فتنة القرون .. وتحجر العقول
شر فتنة تحت أديم السماء .. تشريع وحاكمية البشر مقابل تشريع وحاكمية الخالق سبحانه وتعالى .. واغتصاب حق الألوهية
فتنة ذات جذور وتشعبات ، وبدايات ونهايات ، ورموز وتاريخ ، وأتباع ومناصرون ، ونتائج ومصير ، طال فيها المراء والجدل واللجاج والاستخفاف ، ولم يعد الأمر يحتمل التأجيل والكتمان والسكوت عما كنا نخشاه على ضعاف النفوس ومفتقدي العقول والوجدان.
فتنة صداها مسموع على مر العصور والأيام ، وتأخذ طرقاً وصوراً شتى وألوان ( التلون في الدين ) فتارة اغتصاب للحكم ومقام الإمامة الشرعية ، وتارة اغتصاب حق التشريع وإصدار الأحكام والفتوى .. منها ما تقع في حقل السياسة و الحكم والزعامات ، ومنها ما يقع في حقل وفي ساحات المذهبيات والطائفيات وهذه الأخيرة ما يعنينا أمرها هنا خلال بحث مصغر في صفحات للكشف عن الجذور والخفايا والمستور وتحت عنوان :
من له حق الفتوى والتشريع خلال عصر الغيبة والاغتراب
في أحكام النوازل والمستجدات ، والوقائع والابتلاءات
من له الإجابة ويملك الدليل والرواية .. ومن له العصمة عن الخطأ والغواية ، ومن أين لنا بهذه القضية والأمة معاقبة بتغيب الإمامة ، فهل إلى خروج من سبيل ؟ نعم فخالق الكون سبحانه وتعالى جعل لسالك الطريق نور يهتدي به في الظلمات .. إنها الحجة البالغة من بعد النبوة ، والعقيدة الحقة للإسلام وأمره ، وعقيدة برهان حق أهل البيت الأطهار ( ع ) والتسليم لأمرهم .. إنها عقيدة ليلة القدر وما ينزل فيها ، أم العقائد في الإسلام راسخة الجذور تنطق بالشهادة الأبوية والتوحيد الخالص بأن صاحب هذا الحق وحده هو الله ولا أحد سواه ، ولا شريك له فيه .. وكل من يقترب من سياج هذا الحق ، ويتجرأ عليه أو يتقمصه ويدعيه ، أو يمارسه من وراء ستاره ، وإن زعم أنه يتعبد بذلك ويتقرب إلى الله عز وجل ، يكون بذلك مغتصباً لحق الألوهية ، وحق التشريع والحاكمية ، ومنازعاً لله عز وجل في سلطانه ..
ونبدأ بأصل الأصول :
الحكم والتشريع في الإسلام لمن ، لله تعالى وحده
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
" إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه " ـ " ولا يشرك في حكمه أحداً "
" ألا له الخلق والأمر " ـ " ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين " ـ
" ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " ـ " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
الحكم والنبوة
ـ قال تعالى ـ
" وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك " ـ " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " ـ " فاصبر لحكم ربك ، ولا تطع منهم آثماً أو كفورا ً " ـ " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى " ـ
" ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء " ـ " ما فرطنا في الكتاب من شيء " .
الحكم والناس
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " ـ " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا ، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم " ـ " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " ـ فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " ـ " وما يتبع أكثرهم إلا ظناً . إن الظن لا يغني من الحق شيئاً . إن الله عليم بما يفعلون " ـ
" وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله . إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون "
" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ـ " ولكن أكثرهم للحق كارهون " ـ " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " .
الحكم والإمامة المعصومة
لا أحد يجهل كيف كان رسول الله ( ص ) يحكم بأمر الله وبما أنزل الله تعالى .. بما يتنزل عليه بواسطة وحي السماء .
قال تعالى :
" إنا أنزلناه إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله "
لا بما تراه أنت من نفسك
وقال تعالى :
" قل إنما أتبع ما يوحي إلىّ من ربي " فلم يجعل الله عز وجل لرسوله الحكم برأيه ، وإنما يصدر في الأحكام في جميع ما يجري ويحدث على وجه الأرض عن الله عز وجل .. فلا مجال ولا مكان في الإسلام للتشريع والحكم والرأي والاجتهاد ، ولا يقدم عليه إلا كل متمرد على أمر الله عز وجل .. وكيف يكون للرأي والاجتهاد مكان في الإسلام بعد أن بعث الله عز وجل بنبيه ( ص ) إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ..
وصدق القائل : أن من يعمل ويقول بالرأي والاجتهاد في دينه يكون مكذباً لكل ما أوردناه .
والسؤال العقائدي هنا
ـ بعد تسلم الإمامة المعصومة للأمر ، للإسلام كله ، للكون كله ، هل تغير شيء في طريقة الإسلام وخطته ونهجه وفي حكمه وإقامته . عن نهج النبوة ، وعلى ما كان عليه رسول الله ( ص ) ؟
والجواب العقائدي
لا : لم يتغير شيئاً والأمر كما هو عليه أيام النبوة
لماذا ؟
لأن الإسلام من الألف إلى الياء هو ليلة القدر وما ينزل فيها ، وما ينزل في كل يوم وساعة .. لأن الإسلام وحي مستمر وطريقته مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها .. وكما أن هذا الأمر كان صاحبه رسول الله ( ص ) فكذلك فالإمام ( ع ) صاحبه من بعده ، ويجري هذا الأمر معه تماما كما كان يجرى مع رسول الله ( ص ) لا فرق إلا في النبوة فقط ، فلا نبي مرسل من بعد رسول الله ( ص ) .. يقول الإمام الصادق عليه السلام : " كلنا محمد ماعدا النبوة " وكما أن الرأي والاجتهاد في الدين خلال عصر النبوة هو اغتصاب لحق التشريع والحاكمية ، فهو كذلك في عصر الإمام ( ع ) سواء كان ظاهراً مشهوراً ، أو غائباً مغموراً ( عصر الغيبة ) .. بل في عصور الغيبة والغربة تقمص أصحاب الرأي والاجتهاد كل شيء .
ـ فمن خلال ليلة القدر وما ينزل فيها يكون الإسلام هو دين الرسالة والوحي المستمر ..
ومن خلال الرأي والاجتهاد وعلم الأصول والقواعد يكون الدين ، دين الرجال وعبادة الرجال .
ـ ومن خلال ليلة القدر وما ينزل فيها كان علم ومواريث النبوة ، ويكون علم الإسلام مستمر في الزيادة حتى قيام الساعة .
في الكافي عن الإمام محمد الباقر( ع ) قال :
" قال الله عز وجل في ليلة القدر ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يقول : ينزل فيها كل أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين وإنما هو شيء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت ، إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه كذا وكذا ، وفي أمر الناس كذا وكذا ، وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله الخاص والمكنون العجيب المخزون ، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم
(بيان)
دل الخبر أن ليلة القدر ينزل فيها كل أمر حكيم ، أي كل أمر يحكمه الله تعالى ويثبته في اللوح المحفوظ ، فينزل إلى ولي الأمر ، وهو الإمام المعصوم ( ع ) وهو تفسير الأمور لكل سنة سنة من الأوامر الخاصة بالنسبة إلى نفسه ، والأوامر العامة الراجعة لعامة الناس ، بل ينزل على الإمام ما حدث في كل يوم من الحوادث ، والوقائع ، والأمور وأحكامها ، وهذا من علم الله الخاص ، والعلم المكنون العجيب المخزون المختص بالإمام ، لا يمنحه أحد ، وذلك العلم الذي يزود به كل يوم ، مثل ما ينزل عليه في ليلة القدر من الأوامر ، والنواهي ، والحوادث ، والوقائع ، فترى الملائكة كل يوم ينزلون عليه يخبرونه بأوامر عجيبة ، وبعلم مكنون ، وأمر مخزون ، وهذا العلم العجيب لا نفاد له ، لأنه مستمد من ساحة القدس ، ومن ساحة ذي الجلال والإكرام ، وذي الأسماء العظام ، حتى لو نفد البحر الذي يمده من بعده سبعة أبحر ، بحيث كان مداداً ، وكتب به حتى نفد ، فهذا العلم الفياض الذي يفيض من العالم الملكوتي لا ينفد أبداً ، وذلك لأن مقام الإمام مقام النبي ( ص ) ، والذي انتهت إليه الإمامة ، هو سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وهو القائم بالإمامة ، والسفارة ، والزعامة في زمن الغيبة ، وعليه تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر ، وفي كل يوم وليلة ، وتخبره عن العلوم المكنونة ، والأمور المخزونة ، وعن الوقائع والحوادث ... )
راجع بقية البيان في بيان الأئمة ج 3 ص 216
* عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ( ع ) عن قول الله تعالى :
" وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان "
قال ( ع ) : خلق من خلق الله تعالى أعظم من جبرائيل وميكائيل ، كان مع رسول الله ( ص ) يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده .
بيان
( هذا الخبر يدل على أن الروح ملك عظيم من ملائكة الله تعالى أعظم من جبرائيل وميكائيل ، كان يصحب النبي ( ص ) ويخبره بجميع الأمور ويسدده ، كما يصحب الأئمة ( ع ) ، ويصحب الإمام القائم ( ع ) ويخبره عن جميع المسائل ، والوقائع والأمور )
ـ المصدر السابق ص 299 ـ
قال الإمام محمد الباقر ( ع ) :
" كان والله علي ( ع ) أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ، ثم إن رسول الله ( ص ) حضره الذي حضر ، فدعا علياً فقال : يا علي إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه ، فلم يشرك والله فيها يا زياد أحداً من الخلق "
ـ الكافي ج 1 ص 290 ـ من حديث طويل
بهذا النص لا يشارك الإمام المعصوم ( ع ) أحداً من الناس في حمل مواريث النبوة وأحكام الإسلام إلا أن يستمده فقط من المعصوم ( ع ) .
لهذا قال الإمام الصادق ( ع ) :
" من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله البتة إلى العناء ، ومن ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك ، وذلك الباب ، المأمون على سر الله المكنون "
ـ الكافي ج 1 ص 317 ـ
من حديث للإمام محمد الباقر ( ع ) جاء فيه :
" لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا ، ولقد خلق فيها أول نبي يكون ، وأول وصي ، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة ، من جحد ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه ، لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة ، مع الحجة التي يأتيهم بها جبرائيل ( ع ) ... ثم قال أبو جعفر ( ع ) : فضل إيمان المؤمن بحمله " إنا أنزلناه " وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها ، كفضل الإنسان على البهائم ، وأن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا ـ لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم ـ ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جهاداً إلا الحج والعمرة والجوار "
شر فتنة تحت أديم السماء .. تشريع وحاكمية البشر مقابل تشريع وحاكمية الخالق سبحانه وتعالى .. واغتصاب حق الألوهية
فتنة ذات جذور وتشعبات ، وبدايات ونهايات ، ورموز وتاريخ ، وأتباع ومناصرون ، ونتائج ومصير ، طال فيها المراء والجدل واللجاج والاستخفاف ، ولم يعد الأمر يحتمل التأجيل والكتمان والسكوت عما كنا نخشاه على ضعاف النفوس ومفتقدي العقول والوجدان.
فتنة صداها مسموع على مر العصور والأيام ، وتأخذ طرقاً وصوراً شتى وألوان ( التلون في الدين ) فتارة اغتصاب للحكم ومقام الإمامة الشرعية ، وتارة اغتصاب حق التشريع وإصدار الأحكام والفتوى .. منها ما تقع في حقل السياسة و الحكم والزعامات ، ومنها ما يقع في حقل وفي ساحات المذهبيات والطائفيات وهذه الأخيرة ما يعنينا أمرها هنا خلال بحث مصغر في صفحات للكشف عن الجذور والخفايا والمستور وتحت عنوان :
من له حق الفتوى والتشريع خلال عصر الغيبة والاغتراب
في أحكام النوازل والمستجدات ، والوقائع والابتلاءات
من له الإجابة ويملك الدليل والرواية .. ومن له العصمة عن الخطأ والغواية ، ومن أين لنا بهذه القضية والأمة معاقبة بتغيب الإمامة ، فهل إلى خروج من سبيل ؟ نعم فخالق الكون سبحانه وتعالى جعل لسالك الطريق نور يهتدي به في الظلمات .. إنها الحجة البالغة من بعد النبوة ، والعقيدة الحقة للإسلام وأمره ، وعقيدة برهان حق أهل البيت الأطهار ( ع ) والتسليم لأمرهم .. إنها عقيدة ليلة القدر وما ينزل فيها ، أم العقائد في الإسلام راسخة الجذور تنطق بالشهادة الأبوية والتوحيد الخالص بأن صاحب هذا الحق وحده هو الله ولا أحد سواه ، ولا شريك له فيه .. وكل من يقترب من سياج هذا الحق ، ويتجرأ عليه أو يتقمصه ويدعيه ، أو يمارسه من وراء ستاره ، وإن زعم أنه يتعبد بذلك ويتقرب إلى الله عز وجل ، يكون بذلك مغتصباً لحق الألوهية ، وحق التشريع والحاكمية ، ومنازعاً لله عز وجل في سلطانه ..
ونبدأ بأصل الأصول :
الحكم والتشريع في الإسلام لمن ، لله تعالى وحده
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
" إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه " ـ " ولا يشرك في حكمه أحداً "
" ألا له الخلق والأمر " ـ " ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين " ـ
" ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " ـ " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
الحكم والنبوة
ـ قال تعالى ـ
" وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك " ـ " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " ـ " فاصبر لحكم ربك ، ولا تطع منهم آثماً أو كفورا ً " ـ " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى " ـ
" ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء " ـ " ما فرطنا في الكتاب من شيء " .
الحكم والناس
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " ـ " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا ، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم " ـ " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " ـ فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " ـ " وما يتبع أكثرهم إلا ظناً . إن الظن لا يغني من الحق شيئاً . إن الله عليم بما يفعلون " ـ
" وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله . إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون "
" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ـ " ولكن أكثرهم للحق كارهون " ـ " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " .
الحكم والإمامة المعصومة
لا أحد يجهل كيف كان رسول الله ( ص ) يحكم بأمر الله وبما أنزل الله تعالى .. بما يتنزل عليه بواسطة وحي السماء .
قال تعالى :
" إنا أنزلناه إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله "
لا بما تراه أنت من نفسك
وقال تعالى :
" قل إنما أتبع ما يوحي إلىّ من ربي " فلم يجعل الله عز وجل لرسوله الحكم برأيه ، وإنما يصدر في الأحكام في جميع ما يجري ويحدث على وجه الأرض عن الله عز وجل .. فلا مجال ولا مكان في الإسلام للتشريع والحكم والرأي والاجتهاد ، ولا يقدم عليه إلا كل متمرد على أمر الله عز وجل .. وكيف يكون للرأي والاجتهاد مكان في الإسلام بعد أن بعث الله عز وجل بنبيه ( ص ) إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ..
وصدق القائل : أن من يعمل ويقول بالرأي والاجتهاد في دينه يكون مكذباً لكل ما أوردناه .
والسؤال العقائدي هنا
ـ بعد تسلم الإمامة المعصومة للأمر ، للإسلام كله ، للكون كله ، هل تغير شيء في طريقة الإسلام وخطته ونهجه وفي حكمه وإقامته . عن نهج النبوة ، وعلى ما كان عليه رسول الله ( ص ) ؟
والجواب العقائدي
لا : لم يتغير شيئاً والأمر كما هو عليه أيام النبوة
لماذا ؟
لأن الإسلام من الألف إلى الياء هو ليلة القدر وما ينزل فيها ، وما ينزل في كل يوم وساعة .. لأن الإسلام وحي مستمر وطريقته مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها .. وكما أن هذا الأمر كان صاحبه رسول الله ( ص ) فكذلك فالإمام ( ع ) صاحبه من بعده ، ويجري هذا الأمر معه تماما كما كان يجرى مع رسول الله ( ص ) لا فرق إلا في النبوة فقط ، فلا نبي مرسل من بعد رسول الله ( ص ) .. يقول الإمام الصادق عليه السلام : " كلنا محمد ماعدا النبوة " وكما أن الرأي والاجتهاد في الدين خلال عصر النبوة هو اغتصاب لحق التشريع والحاكمية ، فهو كذلك في عصر الإمام ( ع ) سواء كان ظاهراً مشهوراً ، أو غائباً مغموراً ( عصر الغيبة ) .. بل في عصور الغيبة والغربة تقمص أصحاب الرأي والاجتهاد كل شيء .
ـ فمن خلال ليلة القدر وما ينزل فيها يكون الإسلام هو دين الرسالة والوحي المستمر ..
ومن خلال الرأي والاجتهاد وعلم الأصول والقواعد يكون الدين ، دين الرجال وعبادة الرجال .
ـ ومن خلال ليلة القدر وما ينزل فيها كان علم ومواريث النبوة ، ويكون علم الإسلام مستمر في الزيادة حتى قيام الساعة .
في الكافي عن الإمام محمد الباقر( ع ) قال :
" قال الله عز وجل في ليلة القدر ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يقول : ينزل فيها كل أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين وإنما هو شيء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت ، إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه كذا وكذا ، وفي أمر الناس كذا وكذا ، وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله الخاص والمكنون العجيب المخزون ، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم
(بيان)
دل الخبر أن ليلة القدر ينزل فيها كل أمر حكيم ، أي كل أمر يحكمه الله تعالى ويثبته في اللوح المحفوظ ، فينزل إلى ولي الأمر ، وهو الإمام المعصوم ( ع ) وهو تفسير الأمور لكل سنة سنة من الأوامر الخاصة بالنسبة إلى نفسه ، والأوامر العامة الراجعة لعامة الناس ، بل ينزل على الإمام ما حدث في كل يوم من الحوادث ، والوقائع ، والأمور وأحكامها ، وهذا من علم الله الخاص ، والعلم المكنون العجيب المخزون المختص بالإمام ، لا يمنحه أحد ، وذلك العلم الذي يزود به كل يوم ، مثل ما ينزل عليه في ليلة القدر من الأوامر ، والنواهي ، والحوادث ، والوقائع ، فترى الملائكة كل يوم ينزلون عليه يخبرونه بأوامر عجيبة ، وبعلم مكنون ، وأمر مخزون ، وهذا العلم العجيب لا نفاد له ، لأنه مستمد من ساحة القدس ، ومن ساحة ذي الجلال والإكرام ، وذي الأسماء العظام ، حتى لو نفد البحر الذي يمده من بعده سبعة أبحر ، بحيث كان مداداً ، وكتب به حتى نفد ، فهذا العلم الفياض الذي يفيض من العالم الملكوتي لا ينفد أبداً ، وذلك لأن مقام الإمام مقام النبي ( ص ) ، والذي انتهت إليه الإمامة ، هو سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وهو القائم بالإمامة ، والسفارة ، والزعامة في زمن الغيبة ، وعليه تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر ، وفي كل يوم وليلة ، وتخبره عن العلوم المكنونة ، والأمور المخزونة ، وعن الوقائع والحوادث ... )
راجع بقية البيان في بيان الأئمة ج 3 ص 216
* عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ( ع ) عن قول الله تعالى :
" وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان "
قال ( ع ) : خلق من خلق الله تعالى أعظم من جبرائيل وميكائيل ، كان مع رسول الله ( ص ) يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده .
بيان
( هذا الخبر يدل على أن الروح ملك عظيم من ملائكة الله تعالى أعظم من جبرائيل وميكائيل ، كان يصحب النبي ( ص ) ويخبره بجميع الأمور ويسدده ، كما يصحب الأئمة ( ع ) ، ويصحب الإمام القائم ( ع ) ويخبره عن جميع المسائل ، والوقائع والأمور )
ـ المصدر السابق ص 299 ـ
قال الإمام محمد الباقر ( ع ) :
" كان والله علي ( ع ) أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ، ثم إن رسول الله ( ص ) حضره الذي حضر ، فدعا علياً فقال : يا علي إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه ، فلم يشرك والله فيها يا زياد أحداً من الخلق "
ـ الكافي ج 1 ص 290 ـ من حديث طويل
بهذا النص لا يشارك الإمام المعصوم ( ع ) أحداً من الناس في حمل مواريث النبوة وأحكام الإسلام إلا أن يستمده فقط من المعصوم ( ع ) .
لهذا قال الإمام الصادق ( ع ) :
" من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله البتة إلى العناء ، ومن ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك ، وذلك الباب ، المأمون على سر الله المكنون "
ـ الكافي ج 1 ص 317 ـ
من حديث للإمام محمد الباقر ( ع ) جاء فيه :
" لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا ، ولقد خلق فيها أول نبي يكون ، وأول وصي ، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة ، من جحد ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه ، لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة ، مع الحجة التي يأتيهم بها جبرائيل ( ع ) ... ثم قال أبو جعفر ( ع ) : فضل إيمان المؤمن بحمله " إنا أنزلناه " وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها ، كفضل الإنسان على البهائم ، وأن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا ـ لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم ـ ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جهاداً إلا الحج والعمرة والجوار "
تعليق