السلام عليكم أخوتي ورحمة الله تعالى وبركاته
نكمل هذا البحث القيّم من خلال الحلقة الثالثة له/
كلامه و قوله (الكُليني) طاب ثراه نحن لا نعرف من جميع ذلك إلا اقله يعنى به أنَّا لا نعرف من الضوابط الثلاث إلا حكم أقل ما اختلفت فيه الرواية دون الأكثر لان الأكثر لا يعرف من موافقة الكتاب و لا من مخالفة العامة ولا من الإجماع فالأحوط في القول رد علمه إلي العالم أي الإمام ع و إلا وسع في العمل التخيير من باب التسليم دون الهوى, يعنى لا يجوز لنا الإفتاء و الحكم بأحد الطرفين بتّة وإن جاز لنا العمل به من باب التسليم بالإذن عنهم عليهم السلام.
قال بعض الفضلاء و إنما لم يذكر الترجيح باعتبار الأفقهية و الأعدلية و باعتبار كثرة العدد لأنه رحمه اللَّه أخذ أحاديث كتابه من الأصول المقطوع بها المجموع عليها انتهى كلامه.
و لعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحد في نفي الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل و حاجة المكلفين إليها جميعاً سواء فما الوجه في إخفاء بعض المسائل و أبهامه؟
فنقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلي ما يكسر سورة استبعادك بان نقول يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المحتاط فيه أن يتميز المتقى المتدين باحتياط في الدين و عدم رتاعه حول الحمى خوفا من الوقوع فيه, مما لا تقوى له و يجترى في الرتاع حوله و لا يبالي بالوقوع فيه, فيتفاضل بذلك درجات الناس و مراتبهم في الدين, فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام و كذا فاعلها في المردد بين الفرض و النفل ليس كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم, فالناس ثلاثة فرق مترتبين و يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المخبر فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس بإثبات التخبير في كثير من الأحكام و هذه رحمة من اللَّه عزوجل, و به تختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس في العقل و المعرفة, و لعل أمير المؤمنين ع إلي هذا أشار بقوله ولا تكلفوها رحمة من اللَّه لكم فاقبلوها و ما لا نعم من الحكم أكثر مما نعم .
ثم نقول و مما يعده أهل الاجتهاد من المتشابهات و يجتهدون في تعيين الحكم فيه الأمر المردد بين الوجوب و الندب أي النهى المردد بين الحرمة و الكراهة, و عند إمعان النظر يظهر أنه لا تشابه فيهما إذا المطلوب فعله أو تركه مما لا يقبل التشكيك في الطلب فيمكن أن يكون مراتب الثواب و العقاب للعباد بقدر مراتب الإرادة و الكراهة من الشارع و تكليف العباد بالأمر و النهى لا يستلزم بيان مراتبهما لهم إذ لا مدخل لعلم المكلف بذلك و إنما الواجب عليه تمييز العبادة من غير العبادة أما العلم بمراتب المأمور بها و النهى عنها و تميز بعضها عن بعض فلا لعدم دليل عليه من عقل و لا نقل و هذا كما أنَّا إذا كلفنا عبدنا بفعل أو ترك فإنه لا يتوقف امتثاله لنا علي علمه بانّا هل نؤاخذه بالمختلفة أم لا فلا وجه لتكلف التعرف و ارتكاب التعسف في أمثال ذلك و الإتيان في تعيينها بدلايل هي أوهن من بيت العنكبوت و كلمات يرجح عليها السكوت و هذا أحد طرقهم في تكثير المسائل من غير ضرورة و إلي اللَّه المفزع.
الفصل التاسع
ذكر جملة من الآيات و الأخبار الواردة في ذم الاجتهاد ومتابعة الآراء والمنع منها
و لعلك تقول من أين قلت أن الشارع منع من الاجتهاد و العمل بالرأي, و أن المنع من ذلك كان معروفاً من مذهب الإمامية حتى بين مخالفيهم؟ فنقول أول من منع من اقتفاء الرأي و إتباع الظن و ارتكاب الاجتهاد هو اللَّه سبحانه قال عز من قائل " إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا " .
و قال سبحانه " إِنْ يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ " (أي يقولون بالتخمين).
و قال " وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ".
و قال " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ".
و قال عز وجل " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ".
و قال " فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ".
و قال " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ".
وقال "وَ لَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنا بَعْضَ اْلأَقاويلِ * َلأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمينِ*
ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتينَ"
و قال " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ".
و قال " أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ".
و قال " وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ".
و قال " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ".
وقال " وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ".
و قال " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ".
" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ".
و في الحديث القدسي " ما آمن بي من فسر كلامي برأيه .. و ما علي ديني من استعمل القياس في ديني " رواه الصدوق في أماليه.
و عن النبي ص " من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ " و هو مشهور.
و في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين ع في ذم اختلاف العلماء في القياس " ترد علياحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا و إلههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد أفأمرهم اللَّه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم فعصوه أم انزل اللَّه تعالي دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضى أم انزل اللَّه دينا تاماً فقصر الرسول ص عن تبليغه و أدائه و اللَّهسبحانه يقول "ما فرطنا في الكتاب من شيىء", "و فيه تبيان كل شيىء" و ذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا", و إنالقرآن ظاهره أنيق و باطنه عميق لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه و لا تكشف الظلمات إلاَّ به.
قال ابن أبى الحديد عند شرحه لهذا الكلام يقول لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب العزيز علي ظاهره فكم من ظاهر فيه غير مراد بل المراد به أمر آخر باطن و المراد الرد علي أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية و إفساد قول من قال كل مجتهد مصيب و تخليص الاجتهاد من خمسة أوجه:
احدها انه لما كان الإله سبحانه واحدا و الرسول ص واحداً و الكتاب واحداً وجب أن لا يكون الحكم في الواقعة إلا واحدا كالملك الذي يرسل إلي رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و إمرته فانه لا يجوز أن تتناقض أوامره و لو تناقضت لنسب إلي السفه والجهل.
و ثانيها لا يخلوا الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون إما أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه والأول باطل لأنه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كون الاختلاف مأموراً به و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف.
و ثالثها إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما فان كان الأول كان اللَّه سبحانه قد استعان بالمكلفين علي إتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله إما استعانة علي سبيل النيابة عنه أو علي سبيل المشاكلة له و كلاهما كفر و إن كان الثاني فإما أن يكون اللَّه سبحانه انزل الشرع تاماً فقصر الرسول عن تبليغه أو يكون الرسول قد بلغه علي تمامه و كماله فان كان الأول فهو كفر أيضا و إن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد لان الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين فأما ما تبين فلا مجال للاجتهاد فيه.
و رابعها الاستدلال بقوله تعالي "ما فرطنا في الكتاب من شيىء" و قوله "فيه تبيان كل شيىء" وقوله سبحانه "و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين" فهذه الآيات دالة علي اشتمال الكتاب العزيز علي جميع الأحكام فكل ما ليس في الكتاب وجب أن لا يكون من الشرع.
و خامسها قوله تعالي "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " فجعل الاختلاف دليلا علي انه ليس من عند اللَّه لكنه من عند اللَّه سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة علي صحة النبوة فوجب أن لا يكون فيه اختلاف.
قال: و اعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية و نفاة القياس و الاجتهاد في الشرعيات و قد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم انتهى.
أقول و في كلامه هذا دلالة علي أن نفي الاجتهاد كان معروفا من مذهب الإمامية حتى عند مخالفيهم كما أن نفي القياس كان معروفا من مذهبهم.
نكمل هذا البحث القيّم من خلال الحلقة الثالثة له/
كلامه و قوله (الكُليني) طاب ثراه نحن لا نعرف من جميع ذلك إلا اقله يعنى به أنَّا لا نعرف من الضوابط الثلاث إلا حكم أقل ما اختلفت فيه الرواية دون الأكثر لان الأكثر لا يعرف من موافقة الكتاب و لا من مخالفة العامة ولا من الإجماع فالأحوط في القول رد علمه إلي العالم أي الإمام ع و إلا وسع في العمل التخيير من باب التسليم دون الهوى, يعنى لا يجوز لنا الإفتاء و الحكم بأحد الطرفين بتّة وإن جاز لنا العمل به من باب التسليم بالإذن عنهم عليهم السلام.
قال بعض الفضلاء و إنما لم يذكر الترجيح باعتبار الأفقهية و الأعدلية و باعتبار كثرة العدد لأنه رحمه اللَّه أخذ أحاديث كتابه من الأصول المقطوع بها المجموع عليها انتهى كلامه.
و لعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحد في نفي الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل و حاجة المكلفين إليها جميعاً سواء فما الوجه في إخفاء بعض المسائل و أبهامه؟
فنقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلي ما يكسر سورة استبعادك بان نقول يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المحتاط فيه أن يتميز المتقى المتدين باحتياط في الدين و عدم رتاعه حول الحمى خوفا من الوقوع فيه, مما لا تقوى له و يجترى في الرتاع حوله و لا يبالي بالوقوع فيه, فيتفاضل بذلك درجات الناس و مراتبهم في الدين, فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام و كذا فاعلها في المردد بين الفرض و النفل ليس كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم, فالناس ثلاثة فرق مترتبين و يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المخبر فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس بإثبات التخبير في كثير من الأحكام و هذه رحمة من اللَّه عزوجل, و به تختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس في العقل و المعرفة, و لعل أمير المؤمنين ع إلي هذا أشار بقوله ولا تكلفوها رحمة من اللَّه لكم فاقبلوها و ما لا نعم من الحكم أكثر مما نعم .
ثم نقول و مما يعده أهل الاجتهاد من المتشابهات و يجتهدون في تعيين الحكم فيه الأمر المردد بين الوجوب و الندب أي النهى المردد بين الحرمة و الكراهة, و عند إمعان النظر يظهر أنه لا تشابه فيهما إذا المطلوب فعله أو تركه مما لا يقبل التشكيك في الطلب فيمكن أن يكون مراتب الثواب و العقاب للعباد بقدر مراتب الإرادة و الكراهة من الشارع و تكليف العباد بالأمر و النهى لا يستلزم بيان مراتبهما لهم إذ لا مدخل لعلم المكلف بذلك و إنما الواجب عليه تمييز العبادة من غير العبادة أما العلم بمراتب المأمور بها و النهى عنها و تميز بعضها عن بعض فلا لعدم دليل عليه من عقل و لا نقل و هذا كما أنَّا إذا كلفنا عبدنا بفعل أو ترك فإنه لا يتوقف امتثاله لنا علي علمه بانّا هل نؤاخذه بالمختلفة أم لا فلا وجه لتكلف التعرف و ارتكاب التعسف في أمثال ذلك و الإتيان في تعيينها بدلايل هي أوهن من بيت العنكبوت و كلمات يرجح عليها السكوت و هذا أحد طرقهم في تكثير المسائل من غير ضرورة و إلي اللَّه المفزع.
الفصل التاسع
ذكر جملة من الآيات و الأخبار الواردة في ذم الاجتهاد ومتابعة الآراء والمنع منها
و لعلك تقول من أين قلت أن الشارع منع من الاجتهاد و العمل بالرأي, و أن المنع من ذلك كان معروفاً من مذهب الإمامية حتى بين مخالفيهم؟ فنقول أول من منع من اقتفاء الرأي و إتباع الظن و ارتكاب الاجتهاد هو اللَّه سبحانه قال عز من قائل " إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا " .
و قال سبحانه " إِنْ يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ " (أي يقولون بالتخمين).
و قال " وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ".
و قال " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ".
و قال عز وجل " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ".
و قال " فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ".
و قال " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ".
وقال "وَ لَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنا بَعْضَ اْلأَقاويلِ * َلأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمينِ*
ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتينَ"
و قال " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ".
و قال " أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ".
و قال " وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ".
و قال " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ".
وقال " وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ".
و قال " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ".
" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ".
و في الحديث القدسي " ما آمن بي من فسر كلامي برأيه .. و ما علي ديني من استعمل القياس في ديني " رواه الصدوق في أماليه.
و عن النبي ص " من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ " و هو مشهور.
و في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين ع في ذم اختلاف العلماء في القياس " ترد علياحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا و إلههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد أفأمرهم اللَّه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم فعصوه أم انزل اللَّه تعالي دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضى أم انزل اللَّه دينا تاماً فقصر الرسول ص عن تبليغه و أدائه و اللَّهسبحانه يقول "ما فرطنا في الكتاب من شيىء", "و فيه تبيان كل شيىء" و ذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا", و إنالقرآن ظاهره أنيق و باطنه عميق لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه و لا تكشف الظلمات إلاَّ به.
قال ابن أبى الحديد عند شرحه لهذا الكلام يقول لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب العزيز علي ظاهره فكم من ظاهر فيه غير مراد بل المراد به أمر آخر باطن و المراد الرد علي أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية و إفساد قول من قال كل مجتهد مصيب و تخليص الاجتهاد من خمسة أوجه:
احدها انه لما كان الإله سبحانه واحدا و الرسول ص واحداً و الكتاب واحداً وجب أن لا يكون الحكم في الواقعة إلا واحدا كالملك الذي يرسل إلي رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و إمرته فانه لا يجوز أن تتناقض أوامره و لو تناقضت لنسب إلي السفه والجهل.
و ثانيها لا يخلوا الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون إما أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه والأول باطل لأنه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كون الاختلاف مأموراً به و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف.
و ثالثها إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما فان كان الأول كان اللَّه سبحانه قد استعان بالمكلفين علي إتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله إما استعانة علي سبيل النيابة عنه أو علي سبيل المشاكلة له و كلاهما كفر و إن كان الثاني فإما أن يكون اللَّه سبحانه انزل الشرع تاماً فقصر الرسول عن تبليغه أو يكون الرسول قد بلغه علي تمامه و كماله فان كان الأول فهو كفر أيضا و إن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد لان الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين فأما ما تبين فلا مجال للاجتهاد فيه.
و رابعها الاستدلال بقوله تعالي "ما فرطنا في الكتاب من شيىء" و قوله "فيه تبيان كل شيىء" وقوله سبحانه "و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين" فهذه الآيات دالة علي اشتمال الكتاب العزيز علي جميع الأحكام فكل ما ليس في الكتاب وجب أن لا يكون من الشرع.
و خامسها قوله تعالي "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " فجعل الاختلاف دليلا علي انه ليس من عند اللَّه لكنه من عند اللَّه سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة علي صحة النبوة فوجب أن لا يكون فيه اختلاف.
قال: و اعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية و نفاة القياس و الاجتهاد في الشرعيات و قد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم انتهى.
أقول و في كلامه هذا دلالة علي أن نفي الاجتهاد كان معروفا من مذهب الإمامية حتى عند مخالفيهم كما أن نفي القياس كان معروفا من مذهبهم.
تعليق