بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد واله وعجل فرجهم والعن عدوهم
{ من قلد الفقهاء بطلت صلاته وحبط عمله وحشر مشرك }
بقلم انصار الامام المهدي عليه السلام
جعل الله سبحانه لعباده باباً يتوجهون اليه من خلاله , وضمن لمن دخل من هذا الباب ان تقبل اعماله وتغفر ذنوبه وينجيه من عذابه , وضمن ايضاً لمن هجر بابه ويختار له باباً غير الذي ارشده اليه ان يبطل عمله وان كان باراً في اعماله ويدخله النار ولا يبالي , وبابه سبحانه في خلقه هو حجته وخليفته في ارضه , وهذا ما وضحه الامام الصادق عليه بقوله :{ إن الله لا يستحيي أن يعذب امة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية وإن الله ليستحيي أن يعذب امة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة }
وباب الله سبحانه في الأمم التي سبقت امة المصطفى (ص) كان متمثل بالانبياء والرسل واوصيائهم , فكان الناس يتوجهون الى الله عز وجل عن طريق انبياءهم , ولم يتقبل الله منهم الاعمال بالمباشر " اي اتصال العبد بربه دون الاعتراف بالانبياء والمرسلين ." بل كان الحجة هو حلقة الوصل بين الناس وخالقهم وهو الحبل المتصل بين اهل الارض والسماء .
وسأنقل لكم اخوتي القراء الكرام حادثة قعت في زمان النبي عيسى عليه السلام تبين خطورة هجر باب الله سبحانه والاعراض عنه من قبل الناس , فقد جاء علي بن محمد بن الزبير عن علي بن الحسن بن فضال عن ابن أسباط عن محمد بن يحيى أخي مغلس عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام قال : { قلت له : إنا نرى الرجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع ، فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ فقال : يامحمد إنما مثلنا أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل وكان لايجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فاجيب وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له ، فأتى عيسى بن مريم عليه السلام يشكو إليه ماهو فيه ، ويسأله الدعاء له ، فتطهر عيسى وصلى ثم دعا فأوحى الله إليه : ياعيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي اوتى منه ، إنه دعاني وفي قلبه شك منك ، فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتشر أنامله ما استجبت له فالتفت عيسى عليه السلام فقال : تدعو ربك وفي قلبك شك من نبيه ؟ فقال : يا روح الله وكلمته قد كان والله ماقلت ، فاسئل الله أن يذهب به عني ، فدعا له عيسى عليه السلام فتقبل الله منه وصار في حد أهل بيته ، كذلك نحن أهل البيت لايقبل الله عمل عبد وهو يشك فينا } بحار الانوار المجلسي \ امالي المفيد
والمستفاد من هذه الحادثة ان العبد وان كان باراً باعماله ولا يدين بامام من الله سبحانه لا يقبل منه عمله , والسبب في ذلك ان الله سبحانه يحب ان يعبد من حيث يشاء لا من حيث يشاء الناس , ولان الله اعرف بمصلحة العباد فلم يجز لعباده ان يعبدوه بمزاجهم , ولم يجز لهم تنصيب حجج من تلقاء انفسهم لان العباد في افضل حالاتهم لا يستطيعون ان يعرفوا كل ما يضرهم مما ينفعهم , فلذلك جعل الله امر دينه ونهيه بيده سبحانه فقط ,
ومن فعل عكس ما يريده الله سبحانه " من هجر الحجج او تنصيب اناس غيرهم " لا يصدق علىه انه عابد , اذ لو كان عابد لله حقيقةً لما عصى خالقه بأول امر وجه اليه وهو طاعة من امره الله بطاعته ,
فكان الناس في الامم السابقة ثلاث اصناف , صنف أمنوا بالنبياء ولم يكفروا بهم , فأخلصوا لهم الطاعة وصنف كفروا بالانبياء وامنوا بغيرهم واخلصوا الكفر بالانبياء والايمان بغيرهم , وصنف أمن بالانبياء وامن بغيرهم اي اشرك بطاعة الانبياء طاعة غيرهم ممن لم ينص الله سبحانه على طاعتهم , وبني اسرائيل اشركوا بانبياءهم واوصياءهم كما صرحت الايات والروايات بذلك , فقد كانوا يطيعوا الانبياء في حياتهم اما بعد غيابهم فكانت الطاعة تذهب للاحبار والرهبان الذين حرفوا وغيروا معالم اديان الانبياء بعد غيابهم .
وعوام بني اسرائيل عندما اشركوا الاحبار والرهبان بالطاعة مع انبيائهم لم ينكروا وجوب طاعة الانبياء . بل كانوا يعتقدون اعتقاد لا يشوبه اي شك بوجوب الطاعة المطلقة للانبياء والرسل , لكنهم كانوا يظنون ان الاحبار والرهبان هم امتداد طبيعي للانبياء والرسل واشراكهم بالطاعة مع الانبياء لا اشكال فيه , وساعدهم على هذا الاعتقاد الباطل اكاذيب الاحبار والرهبان والتي ادعوا فيها انهم حجة الانبياء في غيابهم وهم نوابهم , فصدق عوام بني اسرائيل هذه الاكاذيب , فقلدوهم دينهم دون تردد .
ولو لم يهجر عوام بني اسرائيل كتبهم السماوية التي جاء بها انبياءهم لما انطلت عليهم خدعة الاحبار والرهبان " من ان تقليدهم واجب على العوام في غياب الحجة " لان الكتب السماوية نهت عن تقليد غير الحجة (نبي او وصي ) ولا توجد اية في كل الكتب السماوية توجب تقليد غير الانبياء والرسل , فقد جاء عن النبي عيسى عليه السلام انه قال لمن قلد الاحبار ما نصه { وانتم لماذا تتعدون وصية الرب بسبب تقاليدكم } ( متي 15 : 4-6 ) وقال ايضاً { وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأن أباكم وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ } ومع هذا النهي الصريح من قبل الانبياء لبني اسرائيل ولفقهاءهم بحرمة تعدي حدود الرب بتقليد الاحبار والرهبان الا ان هذا النهي لم يمنع بني اسرائيل من تقليد الاحبار والرهبان ولم يمنع الاحبار والرهبان من التصدي لزعامة بني اسرائيل بأسم التقليد , وجاءت الفتاوى من قبل فقهاء بني اسرائيل بوجوب تقليدهم وان لم يكن هناك دليل على التقليد من الكتب السماوية ومن احاديث انبياءهم , فوجود الدليل العقلي يكفي لقيام عقيدة التقليد عند الاحبار والرهبان كما يزعم اصحاب المؤسسة الدينية الانصرانية .
فهذا الاسقف اجناسيوس اسقف انطاكية سنة 107م يوصي النصارى بوجوب تقليد الارهبان قائلاً : { عليكم جميعاً ان تطيعوا آباء السماء كما اطاع عيسى اباه ، اطيعوا ائمتكم الروحانيين كما تطيعون الرسل ، ولا يباشر أحد منكم شأن من الشؤون التي تقوم بها الكنيسة كالتعميد والزواج وحضور الموت والصلاة بدون حضور آباء الكنيسة ، وانى يوجد الاسقف فإن حضوره يعد حضوراً للمسيح نفسه تبعاً لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية } فهذا الاسفق يصور للمقلدين من النصارى ان الراهب كالمسيح اي ان هذا الانسان (الفقيه) الذي يخطأ اكثر مما يصيب كالنبي المعصوم ويجب طاعته كاطاعة النبي ,
والراهب الانبا شنودة يصرح ان كثير من العقائد لم تأتي من الكتب المقدسة ولا من الانبياء بل اتت من قبل الرهبان , ويوصي عوام النصارى اخذ كل هذه العقائد بتسليم مطلق قائلاً : { كل تعليم وصل عن طريق التسليم الرسولي والآبائي غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس ، في موضوعات ربما لم تذكر في الكتاب ولكنها لا تتعارض معه في شيء ما } اللاهوت المقارن ج1 ص 51 / الطبعة الثانية القاهرة 1992
وليست التوراة والانجيل وحدهن يحرمن تقليد غير الحجج المعصومين بل حتى القران الكريم ( وهو الحاوي لكل ما جاء بالكتب السماوية جميعها ) اشار الى ان الطاعة خالصة لله وللرسول والى اولي الامر المعصومين فقط , اما غيرهم فالتقليد لهم باطل ومذموم بصريح الايات القرانية ,
فكان عوام بني اسرائيل (ممن اتخذ الاحبار والرهبان ارباب ) مشركين عند الله سبحانه بسبب شركهم بأنبياءهم , والشرك المقصود هنا ليس الشرك بالله سبحانه بل الشرك بالحجة المنصب , اي الشرك بطاعتهم , والشرك في الطاعة هو أن تجعل طاعة غير الحجة في حد طاعة الحجة ، وذلك مثل ما حكاه الله سبحانه عن بني اسرائيل، فقال عز من قائل { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } وجاء تفسير هذه الاية عن الامام الصادق عليه السلام انه قال { ألا إنهم لم يصوموا لهم ولم يصلوا ، ولكنهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم ، وقد حرموا عليهم حلالا ، وأحلوا لهم حراما ، فعبدوهم من حيث لا يعلمون } فالشرك المقصود في هذه الاية هو الشرك بالحجة وليس الشرك بالله سبحانه , وقوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ) ليس معناها ان الاحبار والرهبان دعوا بني اسرائيل الى عبادتهم او انهم ادعوا انهم آلهة دون الله سبحانه , بل المقصود انهم جعلوا انفسهم بمقام الحجج المنصبين من قبل الله سبحانه فوصفهم الله في كتابه بالارباب, ولو قال الاحبار والرهبان لمقلديهم اعبدونا من دون الله لما اطاعهم عوام بني اسرائيل , وهذا ما وضحه النبي الاكرم (ص) بقوله { والله ما عبدوهم ، ولو أنهم دعوهم إلى عبادتهم لما أطاعوهم ، ولكنهم حللوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فأطاعوهم ، فعبدوهم من حيث لا يشعرون } الانتصار - العاملي - ج 2 - ص 318
وعلة وصف الله سبحانه للاحبار والرهبان بالارباب مع علمه انهم لم يدعوا الالوهية , كما بينه النبي الاكرم (ص) في كلامه . كونهم جلسوا بمجلس الحجة المنصب دون وجه حق , ومن جهة اخرى ادعوا ان كلامهم الظني هو عين كلام الحجة المنصب , فلهذا وصفهم الله في كتابه بالارباب , والمقصود بكلمة رب في القران , هو الحجة المعصوم الذي ينصبه الله سبحانه لعباده , وهذا الامر واضح في كلام الامام الصادق عليه السلام وهو يسمى الامام المهدي عليه السلام بالرب فقد جاء عن تفسير علي بن إبراهيم : محمد بن أبي عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن الربيع ، عن صباح المزني ، عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله :{ "و أشرقت الأرض بنور ربها " قال : رب الأرض إمام الأرض ، قلت : فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال : إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزؤون بنور الامام } (ص 581 )
وعن دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( ص 454) عن المفضل بن عمر الجعفي ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول { إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها ، واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، وصار الليل والنهار واحدا ، وذهبت الظلمة ، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة ، يولد له في كل سنة غلام ، لا يولد له جارية ، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال ، ويتلون عليه أي لون شاء }
وقال الطبرسي { وهو اليوم الذي وعد الله تعالى الناس فيه بظهور المهدي الموعود ( عليه السلام ) ووعدنا بنصر دينه على يده ، وظهور الحقائق التي خفيت علينا بإرادة الله تعالى إلى أن يقوم المنجي وحينذاك تكون قد ( أشرقت الأرض بنور ربها ) } مشكاة الأنوار - علي الطبرسي - ص 12
فالامام المعصوم المنصب هو الرب "اي رب الارض " ورب الناس ومربيهم حسب ما يوحى اليه رب الارباب الله سبحانه , والارباب هم المعصومين عليهم السلام , والله سبحانه ربهم , فالمعصوم كما اخبرتنا الروايات هو وجه الله ويده وبابه ولسانه الناطق في بريته , فقول المعصوم هو بالحقيقة قول الله سبحانه , فالمعصوم لا يمثل نفسه بين الخلق بل يمثل الله في عباده ولهذا وصف الله من من ظلم المعصوم او قتله او جلس في مجلسه بالارباب , و ( الفقهاء ) بالحقيقة غصبوا حق الله بمحاربتهم الحجة الحقيقي ,
والائمة عليهم السلام بينوا ان كلامهم هو عين كلام الله سبحانه و ولايتهم هي ولاية الله ومن حاربهم فقد حارب الله ومن والاهم فقد والى الله سبحانه ومن اشرك بهم فقد اشرك بالله سبحانه , فقد جاء عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال { من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركا بالله }
وعن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل:{ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم } فكان جوابه: { ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " يقولون لائمة الضلالة والدعاة إلى النار: هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا " اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " أم لهم نصيب من الملك - يعني الامامة والخلافة - فاذا لا يؤتون الناس نقيرا " نحن الناس الذين عنى الله، والنقير النقطة التي في وسط النواة " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الامامة دون خلق الله أجمعين " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " يقول: جعلنا منهم الرسل والانبياء والائمة، فكيف يقرون به في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما }
وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " قال: { جعل منهم الرسل والانبياء والائمة فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد؟ ! صلى الله عليه وآله قال: قلت: وآتيناهم ملكا عظيما "؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم }
وخلاصة كلام ال محمد الابرار عليهم السلام ان الذي يحارب الحجة الحقيقي هو بالحقيقية يحارب الله سبحانه من حيث يشعر او لا يشعر, والذي يشرك بالحجة يكون قد اشرك بالله سبحانه , ومن هذه الروايات نفهم علة وصف الله سبحانه لفقهاء اليهود بالارباب , وبعد اتخاذ بني اسرائيل الاحبار والرهبان ارباب من دون الله ( الحجج ) حبطت اعمالهم, فلم يقبلها الله سبحانه منهم بسبب شركهم بحجته , اما اعتقادهم بالله فهم كانوا يؤمنون بأن الله واحد لا شريك له ’ فشركهم كان بالحجج فقط
يتبع ...
تعليق