المشرع هو الله وحده :
بين أهل البيت ﴿عليه السلام﴾ بأن الله قد خص أوليائه بعلمه ولم يجعل لأوليائه التشريع ولم يكل أمر ذلك إلى أحد غيره جل جلاله ولكن بلغ أنبيائه وأصفيائه عن طريق ملائكته بما يحب وما يكره فبلغ أنبيائه الناس وعلموهم حلال الله وحرامه فلم يكن لأنبياء الله ولا لأوليائه حق التشريع مع كمال عقلهم وفضلهم ، فلا يدركون علل الأحكام وأسباب الحلال والحرام إلا ما علمهم ربهم من ذلك ولهذا المعنى جاء قول أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ في حديث طويل قال فيه : ﴿ وإن الله لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته ، فقال له : قل كذا وكذا ! فأمرهم بما يحب ، ونهاهم عما يكره ، فقص عليهم أمر خلقه بعلم ، فعلم ذلك العلم ، وعلم أنبيائه وأصفياءه من الأنبياء والأصفياء ... إلى أن قال : ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، ثم قال : فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ... إلى أن قال : في قوله تعالى : ﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾ فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قوله تعالى : إن تكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبداً ، ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم ، الذي ليس فيه كذب ، ولا اثم ، ولا زور ولا بطر ولا رئاء ... إلى أن قال : فاعتبروا أيها الناس فيما قلت ، حيث وضع الله ولايته ، وطاعته ، ومودته ، واستنباط علمه ، وحججه ، فاياه فتقبلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جل وعز ، لا تصل ولاية الله إلا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقاً على الله أن يذله ، وأن يعذبه﴾﴿ ﴾.
ومن قول الباقر ﴿عليه السلام﴾ هذا نفهم بانه لم يفوض أمر التشريع إلى أحد غير الله وانه سبحانه قد علم أوليائه واصفيائه علمه فعلموا ذلك وأصبحوا أهلاً لاستنباط علم الله لا يقولها غيرهم إلا كاذب ، فقد وضع الله لاستنباط علمه أهلاً وهم الصفوة من بيوتات الأنبياء ومن كلف نفسه هذا المقام وزعم إنه من أهل الاستنباط أو وضع لنفسه أهلاً لاستنباط علم الله من غير الصفوة المختارة فقد خالف الله وجعل للجهال مقاماً ما أنزل الله به من سلطان فضلوا واضلوا أتباعهم وأين مفرهم من عذاب الجبار يوم يلقونه فلا حجة لهم يوم ذاك فقد إلقيت عليهم الحجج في هذه الحياة الدنيا فما قبلوها وجعلوا لهم اربابا يحللون لهم ما حرم الله ويحرمون ما احل الله ، فقبلوا بهم واستبدلوهم بخير خلق الله الصفوة المختارة علماء آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ الانوار الاثني عشر في ظلمات الجهل المقيت ، فإن كفر القوم بهذه النعمة فقد وكل الله سبحانه أهل بيت نبيه ﴿عليهم السلام﴾ بالإيمان الذي أرسل الله به نبيه في قوله تعالى : ﴿ فإن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾﴿ ﴾ . وهم بذلك علماء أمة الرسول وولاة أمر الله وأهل استنباط علمه الذي لا يشوبه الكذب ولا الآثام . فبهم وضع الله ولايته وبهم الزم الناس طاعته ومودته فَهُم العروة الوثقى للمؤمنين المتقين المتمسكين بهم المفارقين لغيرهم فَهُم بذلك محلا لرحمة الله وكرامته
كذب المخالفين بادعائهم معرفة الدين
لقد بين أئمة الهدى من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين حقيقة المخالفين لآمر رسول الله صلى الله عليه واله وكيف انهم أدعوا ماليس لهم فقد ادعوا بانهم اثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة ولم يكن لديهم في ذلك من علم فليس كل علم رسول الله صلى الله عليه واله قد علموه ولا صار اليهم ولا عرفوه وكانوا يسألون ولم يكن عندهم شئ من علم الله عزوجل ولا من علم رسول الله (ص) فكانوا يستحون ان ينسبهم الناس للجهل فقالوا برأيهم وقياسهم في الدين فوضعوا علما ما انزل الله عزوجل به من سلطان فغروا الناس به وزعموا أنه من علم رسول الله صلى الله عليه واله فوضعوا القواعد والأصول من عند انفسهم وتركوا الاثار الشريفة ودانوا بالبدع ونبيهم قد حذرهم من ذلك فقال لهم: كل بدعة ضلالة فلو أنهم سألوا من أمرهم الله عزوجل بسؤالهم لعرفوا الحق من الضلال ولم يكن اختلاف
ولهذه المعاني التي ذكرناها ما يؤيدها من كلام الأئمة الهداة عليهم السلام فقد جاء عن ابي عبد الله عليه السلام –في حديث –قال (يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء علماء أنهم قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة وليس كل علم رسول الله صلى الله عليه واله علموه ولا صار إليهم من رسول الله صلى الله عليه واله ولا عرفوه وذلك أن الشئ من الحلال والحرام والاحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ويستحون أن ينسبهم الناس الى ألجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله عزوجل وتركوا الأثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله كل بدعة ضلالة فلو انهم إذا سألوا عن شيء من دين الله عزوجل فلم يكن عندهم فيه اثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ردوه الى الله عزوجل وإلى الرسول صلى الله عليه واله وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من ال محمد صلى الله عليه واله وسلم تسليما )وسائل الشيعة –ج27-ص61
موقف أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من الرأي والإجتهاد :
إن الأئمة من أل محمد ﴿عليهم السلام﴾ لم يكن في قولهم إجتهاداً ولا رأي إطلاقاً فلم يكن قولهم إلا عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فقد روي عن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : ﴿أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : مه ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لسنا من : " أرأيت " في شيء﴾﴿ ﴾.
وجاء عن سماعة عن أبي الحسن ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : ﴿كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته أو تقولون برأيكم ؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته﴾﴿ ﴾.
ومن هذا يتبين لنا موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من الآراء والإجتهادات التي اعتاد القوم عليها وأصبحت عندهم من ضروريات الدين .
لقد بين لنا أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مصدر علمهم هذا في أكثر من خبر ومنها ما جاء عن الفضيل ، عن أبي جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿إنا على بينة من ربنا بينها لنبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فبينها نبيه لنا ، فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس﴾﴿ ﴾.
وجاء عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿علم عالمكم أي شيء وجهه ؟ قال : وراثة من رسول الله وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ، يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إليهم﴾﴿ ﴾.
وجاء عن أبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ روايات كثيرة بلغها أصحابه منها ما جاء في رسالة طويلة له إلى أصحابه أمرهم بالنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ومن جملتها قوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أيتها العصابة المرحومة المفلحة ! إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا في دينهم بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم ... ﴾ . إلى أن قال : ﴿وقد عهد إليهم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ قبل موته فقالوا : نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به ، مخالفا لله ولرسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه ، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد موته ، هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ فإن قال : نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيداً ، وإن قال : لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقر بالحجة على نفسه ، وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ... ﴾ . إلى أن قال : ﴿وكما أنه لم يكن لأحد من الناس مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ كذلك لم يكن لأحد بعد محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه ، ثم قال : واتبعوا آثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وسنته فخذوا بها ، ولا تتبعوا أهواءكم ورأيكم فتضلوا ، فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وقال : أيتها العصابة! عليكم بآثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وسنته ، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ من بعده وسنتهم ، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل ، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم﴾﴿ ﴾.
إن لهذه الرسالة معانٍ عديدة في غاية الأهمية فهي زبدة البيان وخلاصة الدين القويم . واننا حين نقرأ كلماتها النيرة نجدها مصداقا لآيات الله سبحانه ومرآة تعكس لنا حقيقة الأوامر الإلهية وما يجب علينا فعله لكي نحظى بالخلاص الابدي . فقد بين لنا الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ إن خير الله قد اكتمل بوجود السلالة الطاهرة من البيت النبوي الشريف فبهم اتم الله تعالى نعمته علينا فلا علم إلا ما جاء نوره من هذا البيت الشريف وانه ليس من علم الله ولا من أمره أن ناخذ في دينه بهوى أو رأي أو مقاييس فقد انزل الله كتابه وجعل فيه تبيان كل شيء وما ترك الله شيئاً تحتاج إليه الأمة في دينه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد أن يقول : لو انزل الله هذه المسألة في كتابه وبينها لنا إلا وانزلها الله في كتابه القرآن وجعل للقرآن أهلاً فَهُم أهل الذكر وأولي الأمر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم وقد عهد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى أمته بالعترة الطاهرة وأوصى الأمة بهم ثلاثا حين قال : ﴿ وأهل بيتى اذكركم الله تعالى في أهل بيتى ثلاث مرات﴾﴿ ﴾.
فهل يسع العاقل أن ياخذ بغير هذه العروة الوثقى ويدعي بأن ما اجتمع عليه رأي الناس فهو الصواب بعد أمر النبي هذا وعهده إلينا فما جزاء من يقدم المفضول على الفاضل ولله على خلقه الطاعة وإتباع أمره في حياة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد رحيله وإتباع آثار الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ والأخذ بسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت نبينا ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ من بعده وسنتهم ولا نتبع الآراء والأهواء فنضل بعد أن هدانا الله .
لقد كان موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ واضحاً مع الذين إتبعوا آرائهم وإجتهاداتهم الشخصية فقد القوا عليهم الحجج والبراهين ببطلان مسلكهم هذا وكان التصدي من النبي الخاتم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وآله الاطهار ﴿عليهم السلام﴾ على طول حياتهم الشريفة فقد ورد عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ انه قال : ﴿ قال الله عز وجل : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني ﴾﴿ ﴾.
واستمر آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ بعد رحيل جدهم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بمحاربة أصحاب الرأي والإجتهادات فنراهم قد شمروا عن سواعدهم لمحارب البدع والأهواء التي ظهرت بعد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، بدءًا من مولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وانتهاءا بالمهدي من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ فنرى مواقفهم الصارمة إتجاه طرق المخالفين وقواعدهم التي وضعوها بانفسهم وتروي لنا كتب الحديث من هذه المواقف الكثير الكثير فقد ورد في نهج البلاغة خطبة لمولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يذم اختلاف الفقهاء في الفتيا قال فيها : ﴿ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد . أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه . أم نهاهم عنه فعصوه . أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه . أم كانوا شركاء له . فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً﴾ . وإن القرآن ظاهره أنيق . وباطنه عميق . لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به﴾﴿ ﴾.
إن كلام أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يدلنا على مدى الاختلاف الذي حصل بعد رحيل النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى حد أن المسألة الواحدة يفتى بها بأكثر من قول حتى وصل الأمر بهم إلى عدة أقوال متناقضات ولكنهم مع هذا التناقض في القول يصوب إمامهم الذي إستقضاهم آرائهم جميعاً وهذا مما لا يقبله الدين والرب .
فهل يقبل الله تعالى بأن يكون حلاله وحرامه على حد سواء ؟! إن هذا الأمر الذي عليه المسلمين كافة لا يجتمع مع كمال الشريعة بل يضاده ويخالفه مما الجأ أصحاب الاختلافات إلى القول بعدم كمال الدين من حيث الأصول والفروع وأن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكل شيء .
وتلك المقالة الردية المضادة لحديث الكمال اعطت شرعية مزيفة للاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بل قبيلها أيضاً . فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار وافترقوا فرقتين أو فرقا حتى انتهوا إلى سبعين فرقة بل إلى سبع مائة فرقة ومع هذا الاختلاف نجد آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ قد ساروا على نفس النهج المحمدي الاصيل فلم يقولوا برأيهم في شيء من المسائل بل كانوا على العكس من هذه الفرق المتناحرة ، فكانت أقوالهم كلها نابعة من الكتاب والسُنة الشريفة وحثوا أتباعهم على هذا النهج القويم .
بين أهل البيت ﴿عليه السلام﴾ بأن الله قد خص أوليائه بعلمه ولم يجعل لأوليائه التشريع ولم يكل أمر ذلك إلى أحد غيره جل جلاله ولكن بلغ أنبيائه وأصفيائه عن طريق ملائكته بما يحب وما يكره فبلغ أنبيائه الناس وعلموهم حلال الله وحرامه فلم يكن لأنبياء الله ولا لأوليائه حق التشريع مع كمال عقلهم وفضلهم ، فلا يدركون علل الأحكام وأسباب الحلال والحرام إلا ما علمهم ربهم من ذلك ولهذا المعنى جاء قول أبي جعفر ﴿عليه السلام﴾ في حديث طويل قال فيه : ﴿ وإن الله لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته ، فقال له : قل كذا وكذا ! فأمرهم بما يحب ، ونهاهم عما يكره ، فقص عليهم أمر خلقه بعلم ، فعلم ذلك العلم ، وعلم أنبيائه وأصفياءه من الأنبياء والأصفياء ... إلى أن قال : ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، ثم قال : فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ... إلى أن قال : في قوله تعالى : ﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾ فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قوله تعالى : إن تكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبداً ، ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم ، الذي ليس فيه كذب ، ولا اثم ، ولا زور ولا بطر ولا رئاء ... إلى أن قال : فاعتبروا أيها الناس فيما قلت ، حيث وضع الله ولايته ، وطاعته ، ومودته ، واستنباط علمه ، وحججه ، فاياه فتقبلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جل وعز ، لا تصل ولاية الله إلا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقاً على الله أن يذله ، وأن يعذبه﴾﴿ ﴾.
ومن قول الباقر ﴿عليه السلام﴾ هذا نفهم بانه لم يفوض أمر التشريع إلى أحد غير الله وانه سبحانه قد علم أوليائه واصفيائه علمه فعلموا ذلك وأصبحوا أهلاً لاستنباط علم الله لا يقولها غيرهم إلا كاذب ، فقد وضع الله لاستنباط علمه أهلاً وهم الصفوة من بيوتات الأنبياء ومن كلف نفسه هذا المقام وزعم إنه من أهل الاستنباط أو وضع لنفسه أهلاً لاستنباط علم الله من غير الصفوة المختارة فقد خالف الله وجعل للجهال مقاماً ما أنزل الله به من سلطان فضلوا واضلوا أتباعهم وأين مفرهم من عذاب الجبار يوم يلقونه فلا حجة لهم يوم ذاك فقد إلقيت عليهم الحجج في هذه الحياة الدنيا فما قبلوها وجعلوا لهم اربابا يحللون لهم ما حرم الله ويحرمون ما احل الله ، فقبلوا بهم واستبدلوهم بخير خلق الله الصفوة المختارة علماء آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ الانوار الاثني عشر في ظلمات الجهل المقيت ، فإن كفر القوم بهذه النعمة فقد وكل الله سبحانه أهل بيت نبيه ﴿عليهم السلام﴾ بالإيمان الذي أرسل الله به نبيه في قوله تعالى : ﴿ فإن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾﴿ ﴾ . وهم بذلك علماء أمة الرسول وولاة أمر الله وأهل استنباط علمه الذي لا يشوبه الكذب ولا الآثام . فبهم وضع الله ولايته وبهم الزم الناس طاعته ومودته فَهُم العروة الوثقى للمؤمنين المتقين المتمسكين بهم المفارقين لغيرهم فَهُم بذلك محلا لرحمة الله وكرامته
كذب المخالفين بادعائهم معرفة الدين
لقد بين أئمة الهدى من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين حقيقة المخالفين لآمر رسول الله صلى الله عليه واله وكيف انهم أدعوا ماليس لهم فقد ادعوا بانهم اثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة ولم يكن لديهم في ذلك من علم فليس كل علم رسول الله صلى الله عليه واله قد علموه ولا صار اليهم ولا عرفوه وكانوا يسألون ولم يكن عندهم شئ من علم الله عزوجل ولا من علم رسول الله (ص) فكانوا يستحون ان ينسبهم الناس للجهل فقالوا برأيهم وقياسهم في الدين فوضعوا علما ما انزل الله عزوجل به من سلطان فغروا الناس به وزعموا أنه من علم رسول الله صلى الله عليه واله فوضعوا القواعد والأصول من عند انفسهم وتركوا الاثار الشريفة ودانوا بالبدع ونبيهم قد حذرهم من ذلك فقال لهم: كل بدعة ضلالة فلو أنهم سألوا من أمرهم الله عزوجل بسؤالهم لعرفوا الحق من الضلال ولم يكن اختلاف
ولهذه المعاني التي ذكرناها ما يؤيدها من كلام الأئمة الهداة عليهم السلام فقد جاء عن ابي عبد الله عليه السلام –في حديث –قال (يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء علماء أنهم قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة وليس كل علم رسول الله صلى الله عليه واله علموه ولا صار إليهم من رسول الله صلى الله عليه واله ولا عرفوه وذلك أن الشئ من الحلال والحرام والاحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ويستحون أن ينسبهم الناس الى ألجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله عزوجل وتركوا الأثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله كل بدعة ضلالة فلو انهم إذا سألوا عن شيء من دين الله عزوجل فلم يكن عندهم فيه اثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ردوه الى الله عزوجل وإلى الرسول صلى الله عليه واله وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من ال محمد صلى الله عليه واله وسلم تسليما )وسائل الشيعة –ج27-ص61
موقف أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ من الرأي والإجتهاد :
إن الأئمة من أل محمد ﴿عليهم السلام﴾ لم يكن في قولهم إجتهاداً ولا رأي إطلاقاً فلم يكن قولهم إلا عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فقد روي عن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبد الله ﴿عليه السلام﴾ عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : ﴿أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : مه ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ لسنا من : " أرأيت " في شيء﴾﴿ ﴾.
وجاء عن سماعة عن أبي الحسن ﴿عليه السلام﴾ قال : قلت له : ﴿كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته أو تقولون برأيكم ؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته﴾﴿ ﴾.
ومن هذا يتبين لنا موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ من الآراء والإجتهادات التي اعتاد القوم عليها وأصبحت عندهم من ضروريات الدين .
لقد بين لنا أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مصدر علمهم هذا في أكثر من خبر ومنها ما جاء عن الفضيل ، عن أبي جعفر الباقر ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿إنا على بينة من ربنا بينها لنبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فبينها نبيه لنا ، فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس﴾﴿ ﴾.
وجاء عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿علم عالمكم أي شيء وجهه ؟ قال : وراثة من رسول الله وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ، يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إليهم﴾﴿ ﴾.
وجاء عن أبي عبد الله الصادق ﴿عليه السلام﴾ روايات كثيرة بلغها أصحابه منها ما جاء في رسالة طويلة له إلى أصحابه أمرهم بالنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ومن جملتها قوله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أيتها العصابة المرحومة المفلحة ! إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا في دينهم بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم ... ﴾ . إلى أن قال : ﴿وقد عهد إليهم رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ قبل موته فقالوا : نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله رسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به ، مخالفا لله ولرسوله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه ، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد موته ، هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ فإن قال : نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيداً ، وإن قال : لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقر بالحجة على نفسه ، وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ... ﴾ . إلى أن قال : ﴿وكما أنه لم يكن لأحد من الناس مع محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ كذلك لم يكن لأحد بعد محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه ، ثم قال : واتبعوا آثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وسنته فخذوا بها ، ولا تتبعوا أهواءكم ورأيكم فتضلوا ، فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وقال : أيتها العصابة! عليكم بآثار رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وسنته ، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ من بعده وسنتهم ، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل ، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم﴾﴿ ﴾.
إن لهذه الرسالة معانٍ عديدة في غاية الأهمية فهي زبدة البيان وخلاصة الدين القويم . واننا حين نقرأ كلماتها النيرة نجدها مصداقا لآيات الله سبحانه ومرآة تعكس لنا حقيقة الأوامر الإلهية وما يجب علينا فعله لكي نحظى بالخلاص الابدي . فقد بين لنا الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ إن خير الله قد اكتمل بوجود السلالة الطاهرة من البيت النبوي الشريف فبهم اتم الله تعالى نعمته علينا فلا علم إلا ما جاء نوره من هذا البيت الشريف وانه ليس من علم الله ولا من أمره أن ناخذ في دينه بهوى أو رأي أو مقاييس فقد انزل الله كتابه وجعل فيه تبيان كل شيء وما ترك الله شيئاً تحتاج إليه الأمة في دينه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد أن يقول : لو انزل الله هذه المسألة في كتابه وبينها لنا إلا وانزلها الله في كتابه القرآن وجعل للقرآن أهلاً فَهُم أهل الذكر وأولي الأمر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم وقد عهد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى أمته بالعترة الطاهرة وأوصى الأمة بهم ثلاثا حين قال : ﴿ وأهل بيتى اذكركم الله تعالى في أهل بيتى ثلاث مرات﴾﴿ ﴾.
فهل يسع العاقل أن ياخذ بغير هذه العروة الوثقى ويدعي بأن ما اجتمع عليه رأي الناس فهو الصواب بعد أمر النبي هذا وعهده إلينا فما جزاء من يقدم المفضول على الفاضل ولله على خلقه الطاعة وإتباع أمره في حياة النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وبعد رحيله وإتباع آثار الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ والأخذ بسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت نبينا ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ من بعده وسنتهم ولا نتبع الآراء والأهواء فنضل بعد أن هدانا الله .
لقد كان موقف الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ واضحاً مع الذين إتبعوا آرائهم وإجتهاداتهم الشخصية فقد القوا عليهم الحجج والبراهين ببطلان مسلكهم هذا وكان التصدي من النبي الخاتم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ وآله الاطهار ﴿عليهم السلام﴾ على طول حياتهم الشريفة فقد ورد عن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ انه قال : ﴿ قال الله عز وجل : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني ﴾﴿ ﴾.
واستمر آل محمد ﴿عليهم السلام﴾ بعد رحيل جدهم ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بمحاربة أصحاب الرأي والإجتهادات فنراهم قد شمروا عن سواعدهم لمحارب البدع والأهواء التي ظهرت بعد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، بدءًا من مولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ وانتهاءا بالمهدي من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ فنرى مواقفهم الصارمة إتجاه طرق المخالفين وقواعدهم التي وضعوها بانفسهم وتروي لنا كتب الحديث من هذه المواقف الكثير الكثير فقد ورد في نهج البلاغة خطبة لمولانا أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يذم اختلاف الفقهاء في الفتيا قال فيها : ﴿ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد . أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه . أم نهاهم عنه فعصوه . أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه . أم كانوا شركاء له . فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً﴾ . وإن القرآن ظاهره أنيق . وباطنه عميق . لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به﴾﴿ ﴾.
إن كلام أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يدلنا على مدى الاختلاف الذي حصل بعد رحيل النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ إلى حد أن المسألة الواحدة يفتى بها بأكثر من قول حتى وصل الأمر بهم إلى عدة أقوال متناقضات ولكنهم مع هذا التناقض في القول يصوب إمامهم الذي إستقضاهم آرائهم جميعاً وهذا مما لا يقبله الدين والرب .
فهل يقبل الله تعالى بأن يكون حلاله وحرامه على حد سواء ؟! إن هذا الأمر الذي عليه المسلمين كافة لا يجتمع مع كمال الشريعة بل يضاده ويخالفه مما الجأ أصحاب الاختلافات إلى القول بعدم كمال الدين من حيث الأصول والفروع وأن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكل شيء .
وتلك المقالة الردية المضادة لحديث الكمال اعطت شرعية مزيفة للاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ بل قبيلها أيضاً . فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار وافترقوا فرقتين أو فرقا حتى انتهوا إلى سبعين فرقة بل إلى سبع مائة فرقة ومع هذا الاختلاف نجد آل الرسول ﴿عليهم السلام﴾ قد ساروا على نفس النهج المحمدي الاصيل فلم يقولوا برأيهم في شيء من المسائل بل كانوا على العكس من هذه الفرق المتناحرة ، فكانت أقوالهم كلها نابعة من الكتاب والسُنة الشريفة وحثوا أتباعهم على هذا النهج القويم .
تعليق