السلام عليكم
نكمل الكتاب (سفينة النجاة) بالحلقة الثانية/
و قال بعض من تأخر عنه: أن السنة المتواترة دلت علي قبول خبر الواحد, فان رسول اللَّه ص وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه كانا يبعثان الرسل إلي القبائل و البلاد و القرى لتعليم الأحكام, مع أن كل واحد منهم لم يبلغ حد التواتر, مع العلم بان المبعوث إليهم كانوا مكلفينبالعمل بمقتضاه, و الذي تتبعنا من آثار السلف أن تعليمهم الأحكام ما كان إلا بالأخبار بما سمعوا عن النبي ص و الأئمة عليهم السلام, و ما كان القول بالرأي و الاجتهاد إلا محدثا, و كان دأب قدمائنا تخطىء المخالفين به, بل لو كان يحصل من الطائفة المحقة شذوذ القول بالرأي و الاجتهاد لخطأوا وشددوا النكير عليه, و الأخبار عن الأئمة الهداة متظافرة بالتخطئة والإنكار.
و قال بعض الفضلاء ما ملخصه: إنا نقطع قطعا عاديا أن جمعا كثير من ثقات أصحاب أئمتنا, و منهم الجماعة الذين اجتمعت العصابة علي أنهم لم ينقلوا إلا الصحيح باصطلاح القدماء, يعنى ما علم صدور مضمونه عن المعصوم و لو بالقرائن صرفوا أعمارهم في مدة تزيد علي ثلاثمائة سنة في اخذ الأحكام عنهم عليهم السلام, و تأليف ما يسمعونه منهم عليهم السلام, وعرض المؤلفات عليهم, ثم التابعون لهم تبعوهم في طريقتهم, و استمر هذا المعنى إلي زمن أئمة الحديث الثلاثة, و كانوا يعتمدون عليها في عقايدهم و أعمالهم, و نعلم علماً عاديا بأنهم كانوا متمكنين من أخذ الأحكام عنهم مشافهة, و مع ذلك يعتمدون علي الأخبار المضبوطة من زمن أمير المؤمنين ع كما ورد في الروايات الكثيرة, و كان أئمتنا عليهم السلام يأمرونهم بتأليفها و نشرها و ضبطها ليعمل بها شيعتهم في زمن الغبية, و أخبروا بوقوعها و أيضاً الشفقة الربانية و المعصومية تقتضى أن لا يضيع من كان في أصلاب الرجال منهم, فيجب أن يمهد لهم أصولاً معتمدة يعملون بها, وأيضاً فان أكثر أحاديثنا موجود في أصول الجماعة التي أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم, لأنا نقطع بالقرائن أن طرقها إنما هي طرق إلي الأصول المعتبرة, ألم يعتمد الشيخ الطوسي علي طرق ضعيفة مع تمكنه من طرق أخرى صحيحة, وكثيراً ما يطرح الأخبار الصحيحة باصطلاح المتأخرين يعنى ما كانت رواته كلهم ثقات إماميين, و يعمل بالضعيفة بهذا الاصطلاح و هذا أيضا يقتضى ما ذكرناه أي نقل من الأصل, وأيضاً أنه صرح في كتاب العدة و في أول الإستبصار بان كل حديث عمل به في كتبه مأخوذ من الأصول المجمع علي صحة نقلها و لم يعمل بغيره, وإنما طرح بعضها لان معارضه أقوى منه لاعتقاده بأخبار أخر و بإجماع الطائفة علي العمل بمضمونه أو غير ذلك.
و الصدوق ذكر مثل ذلك بل أقوى منه في أول الفقيه, و كذا ثقة الإسلام في أول الكافي مع أنهم كثيراً ما يذكرون في أول الأسانيد من ليس بثقة, و أيضاً فإن بعض الروايات يتعاضد ببعض, و بعض أجزاء الحديث يناسب بعضا, و قرينة الجواب أو السؤال تدل علي صدق المضمون, إلي غير ذلك, و أيضا فانا نقطع قطعاً عاديّاً في حق أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من أحوالهم أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث, و الذي لم يقطع في حقه بذلك كثيرا مّا كان للناقل عنه طريق إلي اصل الثقة الذي اخذ الحديث منه.
فإن قلت: إنهم إذا رووا عن الأصول فلم يذكرون الواسطة.
قلنا يحتمل أن يكون ذكر الواسطة للتبرك باتصال سلسلة السند و دفع طعن العامة بأن أحاديثنا ليست معنعنة، بل مأخوذة من كتب قدمائنا.
أقول و أيضا فإن ما ذكره علماء الرجال في شأن بعضهم انه يعرف حديثة تارة و ينكر أخرى, و في شأن أخر انه لا يجوز نقل حديثه, أو لا يجوز العمل برواية لو لا يعتمد عليه أو غير ذلك يدل علي أن الثقة إذا روى عناحد فلا يروى عنه إلا إذا ظهر له دليل علي صحته أو راء في أصله المروى عنه أو سمعه عن ثقة يروى ذلك الأصل و كذا حرصهم علي ضبط الخصوصيات و الجزئيات من الألفاظ وغيرها دليل علي عدم اعتمادهم علي غير المقطوع بصحته و هذه الوجوه و إن كان كل واحد منها يمكن الخدش فيه إلا انه لاجتماعها يحصل الظن القوى بل القطع بصحة هذه الأخبار التي رواها الثقات و إن ضعف السند في الوسط سيما ما روى بطرق متعددة و خصوصاً ما في الكتب الأربعة و هي متواترة بالنسبة إلي مؤلفيها. مقطوع بها عندهم.
قال الصدوق في أول الفقيه لم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه, بل قصدت إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته و اعتقد انه حجة بيني و بين ربى تقدس ذكره, و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع.
و قال ثقة الإسلام في أول الكافي في جواب من التمس منه التصنيف,
وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدي فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله, ـ إلي أن قال ـ وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت. انتهى كلامه
و لهذا ذهب جماعة إلي الاكتفاء في تصحيح الأخبار و القدح فيها بما ذكره أصحابنا و دونوه في كتبهم وسيما المتقدمين.
قال بعض المحققين: فلم يبق لأحد ممن تأخر عنهم في البحث والتفتيش, إلا الإطلاع علي ما قرروه, و الفكر فيما ألّفوه.
قال الشهيد رحمه اللَّه في الذكرى :الاجتهاد في هذا الوقت أسهل منه فيما قبله من الأوقات, لأن السلف قد كفونا مؤنته بكدهم و كدحهم و جمعهم السنة و الأخبار و جرحهم و تعديلهم و غير ذلك من الآلات.
الفصل السادس
إزالة شبهة في هذا المقام ربما يخطر بالأوهام
و لعلك تقول هب أن الأخبار المعتبرة جاز التعويل عليها و العمل بها, أليست مضامينها لم تخرج من حّيز المظنونات, و لم تبلغ مبلغ إفادة العلم القطعي, و الظنون المستخرجة بالاجتهاد ليست بأقل ما يحصل منها, بل قد تكون أقوى, فليجز العمل بالاجتهاد كما جاز العمل بالأخبار.
فنجيبك
أما أولاً: فإن القياس ضروري البطلان عند الإمامية.
أما ثانيا:ً فبالفرق بين الظنين فإنهما نوعان مختلفان, أحدهما فيه تسليم و انقياد وطاعة, و الأخر فيه إعمال رؤية وتصرف طبيعة ليسا من قبيل واحد.
وأما ثالثاً: فبأن الأخبار و إن سلمنا كون طريقها ظنياً, إلا أن دليل جواز العمل عليها قطعي, ثم دلالتها علي المطلوب قطعية, لما دريت أناّ لا نعتمد إلا عليالمحكمات منها دون المتشابهات, و أما الاجتهاد فطريقه ظني, و دليل جواز العمل عليه ظني, و الأصول التي يبنى عليها الأحكام ظنية, و لا قطع في شيىء منه أصلاً.
و أما رابعاً: فبأن العمل بالأخبار مأذون فيه بل مأمور به, و العمل بالاجتهاد غير مأذون فيه بل منهي عنه, و كل من الأمر و النهى قد ثبت بالكتاب و السنة المتواترة و الإجماع المعتبر كما سنبينه إن شاء اللَّه تعالي.
و أما خامساً: فبأن أكثر الأحكام مما وردت فيه روايات متعددة مستفيضة تربو علي إفادة الظن, و قلما يتفق حكم أنا لا نقول يوجب العمل لكل خبر أو كلما يفيد الظن من الأخبار بما يربو علي إفادة الظن فان لم يظفر به فنحن مخبرون في العمل.
و قد أورد السيد المرتضى علي نفسه سؤالا هذا لفظه فان قيل إذا سدرتم طريق العمل بالأخبار فعلي أيّ شيىء تقولون في الفقه كله, و أجاب بما حاصله أن معظم الفقه يعلم بالضرورة و مذاهب أئمتنا عليهم السلام فيه بالأخبار المتواترة, و ما لم يتحقق ذلك فيه و لعله الأقل يعول فيه علي إجماع الإمامية, و ذكر بيانا طويلا في بيان حكم ما يقع فيه الاختلاف بينهم, و حاصله انه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه, و إلا كنا مخبرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين, و نبغي أن يراد بالإجماع الإجماع المعتبر أعني الحديث المتفق عليه, فان قلت فهل للخبر المعتمد عليه ضابطة يرجع إليها ليميز عن غير المعتمد أم هل للظن الحاصل من الخبر حد لا يكتفي اقل منه, قلت لا ليس لذا ضابطة و لا لهذا حد و إنما وضع الضوابط و الحدود أوقع الاختلاف بين الأصوليين, لو أنهم نظروا في كل مسألة لما اختلفوا فيما اختلفوا فيه, و الضابطة التي حكينها عن المحقق فيذلك ليست بكلية و السر فيه اختلاف الحكم في مثلها بسبب اختلاف خصوصيات محاله, ولذا تريهم يمهدون أصولاً كلية, ثم لا يفون بإعمالها في جميع جزئياتها, بل إنما يستعمولنها في بعض دون بعض, و كذا الكلام فيما يبتنى عليها من الأحكام الفرعية فإنها أمور جزئية مختلفة لا يجمعها أمر واحد عقلي, و الأمور الجزئية المختلفة لا يحكم عليها بالأحكام الكلية المضبوطة, بل لا سبيل إلي العلم بها إلا بالنظر إلي فرد فرد, وهو موقوف منا على السماع, إذ لا سبيل للعقل إلي الشرايع, و قد وقع التنبيه علي ما ذكرناه في كثير من الأخبار, ولعلك ستسمع بعضا إن شاء اللَّه تعالي, و لنعطف الآن عنان القلم إلي ذكر جملة من الآيات والأخبار الواردة في الحث علي الرجوع إلي الأحاديث, و بيان انحصار الطريق فيه, ثم إثبات التشابه و بيان حكمها, ثم ذكر ما ورد في ذم الاجتهاد و متابعة الآراء ثم ذكر مفاسدهما, و من اللَّه التأييد.
نكمل الكتاب (سفينة النجاة) بالحلقة الثانية/
و قال بعض من تأخر عنه: أن السنة المتواترة دلت علي قبول خبر الواحد, فان رسول اللَّه ص وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه كانا يبعثان الرسل إلي القبائل و البلاد و القرى لتعليم الأحكام, مع أن كل واحد منهم لم يبلغ حد التواتر, مع العلم بان المبعوث إليهم كانوا مكلفينبالعمل بمقتضاه, و الذي تتبعنا من آثار السلف أن تعليمهم الأحكام ما كان إلا بالأخبار بما سمعوا عن النبي ص و الأئمة عليهم السلام, و ما كان القول بالرأي و الاجتهاد إلا محدثا, و كان دأب قدمائنا تخطىء المخالفين به, بل لو كان يحصل من الطائفة المحقة شذوذ القول بالرأي و الاجتهاد لخطأوا وشددوا النكير عليه, و الأخبار عن الأئمة الهداة متظافرة بالتخطئة والإنكار.
و قال بعض الفضلاء ما ملخصه: إنا نقطع قطعا عاديا أن جمعا كثير من ثقات أصحاب أئمتنا, و منهم الجماعة الذين اجتمعت العصابة علي أنهم لم ينقلوا إلا الصحيح باصطلاح القدماء, يعنى ما علم صدور مضمونه عن المعصوم و لو بالقرائن صرفوا أعمارهم في مدة تزيد علي ثلاثمائة سنة في اخذ الأحكام عنهم عليهم السلام, و تأليف ما يسمعونه منهم عليهم السلام, وعرض المؤلفات عليهم, ثم التابعون لهم تبعوهم في طريقتهم, و استمر هذا المعنى إلي زمن أئمة الحديث الثلاثة, و كانوا يعتمدون عليها في عقايدهم و أعمالهم, و نعلم علماً عاديا بأنهم كانوا متمكنين من أخذ الأحكام عنهم مشافهة, و مع ذلك يعتمدون علي الأخبار المضبوطة من زمن أمير المؤمنين ع كما ورد في الروايات الكثيرة, و كان أئمتنا عليهم السلام يأمرونهم بتأليفها و نشرها و ضبطها ليعمل بها شيعتهم في زمن الغبية, و أخبروا بوقوعها و أيضاً الشفقة الربانية و المعصومية تقتضى أن لا يضيع من كان في أصلاب الرجال منهم, فيجب أن يمهد لهم أصولاً معتمدة يعملون بها, وأيضاً فان أكثر أحاديثنا موجود في أصول الجماعة التي أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم, لأنا نقطع بالقرائن أن طرقها إنما هي طرق إلي الأصول المعتبرة, ألم يعتمد الشيخ الطوسي علي طرق ضعيفة مع تمكنه من طرق أخرى صحيحة, وكثيراً ما يطرح الأخبار الصحيحة باصطلاح المتأخرين يعنى ما كانت رواته كلهم ثقات إماميين, و يعمل بالضعيفة بهذا الاصطلاح و هذا أيضا يقتضى ما ذكرناه أي نقل من الأصل, وأيضاً أنه صرح في كتاب العدة و في أول الإستبصار بان كل حديث عمل به في كتبه مأخوذ من الأصول المجمع علي صحة نقلها و لم يعمل بغيره, وإنما طرح بعضها لان معارضه أقوى منه لاعتقاده بأخبار أخر و بإجماع الطائفة علي العمل بمضمونه أو غير ذلك.
و الصدوق ذكر مثل ذلك بل أقوى منه في أول الفقيه, و كذا ثقة الإسلام في أول الكافي مع أنهم كثيراً ما يذكرون في أول الأسانيد من ليس بثقة, و أيضاً فإن بعض الروايات يتعاضد ببعض, و بعض أجزاء الحديث يناسب بعضا, و قرينة الجواب أو السؤال تدل علي صدق المضمون, إلي غير ذلك, و أيضا فانا نقطع قطعاً عاديّاً في حق أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من أحوالهم أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث, و الذي لم يقطع في حقه بذلك كثيرا مّا كان للناقل عنه طريق إلي اصل الثقة الذي اخذ الحديث منه.
فإن قلت: إنهم إذا رووا عن الأصول فلم يذكرون الواسطة.
قلنا يحتمل أن يكون ذكر الواسطة للتبرك باتصال سلسلة السند و دفع طعن العامة بأن أحاديثنا ليست معنعنة، بل مأخوذة من كتب قدمائنا.
أقول و أيضا فإن ما ذكره علماء الرجال في شأن بعضهم انه يعرف حديثة تارة و ينكر أخرى, و في شأن أخر انه لا يجوز نقل حديثه, أو لا يجوز العمل برواية لو لا يعتمد عليه أو غير ذلك يدل علي أن الثقة إذا روى عناحد فلا يروى عنه إلا إذا ظهر له دليل علي صحته أو راء في أصله المروى عنه أو سمعه عن ثقة يروى ذلك الأصل و كذا حرصهم علي ضبط الخصوصيات و الجزئيات من الألفاظ وغيرها دليل علي عدم اعتمادهم علي غير المقطوع بصحته و هذه الوجوه و إن كان كل واحد منها يمكن الخدش فيه إلا انه لاجتماعها يحصل الظن القوى بل القطع بصحة هذه الأخبار التي رواها الثقات و إن ضعف السند في الوسط سيما ما روى بطرق متعددة و خصوصاً ما في الكتب الأربعة و هي متواترة بالنسبة إلي مؤلفيها. مقطوع بها عندهم.
قال الصدوق في أول الفقيه لم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه, بل قصدت إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته و اعتقد انه حجة بيني و بين ربى تقدس ذكره, و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع.
و قال ثقة الإسلام في أول الكافي في جواب من التمس منه التصنيف,
وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدي فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله, ـ إلي أن قال ـ وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت. انتهى كلامه
و لهذا ذهب جماعة إلي الاكتفاء في تصحيح الأخبار و القدح فيها بما ذكره أصحابنا و دونوه في كتبهم وسيما المتقدمين.
قال بعض المحققين: فلم يبق لأحد ممن تأخر عنهم في البحث والتفتيش, إلا الإطلاع علي ما قرروه, و الفكر فيما ألّفوه.
قال الشهيد رحمه اللَّه في الذكرى :الاجتهاد في هذا الوقت أسهل منه فيما قبله من الأوقات, لأن السلف قد كفونا مؤنته بكدهم و كدحهم و جمعهم السنة و الأخبار و جرحهم و تعديلهم و غير ذلك من الآلات.
الفصل السادس
إزالة شبهة في هذا المقام ربما يخطر بالأوهام
و لعلك تقول هب أن الأخبار المعتبرة جاز التعويل عليها و العمل بها, أليست مضامينها لم تخرج من حّيز المظنونات, و لم تبلغ مبلغ إفادة العلم القطعي, و الظنون المستخرجة بالاجتهاد ليست بأقل ما يحصل منها, بل قد تكون أقوى, فليجز العمل بالاجتهاد كما جاز العمل بالأخبار.
فنجيبك
أما أولاً: فإن القياس ضروري البطلان عند الإمامية.
أما ثانيا:ً فبالفرق بين الظنين فإنهما نوعان مختلفان, أحدهما فيه تسليم و انقياد وطاعة, و الأخر فيه إعمال رؤية وتصرف طبيعة ليسا من قبيل واحد.
وأما ثالثاً: فبأن الأخبار و إن سلمنا كون طريقها ظنياً, إلا أن دليل جواز العمل عليها قطعي, ثم دلالتها علي المطلوب قطعية, لما دريت أناّ لا نعتمد إلا عليالمحكمات منها دون المتشابهات, و أما الاجتهاد فطريقه ظني, و دليل جواز العمل عليه ظني, و الأصول التي يبنى عليها الأحكام ظنية, و لا قطع في شيىء منه أصلاً.
و أما رابعاً: فبأن العمل بالأخبار مأذون فيه بل مأمور به, و العمل بالاجتهاد غير مأذون فيه بل منهي عنه, و كل من الأمر و النهى قد ثبت بالكتاب و السنة المتواترة و الإجماع المعتبر كما سنبينه إن شاء اللَّه تعالي.
و أما خامساً: فبأن أكثر الأحكام مما وردت فيه روايات متعددة مستفيضة تربو علي إفادة الظن, و قلما يتفق حكم أنا لا نقول يوجب العمل لكل خبر أو كلما يفيد الظن من الأخبار بما يربو علي إفادة الظن فان لم يظفر به فنحن مخبرون في العمل.
و قد أورد السيد المرتضى علي نفسه سؤالا هذا لفظه فان قيل إذا سدرتم طريق العمل بالأخبار فعلي أيّ شيىء تقولون في الفقه كله, و أجاب بما حاصله أن معظم الفقه يعلم بالضرورة و مذاهب أئمتنا عليهم السلام فيه بالأخبار المتواترة, و ما لم يتحقق ذلك فيه و لعله الأقل يعول فيه علي إجماع الإمامية, و ذكر بيانا طويلا في بيان حكم ما يقع فيه الاختلاف بينهم, و حاصله انه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه, و إلا كنا مخبرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين, و نبغي أن يراد بالإجماع الإجماع المعتبر أعني الحديث المتفق عليه, فان قلت فهل للخبر المعتمد عليه ضابطة يرجع إليها ليميز عن غير المعتمد أم هل للظن الحاصل من الخبر حد لا يكتفي اقل منه, قلت لا ليس لذا ضابطة و لا لهذا حد و إنما وضع الضوابط و الحدود أوقع الاختلاف بين الأصوليين, لو أنهم نظروا في كل مسألة لما اختلفوا فيما اختلفوا فيه, و الضابطة التي حكينها عن المحقق فيذلك ليست بكلية و السر فيه اختلاف الحكم في مثلها بسبب اختلاف خصوصيات محاله, ولذا تريهم يمهدون أصولاً كلية, ثم لا يفون بإعمالها في جميع جزئياتها, بل إنما يستعمولنها في بعض دون بعض, و كذا الكلام فيما يبتنى عليها من الأحكام الفرعية فإنها أمور جزئية مختلفة لا يجمعها أمر واحد عقلي, و الأمور الجزئية المختلفة لا يحكم عليها بالأحكام الكلية المضبوطة, بل لا سبيل إلي العلم بها إلا بالنظر إلي فرد فرد, وهو موقوف منا على السماع, إذ لا سبيل للعقل إلي الشرايع, و قد وقع التنبيه علي ما ذكرناه في كثير من الأخبار, ولعلك ستسمع بعضا إن شاء اللَّه تعالي, و لنعطف الآن عنان القلم إلي ذكر جملة من الآيات والأخبار الواردة في الحث علي الرجوع إلي الأحاديث, و بيان انحصار الطريق فيه, ثم إثبات التشابه و بيان حكمها, ثم ذكر ما ورد في ذم الاجتهاد و متابعة الآراء ثم ذكر مفاسدهما, و من اللَّه التأييد.
تعليق