بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ؛ وبعد :
ومن كلام للشيخ جعفر أبي المكارم في كتابه ( هداية السالكين ) قال : (( ونهاهم عن التعدي لما أمرهم به أولياؤه الذين أقامهم مؤدين عنه لهم ؛ وعن أن يدخلوا في دينه شيئا لم في كتبه ، ولا نطقت به حججه ، ومنعهم عن أن يرتأوا ، أو يتظننوا ، أو يقيسوا أو يستحسنوا ، أو يتخمنوا ؛ إذ لم يرض ذلك لهم ولم يتقبله منهم ، وأعلمهم على لسان حججه أن ما سكت غير مواد له ؛ ولم يكلفوا طلبه ، ولولا أن ذلك كذلك لما أنب العامل به والمعتمد له بقوله : ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون ) ، ( قتل الخراصون ) ، ( إن هم إلا يظنون ) ، و( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ، ( هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) ، ( أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ) ، ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ) .
وحثهم على العمل بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقول حججه الطاهرين المفسرين له ؛ العارفين لألحانه ، والمطلعين على غوامضه وخوافي أسراره ، ومنعهم أن يقولوا فيه برأيهم ؛ لما فيه من المحكم والمتشابه ، والمجمل والمفصل ، والمطلق والمقيد ، والمبهم والمبين ، والعام والخاص ، والحقيقة والمجاز ، والوجوب والندب والمكروه والمباح والمحرم ، والناسخوالمنسوخ ، ومنجز العمل ومؤخره لوقت غير وقت الأمر به ، إذ لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قال تعالى : ( ولو ردوه إى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يسنبطونه منهم ) .
فظهر ظهورا بينا أن لا شيء يعمل به مبرئ للذمة ؛ مخرج من العهدة إلا كتاب الله وسنة رسوله (ص) والحجج من بعده . فأصل البراءة والاستصحاب والإجماع والشهرة ؛ وكل من الأدلة العقلية مستقلة أو بمعونة الغير لا يفي علما ؛ إذ لا يخرج مستعمله من الظن المنهي عنه كتابا وسنة . كتابا كما سمعت . وسنة بقوله : ( إذا تطيرت فامض ؛ فإذا ظننت فلا تقض ) ، ( الظن أكذب الكذب ) .
فلو علم مدعي الإجماع ما فيه ما فيه من الإحالة على البهت لما اتخذه دليلا في موطن من المواطن ؛ لاحتياج ناقل الإجماع إلى الإحاطة بكلمات من له أهلية الكلام في الدين من علماء الأمة المنتشرين في البقاع وسائر أقاليم الأصقاع ، والاطلاع على اتفاقهم فتوى واحدا في المسألة إن كان بسيطا ، أو أكثر إن كان مركبا ، مستدخلا لفتاوى علماء الجن فيه ؛ لبعثة النبي (ص) إليهم ومشاركتهم لنا فيما نحن فيه من التكليف ، وحصول العلماء فيهم كما حصول فينا ؛ وكونهم من الأمة لا ينكره إلا منكر عموم البعثة وعموم الولاية ؛ ومكذب للعلماء البررة ، أو قاصرة اليد ضعيف الاطلاع مزجي البضاعة ، وبداهة ذلك إلى ذلك لا يحتاج إلى دليل .
ومع تمامية ذلك كله يحتاج إلى تحصيل العلم القطعي بدخول المعصوم المطلق في جملة المجمعين ؛ وبدونه لا يصح نقله ، ولا يجوز العمل به .
ولا يكفي فيه العلم الإجمالي ؛ إذ هو تكليف مأخوذ في مفهوم الصحة ، ولا صحة إلا بالمطابقة للواقع ، وليس في الإجمالي إلا الظن ، وقد علمت ما فيه من أنه ليس من مذهب الإمامية ؛ فلا يكون مخرجا من العهدة ، وما لا يخرج لا يصح ؛ فلا يقبل ))
ثم قال في رد كلام من ألف الرسالة في نقض كلامه : (( فقصور فهمه دعاه إلى تسمية الشهرة إجماعا ؛ لعدم علمه بفساد مدركها ومفارقتها للإجماع ، ولا شك من أحد في أن تسميته الشهرة إجماعا تدليس ، وأن ادعاء الإجماع في موطن قام الخلاف فيه على ساق ؛ مع الاعتراف به جهل بين .
والعقل غير مدرك شيئا من الأحكام الألهية لما سمعت من قوله : ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ، ويكفى في رده وتنكيله قول أمير المؤمنين (ع) : ( أ كان دين الله ناقصا ؛ فيتموه بعقولهم ) ، وقول الصادق (ع) : ( إن لله في كل واقعة حكما لكن تدركه عقول الرجال ) ؛ تفريع فيه تقريع )) انتهى كلامه زيد في إكرامه .