الرد الواضح على كتاب المنهاج الواضح للصرخي ح15
يقول السيد الصرخي في كتابه ص 125حول الولاية العامة ويطرح الادلة على ذلك في مسألة 34يقول
المجتهد المطلق الجامع للشروط الشرعية في مرجع التقليد ومنها الاعلمية تثبت له الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين ويمكن طرح وتأسيس ادلة ومؤيدات لاثبات ذلك من القران والسنة والعقل ومما استدل به على ذلك ماكتبه مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام قبيل غيبته الكبرى الى شيعته كتاب جاء فيه (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) انتهى كلام السيد وأستدلاله .
لقد ناقشنا هذه الرواية في مقام التقليد وسأنقلها للتأكيد لكي يعرف مقلدين السيد الصرخي وغيرهم
احتج الفقهاء ومن ضمنهم السيد الصرخي بما رواه الشيخ الصدوق قال حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : ﴿ أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل أبن نوح عليه السلام. أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام . أما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب، وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم. وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي وكتابه كتابي . وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكه . وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام. وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت . وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم برئ وآبائي عليهم السلام منهم براء . وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث . وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ، ولا حاجة في صلة الشاكين . وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول : " يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي . وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الابصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلي من اتبع الهدى . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 483 - 485
مناقشة سند التوقيع :
علق علي أكبر الغفاري مصحح ومعلق كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق في حال إسحاق بن يعقوب قائلاً : ﴿مجهول الحال لم أجده في الرجال ولا الكتب الا في نظير هذا الباب﴾﴿ - نفس المصدر السابق
وقال السيد الخميني في كتابه الإجتهاد والتقليد بضعف التوقيع سنداً حيث أشار إلى ذلك بقوله : ﴿وفيه : - بعد ضعف التوقيع سندا - أن صدره غير منقول إلينا ﴾﴿ - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 100﴾ وقال في هامش الكتاب عن سبب الضعف : ﴿ هذا التوقيع مروي عن الكليني ﴿ رحمه الله ﴾ في غير الكافي، عن إسحاق بن يعقوب، وضعفه بإسحاق فإنه لم يوثق ﴾﴿- نفس المصدر السابق ﴾. ﴾ وقال في كتاب البيع بعد أن استشهد بالتوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) بضعف التوقيع سندا حيث أشار إلى ذلك قائلاً : ﴿والرواية من جهة إسحاق بن يعقوب غير معتبرة﴾﴿ - كتاب البيع - الإمام الخميني - ج 2 - ص 635﴾ .
ولم يُسلّم الفقهاء بضعف التوقيع سنداً بل حاولوا الاغماض عن ضعفه لحاجتهم الماسة لمثل هذه الروايات والتواقيع وان كانت ضعيفة أو مرسلة أو غير مسندة حتى يثبتوا لمقلديهم شرعية التقليد ووجوبه ومن هؤلاء الفقهاء الذين أغمضوا العين عن ضعف التوقيع هو المحقق الخوئي حين أشار إلى الاغماض عن سند التوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) لكي يثبت بذلك حجية التقليد للفقهاء فقال في الرواية : ﴿ فهي على تقدير تماميتها والاغماض عن ضعف اسنادها لا تعم غير العالم المتمكن من استنباط الأحكام من الكتاب والسُنة﴾﴿- مباني تكملة المنهاج - السيد الخوئي - ج 1 - شرح ص 6 - 7 ﴾ .
وتناول المحقق الخوئي في كتاب الصوم سند التوقيع المنسوب للإمام المهدي (ع) فقال بمجهولية أثنين من رجالها وهما الأول محمد بن محمد بن عصام الكليني والثاني إسحاق بن يعقوب فقال في الرواية: ﴿ أنها قاصرة سندا ودلالة . أما السند فلجهالة أبن عصام، وكذا إسحاق بن يعقوب ﴾﴿ - كتاب الصوم - السيد الخوئي - ج 2 - شرح ص 83﴾ .
وبعد ذلك حاول السيد كاظم الحائري ان يضيف شيئاً من القوة للتوقيع بقوله ان مجهولية إسحاق بن يعقوب لا تضر في التوقيع قائلاً : ﴿ إسحاق بن يعقوب ، ولا أسم له في الرجال فيكون مجهولا ، لكن مجهوليته لا تضر هنا﴾﴿ - القضاء في الفقه الإسلامي - السيد كاظم الحائري - هامش ص 25 ﴾ . فإذا كان هذا التصريح صحيح لزم ان يكون التوقيع قوي السند وهذا خلاف الواقع فقد صرح المحققون قدمائهم ومتأخريهم وأصروا على ضعف أسناده فلا يعدوا تصريح الحائري بشيء من الأهمية .
وقال الابطحي في مناقشة سند التوقيع : ﴿ أما المناقشة السندية : فبان في السند إسحاق بن يعقوب ومحمد بن محمد بن عصام ولم يوثقا في الكتب الرجالية بل لم يذكرا فهما مجهولان ﴾﴿- رسالة في ثبوت الهلال - السيد محمد علي الأبطحي - ص 71 ﴾ ثم بعد ذلك حاول محاولات عديدة لتوثيقهما ولكنها لا تعدوا الا محاولات عقيمة فقد سبقه المحققون بالقطع بمجهولية إسحاق بن يعقوب .
وذكر الميرزا أبو الحسن الشعراني التوقيع المنسوب للإمام المهدي (ع) فدفع قول من تمسك به بضعف التوقيع سندا لمجهولية إسحاق بن يعقوب قائلاً: ﴿تمسك بعض المتأخرين برواية في الاحتجاج عن إسحاق بن يعقوب وهو رجل مجهول وفيها « أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا » وفيه أولا ضعف الرواية . . .- شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج 10 - هامش ص 99
وذكر المحقق الشيخ محمد الرازي في تعليقه وتحقيقه على كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي في ذكر حال إسحاق بن يعقوب قائلاً : ﴿مجهول لا نعرفه في الرجال ﴾﴿ - وسائل الشيعة – الحر العاملي - ج 18 - هامش ص 101.﴾.
ومن هنا يكون القطع ظاهراً بضعف التوقيع سنداً وبذلك لا يمكن لمثل هذه التواقيع والروايات المجهولة الراوي ان تكون دليلاً يستدل به عند المحققين، لأن رواية المجهول لا تقبل عندهم كما صرح العلامة الحلي بذلك قائلاً : ﴿لا تقبل رواية المجهول حاله﴾﴿ مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 206 - 207﴾ . وذكر المحقق النراقي قول المحقق الحلي والعلامة الحلي في مسألة قبول أو رفض خبر المجهول قائلاً : ﴿أن المحقق والعلامة تراهما يقولان : . . . خبر مجهول الحال ليس بحجة ، لأنه لا يفيد غير الظن ، وهو ليس بحجة ﴾﴿ - عوائد الأيام - المحقق النراقي - ص 356 ﴾.
فإذا كان خبر المجهول لا يفيد غير الظن الذي لا يغني من الحق شيء فلماذا هذا التعويل على رواية أسحاق بن يعقوب – مع القطع بمجهوليته - ولا تكاد تجد بحثاً يخص التقليد أو مباحث ولاية الفقيه الا وتجد رواية إسحاق بن يعقوب في صدر الأدلة وتجد الاعتناء بها والتعويل عليها بالاستدلال فهذا تناقض يجب الالتفات إليه .
بقي لدينا شيء واحد ليكتمل بذلك مناقشة سند التوقيع وهو ان الشيخ الكليني قد روى هذا التوقيع لمحمد بن محمد بن عصام الكليني نقلاً عن إسحاق بن يعقوب لو فرضنا ان الكليني كان يعتمد على إسحاق بن يعقوب وتوثيقه لنقل هذا التوقيع في كتابه الكافي، ولكن الغريب ان الشيخ الكليني لم ينقل هذا التوقيع ولم يشر إليه في الكافي فما هي العلة في ذلك ؟ طبعاً نحن نناقشهم وفق الطرق المعتمدة عندهم ونقول لهم ان عدم نقل الشيخ الكليني لهذا التوقيع في كتابه الكافي يوحي بعدم موثوقية هذا التوقيع، ولو كان ناقله يعتمد عليه لصنفه في كتابه فما هو الإشكال في عدم الذكر لهذا التوقيع والشيخ الكليني في جملة رجاله بل أنه الناقل الثاني في رجال التوقيع ؟
مناقشة متن التوقيع :
قبل البدء بمناقشة ما جاء في التوقيع لا يخفى على من قرأ المتن فإنه يلاحظ بأن التوقيع هو عبارة عن أجوبة لأسئلة لم يرد ذكرها في الخبر ولذلك ترى تصريح بعض الفقهاء والمحققين بذلك واضح .
إن الذي يهمنا بالتوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) هو قوله: ﴿وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم﴾.
لقد أحتج الأصوليون بهذا الجزء من التوقيع المنسوب على مسألة وجوب تقليد الفقهاء وأستندوا بذلك بقوله (ع) بالرجوع إلى رواة الحديث فيما يخص الحوادث الواقعة، وقد عرفنا بأن هذا التوقيع جاء جواباً لأسئلة لم تذكرها كتب الحديث بل أقتصر أصحاب المصنفات الروائية على نقل هذا التوقيع، وعلى هذا الأساس فإننا لا نستطيع الجزم بماهية الحوادث الواقعة التي أشار إليها السائل إسحاق بن يعقوب لعدم علمنا بالسؤال الذي بعث به للناحية المقدسة والذي لم يذكر في الرواية أصلاً، فعلى هذا يمكن الاحتمال لنوع الحوادث الواقعة في ثلاثة أحتمالات هي :
الإحتمال الأول : أن تكون الحوادث الواقعة هي مستحدثات المسائل الفقهية وهذا الإحتمال لا يكون دقيقاً بسبب وجود السفير المتصل بالإمام (ع) بالمباشرة القطعية فهو أولى بالسؤال من غيره من الفقهاء وقد تم الجواب في نفس التوقيع على جملة من المسائل الفقهية كقوله (ع): ﴿ أما الفقاع فشربه حرام ، ولا بأس بالشلماب ﴾ وقوله (ع): ﴿ وثمن المغنية حرام ﴾ وجوابه فيمن أستحل من أموال آل البيت (ع): ﴿ وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران ﴾ وقوله (ع) في مسألة الخمس : ﴿ وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث﴾ ولا يخفى على الفقهاء بأن هذه المسائل من المسائل الفقهية فلو أراد الإمام (ع) حث الناس على سؤال الفقهاء لامر إسحاق بن يعقوب بسؤال الفقهاء عن المسائل التي سأل عنها كما حدث ذلك في أمر انتقال النيابة من الشيخ العمري إلى الشيخ حسين بن روح حين أمر الإمام (ع) العمري بتوجيه الناس لسؤال بن روح، ودفع الأموال إليه لكي يطمئن الناس بنيابة حسين بن روح قبل أن يستلمها بأكثر من عامين أو ثلاثة ولكن الأمر هنا مختلف فقد أجاب الإمام (ع) عن جميع مسائل إسحاق بن يعقوب كما يظهر في متن التوقيع نفسه وهذا من جهة ومن جهة أخرى لا يخفى ان التوقيع المذكور قد خرج في زمن النائب الثاني للإمام المهدي (ع) وهو الشيخ الجليل محمد بن عثمان العمري والذي بقي مضطلعاً بمسؤولية النيابة نحواً من خمسين سنة﴿ - الغيبة للطوسي -ص223﴾ ولم يحدد تأريخ التوقيع فربما ظهر في بداية توليه للسفارة أو خلال هذه المدة وهي مدة ليست بقصيرة فكيف يمكن ان يُرجع الإمام (ع) شيعته إلى الفقهاء لأخذ الأحكام الشرعية منهم في تلك الفترة مع وجود النائب، فما هي العلة من وجود النائب إذن ؟!! الذي يعطي أحكام المعصوم (ع) بالمباشرة القطعية والتي أمتدت بعد وفاة الشيخ العمري ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً أضافة إلى ذلك لو قلنا بأن هذا التوقيع قد صدر من المعصوم (ع) حتى وصل إلى الشيخ الكليني فيلزمه الاشتهار بين الناس وفقهاء الإمامية ولفهم الفقهاء والناس ان الواجب سؤال الفقيه المتضلع بالروايات والذي وصفه الإمام براوي الحديث، ولكن هذا الفهم الذي حاول الأصوليون التركيز عليه وفَهَمَه أغلبهم لم يكن موجوداً من الأساس بل ما هو موجود على العكس من ذلك، فنشاهد ما نقله الشيخ الطوسي بأن الموالين وحتى بعض الفقهاء المخلصين كانوا يتوجهون بالسؤال إلى النائب بل ويأتي بعضهم من مسافات بعيدة كخراسان وغيرها للسؤال والاستعلام عن النائب، والذي كان يسكن بغداد حتى أمتد الأمر إلى النائب الثالث الشيخ حسين بن روح الذي تولى منصب النيابة ما يقرب من واحد وعشرين عام وخرجت على يديه تواقيع كثيرة نقل منها الشيخ الطوسي ما نقل، وكانت حاوية على الكثير من المسائل الفقهية منها ماسُئل عن الفص الخماهن﴿ خماهان : حجر صلب في غاية الصلابة أغبر يضرب إلى الحمرة وقيل إنه نوع من الحديد يسمى بالعربية الحجر الحديدي والصندل الحديدي وقيل : أنه حجر أبلق يصنع منه الفصوص﴾ هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه ؟
يقول السيد الصرخي في كتابه ص 125حول الولاية العامة ويطرح الادلة على ذلك في مسألة 34يقول
المجتهد المطلق الجامع للشروط الشرعية في مرجع التقليد ومنها الاعلمية تثبت له الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين ويمكن طرح وتأسيس ادلة ومؤيدات لاثبات ذلك من القران والسنة والعقل ومما استدل به على ذلك ماكتبه مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام قبيل غيبته الكبرى الى شيعته كتاب جاء فيه (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) انتهى كلام السيد وأستدلاله .
لقد ناقشنا هذه الرواية في مقام التقليد وسأنقلها للتأكيد لكي يعرف مقلدين السيد الصرخي وغيرهم
احتج الفقهاء ومن ضمنهم السيد الصرخي بما رواه الشيخ الصدوق قال حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : ﴿ أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل أبن نوح عليه السلام. أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام . أما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب، وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم. وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي وكتابه كتابي . وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكه . وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام. وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت . وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم برئ وآبائي عليهم السلام منهم براء . وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث . وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ، ولا حاجة في صلة الشاكين . وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول : " يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي . وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الابصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلي من اتبع الهدى . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 483 - 485
مناقشة سند التوقيع :
علق علي أكبر الغفاري مصحح ومعلق كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق في حال إسحاق بن يعقوب قائلاً : ﴿مجهول الحال لم أجده في الرجال ولا الكتب الا في نظير هذا الباب﴾﴿ - نفس المصدر السابق
وقال السيد الخميني في كتابه الإجتهاد والتقليد بضعف التوقيع سنداً حيث أشار إلى ذلك بقوله : ﴿وفيه : - بعد ضعف التوقيع سندا - أن صدره غير منقول إلينا ﴾﴿ - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 100﴾ وقال في هامش الكتاب عن سبب الضعف : ﴿ هذا التوقيع مروي عن الكليني ﴿ رحمه الله ﴾ في غير الكافي، عن إسحاق بن يعقوب، وضعفه بإسحاق فإنه لم يوثق ﴾﴿- نفس المصدر السابق ﴾. ﴾ وقال في كتاب البيع بعد أن استشهد بالتوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) بضعف التوقيع سندا حيث أشار إلى ذلك قائلاً : ﴿والرواية من جهة إسحاق بن يعقوب غير معتبرة﴾﴿ - كتاب البيع - الإمام الخميني - ج 2 - ص 635﴾ .
ولم يُسلّم الفقهاء بضعف التوقيع سنداً بل حاولوا الاغماض عن ضعفه لحاجتهم الماسة لمثل هذه الروايات والتواقيع وان كانت ضعيفة أو مرسلة أو غير مسندة حتى يثبتوا لمقلديهم شرعية التقليد ووجوبه ومن هؤلاء الفقهاء الذين أغمضوا العين عن ضعف التوقيع هو المحقق الخوئي حين أشار إلى الاغماض عن سند التوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) لكي يثبت بذلك حجية التقليد للفقهاء فقال في الرواية : ﴿ فهي على تقدير تماميتها والاغماض عن ضعف اسنادها لا تعم غير العالم المتمكن من استنباط الأحكام من الكتاب والسُنة﴾﴿- مباني تكملة المنهاج - السيد الخوئي - ج 1 - شرح ص 6 - 7 ﴾ .
وتناول المحقق الخوئي في كتاب الصوم سند التوقيع المنسوب للإمام المهدي (ع) فقال بمجهولية أثنين من رجالها وهما الأول محمد بن محمد بن عصام الكليني والثاني إسحاق بن يعقوب فقال في الرواية: ﴿ أنها قاصرة سندا ودلالة . أما السند فلجهالة أبن عصام، وكذا إسحاق بن يعقوب ﴾﴿ - كتاب الصوم - السيد الخوئي - ج 2 - شرح ص 83﴾ .
وبعد ذلك حاول السيد كاظم الحائري ان يضيف شيئاً من القوة للتوقيع بقوله ان مجهولية إسحاق بن يعقوب لا تضر في التوقيع قائلاً : ﴿ إسحاق بن يعقوب ، ولا أسم له في الرجال فيكون مجهولا ، لكن مجهوليته لا تضر هنا﴾﴿ - القضاء في الفقه الإسلامي - السيد كاظم الحائري - هامش ص 25 ﴾ . فإذا كان هذا التصريح صحيح لزم ان يكون التوقيع قوي السند وهذا خلاف الواقع فقد صرح المحققون قدمائهم ومتأخريهم وأصروا على ضعف أسناده فلا يعدوا تصريح الحائري بشيء من الأهمية .
وقال الابطحي في مناقشة سند التوقيع : ﴿ أما المناقشة السندية : فبان في السند إسحاق بن يعقوب ومحمد بن محمد بن عصام ولم يوثقا في الكتب الرجالية بل لم يذكرا فهما مجهولان ﴾﴿- رسالة في ثبوت الهلال - السيد محمد علي الأبطحي - ص 71 ﴾ ثم بعد ذلك حاول محاولات عديدة لتوثيقهما ولكنها لا تعدوا الا محاولات عقيمة فقد سبقه المحققون بالقطع بمجهولية إسحاق بن يعقوب .
وذكر الميرزا أبو الحسن الشعراني التوقيع المنسوب للإمام المهدي (ع) فدفع قول من تمسك به بضعف التوقيع سندا لمجهولية إسحاق بن يعقوب قائلاً: ﴿تمسك بعض المتأخرين برواية في الاحتجاج عن إسحاق بن يعقوب وهو رجل مجهول وفيها « أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا » وفيه أولا ضعف الرواية . . .- شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج 10 - هامش ص 99
وذكر المحقق الشيخ محمد الرازي في تعليقه وتحقيقه على كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي في ذكر حال إسحاق بن يعقوب قائلاً : ﴿مجهول لا نعرفه في الرجال ﴾﴿ - وسائل الشيعة – الحر العاملي - ج 18 - هامش ص 101.﴾.
ومن هنا يكون القطع ظاهراً بضعف التوقيع سنداً وبذلك لا يمكن لمثل هذه التواقيع والروايات المجهولة الراوي ان تكون دليلاً يستدل به عند المحققين، لأن رواية المجهول لا تقبل عندهم كما صرح العلامة الحلي بذلك قائلاً : ﴿لا تقبل رواية المجهول حاله﴾﴿ مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 206 - 207﴾ . وذكر المحقق النراقي قول المحقق الحلي والعلامة الحلي في مسألة قبول أو رفض خبر المجهول قائلاً : ﴿أن المحقق والعلامة تراهما يقولان : . . . خبر مجهول الحال ليس بحجة ، لأنه لا يفيد غير الظن ، وهو ليس بحجة ﴾﴿ - عوائد الأيام - المحقق النراقي - ص 356 ﴾.
فإذا كان خبر المجهول لا يفيد غير الظن الذي لا يغني من الحق شيء فلماذا هذا التعويل على رواية أسحاق بن يعقوب – مع القطع بمجهوليته - ولا تكاد تجد بحثاً يخص التقليد أو مباحث ولاية الفقيه الا وتجد رواية إسحاق بن يعقوب في صدر الأدلة وتجد الاعتناء بها والتعويل عليها بالاستدلال فهذا تناقض يجب الالتفات إليه .
بقي لدينا شيء واحد ليكتمل بذلك مناقشة سند التوقيع وهو ان الشيخ الكليني قد روى هذا التوقيع لمحمد بن محمد بن عصام الكليني نقلاً عن إسحاق بن يعقوب لو فرضنا ان الكليني كان يعتمد على إسحاق بن يعقوب وتوثيقه لنقل هذا التوقيع في كتابه الكافي، ولكن الغريب ان الشيخ الكليني لم ينقل هذا التوقيع ولم يشر إليه في الكافي فما هي العلة في ذلك ؟ طبعاً نحن نناقشهم وفق الطرق المعتمدة عندهم ونقول لهم ان عدم نقل الشيخ الكليني لهذا التوقيع في كتابه الكافي يوحي بعدم موثوقية هذا التوقيع، ولو كان ناقله يعتمد عليه لصنفه في كتابه فما هو الإشكال في عدم الذكر لهذا التوقيع والشيخ الكليني في جملة رجاله بل أنه الناقل الثاني في رجال التوقيع ؟
مناقشة متن التوقيع :
قبل البدء بمناقشة ما جاء في التوقيع لا يخفى على من قرأ المتن فإنه يلاحظ بأن التوقيع هو عبارة عن أجوبة لأسئلة لم يرد ذكرها في الخبر ولذلك ترى تصريح بعض الفقهاء والمحققين بذلك واضح .
إن الذي يهمنا بالتوقيع المنسوب لصاحب الأمر (ع) هو قوله: ﴿وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم﴾.
لقد أحتج الأصوليون بهذا الجزء من التوقيع المنسوب على مسألة وجوب تقليد الفقهاء وأستندوا بذلك بقوله (ع) بالرجوع إلى رواة الحديث فيما يخص الحوادث الواقعة، وقد عرفنا بأن هذا التوقيع جاء جواباً لأسئلة لم تذكرها كتب الحديث بل أقتصر أصحاب المصنفات الروائية على نقل هذا التوقيع، وعلى هذا الأساس فإننا لا نستطيع الجزم بماهية الحوادث الواقعة التي أشار إليها السائل إسحاق بن يعقوب لعدم علمنا بالسؤال الذي بعث به للناحية المقدسة والذي لم يذكر في الرواية أصلاً، فعلى هذا يمكن الاحتمال لنوع الحوادث الواقعة في ثلاثة أحتمالات هي :
الإحتمال الأول : أن تكون الحوادث الواقعة هي مستحدثات المسائل الفقهية وهذا الإحتمال لا يكون دقيقاً بسبب وجود السفير المتصل بالإمام (ع) بالمباشرة القطعية فهو أولى بالسؤال من غيره من الفقهاء وقد تم الجواب في نفس التوقيع على جملة من المسائل الفقهية كقوله (ع): ﴿ أما الفقاع فشربه حرام ، ولا بأس بالشلماب ﴾ وقوله (ع): ﴿ وثمن المغنية حرام ﴾ وجوابه فيمن أستحل من أموال آل البيت (ع): ﴿ وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران ﴾ وقوله (ع) في مسألة الخمس : ﴿ وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث﴾ ولا يخفى على الفقهاء بأن هذه المسائل من المسائل الفقهية فلو أراد الإمام (ع) حث الناس على سؤال الفقهاء لامر إسحاق بن يعقوب بسؤال الفقهاء عن المسائل التي سأل عنها كما حدث ذلك في أمر انتقال النيابة من الشيخ العمري إلى الشيخ حسين بن روح حين أمر الإمام (ع) العمري بتوجيه الناس لسؤال بن روح، ودفع الأموال إليه لكي يطمئن الناس بنيابة حسين بن روح قبل أن يستلمها بأكثر من عامين أو ثلاثة ولكن الأمر هنا مختلف فقد أجاب الإمام (ع) عن جميع مسائل إسحاق بن يعقوب كما يظهر في متن التوقيع نفسه وهذا من جهة ومن جهة أخرى لا يخفى ان التوقيع المذكور قد خرج في زمن النائب الثاني للإمام المهدي (ع) وهو الشيخ الجليل محمد بن عثمان العمري والذي بقي مضطلعاً بمسؤولية النيابة نحواً من خمسين سنة﴿ - الغيبة للطوسي -ص223﴾ ولم يحدد تأريخ التوقيع فربما ظهر في بداية توليه للسفارة أو خلال هذه المدة وهي مدة ليست بقصيرة فكيف يمكن ان يُرجع الإمام (ع) شيعته إلى الفقهاء لأخذ الأحكام الشرعية منهم في تلك الفترة مع وجود النائب، فما هي العلة من وجود النائب إذن ؟!! الذي يعطي أحكام المعصوم (ع) بالمباشرة القطعية والتي أمتدت بعد وفاة الشيخ العمري ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً أضافة إلى ذلك لو قلنا بأن هذا التوقيع قد صدر من المعصوم (ع) حتى وصل إلى الشيخ الكليني فيلزمه الاشتهار بين الناس وفقهاء الإمامية ولفهم الفقهاء والناس ان الواجب سؤال الفقيه المتضلع بالروايات والذي وصفه الإمام براوي الحديث، ولكن هذا الفهم الذي حاول الأصوليون التركيز عليه وفَهَمَه أغلبهم لم يكن موجوداً من الأساس بل ما هو موجود على العكس من ذلك، فنشاهد ما نقله الشيخ الطوسي بأن الموالين وحتى بعض الفقهاء المخلصين كانوا يتوجهون بالسؤال إلى النائب بل ويأتي بعضهم من مسافات بعيدة كخراسان وغيرها للسؤال والاستعلام عن النائب، والذي كان يسكن بغداد حتى أمتد الأمر إلى النائب الثالث الشيخ حسين بن روح الذي تولى منصب النيابة ما يقرب من واحد وعشرين عام وخرجت على يديه تواقيع كثيرة نقل منها الشيخ الطوسي ما نقل، وكانت حاوية على الكثير من المسائل الفقهية منها ماسُئل عن الفص الخماهن﴿ خماهان : حجر صلب في غاية الصلابة أغبر يضرب إلى الحمرة وقيل إنه نوع من الحديد يسمى بالعربية الحجر الحديدي والصندل الحديدي وقيل : أنه حجر أبلق يصنع منه الفصوص﴾ هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه ؟
تعليق