
والجدير بالذكر إن الدور الكبير الذي لعبه معاوية بن أبي سفيان كان له الأثر الواضح على هذين الرجلين. وقد صرح أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الحقيقة في خطبته حيث قال (ولقد كان معاوية كتب إليهما "أي طلحة والزبير"من الشام كتاباً يخدعهما فيه فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان))(2).
وحينما تقابل الجيشان، لم يَدَعْ الأمام (عليه السلام) حجةٌ إلا وكشف عن مضامينها قبلَ أن يقاتل أعداءه، فلعل مَنْ غُررَ بهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى جادة الصواب. فأرسل الرسلَ إلى طلحة والزبير وغيرهم ممن كانوا في ذلك الجيش يعضهم ويدعوهم إلى الطاعة. وبعدَ عودة الرُسل وما رآه أمير المؤمنين (عليه السلام) من إصرار القوم على خلافه وإقامتهم على نكث بيعته والعمل على حربه واستحلال دماء شيعته، دعا أبنه محمد بن الحنفية فأعطاهُ الراية- وهي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقال: (يا بُني هذه رايةٌ لم تُرد قط ولا تُرد ُأبداً).
فسار إليهم الأمام (عليه السلام) حتى التقوا، ودارت رحى الحرب، ولم تقف هذه الحرب حتى عُقرَ الجمل وجُرحَ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ،وولى الزبيرُ منهزماً، فأدركهُ ابنُ جرموز فقتله.
وروى الواقدي عن أبن الزبير قال: (... ولما رأى مروانُ توجه الأمر على أصحاب الجمل نظرَ إلى طلحة وهو يُريد الهرب فقال: والله لا يفوتني ثأري من عثمان، فرماهُ بسهم قطع أكحلهُ فسقط بدمه وحُملَ من موضعه وهو يقول: إنا لله هذا سهمُ لم يأتني من بُعد، ما أراه إلا من معسكرنا، والله ما رأيتُ مصرع شيخ أضيعَ من مصرعي! ثم ما لبث أن هلك)(1).
ولما انجلت الحرب بالبصرة وقُتلَ طلحة والزبير، ركب أمير المؤمنين وتبعهُ أصحابه وعمارُ رحمه الله يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ثم جعل يستعرض القتلى رجلاً رجلاً، فمرَ فرأى طلحة صريعاً فقال(اجلسوا طلحة) فأُجلس وقال لهُ: (يا طلحة بن عبيد الله قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتَ ما وَعدك ربُك حقا؟ (2)ثم قال أضجعوه)(3).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً أهل البصرة حيث ظهر على القوم (إياكم والفتنة، فإنكم أول الرعية نكث البيعة وشق عصا هذه الأمة)( ).
ومن ذلك نستنتج إن أولئك الناكثين أبوا إلا قتال الأمام والتمادي في بغيهم طمعاً في نيل الأمر من بعده بغير شبهة في ذلك.
وقد تجلت في هذه الحرب روح الإسلام الداعية إلى العفو عند المقدرة وبالمقابل همجية مناوئيه، فما كان من الأمام (عليه السلام) إلا أن يعفو عنهم.
ورُبَ سائل يسأل: هل إن طلحةَ والزبير كانا يعلمان إلى أين يسيران؟ والحق أنهما كانا على علم ويقين ببطلان الطريق الذي سلكاه، ولكن حبُ الجاه والمال أعمى بصيرتهما وجعلهما في جهلهما يعمهان، ولقد قال الأمام علي(عليه السلام) فيهما: ( والله إن طلحة والزبير لَيعلمان أنهما مخطيان وما بجاهلان، ولرُبَ عالم قتلهُ جهله وعلمه معهُ لا ينفعه )(1).
فأظهر طلحة ندمهُ وأقرَ بخطأه حينما قال وهو يخور بدمه (إني والله ما وقفت موقفاً قط إلا عرفتُ موضع قدمي فيه، إلا هذا الموقف)(2).ثم أنشأ يقول:
ندامتها ندمت وظلَ حُلمي ولهفي ثم لهف أبي وأمـي
ندمتُ ندامةَ الكسعي لمـا طلبتُ رضا بني حزم بزعمـي
وصدقاً قد ضيعَ نفسه لأنه سار بطريق أضاع سالكيه، طريق الطمع والغدر وخيانة العهد، ولكن أنى تنفعه ندامته وقد فرقَ عصا المسلمين وألبَ الجموع على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فخسر الأمارة والمال والجاه وأخيراً حياته، بل خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
أما الزبير فقد دعاه الأمام (عليه السلام) قبلَ بدء المعركة وقال له: (أنشدكَ الله يا زبير، هل تعلم إنك مررت بي وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو متكئ على يدك فسلم عليَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وضحك إلي ثم التفتَ إليكَ فقال لكَ: يا زبير إنكَ تقاتل علياً وأنت له ظالم. قال: نعم. قال الأمام (عليه السلام): فعلامَ تقاتلني ؟ قال الزبير: نسيتها، والله لو ذكرتها ما خرجتُ إليكَ ولا قاتلتك...إلى أخر الرواية)(1). فرحمَ الله أبو الطيب المتنبي حيث قال:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أولٌ وهي المحلُ الثانــي
الناكثون وحرب الجمل
ذكر علي بن عيسى الأرملي في كتابه كشف الغمة: قال البغوي في "شرح السُنة"عن ابن مسعود قال: خرجَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فأتى منزل أُم سلمة، فجاء علي(عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي)( ).
وذكر الخوارزمي في الفائق قال: وقال- يعني نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لعلي: (ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)( ).
إن مبدئية الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت أحدى الجوانب الهامة التي أدت إلى تفرق الكثير من الناس عنه وناصبته العداء لضربه مصالحهم وتطلعاتهم غير المشروعة، فلم يجامل الأمام علي (عليه السلام) أحدا ولا داهن أخر على حساب المبادئ، فكان يسير السيرة القويمة التي لا ترى الأمور إلا بمنظار الحق والعدل وتطبيق الحق على كل إنسان مهما كانت منزلته ومكانته.
وعليه فإن من نتائج هذه النظرة والتصرف إزاءها، تخلى أكثر وجوه الكوفة وغيرهم عنه، بل نرى إن بعضهم أنحاز إلى أطراف كانت تناصبه العداء، أضف إلى ذلك الحسد، فإن النفوس إذا حسدت ظهر منها البغي والعدوان، وصدق الشاعر حيث قال:
أصبر على كيدَ الحسود فإن صبرك قاتلُـُـهْ
كالنار تأكلُ بعضهــا إن لم تجد ما تأكلـُهْ
وقعت فتنة الجمل في أول حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) في سنة ست وثلاثين من الهجرة، ذلك بأخذ الثأر لعثمان مع إنهم اشتركوا أو كانوا يشجعون على قتله والشواهد التاريخية تصرح بذلك، ومما جاءت به الأخبار فيما تولاه طلحة والزبير من عثمان ما رواه أبو إسحاق عن صلة بن زفر قال: (رأيتُ طلحة والزبير يرفلان في أدراعيهما في قتل عثمان، ثم جاءا من بعدُ إلى علي (عليه السلام) فبايعاهُ طائعَين غير مُكرهين)(1).
وكان طلحة والزبير أول المبايعين للإمام علي (عليه السلام) بالخلافة، ولكنهما أضمرا أشياء تَكَشفَت فيما بعد فإنهما بايعا طمعاً بالولاية والثروة، أما الولاية فكانا يطلبان توليتهما أمور المسلمين في بعض أقطار الدولة الإسلامية ويلحان عليه في ذلك، وهذا يعني أنهما يطلبان الولاية لا لخدمة المسلمين والتقرب إلى الله عز وجل بل طمعاً في استغلال منصبيهما في كسب امتيازات ومنافع شخصية ذاتية على حساب مصالح المسلمين، وهذا ما يتنافى ومبادئ الإسلام المقدسة، وهذا ما يرفضه الأمام علي(عليه السلام) رفضاً تاماً.
وان طلحة والزبير لما أيسا من نيل ما طمعا فيه من الأمر، ووجدا الأمة لا تعدل بأمير المؤمنين (عليه السلام) أحداً، أرادا الحظوة عنده بالمبادرة إلى مبايعته، ظنا أنهما يُشركانه في أمره.
فلما أستوى الحال وصارا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فطلب منه طلحة ولاية العراق، وطلب منه الزبير ولاية الشام، فامسك (عليه السلام) عن أجابتهما في شيء من ذلك فانصرفا ساخطان منه... ويقولان: والله ما بايعناه بقلوبنا وإن كنا بايعناه بألسنتنا. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): {إن الذين يبايعون الله يدُ الله فوقَ أيديهم فَمَنْ نكث فإنما ينكثُ على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}(1).
وأما طمعهما في الثروة فقد ظهر بعد أن ساوى علياً (عليه السلام) بين الجميع، فأخذا يشكوان منه أمام الملأ(2). فكيف يرضيان بعطاء يساويهما مع العبيد وبقية المسلمين ؟ حتى وقف الزبير يوماً في ملأ من قريش وقال (هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب وسَببنا له القتل، وهو جالس في بيته وكفي الأمر، فلما نال منا ما أراد جعل دوننا غيرنا ) فقال طلحة (ما اللوم إلا كنا ثلاثة من أهل الشورى كرههُ أحدنا وبايعناه، وأعطينا ما في أيدينا ومنحنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا)(1).
والجدير بالذكر إن الدور الكبير الذي لعبه معاوية بن أبي سفيان كان له الأثر الواضح على هذين الرجلين. وقد صرح أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الحقيقة في خطبته حيث قال (ولقد كان معاوية كتب إليهما "أي طلحة والزبير"من الشام كتاباً يخدعهما فيه فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان))(2).
وحينما تقابل الجيشان، لم يَدَعْ الأمام (عليه السلام) حجةٌ إلا وكشف عن مضامينها قبلَ أن يقاتل أعداءه، فلعل مَنْ غُررَ بهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى جادة الصواب. فأرسل الرسلَ إلى طلحة والزبير وغيرهم ممن كانوا في ذلك الجيش يعضهم ويدعوهم إلى الطاعة. وبعدَ عودة الرُسل وما رآه أمير المؤمنين (عليه السلام) من إصرار القوم على خلافه وإقامتهم على نكث بيعته والعمل على حربه واستحلال دماء شيعته، دعا أبنه محمد بن الحنفية فأعطاهُ الراية- وهي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقال: (يا بُني هذه رايةٌ لم تُرد قط ولا تُرد ُأبداً).
فسار إليهم الأمام (عليه السلام) حتى التقوا، ودارت رحى الحرب، ولم تقف هذه الحرب حتى عُقرَ الجمل وجُرحَ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ،وولى الزبيرُ منهزماً، فأدركهُ ابنُ جرموز فقتله.
وروى الواقدي عن أبن الزبير قال: (... ولما رأى مروانُ توجه الأمر على أصحاب الجمل نظرَ إلى طلحة وهو يُريد الهرب فقال: والله لا يفوتني ثأري من عثمان، فرماهُ بسهم قطع أكحلهُ فسقط بدمه وحُملَ من موضعه وهو يقول: إنا لله هذا سهمُ لم يأتني من بُعد، ما أراه إلا من معسكرنا، والله ما رأيتُ مصرع شيخ أضيعَ من مصرعي! ثم ما لبث أن هلك)(1).
ولما انجلت الحرب بالبصرة وقُتلَ طلحة والزبير، ركب أمير المؤمنين وتبعهُ أصحابه وعمارُ رحمه الله يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ثم جعل يستعرض القتلى رجلاً رجلاً، فمرَ فرأى طلحة صريعاً فقال(اجلسوا طلحة) فأُجلس وقال لهُ: (يا طلحة بن عبيد الله قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتَ ما وَعدك ربُك حقا؟ (2)ثم قال أضجعوه)(3).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً أهل البصرة حيث ظهر على القوم (إياكم والفتنة، فإنكم أول الرعية نكث البيعة وشق عصا هذه الأمة)( ).
ومن ذلك نستنتج إن أولئك الناكثين أبوا إلا قتال الأمام والتمادي في بغيهم طمعاً في نيل الأمر من بعده بغير شبهة في ذلك.
وقد تجلت في هذه الحرب روح الإسلام الداعية إلى العفو عند المقدرة وبالمقابل همجية مناوئيه، فما كان من الأمام (عليه السلام) إلا أن يعفو عنهم.
ورُبَ سائل يسأل: هل إن طلحةَ والزبير كانا يعلمان إلى أين يسيران؟ والحق أنهما كانا على علم ويقين ببطلان الطريق الذي سلكاه، ولكن حبُ الجاه والمال أعمى بصيرتهما وجعلهما في جهلهما يعمهان، ولقد قال الأمام علي(عليه السلام) فيهما: ( والله إن طلحة والزبير لَيعلمان أنهما مخطيان وما بجاهلان، ولرُبَ عالم قتلهُ جهله وعلمه معهُ لا ينفعه )(1).
فأظهر طلحة ندمهُ وأقرَ بخطأه حينما قال وهو يخور بدمه (إني والله ما وقفت موقفاً قط إلا عرفتُ موضع قدمي فيه، إلا هذا الموقف)(2).ثم أنشأ يقول:
ندامتها ندمت وظلَ حُلمي ولهفي ثم لهف أبي وأمـي
ندمتُ ندامةَ الكسعي لمـا طلبتُ رضا بني حزم بزعمـي
وصدقاً قد ضيعَ نفسه لأنه سار بطريق أضاع سالكيه، طريق الطمع والغدر وخيانة العهد، ولكن أنى تنفعه ندامته وقد فرقَ عصا المسلمين وألبَ الجموع على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فخسر الأمارة والمال والجاه وأخيراً حياته، بل خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
أما الزبير فقد دعاه الأمام (عليه السلام) قبلَ بدء المعركة وقال له: (أنشدكَ الله يا زبير، هل تعلم إنك مررت بي وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو متكئ على يدك فسلم عليَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وضحك إلي ثم التفتَ إليكَ فقال لكَ: يا زبير إنكَ تقاتل علياً وأنت له ظالم. قال: نعم. قال الأمام (عليه السلام): فعلامَ تقاتلني ؟ قال الزبير: نسيتها، والله لو ذكرتها ما خرجتُ إليكَ ولا قاتلتك...إلى أخر الرواية)(1). فرحمَ الله أبو الطيب المتنبي حيث قال:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أولٌ وهي المحلُ الثانــي
تعليق