إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المولى الكاشاني يبطل الاجتهاد

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المولى الكاشاني يبطل الاجتهاد

    (( الحلقة الاولى))

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمْ
    وبه ثقتي
    الحمد للَّه الذي نجانا بسفينة أهل بيته من أمواج الفتن, و هدانا بأنوار القرآن و الحديث لمعرفة الفرائض و السنن, وقشع عن بصائرنا سحائب الارتياب, و كشف عن قلوبنا أغشية الريب والحجاب, وأزهق الباطل عن ضمائرنا, واثبت الحق في سرائرنا, إذ كانت الشكوك و الظنون ‏لواحق الفتن, و مكدرة الأفضال و المننّ, فسبحانك اللهم ما أضيق الطريق علي من لم تكن‏ دليله, و ما أوضح الحق عند من هديته سبيله, صل علي محمد و آل محمد, و اجعلنا لأنعمك ‏من الشاكرين, و لآلائك من الذاكرين.
    أما بعد فهذه رسالة من محمد ابن المرتضى المدعو بمحسن إلي إخوانه في اللَّه, الذين هم من‏أهل الإنصاف دون الاعتساف, و الذين يعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال, الذين‏لا تأخذهم في تعرف الحق حمية تقليد الجمهور, و لا يستحوذ عليهم في تصديق الصدق‏عصبية متابعة المشهور, و الذين لم تغش أبصار بصائرهم غشاوة ما سمعنا بهذا في آبائنا على‏ أمة و إنا علي آثارهم مقتدون, نمقناها في تحقيق أن مأخذ الأحكام الشرعية ليست‏ إلا محكمات الكتاب و السنة و أحاديث أهل العصمة, و انه لا يجوز الاعتصام فيها إلا بحبل ‏المعصومين, و أن الاجتهاد فيها والأخذ باتفاق الآراء ابتداع في الدين و اختراع من المخالفين, ‏و أن لا نجاة لأحد من غمرات تلك اللجج إلا بركوب سفينة الحجج ع, و سميناها سفينة النجاة إذ بها ينجوه من اشرف علي الغرق في أمواج الاختلافات, و بها يخلص من كاد تذروه‏ عواصف الآراء و الأهواء إلي مهاوي الآفات, و لها فصول اثنا عشر منها إشارات و منها تنبيهات هي لها بمنزلة طبقات و من لم يصل إلي درجة العلم بها فليؤمن و يرفع ‏اللَّه الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات.





    الفصل الأول
    إشارة إلي انحصار الأدلة الشرعية عند الإمامية في القرآن و الحديث وبطلان الاستناد إلي اتفاق الآراء
    لمّا افتتن الناس بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم و تفرقوا في لجج الفتن و هلكوا في طوفان المحن, ‏إلا شرذمة ممن عصمه اللَّه, وبسفينة أهل البيت عليهم السلام نجّاه, و بالتمسك بالثقلين أبقاه, استكتم ‏الناجون دينهم و صانوا و تينهم, فاستبقى ا‏للَّه عز وجل بهم رمق الدين في هذه الأمة, وأبقى ‏بإبقاء نوعهم سنة خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم إلي يوم القيامة, فبعث إماما بعد إمام و خلف شيعة لهم بعد سلف لكان و لا تزال طائفة من الشيعة رضي ‏اللَّه عنهم يحملون الأحاديث في الأصول والفروع عن أئمتهم عليم السلام بأمرهم و ترغيبهم ويروونها لآخرين ويروى الآخرون ‏لآخرين و هكذا إلي أن وصلت إلينا و الحمد للَّه رب العالمين؛
    وكانوا يثبتونها في الصدور ويسطرونها في الدفاتر و يعونها كما يسمعونها و يحفظونها كما يتحملونها و يبالغون في نقدها وتصحيحها ورد زّيفها و قبول صحيحها و تخريج صوابها و سليمها من أخطائها وسقيمها, حتى يرى احدهم لا يستحل نقل ما لا وثوق به ولا إثبات ذلك في كتبه إلا مقرونا بالتضعيف‏ و مشفوعا بالتزييف, طاعنا فيمن يروى كلما يروى ويسطر كلما يحكى, و يظهر هذا لمن تنبع كتب‏الرجال و يتعرف منها الأحوال, و كانوا لا يعتمدون علي الخبر الذي كان ناقله منحصرا في ‏مطعون أو مجهول و لا قرينة معه تدل علي صحة المدلول و يسمونه خبر الواحد الذي لا يوجب علما و لا عملا و كانوا لا يعتقدون في شيي‏ء من تفاصيل الأصول الدّينية و لا يعملون ‏في شيي‏ء من الأحكام الّشرعية إلا بالنصوص المسموعة عن أئمتهم عليهم أفضل الصلوات ‏ولو بواسطة ثقة أو وسائط ثقات, و كانوا مأمورين بذلك من قبل أولئك السادات, ولا يستندون في شي‏ء منها إلي تخريج الرأي بتأويل المتشابهات, و تحصيل الظن باستعانة الأصول المخترعات, الذي يسمى بالاجتهاد, ولا إلي اتفاق آراء الناس الذي يسمى‏ بالإجماع, كما يفعل ذلك كله الجمهور من العامة, و كانوا ممنوعين عن ذلك كله من جهتهم‏ عليم السلام و من جهة صاحب الشرع بالآيات الصريحة و الأخبار الصحيحة, و كان المنع‏ من ذلك كله معروفا من مذهبهم مشهوراً منهم حتى بين مخالفيهم كما صرح به طائفة من‏الفريقين , قال ابن أبى الحديد في شرحه لنهج البلاغة عند رده علي من زعم أن عمر كان ‏أحسن سياسة واصح تدبيراً من أمير المؤمنين ع ما محصله أن عمر كان مجتهداً يعمل‏ بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة ويرى تخصيص عمومات النصوص و يكيد خصمه و يأمر أمراءه بالكيد و الحيلة و يؤدب بالدرة و السوط من يغلب علي ظنه انه ‏يستوجب ذلك و يصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستوجبون به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده و ما يؤديه إليه نظره و لم يكن أمير المؤمنين ع يرى ذلك و كان يقف مع النصوص والظواهر و لا يتعداه إلي الاجتهاد و الأقيسة و كان مقيداً بقيود الشريعة ملتزما لإتباعها ويطبق أمور الدنيا علي أمور الدين و يسوق الكل مساقا واحدا و لا يضع و لا يرفع إلا بالكتاب‏ و النص و اختلف طريقتاهما في الخلافة و السياسة إلي آخر ما قاله أخذنا منه موضع‏ الحاجة.


    الفصل الثاني
    إشارة إلي سبب حدوث الاجتهاد و الإجماع عند الإمامية و شبهاتهم فيه
    ثم لما انقضت مدة الأئمة المعصومين صلوات ‏اللَّه عليهم, و انقطعت السفراء بينهم و بين ‏شيعتهم, وطالت الغيبة و أشددت الفرقة, و امتدّت دولة الباطل, و خالطت الشيعة مخالفيهم والفت في صغر سنهم بكتبهم, إذ كانت هي المتعارف تعليمها في المدارس و المساجد و غيرها, لان الملوك و أرباب الدول كانوا منهم و الناس إنما يكونون مع الملوك و أرباب الدول,‏ فعاشرتهم في مدارسة العلوم الدينية و طالعوا كتبهم التي سقوها في أصول الفقه التي دونوها لتسهيل اجتهاداتهم التي عليها مدار أحكامهم, فاستحسنوا بعضا و استهجنوا بعضا, أداهم‏ ذلك إلي أن صنفوا في ذلك العلم كتبا إبراماً و نقضا, و تكلموا فيما تكلم العامّة فيه من الأشياء التي لم يأت بها الرسول صلي اللَّه عليه و آله و الأئمة المعصومون صلوات اللَّه عليهم, و كثروا بها المسائل و لبسوا علي الناس طرق الدلائل, و كان العامة أحدثوا في القضايا و الأحكام ‏أشياء كثيرة بآرائهم و عقولهم في جنب اللَّه, و اشتبهت أحكامهم بأحكام اللَّه, و لم يقنعوا بإبهام ‏ما أبهم و السكوت عما سكت اللَّه, بل جعلوا للَّه شركاء حكموا كحكمه فتشابه الحكم عليهم ‏بل للَّه الحكم جميعا و إليه يرجعون و سيجزيهم اللَّه بما كانوا يعلمون, ثم لما كثرت تصانيف ‏أصحابنا في ذلك و تكملوا في أصول الفقه و فروعه باصطلاحات العامة, اشتبهت أصول ‏الطائفتين و اصطلاحاتهم بعضها ببعض, وانجر ذلك إلي أن ألتبس الأمر علي طائفة منهم حتى زعموا جواز الاجتهاد و الحكم بالرأي ‏و وضع القواعد و الضوابط لذلك, و تأويل المتشابهات بالتظنى و الترؤى و الأخذ باتفاق‏ الآراء و تأيد ذلك عندهم بأمور:
    أحدها:
    ما رأوه من الاختلاف في ظواهر الآيات و الأخبار التي لا تتطابق إلا بتأويل بعضها بما يرجع ‏إلي بعض و ذلك نوع من الاجتهاد المحتاج فيه إلي وضع الأصول و الضوابط.
    و الثاني:
    ما رأوه من كثرة الوقايع التي لا نص فيها علي الخصوص مع مسيس الحاجة إلي معرفة أحكامها.
    و الثالث:
    ما رأوه من اشتباه بعض الأحكام و ما فيه من الإبهام الذي لا ينكشف و لا يتعين إلا بتحصيل ‏الظن فيه بالترجيح, و هو عين الاجتهاد, فأولوا الآيات و الأخبار الواردة في المنع من‏الاجتهاد و العمل بالرأي بتخصيصها بالقياس و الاستحسان و نحوهما من الأصول التي‏ تختص بها العامة, و الواردة في ذم الأخذ باتفاق الآراء بتخصيصها بالآراء الخالية عن قول ‏المعصوم لما ثبت عندهم أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم, فصار ذلك كله سببا لكثرة الاختلاف بينهم في المسائل, و تزايده ليلا و نهارا, و توسعة دائرته مدارا و إعصارا, حتى انتهى ‏إلي أن تريهم يختلفون في مسألة واحدة علي عشرين قولا أو ثلاثين أو أزيد, بل لو شئت أن‏ أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها لقلت, و ذلك لأن الآراء لا تكاد تتوافق, و الظنون قلما تتطابق, و الأفهام تتشاكس, و وجوه الاجتهاد تتعاكس, و الاجتهاد يقبل التشكيك, و يتطرق عليه الركيك, و يتشبه بالقوم من ليس منهم, و يدخل نفسه في‏ جملتهم من هو بمعزل عنهم, فظلت المقلدة في غمار آرائهم يعمهون و أصحبوا في لجج‏ أقاويلهم يغرقون.


    (( منقول من كتاب سفينة النجاة
    تأليف
    المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
    محمد بن المرتضى المدعو
    بالمولي محسن الكاشاني
    المتوفى 1091 ه ))

  • #2
    ((الحلقة الثانية))

    [B][FONT="Arial"][SIZE="6"][COLOR="DarkGreen"](( الحلقة الثانية ))

    الفصل الرابع
    إشارة إلي كنه استبعاد مخالفة المشهور, و دفع توهم الدور في العمل بالمأثور
    و لعلك تقول انك ادعيت أمراً أمراً أو جئت شيئا نكراً, و خالفت طائفة من مشاهير الفقهاء, ثم‏ انك رددت الظن بالظن, و أبطلت الاجتهاد بالاجتهاد, و اثبت الخبر بالخبر, و ما نفقة كثيرا مما تقول, فهل لك إلي ما ادعيت من دليل غيرها ذكرت, أم هل لنا من العلم بذلك من سبيل سوى‏ ما سطرت, فأتنا بسلطان مبين إن كنت من الصادقين, فنقول و باللَّه التوفيق؛
    أما قولك أنى ادعيت أمراً أمراً وجئت شيئا نكراً, فالوجه فيه أن طبعك قد اعتاد المشهورات, ‏و انقاد المسلمات, و استصعب في البرهان و تحصيل الإيمان بالإيقان, و سيما إذا أدى ذلك ‏إلي مخالفة ما رسخ فيه علي طول الزمان, و لو أنك أخرجت رقبتك عن رقبة الاعتياد, وفككت جيدك من قلادة التقليد و الانقياد, لصار ما رأيته نكراً عرفاً, و ما حسبته صعباً ذلولاً, فمن يك ذا فم من مريض يجد مرا به الماء الزلالا, و بعد فإني أنبأتك أولاً أن هذه الرسالة ليست إلي ما سمع نَائَيْنَ و لا إلي إِنَّا وَجَدُّنَا آبين وقد أعذر من أنذر؛
    و أما قولك أنى خالفت طائفة من مشاهير الفقهاء ففيه أن أول من فعل ذلك أولئك فإنهم ‏خالفوا طريقة القدماء الإخباريين, و غيّروا سنة أجلة الفقهاء المعتبرين, و عدلوا من الأخبار إلي الأصول, و ارتكبوا الفضول, و نحن نريد إحياء تلك الطريقة و تجديد تلك السنة القديمة, لأنها الحق الذي لا ريب فيه, و المتيقن الذي لا شبهة تعتريه, و الحق أحق أن يتبع و أحرى أن ‏يتبع, علي أن القدماء أجل شأنا و أرفع مكاناً و إلي الأئمة اقرب زماناً من المتأخرين, والاعتماد عليهم أكثر و برهانهم أبهر, و ستسمع فيهم من الأئمة المعصومين ما تعرف به قدرهم‏ و رجحانهم علي من خالفهم إنشاء اللَّه تعالي؛
    و أما قولك أنى رددت الظن بالظن, و أبطلت الاجتهاد بالاجتهاد, و اثبتّ الخبر بالخبر, فحاشاي حاشاي من أن أخالفكم إلي ما أنهيكم عنه, إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت, و ما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت و إليه أنيب, بل إنما رددت الظن باليقين, و أبطلت الاجتهاد بالنص المبين, و أستمسك بالعروة الوثقى و الحبل المتين, و جئتك من سبأ بنبأ يقين, وأعرضت عن ممنوع منه إلي مرغوب فيه, و عما يريب إلي ما لا ريب يعتريه.
    ثم انك إن كنت لم تؤمن بإمامة الأئمة المعصومين, أو حديث الثقلين المنقول عن سيد المرسلين, و أمثاله, فليس لنا معك كلام فاذهب أنت من هيهنا و نحن من هيهنا, و إن كنت ‏آمنت بذلك و لكنك ظنت أن العلم بأخبارهم عليهم السلام لابدّ أن يكون كالعلم بوجودهم ‏في الوضوح والإنارة و القوة, أو تواترها كتواتره و إلا فهي أخبار آحاد لا تفيد إلا ظنا, فما أريك إلاّ لم تعرف بعد أن اليقين كالظن له مراتب في القوة و الضعف, و أن في الأحكام ‏الشرعية يكتفي بأقل مراتبه, مع أن أكثر الأخبار الأحكامية ليست في القوة بأقل من أخبار الإمامة متناً و سنداً؛
    ثم إني لم أكلفكم بالعمل بكل ما يروى, بل بما أطمئنت إليه أنفسكم منها و إلا فذروه في سنبله, ‏و أهمله كما أهمله اللَّه في سبله, فعلمه موكول إلي اللَّه, و العمل موسع علينا من اللَّه, و بعد فان ‏العمل بالأخبار متفق عليه بين الإمامية قاطبة, و ما أظنك تستطيع رده ورد كتب الحديث‏ رأسا و خصوصاً الأصول الأربعة التي عليها المدار في ساير الأعصار, و إنما الخلاف بيننا وبينك في العمل بالأصول الفقيهة خاصة, فالأصوليون متفقون مع الإخباريين في العمل ‏بالأخبار, لا يخالفهم إلا شاذ منهم كالسيد المرتضى و أتباعه, بل و لا هم لأنهم لا يردون‏الأخبار الغير المتواترة رأسا, وإنما يردون نوعاً منها يسمونه خبرا واحدا لا يوجب علماً و لا عملا, و ليس اصطلاحهم في ذلك موافقاً لاصطلاح من تأخر عنهم, فإن المتأخرين يسمون ‏كلما ليس بمتواتر آحادا, فالخبر الواحد في اصطلاحهم أعم منه في اصطلاح من تقدم عليهم, ‏و بهذا يندفع التدافع بين كلامي السيد المرتضى و العلامة في خبر الواحد رداً و قبولا, و دعواهما الاتفاق علي طرفي النقيض, و لنذكر كلاهما و كلام من تأخر عنهما حتى يتبين لك ‏الحق في ذلك إنشاء اللَّه تعالي.




    الفصل الخامس
    نقل كلام الأعلام لتحقيق المرام
    قال السيد المرتضى ره: إن العلم الضروري حاصل لكل مخالف للإمامية أو موافق لهم أنهم لا يعلمون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم و أن ذلك قد صار شعاراً لهم يعرفون به كما أن نفي القياس في الشريعة من شعارهم الذي يعلمه منهم كل مخالط لهم.
    و قال العلامة في النهاية: أما الإمامية فالإخباريين منهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إلا علي الأخبار الآحاد المروية عن الأئمة عليهم السلام, و الأصوليين منهم كأبي جعفر الطوسي و غيره وافقوهم علي قبول خبر الواحد و لم ينكره سوى المرتضى و أتباعه لشبهة حصلت لهم.
    أقول: و قد عرفت أن السيد و أتباعه أيضاً لم ينكروه رأساً, و لا غيرهم قبلوه عموماً و هذا هو الحق الذي لا ريب فيه.
    قال المحقق في المعتبر: أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر وما فطنوا ما تحته من التناقض, و أن في جملة الأخبار قول النبي ص "سيكثر بعدى القالة علي", وقول الصادق ع "لكل رجل منا رجل يكذب عليه", و اقتصر بعض من هذا الإفراط فقال كل ‏سليم السند يعمل به و غيره لا يعمل به, و ما علم أن الكاذب قد يصدق و الفاسق قد يصدق, ولم يتنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة و قدح في المذهب, إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل‏ بخبر المجروح كما يعمل بخبر المعدل, و أفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحالوا استعماله عقلا و نقلا, و اقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا لكن الشرع لم يأذن في العمل به, وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن و التوسط أصوب, فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن‏ علي صحته عمل به, و ما أعرض عنه الأصحاب أو شذ يجب طرحه.
    و قال في بيان منع العمل بمطلق خبر الواحد: لا يقال الإمامية عاملة بالأخبار و عملها حجة لأنا نمنع ذلك, فان أكثرهم يردون الخبر بأنه واحد و بأنه شاذ فلولا استنادهم مع الأخبار علي وجه يقتضى العمل بها لكان عملهم اقتراحا و هذا لا يظن بالفرقة الناجية.
    و قال في أصوله: ذهب شيخنا أبو جعفر رضي اللَّه عنه إلي العمل بالخبر العدل من رواة أصحابنا لكل لفظه و إن كان مطلقا فبعد التحقيق يتبين انه لا يعمل بالخبر مطلقا بل بهذه ‏الأخبار التي رويت عن الأئمة عليهم السلام و دوّنها الأصحاب, لا أن كل خبر يرويه إمامي ‏يجب العمل به, هذا الذي يتبين لي من كلامه, و يدعى إجماع الأصحاب علي العمل بهذه‏ الأخبار حتى لو رواها غير الإمامي, و كان الخبر سليما عن المعارض و اشتهر نقله في هذه‏ الكتب الدائرة بين الأصحاب عمل به.
    و قال الشهيد في الذكرى: في خبر الواحد و أنكره جل الأصحاب كأنهم يرون أن ما بأيديهم ‏متواتر ومجمع علي مضمونه و إن كان في خبر الآحاد, و أستدل في المعالم علي حجية الخبر الواحد بإطباق قدماء الأصحاب الذين عاصروا الأئمة عليهم السلام و اخذوا عنهم وقاربوا عصرهم علي رواية أخبار الآحاد و تدوينها و الاعتناء بحال الرواة و التفحص عن‏المقبول و المردود و البحث عن الثقة و الضعيف, و اشتهار ذلك أو ما صير إلي خلافه و لا روى ‏عن الأئمة عليهم السلام حديث يضاده, مع كثرة الروايات عنهم في فنون الأحكام, ثم ذكر ما نقلناه من العلامة في النهاية, ثم قال: و قد حكى المحقق عن الشيخ سلوك هذه الطريق في ‏الاحتجاج للعمل بأخبارنا عن الأئمة عليهم السلام مقتصرا عليه فادعى الإجماع علي ‏ذلك, و ذكر أن قديم الأصحاب و حديثهم إذا طولبوا الحجة ما أفتى به المفتى منهم عولوا علي منقول في أصولهم المعتمدة و كتبهم المدونة, فسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك وهذه سجيتّهم من زمن النبي ص إلي زمن الأئمة ع, فلولا أن العمل بهذه الأخبار جائز لأنكروه وتبرأوا من العمل به, و موافقونا من أهل الخلاف احتجوا بمثل هذه الطريقة أيضا, فقالوا أن ‏الصحابة و التابعين اجمعوا علي ذلك بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقايع المختلفة التي لا تكاد تحصى, و قد تكرر ذكر ذلك مرة بعد أخرى, وشاع و ذاع بينهم و لم ينكر عليهم أحد, و إلا لمقل و ذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح انتهى كلام صاحب المعالم.
    و قال بعض من تأخر عنه: أن السنة المتواترة دلت علي قبول خبر الواحد, فان رسول ‏اللَّه ص وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه كانا يبعثان الرسل إلي القبائل و البلاد و القرى لتعليم‏ الأحكام, مع أن كل واحد منهم لم يبلغ حد التواتر, مع العلم بان المبعوث إليهم كانوا مكلفين‏بالعمل بمقتضاه, و الذي تتبعنا من آثار السلف أن تعليمهم الأحكام ما كان إلا بالأخبار بما سمعوا عن النبي ص و الأئمة عليهم السلام, و ما كان القول بالرأي و الاجتهاد إلا محدثا, و كان ‏دأب قدمائنا تخطى‏ء المخالفين به, بل لو كان يحصل من الطائفة المحقة شذوذ القول بالرأي ‏و الاجتهاد لخطأوا وشددوا النكير عليه, و الأخبار عن الأئمة الهداة متظافرة بالتخطئة والإنكار.
    وB]

    تعليق


    • #3
      يتبع الحلقة الثانية

      يتبع الحلقة الثانية

      و قال بعض الفضلاء ما ملخصه: إنا نقطع قطعا عاديا أن جمعا كثير من ثقات أصحاب أئمتنا, و منهم الجماعة الذين اجتمعت العصابة علي أنهم لم ينقلوا إلا الصحيح باصطلاح القدماء, يعنى ما علم صدور مضمونه عن المعصوم و لو بالقرائن صرفوا أعمارهم في مدة تزيد علي ‏ثلاثمائة سنة في اخذ الأحكام عنهم عليهم السلام, و تأليف ما يسمعونه منهم عليهم السلام, وعرض المؤلفات عليهم, ثم التابعون لهم تبعوهم في طريقتهم, و استمر هذا المعنى إلي زمن ‏أئمة الحديث الثلاثة, و كانوا يعتمدون عليها في عقايدهم و أعمالهم, و نعلم علماً عاديا بأنهم ‏كانوا متمكنين من أخذ الأحكام عنهم مشافهة, و مع ذلك يعتمدون علي الأخبار المضبوطة من زمن أمير المؤمنين ع كما ورد في الروايات الكثيرة, و كان أئمتنا عليهم السلام يأمرونهم ‏بتأليفها و نشرها و ضبطها ليعمل بها شيعتهم في زمن الغبية, و أخبروا بوقوعها و أيضاً الشفقة الربانية و المعصومية تقتضى أن لا يضيع من كان في أصلاب الرجال منهم, فيجب أن يمهد لهم أصولاً معتمدة يعملون بها, وأيضاً فان أكثر أحاديثنا موجود في أصول الجماعة التي ‏أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم, لأنا نقطع بالقرائن أن طرقها إنما هي طرق إلي‏ الأصول المعتبرة, ألم يعتمد الشيخ الطوسي علي طرق ضعيفة مع تمكنه من طرق أخرى صحيحة, وكثيراً ما يطرح الأخبار الصحيحة باصطلاح المتأخرين يعنى ما كانت رواته كلهم ثقات ‏إماميين, و يعمل بالضعيفة بهذا الاصطلاح و هذا أيضا يقتضى ما ذكرناه ‏أي نقل من الأصل, وأيضاً أنه صرح في كتاب العدة و في أول الإستبصار بان كل حديث عمل به في كتبه مأخوذ من الأصول المجمع علي صحة نقلها و لم يعمل بغيره, وإنما طرح بعضها لان معارضه أقوى ‏منه لاعتقاده بأخبار أخر و بإجماع الطائفة علي العمل بمضمونه أو غير ذلك.
      و الصدوق ذكر مثل ذلك بل أقوى منه في أول الفقيه, و كذا ثقة الإسلام في أول الكافي مع أنهم كثيراً ما يذكرون في أول الأسانيد من ليس بثقة, و أيضاً فإن بعض الروايات يتعاضد ببعض, و بعض ‏أجزاء الحديث يناسب بعضا, و قرينة الجواب أو السؤال تدل علي صدق المضمون, إلي غير ذلك, و أيضا فانا نقطع قطعاً عاديّاً في حق أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من أحوالهم أنهم ‏لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث, و الذي لم يقطع في حقه بذلك كثيرا مّا كان للناقل عنه‏ طريق إلي اصل الثقة الذي اخذ الحديث منه.
      فإن قلت: إنهم إذا رووا عن الأصول فلم يذكرون الواسطة.
      قلنا يحتمل أن يكون ذكر الواسطة للتبرك باتصال سلسلة السند و دفع طعن العامة بأن ‏أحاديثنا ليست معنعنة، بل مأخوذة من كتب قدمائنا.
      أقول و أيضا فإن ما ذكره علماء الرجال في شأن بعضهم انه يعرف حديثة تارة و ينكر أخرى, و في شأن أخر انه لا يجوز نقل‏ حديثه, أو لا يجوز العمل برواية لو لا يعتمد عليه أو غير ذلك يدل علي أن الثقة إذا روى عن‏احد فلا يروى عنه إلا إذا ظهر له دليل علي صحته أو راء في أصله المروى عنه أو سمعه عن ‏ثقة يروى ذلك الأصل و كذا حرصهم علي ضبط الخصوصيات و الجزئيات من الألفاظ وغيرها دليل علي عدم اعتمادهم علي غير المقطوع بصحته و هذه الوجوه و إن كان كل واحد منها يمكن الخدش فيه إلا انه لاجتماعها يحصل الظن القوى بل القطع بصحة هذه الأخبار التي رواها الثقات و إن ضعف السند في الوسط سيما ما روى بطرق متعددة و خصوصاً ما في ‏الكتب الأربعة و هي متواترة بالنسبة إلي مؤلفيها. مقطوع بها عندهم.
      قال الصدوق في أول الفقيه لم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه, بل قصدت ‏إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته و اعتقد انه حجة بيني و بين ربى تقدس ذكره, و جميع ما فيه‏ مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع.
      و قال ثقة الإسلام في أول الكافي في جواب من التمس منه التصنيف,
      وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدي فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله, ـ إلي أن قال ـ وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت. انتهى كلامه
      و لهذا ذهب جماعة إلي الاكتفاء في تصحيح الأخبار و القدح فيها بما ذكره أصحابنا و دونوه في ‏كتبهم وسيما المتقدمين.
      قال بعض المحققين: فلم يبق لأحد ممن تأخر عنهم في البحث والتفتيش, إلا الإطلاع علي ما قرروه, و الفكر فيما ألّفوه.
      قال الشهيد رحمه اللَّه في الذكرى :‏الاجتهاد في هذا الوقت أسهل منه فيما قبله من الأوقات, لأن السلف قد كفونا مؤنته بكدهم ‏و كدحهم و جمعهم السنة و الأخبار و جرحهم و تعديلهم و غير ذلك من الآلات.




      (( منقول من كتاب سفينة النجاة
      تأليف
      المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
      محمد بن المرتضى المدعو
      بالمولي محسن الكاشاني
      المتوفى 1091 ه ))

      تعليق


      • #4
        (( الحلقة الثالثة ))

        [FONT="Arial"][SIZE="6"][COLOR="DarkGreen"](( الحلقة الثالثة ))




        الفصل السادس
        إزالة شبهة في هذا المقام ربما يخطر بالأوهام
        و لعلك تقول هب أن الأخبار المعتبرة جاز التعويل عليها و العمل بها, أليست مضامينها لم‏ تخرج من حّيز المظنونات, و لم تبلغ مبلغ إفادة العلم القطعي, و الظنون المستخرجة بالاجتهاد ليست بأقل ما يحصل منها, بل قد تكون أقوى, فليجز العمل بالاجتهاد كما جاز العمل بالأخبار.
        فنجيبك
        أما أولاً: فإن القياس ضروري البطلان عند الإمامية.
        أما ثانيا:ً فبالفرق بين الظنين ‏فإنهما نوعان مختلفان, أحدهما فيه تسليم و انقياد وطاعة, و الأخر فيه إعمال رؤية وتصرف طبيعة ليسا من قبيل واحد.
        وأما ثالثاً: فبأن الأخبار و إن سلمنا كون طريقها ظنياً, إلا أن‏ دليل جواز العمل عليها قطعي, ثم دلالتها علي المطلوب قطعية, لما دريت أناّ لا نعتمد إلا علي‏المحكمات منها دون المتشابهات, و أما الاجتهاد فطريقه ظني, و دليل جواز العمل عليه‏ ظني, و الأصول التي يبنى عليها الأحكام ظنية, و لا قطع في شيى‏ء منه أصلاً.
        و أما رابعاً: فبأن‏ العمل بالأخبار مأذون فيه بل مأمور به, و العمل بالاجتهاد غير مأذون فيه بل منهي عنه, و كل ‏من الأمر و النهى قد ثبت بالكتاب و السنة المتواترة و الإجماع المعتبر كما سنبينه إن شاء اللَّه‏ تعالي.
        و أما خامساً: فبأن أكثر الأحكام مما وردت فيه روايات متعددة مستفيضة تربو علي ‏إفادة الظن, و قلما يتفق حكم أنا لا نقول يوجب العمل لكل خبر أو كلما يفيد الظن من الأخبار بما يربو علي إفادة الظن فان لم يظفر به فنحن مخبرون في العمل.
        و قد أورد السيد المرتضى علي نفسه سؤالا هذا لفظه فان قيل إذا سدرتم طريق العمل ‏بالأخبار فعلي أيّ شيى‏ء تقولون في الفقه كله, و أجاب بما حاصله أن معظم الفقه يعلم‏ بالضرورة و مذاهب أئمتنا عليهم السلام فيه بالأخبار المتواترة, و ما لم يتحقق ذلك فيه و لعله ‏الأقل يعول فيه علي إجماع الإمامية, و ذكر بيانا طويلا في بيان حكم ما يقع فيه الاختلاف ‏بينهم, و حاصله انه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه,‏ و إلا كنا مخبرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين, و نبغي أن يراد بالإجماع الإجماع ‏المعتبر أعني الحديث المتفق عليه, فان قلت فهل للخبر المعتمد عليه ضابطة يرجع إليها ليميز عن غير المعتمد أم هل للظن الحاصل من الخبر حد لا يكتفي اقل منه, قلت لا ليس لذا ضابطة و لا لهذا حد و إنما وضع الضوابط و الحدود أوقع الاختلاف بين الأصوليين, لو أنهم‏ نظروا في كل مسألة لما اختلفوا فيما اختلفوا فيه, و الضابطة التي حكينها عن المحقق في‏ذلك ليست بكلية و السر فيه اختلاف الحكم في مثلها بسبب اختلاف خصوصيات محاله, ولذا تريهم يمهدون أصولاً كلية, ثم لا يفون بإعمالها في جميع جزئياتها, بل إنما يستعمولنها في بعض دون بعض, و كذا الكلام فيما يبتنى عليها من الأحكام الفرعية فإنها أمور جزئية مختلفة لا يجمعها أمر واحد عقلي, و الأمور الجزئية المختلفة لا يحكم عليها بالأحكام ‏الكلية المضبوطة, بل لا سبيل إلي العلم بها إلا بالنظر إلي فرد فرد, وهو موقوف منا على ‏السماع, إذ لا سبيل للعقل إلي الشرايع, و قد وقع التنبيه علي ما ذكرناه في كثير من الأخبار, ولعلك ستسمع بعضا إن شاء اللَّه تعالي, و لنعطف الآن عنان القلم إلي ذكر جملة من الآيات والأخبار الواردة في الحث علي الرجوع إلي الأحاديث, و بيان انحصار الطريق فيه, ثم إثبات‏ التشابه و بيان حكمها, ثم ذكر ما ورد في ذم الاجتهاد و متابعة الآراء ثم ذكر مفاسدهما, و من ‏اللَّه التأييد.
        الفصل السابع
        ذكر بعض الآيات و الأخبار الدالة علي انحصار الأدلة الشرعية في السماع عن المعصوم ع.
        قال اللَّه "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" و قد ثبت بالأخبار المستفيضة أن الذكر هو القرآن و أهله الأئمة المعصومون صلوات اللَّه عليهم.
        و قال عز وجل " وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ " و قد ثبت أن أولي الأمر هم الأئمة عليهم‏السلام.
        و قال سبحانه " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ " و قد ثبت أنهم الأئمة عليهم السلام.
        و في الخبر النبوي المستفيض المتفق عليه: » إني تارك فيكم الثقلين, إن تمسكتم بهما لن‏ تضلوا بعدى كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي «
        و في الخبر المشهور المستفيض: » مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى و من‏ تخلف عنها غرق«.
        و في احتجاج الطبرسي عنه صلي اللَّه عليه و آله أنه قال يوم الغدير:
        " ألا إن الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما فآمر بالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت أن آخذ البيعة منكم و الصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل في علي أمير المؤمنين و الأئمة من بعده ".
        " معاشر الناس تدبروا القرآن و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته و لا تتبعوا متشابهه فوالله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده "
        و فيه عنه ص قال :
        " أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم بعدي و إمامكم و دليلكم و هاديكم و هو أخي علي بن أبي طالب و هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني الله عز و جل من علمه و حكمته فاسألوه و تعلموا منه و من أوصيائه بعده ".
        و عنه ص " لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع أو مستمع واع " رواه في الكافي.
        و عن أمير المؤمنين ع : "ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلي الأرض و جميع ما فضلت ‏به النبيون إلي خاتم النبيين عندي و عند عترة خاتم النبيين فأين يتاه بكم بل أين تذهبون" . رواه علي بن‏ إبراهيم في تفسيره.
        و روى الصدوق عنه ع انه قال : "من أخذ علمه من كتاب اللَّه و سنة نبيه ص زالت الجبال قبل أن ‏يزول, و من أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال ". و رواه في الكافي أيضا.
        و عن الباقر ع أنه تلا " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن خفتم تنازعا في الأمر فأرجعوه إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منكم ثم قال كيف يأمر بطاعتهم و يرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ.
        و عن الصادق ع قال: " كل علم لا يخرج من هذا البيت فهو باطل و أشار بيده إلي بيته ".
        و قال: " إذا أردت العلم الصحيح فخذ عن أهل البيت فإنا رويناه و أوتينا شرح الحكمة و فصل الخطاب ‏إن اللَّه اصطفينا و آتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين" .
        و في الكافي عن حمزة الطيار انه عرض علي أبى عبد اللَّه بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ ‏موضعاً منها قال له كف و اسكت ثم قال أبو عبد اللَّه ع: "لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون‏إلا الكف عنه و التثبت و الردّ إلي أئمة الهدى, حتى يحملوكم فيه علي القصد و يجلو عنكم ‏فيه العمى و يعرفوكم فيه الحق, قال اللَّه عزوجل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ".
        و فيه في باب الضلال بإسناده عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد اللَّه ع من دان اللَّه بغير سماع عن صادق الزمه اللَّه البتة إلي العناء, و من ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه اللَّه فهو مشرك, و ذلك الباب المكنون علي سر اللَّه المكنون.
        و بإسناده عنه ع: "لا يسع الناس حتى يسألوا و يتفقهوا و يعرفوا إمامهم و يسعهم أن يأخذوا بما نقول و إن كانت تقية.
        و بإسناده عن زرارة و محمد بن سلم و بريد العجلي قالوا قال أبو عبد اللَّه ع لحمران بن أعين‏ في شيى‏ء سأله: إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.
        وروى الكشي بإسناده عن حريز، قال، دخلت على أبي حنيفة و عنده كتب كادت تحول فيما بيننا و بينه، فقال لي هذه الكتب كلها في الطلاق و أنتم و أقبل يقلب بيده، قال، قلت نحن نجمع هذا كله في حرف، قال و ما هو قال، قلت قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ، فقال لي فأنت لا تعلم شيئا إلا برواية قلت أجل، فقال لي ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم فأدى تسعمائة و تسعة و تسعين درهما، ثم أحدث يعني الزنا، كيف نحده فقلت عندي بعينها حديث حدثني محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) أن عليا (ع) كان يضرب بالسوط و بثلثه و بنصفه و ببعضه بقدر أدائه، فقال لي أما إني أسألك عن مسألة لا يكون فيها شي‏ء، فما تقول في جمل أخرج من البحر، فقلت إن شاء فليكن جملا و إن شاء فليكن بقرة إن كانت عليه فلوس أكلناه و إلا فلا.
        T]

        تعليق


        • #5
          يتبع الحلقة الثالثة

          و الأخبار من‏هذا القبيل تخرج من الحصر و العد
          و روى الصدوق رحمة اللَّه في إكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام رضي اللَّه عنه قال‏حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن اسحق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري ‏رضي اللَّه عنه، و رواه الطبرسي أيضاً في الاحتجاج، و الكشى في الرجال، و الشيخ الطوسي ‏في اختياره عن اسحق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري رضي اللَّه عنه أن ‏يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد في التوقيع عن مولانا صاحب‏الزمان عليه الصلاة و السلام:
          " أما ما سألت عنه أرشدك اللَّه و وفّقك إلي أن قال: و أما الحوادث ‏الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللَّه عليهم ".
          و في رجال الكشى و الاختيار بالإسناد عن أحمد بن حاتم بن ماهويه، قال كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (ع) أسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب أخوه أيضا بذلك فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على مسن في حبنا و كل كبير التقدم في أمرنا، فإنهم كافوكما إن شاء الله تعالى.
          و روى ثقة الإسلام عن محمد بن عبد اللَّه و محمد بن يحيى جميعاً عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري قال اجتمعت أنا و الشيخ بن عمر و عند احمد بن اسحق إلي أن قال اخبرني أبوعلي احمد بن اسحق عن أبى الحسن ع قال سألته و قلت و من أعامل أو عمن آخذ أو قول من أقبل فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنى فعنى يؤدى, و ما قال لك عنى فعنى يقول ‏فأسمع له و أطع فإنه الثقة المأمون.
          و أخبرني أبوعلي انه سأل أبا محمد ع عن مثل ذلك فقال له: العمري و ابنه ثقتان فما أديا إليك عنى فعنى يؤديان, و ما قالا لك عنى فعنى يقولان, فاسمع لهما و أطعهما فإنهما الثقتان‏المأمونان الحديث.
          و في الاحتجاج بسنده عن أبى محمد العسكري و في تفسيره أيضا قال قال الحسين بن‏ علي عليهما السلام: من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا التي‏ سقطت إليه حتى أرشده و هداه قال اللَّه عزوجل يا أيها العبد الكريم المواسى أنا أولي بالكرم ‏منك اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر وضموا إليها ما يليق بها من ساير النعيم.
          و في الكافي عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله ع عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أ يحل ذلك قال ع من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت و الطاغوت المنهي عنه و ما حكم له به فإنما يأخذ سحتا و إن كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت و من أمر الله عز و جل أن يكفر به قال الله عز و جل يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت فكيف يصنعان و قد اختلفا قال ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرض به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكم و لم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف و علينا رد و الراد علينا كافر راد على الله و هو على حد من الشرك بالله, و يأتي تمام الحديث.
          و بإسناده عن محمد بن حكيم قال قلت لأبى الحسن موسى ع جعلت فداك فقّهنا في الدين ‏و أغنانا اللَّه بكم عن الناس حتى إن الجماعة منا لتكون في المجالس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما منَّ اللَّه علينا بكم الحديث.
          و بإسناده عن سماعة عن أبى الحسن موسى ع قال قلت أصلحك اللَّه إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شي‏ء إلا و عندنا فيه شي‏ء مسطر و ذلك مما انعم اللَّه به علينا بكم.
          و بإسناده عن أبى بصير قال سمعت أبا عبد اللَّه ع يقول اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا.
          و فيه بإسناده عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد الله ع احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف ‏تحتاجون إليها.
          و فيه عن الأحمسى عن أبى عبد الله ع قال القلب يتكل علي الكتابة.
          و فيه عن المفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد الله ع اكتب و بثّ علمك في إخوانك فان متّ‏ فأورث كتبت بينك فانه يأتي علي الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم.
          و بإسناده عنه ع قال تزاوروا فان في زيارتكم إحياء لقلوبكم و ذكراً لأحاديثنا و أحاديثنا تعطف بعضكم علي بعض فان أخذتم بها رشدتم و نجوتم وان تركتموها ضللتم و هلكتم ‏فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم.
          و عن محمد ابن الحسن بن أبى خالد شينولة قال قلت لأبى جعفر الثاني ع جعلت فداك إن ‏مشايخنا رووا عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ‏ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق. و فيه دلالة واضحة علي صحة الاعتماد علي الكتب و العمل بما فيها من الأحكام إذا كانت صحيحة.
          و قال أبو جعفر ع لأبان بن تغلب اجلس في مسجد النبي ص و أفت الناس فإني أحب أن أرى ‏في شيعتي مثلك.
          و قال الصادق ع لفيض بن مختار إذا أرددت حديثنا فعليك بهذا الجالس و أومأ بيده إلي‏ رجل من أصحابه فسألت أصحابنا عنه فقالوا زرارة ابن أعين.
          و قال ع رحم اللَّه زرارة بن أعين لولا زرارة و نظراؤه لاندرست أحاديث أبى ع .
          و قال ع ما أجد أحداً أحيى ذكرنا و أحاديث أبى ع إلا زرارة و أبو بصير ليث المرادي و محمد بن مسلم و بريد بن‏معاوية العجلي هؤلاء حفاظ دين الله و أمناء أبى علي حلال اللَّه و حرامه.
          و قال ع أقوام كان أبى يأتمنهم علي حلال اللَّه و حرامه و كانوا عيبة علمه و كذلك اليوم هم‏ عندي هم مستودع سرى وأصحاب أبى حقاً إذا أراد اللَّه بأهل الأرض سوء صرف بهم عنهم ‏السوء هم نجوم شيعتي إحياءً و أمواتاً يحيون ذكر أبى بهم يكشف اللَّه كل بدعة ينفون عن‏هذا الدين انتحال المبطلين و تأويل الغالين ثم بكى قال الراوي قلت من هم فقال من عليهم‏ صلوات اللَّه و رحمته أحياءً و أمواتاً بريد العجلي و أبو بصير و زرارة ‏و محمد بن مسلم.
          و قال ع بشر المخبتين بالجنة بريد العجلي و أبو بصير ليث بن البختري المرادي و محمد بن‏مسلم الثقفي و زرارة بن أعين أربعة نجباء أمناء اللَّه علي حلاله و حرامه لولا هؤلاء لانقطعت‏ آثار النبوة و اندرست.
          و قال ع لعبد الله بن أبى يعفور حيث قال له انه ليس كل ساعة ألقاك و لا يمكن القدوم ويجي‏ء الرجل من أصحابنا فيسألني و ليس عندي كلما يسألني, قال فما يمنعك من محمد بن‏ مسلم الثقفي فانه قد سمع من أبى و كان عنده وجيهاً.
          و قال لشعيب العقرقوفي حيث قال له‏ ربما احتجنا أن نسأل عن الشي‏ء فمن نسأل, قال عليك بالأسدي يعني أبا بصير.
          و عن الصادق ع أوتاد الأرض و أعلام الدين أربعة محمد بن مسلم و بريد بن معاوية و ليث‏ البختري المرادي و زرارة بن أعين.
          و في الكافي بإسناده عنه ع قال تعلموا العلم من حملة العلم و علموا إخوانكم كما علمكموه ‏العلماء.
          و عنه ع انظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون‏عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.
          و في الكافي عن أبى عبد الله ع قال أبى اللَّه أن يجرى الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شي‏ء سببا و جعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح علماً و جعل لكل علم باباً ناطقا عرفه من عرفه و جهله من جهله ‏ذاك رسول اللَّه ص و نحن.
          و في نهج البلاغة نحن الشعار والأصحاب و الخزنة و الأبواب و لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها, فمن أتاها من غير بابها سمي سارقا. إلي غير ذلك من الروايات و هي أكثر من أن تحصى و اشهر من أن ‏تخفي و اظهر من أن تروى و سنزيدك منها في باب ذم الاجتهاد إنشاء اللَّه تعالي.


          (( منقول من كتاب سفينة النجاة
          تأليف
          المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
          محمد بن المرتضى المدعو
          بالمولي محسن الكاشاني
          المتوفى 1091 ه

          تعليق


          • #6
            (( الحلقة الرابعة ))

            (( الحلقة الرابعة ))




            الفصل الثامن
            ذكر جملة من الآيات و الأخبار الدالة علي إثبات المتشابه و بيان حكمه
            المتشابه ما لا يظهر معناه المقصود منه, و حكمه أن يرد إلي المحكم إن وجد, و هو مثل تأويله‏ من أهله و إلا ترك علي حاله من المتشابه فان المحكم فيه حينئذ, و يرد علمه إلي اللَّه ويحتاط في العمل, و لا يجوز تأويله لغير أهله لورود النهى عنه و قد يطلق المتشابه علي‏المحكم الذي تعارضت أدلته كما إذا اختلفت الأخبار و حكمه بعد استيفاء ساير مراتب ‏الترجيح المنقولة الخيار, و أما الاشتباه في كيفية العمل بعد معرفة الحكم الشرعي فيجوز الاجتهاد فيه لورود الرخصة بذلك و للزوم الحرج البين لولاء, و هذا كما إذا تعارضت‏ إمارات جهة الكعبة و إمارات إضرار الصوم بالمرض و عدم إضراره و نحو ذلك و عليه ‏يحمل الخبر الذي روته العامة من اجتهد فأصاب فله أجران و من اجتهد فأخطأ فله اجر واحد إن صح الخبر و إلا فالذي رواه أولي به, و أول من اثبت المتشابه في الحكم الشرعي هو اللَّه سبحانه قال اللَّه عزوجل: " هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ إلي قوله وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .
            و قال عز أسمه: " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ".
            و قال اللَّه تعالي: " وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ".
            و قال: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ".
            و في الحديث النبوي المتواتر بين العامة و الخاصة " إنما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع, و أمر بيّن غيّه فيجتنب, و شبهات بين ذلك, و الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات,‏و من ترك الشبهات نجى من المحرمات, و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات, و هلك من‏حيث لا يعلم.
            و في الفقيه قال خطب أمير المؤمنين ع فقال إن اللَّه تبارك و تعالي حد حدوداً فلا تعتدوها, وفرض فرايض فلا تنقضوها, و سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً لها فلا تكلفوها, رحمة من اللَّه لكم فاقبلوها, ثم قال علي ع حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك, فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك, و المعاصي حمى اللَّه فمن يرتع حولها يوشك أن ‏يدخلها.
            و قوله ع وسكت عن أشياء إلي قوله فاقبلوها معناه أن كل ما لم يصل إليكم من‏التكاليف و لم يثبت في الشرع فليس عليكم شيى‏ء فلا تكلفوه علي أنفسكم فإنه رحمة من‏اللَّه لكم و في هذا قيل " اسكتوا عما سكت اللَّه عنه".
            و من كلامه ع في وصيته لابنه الحسن ع " دع ‏القول فيما لا تعرف و الخطاب فيما لا تكلف.
            و في الكافي بإسناده عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر ع " ما حق اللَّه علي العباد قال أن ‏يقولوا ما يعلمون, و يقفوا عندما لا يعلمون ".
            و بإسناده عن أبى عبد اللَّه ع مثله و في أخره " فإن ‏فعلوا ذلك فقد أدّوا إلي اللَّه حقه.
            و بإسناده عنه ع قال " الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة, و تركك حديثاً لم ‏تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه ".
            و في عيون أخبار الرضا عنه ع قال " من ردّ متشابه القرآن إلي محكمه هدى إلي صراط مستقيم, ثم قال ع إن في أخبارنا متشابه كمتشابه القرآن, فردوا متشابهها إلي محكمها, ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ".
            و في محاسن البرقي بإسناده عن محمد بن الطيار قال قال لي أبو جعفر ع تخاصم الناس ‏قلت نعم قال و لا يسألونك عن شيى‏ء إلا قلت فيه شيئاً قلت نعم قال فأين باب الرد إذاً .
            و يستفاد من هذه الروايات أن ما لا طريق لنا إلي علمه فهو عنا موضوع و لا يلزم علينا بل‏ لا يجوز لنا أن نتكلف تعرفه بالاستنباطات المظنونة.
            وروى الصدوق عن أبى عبد الله ع قال قال رسول اللَّه ص " و رفع عن أمتي الخطاء و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما لا يعلمون و ما اضطروا إليه و الحسد و الطيرة و التفكر في ‏الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة ".
            و فيه بإسناده عنه ع قال "ما حجب اللَّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم".
            و فيه عنه ع قال " من‏عمل بما علم كفي ما لم يعلم ".
            و في الكافي بإسناده عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله ع عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلي السلطان أو إلي القضاة أيحل ذلك, قال من‏ تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلي الطاغوت, و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و إن ‏كان حقا ثابتاً له, لأنه اخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللَّه أن يكفر به قال اللَّه عزوجل: يريدون أن ‏يتحاكموا إلي الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به.
            قلت فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما, فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل ‏منه فإنما استخف بحكم اللَّه و علينا ردّ و الراد علينا راد علي اللَّه و هو علي حد الشرك باللَّه. ‏قلت فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما وأصدقهما في الحديث و أورعهما, و لا يلتفت إلي ما يحكم به الآخر. قال قلت فإنهما عدلان‏ مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما علي صاحبه, قال فقال ينظر إلي ما كان من ‏روايتهم عنا في ذلك الذي حكما عليه المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه, و إنما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتبع و أمر بيّن غيّه فيجتنب و أمر مشكل يرد علمه إلي اللَّه و رسوله, قال‏ رسول اللَّه ص حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من‏المحرمات, و من أخذ الشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم. قلت فان كان ‏الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم, قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة. قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفاً لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال ما خالف العامة ففيه ‏الرشاد. فقلت جعلت فداك فإن و افقهما الخبران جميعا قال ينظر إلي ما هم إليه أميل ‏حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر. قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال فإذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك, فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.
            و في معنى‏هذا الحديث أخبار كثيرة.
            و في احتجاج الطبرسي بعد نقل هذا الحديث قال:
            جاء هذا الخبر على سبيل التقدير لأنه قلما يتفق في الأثر أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام موافقين للكتاب و السنة و ذلك مثل غسل الوجه و اليدين في الوضوء لأن الأخبار جاءت بغسلهما مرة مرة و غسلهما مرتين مرتين فظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك بل يحتمل كلتا الروايتين و مثل ذلك يؤخذ في أحكام الشرع. و أما قوله ع للسائل أرجه و قف عنده حتى تلقى إمامك أمره بذلك عند تمكنه من الوصول إلى الإمام فأما إذا كان غائبا و لا يتمكن من الوصول إليه و الأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين و لم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على الآخر بالكثرة و العدالة كان الحكم بهما من باب التخيير. يدل على ما قلنا
            ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا ع قال قلت للرضا ع تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز و جل و أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا و إن لم يشبههما فليس منا قلت يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق فقال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت .
            ما رواه الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله ع قال إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه .
            و روى سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله ع قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به و الآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه قال قلت لا بد من أن نعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة .
            و في الكافي عنه ع انه سأل عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق, قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللَّه أو من قول رسول اللَّه ص و إلاّ فالذي جاءكم أولى به .
            و فيه عنه ع : " كل شي‏ء مردود إلي الكتاب و السنة و كل حديث لا يوافق كتاب اللَّه‏ فهو زخرف.
            و في عيون الأخبار عن الرضا ع في حديث له طويل قال في أخره بعد ذكر العرض علي ‏الكتاب ثم السنة ثم التخبير و الرد إلي رسول اللَّه ص " و ما لم تجدوه في شيى‏ء من هذه الوجوه‏ فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك و لا تقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت والوقوف و أنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.
            و قال ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكلينى رحمه اللَّه في أوائل الكافي ( يا أخي ‏أرشدك اللَّه إنه لا يسع أحداً تمييز شيى‏ء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام ‏برأيه إلا علي ما أطلقه العالم ع بقوله اعرضوهما علي كتاب اللَّه عزوجل فما وافق كتاب اللَّه ‏فخذوه و ما خالف كتاب اللَّه فردوه, و قوله ع دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم, وقوله ع خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه, و نحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله و لا نجد شيئاً أحوط و لا أوسع من رد علم ذلك كله إلي العالم ع و قبول ما وسع من ‏الأمر فيه بقوله ع بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم. انتهى كلامه و قوله طاب ثراه نحن‏ لا نعرف من جميع ذلك إلا اقله يعنى به أنَّا لا نعرف من الضوابط الثلاث إلا حكم أقل ما اختلفت فيه الرواية دون الأكثر لان الأكثر لا يعرف من موافقة الكتاب و لا من مخالفة العامة ولا من الإجماع فالأحوط في القول رد علمه إلي العالم أي الإمام ع و إلا وسع في العمل‏ التخيير من باب التسليم دون الهوى, يعنى لا يجوز لنا الإفتاء و الحكم بأحد الطرفين بتّة وإن جاز لنا العمل به من باب التسليم بالإذن عنهم عليهم السلام.
            قال بعض الفضلاء و إنما لم يذكر الترجيح باعتبار الأفقهية و الأعدلية و باعتبار كثرة العدد لأنه رحمه اللَّه أخذ أحاديث كتابه من الأصول المقطوع بها المجموع عليها انتهى كلامه.
            و لعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحد في نفي الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل و حاجة المكلفين إليها جميعاً سواء فما الوجه في ‏إخفاء بعض المسائل و أبهامه؟

            تعليق


            • #7
              يتبع الحلقة الرابعة

              [COLOR="DarkGreen"]يتبع الحلقة الرابعة


              فنقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلي ما يكسر سورة استبعادك بان نقول يحتمل أن يكون من الحكم ‏في المتشابه المحتاط فيه أن يتميز المتقى المتدين باحتياط في الدين و عدم رتاعه حول ‏الحمى خوفا من الوقوع فيه, مما لا تقوى له و يجترى في الرتاع حوله و لا يبالي بالوقوع فيه, ‏فيتفاضل بذلك درجات الناس و مراتبهم في الدين, فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام و كذا فاعلها في المردد بين الفرض و النفل ليس كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم, فالناس ثلاثة فرق مترتبين و يحتمل‏ أن يكون من الحكم في المتشابه المخبر فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس بإثبات ‏التخبير في كثير من الأحكام و هذه رحمة من اللَّه عزوجل, و به تختلف مراتب التكليف‏ باختلاف مراتب الناس في العقل و المعرفة, و لعل أمير المؤمنين ع إلي هذا أشار بقوله ولا تكلفوها رحمة من اللَّه لكم فاقبلوها و ما لا نعم من الحكم أكثر مما نعم .
              ثم نقول و مما يعده أهل الاجتهاد من المتشابهات و يجتهدون في تعيين الحكم فيه الأمر المردد بين الوجوب و الندب أي النهى المردد بين الحرمة و الكراهة, و عند إمعان النظر يظهر أنه لا تشابه فيهما إذا المطلوب فعله أو تركه مما لا يقبل التشكيك في الطلب فيمكن أن ‏يكون مراتب الثواب و العقاب للعباد بقدر مراتب الإرادة و الكراهة من الشارع و تكليف‏ العباد بالأمر و النهى لا يستلزم بيان مراتبهما لهم إذ لا مدخل لعلم المكلف بذلك و إنما الواجب عليه تمييز العبادة من غير العبادة أما العلم بمراتب المأمور بها و النهى عنها و تميز بعضها عن بعض فلا لعدم دليل عليه من عقل و لا نقل و هذا كما أنَّا إذا كلفنا عبدنا بفعل أو ترك فإنه لا يتوقف امتثاله لنا علي علمه بانّا هل نؤاخذه بالمختلفة أم لا فلا وجه لتكلف ‏التعرف و ارتكاب التعسف في أمثال ذلك و الإتيان في تعيينها بدلايل هي أوهن من بيت ‏العنكبوت و كلمات يرجح عليها السكوت و هذا أحد طرقهم في تكثير المسائل من غير ضرورة و إلي اللَّه المفزع.

              الفصل التاسع
              ذكر جملة من الآيات و الأخبار الواردة في ذم الاجتهاد ومتابعة الآراء والمنع منها
              و لعلك تقول من أين قلت أن الشارع منع من الاجتهاد و العمل بالرأي, و أن المنع من ذلك ‏كان معروفاً من مذهب الإمامية حتى بين مخالفيهم؟ فنقول أول من منع من اقتفاء الرأي و إتباع ‏الظن و ارتكاب الاجتهاد هو اللَّه سبحانه قال عز من قائل " إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا " .
              و قال سبحانه " إِنْ يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ " (أي يقولون بالتخمين).
              و قال " وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ".
              و قال " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ".
              و قال عز وجل " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ".
              و قال " فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ".
              و قال " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ".
              وقال "وَ لَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنا بَعْضَ اْلأَقاويلِ * َلأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمينِ*
              ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتينَ"
              و قال " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ".
              و قال " أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ".
              و قال " وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ".
              و قال " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ".
              وقال " وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ".
              و قال " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ".
              " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ".
              و في الحديث القدسي " ما آمن بي من فسر كلامي برأيه .. و ما علي ديني من استعمل القياس ‏في ديني " رواه الصدوق في أماليه.
              و عن النبي ص " من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ " و هو مشهور.
              و في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين ع في ذم اختلاف العلماء في القياس " ترد علي‏احدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره ‏فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب ‏آرائهم جميعا و إلههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد أفأمرهم اللَّه بالاختلاف فأطاعوه‏ أم ‏نهاهم فعصوه ‏أم انزل اللَّه تعالي دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ‏أم كانوا شركاء له فلهم أن ‏يقولوا و عليه أن يرضى أم انزل اللَّه دينا تاماً فقصر الرسول ص عن تبليغه و أدائه و اللَّه‏سبحانه يقول "ما فرطنا في الكتاب من شيى‏ء", "و فيه تبيان كل شيى‏ء" و ذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا", و إن‏القرآن ظاهره أنيق و باطنه عميق لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه و لا تكشف الظلمات‏ إلاَّ به.
              قال ابن أبى الحديد عند شرحه لهذا الكلام يقول لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب ‏العزيز علي ظاهره فكم من ظاهر فيه غير مراد بل المراد به أمر آخر باطن و المراد الرد علي ‏أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية و إفساد قول من قال كل مجتهد مصيب و تخليص‏ الاجتهاد من خمسة أوجه:
              احدها انه لما كان الإله سبحانه واحدا و الرسول ص واحداً و الكتاب واحداً وجب أن لا يكون ‏الحكم في الواقعة إلا واحدا كالملك الذي يرسل إلي رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و إمرته فانه لا يجوز أن تتناقض أوامره و لو تناقضت لنسب إلي السفه والجهل.
              و ثانيها لا يخلوا الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون إما أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه والأول باطل لأنه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كون الاختلاف ‏مأموراً به و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف.
              و ثالثها إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما فان كان الأول كان اللَّه سبحانه قد استعان‏ بالمكلفين علي إتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله إما استعانة علي سبيل النيابة عنه أو علي سبيل المشاكلة له و كلاهما كفر و إن كان الثاني فإما أن يكون اللَّه سبحانه انزل الشرع ‏تاماً فقصر الرسول عن تبليغه أو يكون الرسول قد بلغه علي تمامه و كماله فان كان الأول ‏فهو كفر أيضا و إن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد لان الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين فأما ما تبين فلا مجال للاجتهاد فيه.
              و رابعها الاستدلال بقوله تعالي "ما فرطنا في الكتاب من شيى‏ء" و قوله "فيه تبيان كل شيى‏ء" وقوله سبحانه "و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين" فهذه الآيات دالة علي اشتمال الكتاب‏ العزيز علي جميع الأحكام فكل ما ليس في الكتاب وجب أن لا يكون من الشرع.
              و خامسها قوله تعالي "و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " فجعل الاختلاف ‏دليلا علي انه ليس من عند اللَّه لكنه من عند اللَّه سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة علي صحة النبوة فوجب أن لا يكون فيه اختلاف.
              قال: و اعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية و نفاة القياس و الاجتهاد في ‏الشرعيات و قد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم انتهى.
              أقول و في كلامه هذا دلالة علي أن نفي الاجتهاد كان معروفا من مذهب الإمامية حتى عند مخالفيهم كما أن نفي القياس كان معروفا من مذهبهم.
              و في نهج البلاغة أيضا من كلام أمير المؤمنين ع في صفة من يتصدى للحكم من الامة و ليس ‏لذلك بأهل " إن ابغض الخلائق إلي اللَّه رجلان رجل و كله اللَّه إلي نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة و دعاءِ ضلالة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من كان ‏قبله مضل لمن اقتدى به في حياته و بعد وفاته حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته, و رجل‏ قمش جهلا موضع في جهال الأمة عادٍ في أغباش الفتنة عَمٍ بما في عقد الهدنة قد سماه أشباه ‏الناس عالماً و ليس به بكّر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامنا لتخليص ما التبس علي غيره ‏فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثاً من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في‏ مثل نسج العنكبوت لا يدرى أصاب أم أخطأ فإن أصاب خاف أن يكون قد اخطأ و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب جاهل خيّاط جهلات عاش ركاب عشوات لم يعضّ علي العلم‏ بضرس قاطع يذرى الروايات إذراء الريح الهشيم لا ملي‏ء و اللَّه بإصدار ما ورد عليه ولا هو أهل لما فوض إليه لا يحسب العلم في شيى‏ء مما أنكره و لا يرى أن من وراء ما بلغ ‏مذهبا لغيره و إن اظلم عليه أمرا اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه تصرخ من جور قضائه الدماء و تعج منه المواريث إلي اللَّه أشكو من معشر يعيشون جهالا و يموتون ضلالا ليس فيهم ‏سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته و لا سلعة أنفق بيعاً و لا أغلي ثمناً من الكتاب إذا حرف عن مواضعه و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.
              قال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام إن قيل بّين الفرق بين الرجلين الذين أحدهما رجل ‏و كله اللَّه إلى نفسه و الآخر رجل قمش جهلا فإنهما في الظاهر واحد. قيل أما الرجل الأول‏ فهو الضال في أصول العقائد كالمشبّه و المجبّر و نحوهما ألا تراه كيف قال مشغوف بكلام‏ بدعة و دعاء ضلالة و هذا يشعر بما قلناه من أن مراده به المتكلم في أصول الدين و هو ضال‏عن الحق و لهذا قال انه فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من كان قبله مضل لمن يجي‏ء بعده ‏و أما الرجل الثاني فهو المتفقه في فروع الشرعيات و ليس بأهل لذلك كفقهاءِ السوء ألا تراه كيف يقول جلس بين الناس قاضيا.
              و قال أيضا يصرخ من جور قضائه الدماء و يمج منه المواريث.
              ]

              تعليق


              • #8
                يتبع الحلقة الرابعة 2

                "]يتبع الحلقة الرابعة 2

                و من كلامه له ع " و آخر قد يسمى عالما و ليس به فاقتبس جهائل من جهال و أضاليل من ضلال و نصب للناس أشراكاً من حبال غرور و قول زور قد حمل الكتاب علي آرائه و عطف الحق علي أهوائه يؤمن من‏العظائم و يهون كبير الجرائم يقول أقف عند الشبهات و فيها وقع و يقول اعتزل البدع و بينها اضطجع فالصورة صورة إنسان و القلب قلب حيوان لا يعرف باب الهدى فيتبعه و لا باب ‏العمى فيصد عنه فذلك ميت الأحياء فأين تذهبون فأنى تؤفكون و الأعلام قائمة والآيات ‏و واضحة و المنار منصوبة فأين يتاه بكم بل كيف تعمهون و بينكم عترة نبيكم و هم أزمة الحق و أعلام الدين و ألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم ‏العطاش أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين ص إنه يموت من مات منا و ليس بميت و يبلي من ‏بلي منا و ليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون و اعذروا من‏ لا حجة لكم عليه و هو أنا ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثقل الأصغر قد ركزت ‏فيكم راية الإيمان و وقفتكم علي حدود الحلال و الحرام و ألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي و فعلي و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر و لا تتغلغل إليه الفكر.
                و من كلام له ع في خطبة له " ما كل ذي قلب بلبيب و لا كل ذي سمع بسميع و لا كل ذي ناظر ببصير فياعجبا و مالي لا أعجب من خطإ هذه الفرق علي اختلاف حججها في دينها لا يتقصون أثر نبي و لا يقتدون بعمل وصى و لا يؤمنون بغيب و لا يعفون عن عيب يعملون في‏الشبهات و يسيرون في الشهوات المعروف فيهم ما عرفوا و المنكر عندهم ما أنكروا مفزعهم في المعضلات إلي أنفسهم و تعويلهم في المبهمات علي آرائهم كأن كل امرئ منهم ‏إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى و ثقات و أسباب محكمات.
                و من كلامه ع " اعلموا عباد اللَّه أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاما أول و يحرم العام ما حرم عاما أول و إن ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرم عليكم و لكن الحلال ما أحل اللَّه و الحرام ما حرم اللَّه.
                و في التهذيب بسنده عن أبي جعفر ع قال قال ع " لو قضيت بين رجلين بقضية ثم عادا إلىَّ من قابل لم أزدهما علي القول الأول لأن الحق لا يتغير".
                و في هذين الخبرين دلالة و واضحة علي بطلان ما أشتهر بين المجتهدين و عليه بناء الاجتهاد و علي الاجتهاد بناءه أن للمجتهد أن يرجع عن ‏قوله إذا بدا له دليله في دليله.
                و مثلهما في الدلالة ما رواه في الكافي بإسناده عن زرارة قال سئلت أبا عبد الله ع عن الحلال ‏و الحرام فقال حلال محمد حلال إلي يوم القيمة و حرامه حرام إلي يوم القيمة لا يكون غيره‏ و لا يجي‏ء غيره ".
                و ما في نهج البلاغة أيضا من كلامه ع في ذكر القرآن " أتم به نوره و أكمل به ‏دينه و قبض نبيه و قد فرغ إلي الخلق من أحكام الهدى به فعظموا منه سبحانه ما عظم من ‏نفسه فإنه لم يخف عنكم شيئا من دينه و لم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلا و جعل له علما بادياً و آية محكمة تزجر عنه أو تدعوا إليه فرضاه فيما بقى واحد و سخطه فيما بقى واحد و أعلموا انه لن يرضى عنكم بشي‏ء سخطه علي من كان قبلكم و لن ‏يسخط عليكم بشي‏ء رضيه ممن كان قبلكم و إنما تسيرون في أثر بين و تتكلمون برجع ‏قول قد قاله الرجال من قبلكم ".
                قال ابن أبى الحديد في شرح هذا الكلام قوله فرضاه فيما بقى ‏واحد معناه أن ما لم ينص عليه صريحاً بل هو في محل النظر ليس يجوز للعلماء أن يجتهدوا فيه فيحله بعضهم و يحرمه بعضهم بل رضا اللَّه سبحانه أمر واحد و كذلك سخطه فليس ‏يجوز أن يكون شي‏ء من الأشياء يفتى فيه قوم بالحل و قوم بالحرمة و هذا قول منه ع بتحريم‏الاجتهاد و قد سبق منه ع مثل هذا الكلام مرارا.
                قوله ع و اعلموا انه ليس يرضى عنكم بالاختلاف في الفتاوى و الأحكام كما اختلف الأمم‏ من قبلكم فسخطه اختلافهم قال سبحانه "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء" و كذلك ليس يسخط عليكم بالاتفاق الذي يرضيه ممن كان قبلكم من القرون‏انتهى كلامه.
                و في تفسير أبى محمد العسكري ع عن أمير المؤمنين ع انه قال " يا معشر شيعتنا والمنتحلين ‏مودتنا إياكم و أصحاب الرأي, فإنهم اعداء السنن تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها وأعيتهم السنة أن يعوها, فاتخذوا عباد اللَّه خولا, و مالهم دولا, فذلت لهم الرقاب و أطاعهم ‏الخلق أشباه الكلاب, و نازعوا الحق أهله, و تمثلوا بالأئمة الصادقين و هم من الجهال و ‏الكفار و الملاعين, فسئلوا عما لا يعلمون فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون, فعارضوا الدين ‏بآرائهم فضلوا وأضلوا. أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولي بالمسح من ظاهرهما.
                و في الكافي عن أبى جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين ع فقال أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن ‏أهواء تتبع و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب اللَّه يتولى فيها رجال رجالا فلو أن الباطل‏ خلص لم يخف علي ذي حجى و لو أن الحق خلص لم يكن اختلاف و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك أستحوذ الشيطان علي أوليائه ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
                و بإسناده عن أمير المؤمنين ع في حديث طويل " و من عمى نسى الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه"
                قيل المراد بالذكر القرآن يعنى قوله تعالي "و إن الظن لا يغني من الحق شيئا" .
                و بإسناده عن مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا ع قال " من نصب‏ نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس و من دان اللَّه بالرأي لم يزل دهره في ارتماس" , قال وقال أبو جعفر من أفتى الناس برأيه فقد دان اللَّه بما لا يعلم و من دان اللَّه بما لا يعلم فقد ضاد اللَّه حيث أحل و حرم فيما لا يعلم.
                و في بصائر الدرجات بإسناده عن أبى جعفر ع لو أنَّا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكنا حدثنا ببينة من ربنا بينّها لنبيه ص فيبّنها لنا.
                و في الكافي ما يقرب منه فإذا كان الاعتماد علي الرأي من أهل العصمة يؤدى إلي الضلال ‏فكيف من غيرهم ع.
                و في الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع إن قوماً من أصحابنا تفقهوا وأصابوا علما ورووها أحاديث فيرد عليهم الشي‏ء فيقولون فيه برأيهم فقال لا و هل هلك من‏ مضى إلاّ بهذا و أشباهه.
                و بإسناده عنه ع قال أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك الرجال أنهاك أن تدين اللَّه بالباطل وتفتى الناس بما لا تعلم.
                و فيه عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبى الحسن الأول ع بما أوحدّ اللَّه فقال يا يونس‏ لا تكونن مبتدعاً من نظر برأيه هلك و من ترك كتاب اللَّه و قول نبيه كفر.
                و في بصائر الدرجات بإسناده عن أبى الحسن ع قال إنما هلك من كان قبلكم بالقياس و إن ‏اللَّه تبارك و تعالي لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه في حلاله و حرامه فجاءكم مما تحتاجون إليه في حياته و تستغنون به و بأهل بيته بعد موته و إنها مصحف عند أهل بيته حتى ‏أن فيها لأرش خدش الكف .
                و إنه ليس شيى‏ء في الحلال و الحرام و جميع ما يحتاج إليه الناس ‏إلا وجاء فيه كتاب أو سنة.
                و في المحاسن عن محمد بن حكيم قال قال أبو الحسن ع إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا و إذا جاءكم ما لا تعلمون فها و وضع يده علي فمه. فقلت و لم ذاك؟ فقال لأن رسول اللَّه أتى الناس ‏بما اكتفوا به علي عهده و ما يحتاجون إليه من بعده إلى يوم القيمة. و في الكافي عنه ع مثله.
                و في المحاسن بإسناده عن يحيى الحلبي و ابن مسكان و حبيب قالوا قال لنا أبو عبد الله‏ ما أحد أحب إلىَّ منكم, إن الناس سلكوا سبلا شتى منهم من أخذ بهواه, و منهم من أخذ برأيه, وأنكم أخذتم بأمر له أصل.
                و في حديث آخر لحبيب عن أبى عبد الله ع قال إن الناس أخذوا هكذا و هكذا فطائفة أخذوا بأهوائهم و طائفة قالوا بآرائهم و طائفة بالرواية و اللَّه هداكم لحبه و حب من ينفعكم حبه ‏عنده.
                و في التهذيب بإسناده عن الصادق ع قال إنَّا إذا وقفنا بين يدي اللَّه تعالي قلنا يا رب أخذنا بكتابك و قال الناس رأينا رأينا و يفعل بنا وبهم ما أراد.
                و في رواية أخرى عملنا بكتابك و سنة نبيك.
                و في الكافي بإسناده عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع ترد علينا أشياء ليس نعرفها في ‏كتاب اللَّه و لا سنة فننظر فيها؟ فقال لا أما إنك إن أصبت لم تؤجر و إن أخطأت كذبت علي ‏اللَّه عزوجل.
                و في الفقيه قال الصادق ع الحكم حكمان حكم اللَّه عزوجل و حكم أهل الجاهلية فمن أخطأ حكم اللَّه حكم بحكم أهل الجاهلية و من حكم بدرهمين بغير ما أنزل اللَّه فقد كفر باللَّه تعالى.
                و في الكافي عن أبى بصير قال سمعت أبا عبد الله ع بقول من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللَّه عز وجل ‏فهو كافر باللَّه العظيم.
                و فيه انه ع قال لابن أبى ليلي أنت ابن أبى ليلي قاضى المسلمين قال نعم قال فبأي شي‏ء تقضي قال بما بلغني عن رسول اللَّه ص و عن علي ع و عن أبي بكر و عمر. قال فبلغك عن رسول‏اللَّه ص أنه قال إن علياً ع أقضاكم؟ قال نعم. قال فكيف تقضي بغير قضاء عليّ ع و قد بلغك هذا قال فما تقول‏ إذا جي‏ء بأرض من فضة و سماء من فضة ثم أخذ رسول اللَّه ص بيدك فأوقفك بين يدي ربك ‏فقال يا رب إن هذا قضى بغير ما قضيت. قال فاصفر وجه ابن أبى ليلي حتى عاد مثل الزعفران‏.
                و بإسناده عن عبد الرحمن من الحجاج قال كان أبو عبد الله قاعداً في حلقة ربيعة الرأى‏ فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأى عن مسألة فأجاب فلما سكت قال له الأعرابي هو في ‏عنقك فسكت ربيعة فقال أبو عبد الله ع هو في عنقه قال أو لم يقل و كل مفت ضامن.
                و عن أبى عبيدة الحذاء قال أبو جعفر ع من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللَّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه و زر من عمل بفتياه.
                و عن أبى بصير عن أبى عبد الله ع قال قلت له "اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللَّه" ‏فقال أما و اللَّه ما دعوهم إلي عبادة أنفسهم و لو دعوهم ما أجابوهم و لكن احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
                و في روضة الكافي بأسانيد متعددة عن أبى عبد الله ع في رسالة طويلة قال ع " أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن اللَّه أتم لكم ما آتاكم من الخير و اعلموا انه ليس من علم اللَّه و لا من أمره ‏أن يأخذ أحد من خلق اللَّه في دينه بهوى و لا برأي و لا مقاييس قد أنزل اللَّه القرآن و جعل ‏فيه تبيان كل شي‏ء و جعل للقرآن و لتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين هديهم اللَّه‏علمه أن يأخذوا فيه يهوى و لا رأى و لا مقاييس أغناهم اللَّه عن ذلك بما آتاهم اللَّه من علمه‏ و خصهم به و وضعه عندهم كرامة من اللَّه أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر اللَّه هذه الأمة بسؤالهم و هم الذين من سألهم و قد سبق في علم اللَّه أن يصدقهم و يتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلي اللَّه بإذنه و إلي جميع سبل الحق و هم الذين لا يرغب‏ عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي أكرمهم اللَّه به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم‏ اللَّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر و الذين آتاهم‏ اللَّه علم القرآن و وضعه عندهم و أمر بسؤالهم و أولئك الذين يأخذون بأهوائهم و آرائهم‏ و مقاييسهم حتى دخلهم الشيطان لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم ‏القرآن عند اللَّه كافرين ‏و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللَّه مؤمنين و جعلوا ما أحل اللَّه في كثير من الأمر حراما و جعلوا ما حرم اللَّه في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم و قد عهد إليهم ‏رسول اللَّه ص قبل موته فقالوا نحن بعدما قبض اللَّه عزوجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع‏ عليه رأى الناس بعدما قبض الله عز وجل رسوله ص و بعد عهده الذي عهده إلينا و أمرنا به مخالفا للَّه و لرسوله‏ ص فما أحد أجرى على الله و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك و زعم أن ذلك يسعه و اللَّه إن للَّه علي خلقه ‏أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد ص و بعد موته ..
                اتبعوا آثار رسول الله ص وسنته فخذوا بها و لا تنبعوا أهوائكم و آرائكم‏ فتضلوا فان أضل الناس عند اللَّه من اتبع هواه و رأيه بغير هدى من اللَّه.
                ه يتبع 00000]

                تعليق


                • #9
                  يتبع الحلقة الرابعة 3

                  يتبع الحلقة الرابعة 3


                  و فيه أيضا " أيتها العصابة الحافظ للَّه لهم أمرهم عليكم بآثار رسول اللَّه و آثار الأئمة الهداة من ‏أهل بيت رسول اللَّه ص من بعده و سنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد أهتدى و من ترك ذلك ورغب عنه ضل لأنهم هم الذين أمر اللَّه بطاعتهم و ولايتهم.
                  و في المحاسن بإسناده عن أبي عبد الله ع أنه قال في رسالته :
                  " و أما ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأن القرآن ليس على ما ذكرت و كل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه و إنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه فأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم و أبعده من مذاهب قلوبهم و لذلك قال رسول الله ص ليس شي‏ء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن و في ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله و إنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه و صراطه و أن يعبدوه و ينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن أمره و أن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا و لا يوجد و قد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر إذ لا يجدون من يأتمرون عليه و لا من يبلغونه أمر الله و نهيه فجعل الله الولاة خواص ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك إن شاء الله و إياك و إياك و تلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور و لا قادرين عليه و لا على تأويله إلا من حده و بابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله و اطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله ".
                  أقول تكريره ع قوله فإنهم إشارة إلي أن العالم بذلك كله كما ينبغي هم عليهم السلام خاصة.
                  و في كتاب المحاسن أيضاً في باب المقاييس و الرأى عنه عن أبيه عمن ذكره عن أبي عبد الله ع في رسالته إلى أصحاب الرأي و القياس أما بعد فإنه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء و المقاييس لم ينصف و لم يصب حظه لأن المدعو إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء و المقاييس و متى ما لم يكن بالداعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعو بعد قليل لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلم و لو بعد حين و رأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأى من يدعو و في ذلك تحير الجاهلون و شك المرتابون و ظن الظانون و لو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل و لم ينه عن الهزل و لم يعب الجهل و لكن الناس لما سفهوا الحق و غمطوا النعمة و استغنوا بجهلهم و تدابيرهم عن علم الله و اكتفوا بذلك دون رسله و القوام بأمره و قالوا لا شي‏ء إلا ما أدركته عقولنا و عرفته ألبابنا فولاهم الله ما تولوا و أهملهم و خذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون و لو كان الله رضي منهم اجتهادهم و ارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما بينهم و لا زاجرا عن وصفهم و إنما استدللنا أن رضا الله غير ذلك ببعثه الرسل بالأمور القيمة الصحيحة و التحذير عن الأمور المشكلة المفسدة ثم جعلهم أبوابه و صراطه و الأدلاء عليه بأمور محجوبة عن الرأي و القياس فمن طلب ما عند الله بقياس و رأى لم يزدد من الله إلا بعدا و لم يبعث رسولا قط و إن طال عمره قابلا من الناس خلاف ما جاء به حتى يكون متبوعا مرة و تابعا أخرى و لم ير أيضا فيما جاء به استعمل رأيا و لا مقياسا حتى يكون ذلك واضحا عنده كالوحي من الله و في ذلك دليل لكل ذي لب و حجى أن أصحاب الرأي و القياس مخطئون مدحضون و إنما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل فإياك أيها المستمع أن تجمع عليك خصلتين إحداهما القذف بما جاش به صدرك و إتباعك لنفسك إلى غير قصد و لا معرفة حد و الأخرى استغناؤك عما فيه حاجتك و تكذيبك لمن إليه مردك و إياك و ترك الحق سامة و ملالة و انتجاعك الباطل جهلا و ضلالة لأنا لم نجد تابعا لهواه جائزا عما ذكرنا قط رشيدا فانظر في ذلك.
                  و الأخبار في هذا الباب أكثر من أن تحصى و فيما ذكرناه كفاية إن شاء اللَّه.
                  إن قيل قد جاءت روايتان احديهما عن أبى جعفر و أبى عبد الله عليهما السلام أنهما قالا "علينا أن نلقى إليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا" و الثانية عن أبى الحسن الرضا ع قال علينا إلقاء الأصول و عليكم التفريع" و هذا هو الإذن في الاجتهاد فكيف التوفيق.
                  قلنا ليس معنى الحديثين ما ذهبت إليه كلا بل ليس معناهما إلاّ لنعمد إلي ما ألقوا إلينا من ‏الأحكام الكلية فنستخرج منها أحكاماً جزئية بالبراهين اليقينية بأحد الأشكال الأربعة وليس هذا من اجتهاد الرأى و استنباط الحكم بالظن في شي‏ء في ذلك مثل قولهم عليهم‏السلام "لا ينقض اليقين أبدا بالشك و لكن ينقضه يقين آخر" فإنَّا نفهم من هذا الحديث يقيناً أن المتيقن للطهارة الشاك في الحدث لا يجب عليه الطهارة و المتيقن لطهارة ثوبه الشاك‏ في وصول نجاسة إليه لا يجب غسله و المتيقن لشعبان الشاك في دخول رمضان لا يجب‏عليه الصيام إلي غير ذلك من الجزئيات.
                  و مثل قولهم ع "كل شي‏ء مطلق حتى يرد فيه نهى", و قولهم عليهم السلام "كل شي‏ء فيه حلال ‏و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه", و قولهم عليهم السلام "كلما غلب اللَّه عليه من ‏أمر فاللَّه أعذر لعبده", و قولهم عليهم السلام "إذا جزمت من شي‏ءِ ثم شككت فيه فشكك ليس ‏بشي‏ء", إلي غير ذلك من الأصول الكلية التي يتفرع عليها الجزئيات و قد ذكرنا طرفا منها في‏كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة فليطلبها من أرادها هنالك مع تتمة الكلام و بسطه في ذلك ‏و للَّه الحمد.


                  (( منقول من كتاب سفينة النجاة
                  تأليف
                  المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
                  محمد بن المرتضى المدعو
                  بالمولي محسن الكاشاني
                  المتوفى 1091

                  تعليق


                  • #10
                    (( الحلقة الخامسة ))

                    "](( الحلقة الخامسة ))



                    الفصل العاشر
                    نقل كلام بعض القدماء في ذم الاجتهاد و متابعة الآراء
                    قد علمت أن انحصار طريق معرفة العلوم الشرعية أصولية كانت أو فرعية في الرواية عن ‏أهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التمسك في شي‏ء منها إلي المقدمات الجدلية والاستنباطات الظنية كان من شعار متقدمي أصحابنا وأصحاب الأئمة صلوات اللَّه عليهم.
                    فاعلم أنهم صنفوا في ذلك كتباً و رسائل فمن الكتب المصنفة في ذلك (كتاب النقض على عيسى ‏بن أبان في الاجتهاد) ذكره النجاشي في ترجمة إسماعيل بن علي بن إسحاق, و منها كتاب ‏الإيضاح للفضل بن شاذان النيسابوري و كان من أجل أصحابنا الفقهاء و قد روى عن أبي ‏جعفر الثاني ع و قيل عن الرضا ع أيضاً و قد صنف مائة و ثمانين كتاباً و ترحم أبو محمد عليه مرتين أو ثلثا و قال بعد أن رأى تصنيفه و نظر فيه و ترحم عليه "أغبط أهل خراسان بمكان ‏الفضل بن شاذان", قال في كتابه المذكور‏ في القوم المتسمين بالجماعة المنسوبين إلي السنة: إنَّا وجدناهم يقولون إن اللَّه تبارك و تعالي لم يبعث نبيه إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من ‏أمر دينهم و حلالهم و حرامهم و دمائهم و مواريثهم و رقّهم و سائر أحكامهم و أن رسول اللَّه ص لم يكن يعرف ذلك أو عرفه فلم يبينه لهم و أن أصحابه من بعده و غيرهم من التابعين ‏استنبطوا ذلك برأيهم و أقاموا أحكاما سموها سنة اجروا الناس عليها و منعوهم أن ‏يجاوزوها إلي غيرها و هم فيها مختلفون يحل بعضهم منها ما يحرمه بعض و يحرم بعضهم ‏ما يحله بعض.
                    و قال في حق الشيعة إنهم يقولون أن اللَّه جل ثناؤه تعبد خلقه بالعمل بطاعته واجتناب معصيته علي لسان نبيه ص فبين لهم جميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم صغيراً كان أو كبيراً فبلغهم إياه خاصاً و عاماً و لم يكلهم إلي رأيهم و لم يتركهم في عمى و لا شبهة, علم ذلك ‏من علمه و جهل ذلك من جهله فأما ما أبلغهم عاما فهو ما الأمة عليه من الوضوءِ و الصلاة والخمس و الزكاة و الصيام و الحج و الغسل من الجنابة و اجتناب ما نهى اللَّه عنه في كتابه من‏ الزنا و السرقة و الاعتداء و الظلم و الرياء وأكل مال اليتيم وأكل الربا و ما أشبه ذلك مما يطول شرحه و‏تفسره و هو معروف عند الخاصة و العامة. و أما ما بلّغه خاصاً فهو ما وكلنا إليه قوله عز وجل " أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" و قوله "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فهذا ‏خاص لا يجوز أن يكون من جعل اللَّه له الطاعة علي الناس أن يدخل في مثل ما هم فيه من‏ المعاصي و ذلك لقول اللَّه جل ثناؤه " و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك ‏للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" علمنا أن الظالمين ليسوا بأئمة يعهد إليهم في العدل‏علي الناس و قد أبى اللَّه أن يجعلهم أئمة و علمنا بقوله تبارك و تعالي "إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعم ما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً" أن ذلك عهد عهده إليهم لم‏ يعهد هذا العهد إلا إلي أئمة يحسنون أن يحكموا بالعدل و لا يجوز أن يأمر أن يحكم بالعدل من لا يحسنه.
                    ثم ‏قال بعد كلام طويل ثم رجعنا إلي مخاطبة الصنف الأول فقلنا لهم ما دعاكم إلي أن قلتم إن ‏اللَّه تعالى لم يبعث نبيه إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام وان رسول اللَّه ص لم يعلم ذلك أو علمه فلم يبينه للناس حتى توفى؟ و ما الذي اضطركم إلي هذا القول؟ قالوا لم ‏نجد الفقهاء يروون جميع ما يحتاج إليه الناس في أمر الدين و الحلال و الحرام عن النبي ص ـ وأن جميع ما أتانا عنه أربعة آلاف حديث فقط في التفسير والحلال والحرام و الفرائض من ‏الصلاة و غيرها فلابد للناس من النظر فيما لم تأتنا به الرواية عنه و استعمال الرأى فيه و تجويز ذلك لنا قول رسول اللَّه ص لمعاذ ابن جبل حين و جّهه إلي اليمن بم تقضى يا معاذ؟ قال بالكتاب قال ‏فما لم يكن في الكتاب؟ قال فبالسنة قال فما لم يكن في السنة؟ قال أجتهد رأيي قال الحمد اللَّه ‏الذي وفق رسول رسوله فعلمنا انه قد أوجب أن من الحكم ما لم يأت به في كتاب و لا سنة وانه لابد من استعمال الرأى.
                    وقوله ص إنما مثل أصحابي فيكم مثل النجوم بأيها اقتديتم اهتديتم, وقوله اختلاف أصحابي لكم‏ رحمة. فعلمنا انه لم يكلنا إلي رأيهم إلا فيما لم يأتنا به ولم يبينه لنا و تقدم في ذكر الصحابة الأولين فيما قالوا فيه برأيهم من الأحكام و المواريث و الحلال و الحرام فعلمنا أنهم لم‏ يفعلوا إلا ما هو لهم جائز و أنهم لم يخالفوا الحق ولا خرجوا منه, و لم يكونوا ليجتمعوا علي باطل فلا لنا أن نضلّلهم فيما فعلوا فاقتدينا بهم فإنهم الجماعة و الكثرة ويد اللَّه علي الجماعة ولم يكن اللَّه ‏ليجمع الأمة علي ضلال.
                    قيل لهم إن اكذب الروايات و أبطلها ما نسب الله عز وجل فيه إلي الجور و نسب ‏نبيه ص فيه إلي الجهل, و في قولكم إن اللَّه لم يبعث إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه تجويز له في‏ حكمه و تكذيب بكتابه لقوله " اليوم أكملت لكم دينكم" و لا تخلو الأحكام إما أن تكون من‏الدين أو ليست من الدين, فإن كانت من الدين فقد أكملها و بينها لنبيّه ص, و إن كانت عندكم ‏ليست من الدين فلا حاجة بالناس إليها, و لا يجب في قولكم عليهم بما ليس من الدين, و هذه‏ شنعة و هي متصلة بمثلها من تجهيل النبي ص و ادعائكم استنباط ما لم يكن يعرفه من فروع ‏الدين و حق الشيعة الهرب مما أقررتم به من‏هاتين الشنعتين اللتين فيهما الكفر باللَّه وبرسوله.
                    قال: وفيما ادعيتم من قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ تكذيب بما أنزله الله وطعن على رسوله فأما ما كذبتم به من كتاب الله فما قدمناه في صدر كتابنا من قوله تعالى: وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، وقوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ، وقوله: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ، وقوله: لا يشرك في حكمه أحدا ، وقوله: ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ، وقوله: له الحكم واليه ترجعون ، وقوله: واصبر لحكم ربك ، وما أشبهه مما في الكتاب يدل على أن الحكم لله وحده فزعمتم انه ليس في الكتاب ولا فيما أنزل الله على نبيه ص ما يحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه، وان معاذا يهتدى إلى ما لم يوح الله إلى نبيه ص وانه يهتدى بغير ما اهتدى به النبي ص، وأوجبتم لمعاذ أن رأيه في الهدى كالذي أوحى الله إلى نبيه ص فرفعتم مرتبته فوق مرتبة النبوة إذ كانت النبوة بوحي ينتظر ومعاذ لا يحتاج إلى وحى بل يأتي برأيه من قبل نفسه، فمثلكم كما قال الله تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال: أوحي إلى ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ، فصار معاذ عندكم يهتدى برأيه ولا يحتاج في الهدى إلى وحي والنبي يحتاج إلى وحى، ولو جهد الملحدون على إبطال نبوته ص ما تجاوزوا ما وصفتموه به من الجهل. ثم أخبرنا الله تعالى أن أصل الاختلاف في الأمم كان بعد أنبيائهم فقال: كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين - الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم فحمدتم أهل البغي وقلتم: اختلافهم رحمة واقتديتم بالخلاف وأهل الخلاف وصرفت قلوبكم عمن هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، ويحقق لنا عليكم قول الله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم فاتبعتم أهل الاختلاف واتبعنا من استثناه الله بالرحمة، فلما ضاق عليكم باطلكم أن يقوم لكم بالحجة أحلتم على الله بالتجوير في الحكم من تكليفه كما زعمتم إياكم ما لم يبينه لكم، وعلى نبينا ص بالتجهيل في قولكم انه لم يبين لكم الطاعة من المعصية، وعلى أهل الحق والمصدقين لله ولرسوله بالعداوة والبغضاء، وعلى الحق من أحكام الكتاب بالعبث والإلحاد. إلي آخر ما قاله من هذا القبيل مع ما فيه من التطويل سيما فيما طعن به في خبر معاذ و اقتصرنا علي ذلك فان القطرة تدل علي الغدير و الحفنة تهدى إلي البيدر الكبير و لغيره رضي اللَّه عنه أيضا كلمات في ‏ذلك لا تحضرني الآن و فيما ذكرنا كفاية لطالب الحق و اليقين و بلاغاً لقوم عابدين, و لقد تكلمنا مع أقوام من أهل العلم في هذا الشأن فانصفونا و صدقونا و رجعوا عن مذهب ‏الأصوليين إلي طريقة الإخباربين و منهم من سبقنا إلي ذلك مع دعاء و نداء إلا إني لم أجد بهذه الطريقة عاملا و لا أراه فيه كاملا كأنه لم يصر بعد من الأحرار أم يظن أن مخالفة الجمهور ومتاركة المشهور من العار واللَّه المستعان.







                    ]

                    تعليق


                    • #11
                      يتبع الحلقة الخامسة

                      يتبع الحلقة الخامسة


                      الفصل الحادي عشر
                      نقل كلام صاحب كتاب إخوان الصفا في تزييف الاجتهاد و متابعة الآراء
                      في رسالة بيان اللغات من كتابه: اختلفت المذاهب والآراء والديانات والاعتقادات فيما بين أهل دين واحد ورسول واحد لافتراقهم في موضوعاتهم واختلاف لغاتهم وأهوية بلادهم وتباين مواليدهم وآراء
                      رؤسائهم وعلمائهم الذين يحزبونهم ويخالفون بينهم طلبا لرياسة الدنيا ، وقد قيل في المثل: خالف تذكر، لأنه لو لم يطرح رؤساء علمائهم الاختلاف بينهم لم يكن لهم رياسة وكانوا يكونون شرعا واحدا إلا أن أكثرهم متفقون في الأصول مختلفون في الفروع، مثال ذلك: أنهم مقرون بالتوحيد وصفات الله سبحانه مما يليق به، مقرون بالنبي (ص) المبعوث إليهم، متمسكون بالكتاب المرسل إليهم، مقرون بإيجاب الشريعة، مختلفون في الروايات عنه والمعاني التي وسائطها رجال أخذوها منه، فرواها كل من أخذ بلسانه لان النبي ص كان معجزته وفضيلته أنه كان يخاطب كل قوم بما يفهمون عنه بحسب ما هم عليه من حيث هم وبحسب ما يتصورونه في نفوسهم وتدركه عقولهم، فلذلك اختلفت الروايات وكثرت مذاهب الديانات واختلفوا في خليفة الرسول ص وكان ذلك من أكبر أسباب الخلاف في الأمة إلى حيث انتهينا.
                      وأيضا فإن أصحاب الجدل والمناظرات ومن يطلب المنافسة في الرياسة اخترعوا من أنفسهم في الديانات والشرائع أشياء كثيرة لم يأت بها الرسول ص ولا أمر بها، وابتدعوها وقالوا لعوام الناس: هذه سنة الرسول ص وسيرته وحسنوا ذلك لأنفسهم حتى ظنوا بهم أن الذي قد ابتدعوه حقيقة قد أمر به الرسول ص وأحدثوا في الأحكام والقضايا أشياء كثيرة بآرائهم وعقولهم وضلوا بذلك عن كتاب ربهم وسنة نبيهم واستكبروا عن أهل الذكر الذين بينهم وقد أمروا أن يسألوهم عما أشكل عليهم، فظنوا لسخافة عقولهم أن الله سبحانه قد ترك أمر الشريعة وفرائض الديانة ناقصة حتى يحتاجوا إلى أن يتموها بآرائهم الفاسدة وقياساتهم الكاذبة واجتهادهم الباطل وما يخرصوه وما يخترعوه من أنفسهم، وكيف يكون ذلك ؟ ! وهو يقول سبحانه: ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال سبحانه: تبيانا لكل شيء، وإنما فعلوا ذلك طلبا للرياسة كما قلنا آنفا وأوقعوا الخلاف والمنازعة بين الأمة فهم يهدمون الشريعة ويوهمون من لا يعلم أنهم ينصرونها، وبهذا الأسباب تفرقت الأمة وتحزبت ووقعت بينها العداوة والبغضاء، وتأدت إلى الفتن والحروب واستحل بعضهم دماء بعض، فان امتنع بعض من يعرف الحق من العلماء وخاطب رؤساءهم في ذلك وخوفهم بالله وأرهبهم من عذابه عدلوا إلي العوام وقالوا لهم: هذا فلان ويغرون به العوام وينسبون إليه من القول ما لم تأت به شريعة ولا قاله عاقل، ولا يتمكن ذلك العالم أن يبين للعوام كيف جرى الأمر في الشريعة وينبههم على فساد ما هم عليه ويوقظهم عما هم فيه لمكان ما قد علمه من عصيانهم ولا لفهم بما قد نشأوا عليه خلفا عن سلف، وإذا رأى رؤساؤهم ذلك وان قلوب العلماء مشمئزة من العوام جعلوا ذلك شرفا لهم عندهم وأوهموهم أن ذلك انقطاع منهم عن القيام بالحجة وان سكوتهم وتخفيهم إنما هو لبطلان ما معهم وان الحق هو ما أجمعنا عليه نحن الآن فلا يزال ذلك دأبهم والرؤساء الجهال فيهم يتزايدون في كل يوم واختلافاتهم تزيد واحتجاجاتهم ومناظراتهم تكثر وجدالهم ينتشر حتى هجروا أحكام الشريعة وغيروا كتاب الله بتفسيراتهم له بخلاف ما هو به كما قال سبحانه: يحرفون الكلم عن مواضعه، وفي اصل أمرهم قد حزبوا الأمة وحولوا الشريعة من حيث لا يشعرون وأولوا أخبار الرسول ص بتأويلات اخترعوها من تلقاء أنفسهم، ما أنزل الله بها من سلطان، وقلبوا المعاني وحملوها على ما يريدون مما يقوي رياستهم ويقبح أهل العلم عند العوام ذلك دأبهم يتوارثه ابن عن أب وخلف عن سلف وكابر عن كابر إلي أن يشاء الله إهلاكهم ويقضى بانقراضهم وفنائهم، ولم يزل هؤلاء الذين هم رؤساء العوام أعداء الحق في كل امة وقرن، فكم من نبي قتلوه، ووصي جحدوه، وعالم شردوه، فهم بأفعالهم هذه كانوا السبب في نسخ الشرائع وتجديدها في سالف الدهور إلى أن يتم ما وعد الله تعالى بقوله: "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد" . "وما ذلك على الله بعزيز" . "والعاقبة للمتقين" . "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض لله يرثها عبادي الصالحون". "إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ". فهذه العلة هي السبب في اختلاف الآراء والمذاهب، وإذا كان ذلك كذلك فيجب على طالب الحق والراغب في الجنة أن يطلب ما يقربه إلى ربه ويخلصه من بحر الاختلاف والخروج عن سجون أهله وإن غفلت النفس عن مصالحها ومقاصدها، وترك طريق الجنة والحق وأهله والدين الذي لا اختلاف فيه، وانضم إلى أهل الخلاف والى رؤساء الأصنام المنصوبة كان ذلك سبب بوارها وهلاكها وبعدها عن جوار الله سبحانه وقرنت بعفريت قال الله سبحانه: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين"، فهكذا يكون حاله مع عالمه الذي اقتدى به وغره بربه وجماعة العوام حوله وينمق كلامه فيعبدونه من حيث لا يشعرون لأنه إذا حلل بقوله وحرم بقوله ورأيه فقد عبدوه قال الله تعالى: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون" فعليك أيها الأخ البار الرحيم أيدك الله بأهل العلم الذين هم أهل الذكر من أهل بيت النبوة المنصوبين لنجاة الخلق، وقد قيل: استعينوا على كل صناعة بأهلها. انتهى كلامه بألفاظه وهو كلام متين صدرعن بصيرة و يقين.




                      (( منقول من كتاب سفينة النجاة
                      تأليف
                      المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
                      محمد بن المرتضى المدعو
                      بالمولي محسن الكاشاني
                      المتوفى 1091 ه

                      تعليق


                      • #12
                        ((الحلقة السادسة ))

                        [الحلقة السادسة ))



                        الفصل الثاني عشر
                        إشارة إلي بعض ما يترتب علي الاجتهاد و متابعة الآراء من المفاسد
                        كفي من مفاسدهما بعد كونهما مخالفة للَّه و لرسوله و للائمة المعصومين صلوات للَّه عليهم‏ كما سمعت ما بلغك فيما جرى من الصحابة من الحروب و الفتن و ما ترى من اختلاف ‏الفقهاء في المسائل الدينية من الأصول و الفروع و الفرائض و السنن مع عدم انضباط مداركها و اختلاف طرقها باختلاف الأذهان و الأحوال و مع ما فيها من المتعارضات واضطراب الأنفس و المخاصمات و رجوع كثير من فحول العلماء مما به أفتى إلي غير ذلك ‏مما لا يحصى ذكر السيد بن طاووس رحمه اللَّه عن سعيد بن هبة اللَّه المعروف بالقطب ‏الراوندي انه قد صنف كراسا في الخلاف الذي تجدد بين الشيخ المفيد و المرتضى رحمهما اللَّه و كانا من أعظم أهل زمانهما و خاصة شيخنا المفيد فذكر في الكراس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الخلاف بينهما فيها في علم الأصول و قال في آخرها لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب, وهذا يدلك على أنه طريق بعيد في معرفة رب الأرباب. انتهى كلامه و لنقصص عليك من اجتهادات المجتهدين في مسائل ‏الدين ما يتبيّن لك به أنهم كيف يضعون و به يستندون و أنى يؤفكون و نقتصر علي ثلاث‏ مسائل اثنتان أصوليتان هما نفس مسألة الاجتهاد و الإجماع و الأخرى فرعية هي مسألة من العبادات لتكون أنموذجاً تعتبر بها طريقتهم في سائر المسائل و تقيس عليها سنتهم في ‏بقية المدلولات و الدلائل و كفي بالإطلاع علي هذه الثلاث شاهداً و إلي الهدى و الخير سائقاً و قائداً.
                        ونذكر أولاً ما هو التحقيق في كل منها علي الإجمال ثم نذكر اختلافاتهم و أقاويلهم‏ فيها بطريق السؤال فتراهم ممتنعين عن الجواب لتشابه وجوه طرفي الاستدلال.

                        مسألة الاجتهاد
                        الاجتهاد و ما أدراك ما الاجتهاد أليس الاجتهاد الحق أن ينظر أحد منا إلي أحاديث أئمتنا عليهم السلام فيتدبر في معانيها و يتفهم ما أودع فيها و يميز بين المتشابه منها و المحكم ويأخذ المحكم و يرد إليه المبهم أو بتركه علي الإبهام إن لم يكن له سبيل إلي الأحكام و يحتاط في العمل و يمسك عن الفتوى و الزلل, ثم إذا اختلفت طائفة منهم مع طائفة بحسب الظاهر يعمد إلي ترجيح بعضها علي بعض ببرهان باهر من الضوابط المنقولة عنهم و القواعد المسموعة منهم علي أن يقع علي الخيار فيصح له الدار, و التقليد هو أن ينظر مستبصر الاجتهاد بعد هذا و كيف يتبعون آرائهم و أنى يصرفون عن الهدى بعد إذ جائهم, و ما معنى ‏تحصيل الظن بالاجتهاد, ثم كم قدر الظن المعتبر فيه حتى يصح عليه الاعتماد, ثم ما الذي ‏لابد منه في المجتهد من العلوم حتى يتأتى له ذلك, هل يكفيه تحصيل العلوم العربية ومعرفة القرآن و الحديث و الأحكام لذلك, أم لابد من معرفته الأصول الخمسة الدينيّة, وعلي الثاني أيكفيه التقليد أم لابد من الدلائل اليقينية, ثم هل يشطرت أن يعرفها بدلائل ‏المتكلمين أم يكفي طريق آخر, و لو أدى إذا أفاد اليقين أم لابد من طريق أعلى, ثم ما ذلك ‏الطريق, و الطرق شتى, أم يختلف بحسب اختلاف الأفهام لتفاوت الناس في النقص و التمام, ‏ثم هل يكفي في الاجتهاد ما ذكر أم لابد من علوم أخر, ما تلك العلوم و ما المعتبر فيها من قدر, و هل يشترط المنطق, و هل يجب أولا تحصيل معرفة جميع الآيات و الأحاديث الأحكامية أم يكفي ما يتعلق منها بالمسألة المطلوبة, و هل يجوز التجزى في الاجتهاد, و مع الجواز هل ‏يكفي في جواز العمل برأيه أو لغيره, ثم ما معنى التجزى و ما معنى الاجتهاد في الكل, و هل‏ يكفي في الثاني تحصيل الملكة التي بها يتمكن من تحصيل الظن في كل مسألة مسألة, أم ‏لابد من تحصيل قدر صالح أم مسائل جميع أبواب الفقه, ثم كم قدر القريحة التي لابد أن ‏يكون للخائض في الاجتهاد حتى يجوز له الخوض فيه, و هل له حد في طرف القلة لا يكتفي ‏بأقل منه, و هل يشترط فيه القوة القدسية كما زعمته طائفة, ثم ما تلك القوة ما حدها و بم‏ تعرف ثم كيف يعرف المجتهد من نفسه انه مجتهد حتى يجوز العمل برأيه, بل يجب ولا يجوز له تقليده, هل يكفي اعترافه بذلك مع عدالته أم لابد مع ذلك أن ينصب نفسه‏ متصديا للفتيا و يرجع الناس إليه فيها, أم لا يكفي ذا و لا ذا بل لابد من إذعان أهل العلم, ثم هل ‏يكفي الواحد و الاثنين أم لابد من جماعة ثم كم و من؟ أيكفي من حصّل طرقاً من العلوم ‏الرسمية أم لابد أن يكون مجتهداً أم‏ لا و لا فمن؟ و علي تقدير اشتراط الاجتهاد فهل يجوز الدور في مثله, ثم هل يجوز تقليد المجتهد الميت أم يموت القول بموت صاحبه, و علي‏ تقدير الجواز هل يشترط أن يكون الناقل قد سمع منه في حال حياته أم يكفي رجوعه ‏إلي كتابه بعد موته, و علي الثاني هل يشترط فيه أن يكون من أهل العلم, ثم ما العلم الذي ‏يشترط فيه, ثم هل اتفاق المجتهدين علي عدم اعتبار قول الميت يكفي في عدم أعتبار أقوالهم, لأن هذا من جملة أقوالهم فاعتباره يوجب عدم اعتبارها أم لا, هذا ما حضرني من‏الاحتمالات و الشقوق في هذه المسألة و قد ذهب إلي كل قوم و لعل ما لم يذكر لم يكن أقل‏ مما ذكرنا و يزيد في كل عصر أقوال و اختلافات إلي ما شاء اللَّه و إلي اللَّه المفزع .

                        تعليق


                        • #13
                          يتبع الحلقة السادسة

                          "]"]مسألة الإجماع
                          الإجماع و ما أدراك ما الإجماع أليس الإجماع المعتبر أن تتفق الطائفة المحقة و الفرقة الناجية علي مضمون آية محكمة أو رواية معصومية غير متهمة بحيث يعرفه الكل و لا يشذ عنه شاذ كاتفاقهم علي وجوب مسح الرحلين في الوضوءِ دون الغسل للنصوص و إليه ‏أشير في الحديث قال ع " خذ بالمجمع عليه بين أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ".
                          ثم انظر ماذا يقول أهل الاجتهاد و إلي ما يقولون في الاستناد و اسألهم معنى اتفاق الآراء المشتمل علي قول المعصوم, أليس قول المعصوم بإنفراده حجة دون انضمام رأى احد إليه, ‏أم‏ ذلك في موضع لا يعرف قوله إلا في جملة أقوال الناس كما زعموه, ثم ما المقصود من هذا وكيف يعرض و بم يعرف قوله فيها, و هل يكتفي اتفاق المجتهدين أم لابد من كل من انتسب‏ إلي العلم في الإسلام, أم جماعة من المسلمين يعلم دخول قول في أقوالهم, و علي التقادير الثلاث الأول هل يكفي من في البلد منهم أم لابد من كل من في الأرض حتى لو كان رجل ‏منهم في بلاد الكفر لابد من معرفة رأيه بل من كان منهم في قرية أو بادية أو جبل أو كهف ‏أو مغارة أو سفينة أو غير ذلك, ثم كيف يعرف وجود مثل هذا المسلم في مثل ذلك الموضع وعلي تقديره كيف يحصل العلم بقوله و رأيه, ثم كيف يعرف أن ما يقوله هو الذي يعتقده لم‏ يكذب فيه و لم يتق أحداً, و لم يرى مصلحة في كتمان مذهبه, ثم كيف يحصل الإطلاع علي قول ‏الإمام في جملة أقوال الناس المتفرقين مع غيبة شخصه و خفاءِ عينه و انقطاع أخباره وأقواله و مكانه في مدة تقرب من سبعمائة سنة بحيث لم يعلم انه في أي قطر من أقطار الأرض ‏مشارقها و مغاربها برّها و بحرها سهلها و جبلها و أنه ممازج للناس مخالط و معامل معهم أو منزوي عنهم ساكن في أقاصي الأرض و أباعدها أو هو في كهف جبل منقطع عن الخلق أو هو في بعض الجزائر التي لا يصل إليها أحد من الناس, إلي غير ذلك مما لا سبيل عليه بوجه, وعلي التقدير الرابع كيف يعرف قول المعصوم في جملة أقوال جماعة معينين بدون معرفة شخصه, هل يتصفح آثار القدماء و أصحاب الأئمة عليهم السلام بحيث يعلم دخول بعض ‏الأئمة الماضين في جملتهم, و إن لم يصل إلينا رواية منقولة علي الخصوص, أو بعد التصفّح والإطّلاع علي الاتفاق يعرف موافقته معهم و إن لم يكن أصلاً في جملتهم لإمارة تقتضى ذلك,‏ أم بطريق آخر غير ما ذكر, ثم ما هو أبوجود مجهول النسب في جملتهم كما قالوه و أنى يعني ‏ذلك و لابد من العلم بدخول المعصوم و لا يكفي الاحتمال وعلى التقادير يندر وقوعه غاية الندره و خصوصاً في المسائل التي لم يرد فيها الرواية أو وردت مختلفة أو بخلاف ما ادعي ‏الاتفاق عليه و لاسيما في مثل هذه الأزمنة المنقطعة عن المعصومين من كل وجه, فكيف‏ يدعى مثل هذا الاتفاق في أكثر المسائل و في أمثال المسائل المذكورة و فيها بعد الأزمنة المتطاولة المنقطعة رأسا, ثم هل علي الإمام أن يظهر قوله إذا رأى اختلافهم في مسألة لئلا نكون في حيرة مطلقا لأنا نحن السبب في استتاره لا نعم ما هو, و علي التقدير الأول فلم ‏لم يرفع الاختلاف من البين في أكثر المسائل في هذه المدة المتطاولة, و علي الأخيرين‏ لا يتحقق إجماع لعدم السبيل إلي معرفته, و علي تقدير وجوب الإظهار كيف يظهر بتعريف ‏نفسه و ليس له ذلك, علي انه يعدم فائدة الإجماع حينئذ, أو بإرسال رسول فلابد له من معجز و إلا كيف يعرف صدقه فيعدم الفائدة أيضا إذ يرجع حينئذ إلي الخبر, ثم بم يثبت العلم بهذا الاتفاق أبأمثال هذه الاجتهادات فيخص نفعه و حجيته بمن اجتهد فيه و لا يعدو أنه غيره‏ أم‏ بالخبر فبخبر من؟ أبخبر مثل هذا المجتهد عما؟ أعن ظنه فيكون إثبات ظن بظن و ليس له‏ غير ظنه, ‏أم بخبر جماعة على سبيل التواتر عن ظن من أنفسهم أم آخرين, و علي التقديرين ‏يكون إخباراً عن ظنونهم بالاتفاق لاعن الاتفاق, ثم التواتر لابد من انتهائه إلي الحس كما قرروه و ليس هذا الاتفاق علي شي‏ء من هذه التقادير بمحسوس بل هي ظنون واجتهادات.
                          و لهذا تراهم مختلفين في نقل الإجماعات اختلافاً شديداً, فترى أحدهم ينقل الإجماع في ‏مسألة علي قول في كتاب له, ثم ينقل الإجماع في تلك المسألة بعينها علي القول الآخر أو ينقل الخلاف فيها إما في ذلك الكتاب بعينه أو كتاب آخر, ومثل هذا يقع منهم كثيراً حتى أن‏ شيخهم و رئيسهم فعل مثل ذلك في قريب من أربعين مسألة علي ما وقع الإطلاع عليه ‏لجماعة.
                          هذا ما حضرني من الاحتمالات و الشقوق في هذه المسألة و قد ذهب إلي أكثرها أقوام ولعل ما لم يذكر ليس بأقل مما ذكر و يزيد في كل عصر و قرن أقوال و اختلافات أخر و إلي اللَّه‏ المشتكى و المفرّ.

                          مسألة النية
                          النية و ما أدريك ما النية, أليست النية ما يبعثك علي العمل و يدعوك إليه, كالتعظيم في ‏قيامك لأخيك, و دفع العطش في قيامك إلي الماء, و هي مما جبل عليه الإنسان في أعماله, ‏بل سائر الحيوانات في أفاعيلها, ولا يمكن أن ينفك عمل عنها, وللَّه درّ صاحب البشرى ‏حيث قال ( لو كلفنا اللَّه العبادة من دون النية لكان تكليفاً بما لا يطاق ) فما هذه الحيرة و التحيير و ما هذا التكليف العسير و ما ذاك القال و القيل و ما ذاك الإطناب و التطويل.
                          و أما حديث "إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل أمري‏ء ما نوى" فما أظهر معناه, و ما أبين معزاه وما أكشف أخره عن أوله حيث قال عقيبه "فمن كانت هجرته إلي اللَّه و رسوله فهجرته إلي اللَّه ورسوله, و من كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه" و إنما سبب صدور هذا الحديث قول بعض الصحابة للنبي ص إن بعض المجاهرين إلي الجهاد ليست ‏نيته من تلك الهجرة إلا أخذ الغنائم من الأموال و السبايا أو نيل الجاه و الصيت عند الاستيلاء, فبيّن ص أن كل أحد ينال في عمله ما يبغيه ويصل إلي ما ينويه, و هذا واضح بحمد اللَّه‏و لا مدخل لهذا الحديث فيما ذهبوا إليه في أمر نية العبادات من المبتدعات.
                          ]

                          تعليق


                          • #14
                            يتبع الحلقة السادسة 2


                            وليت شعري من أين يقولون و إلي ماذا يستندون, و عن الحق أنّى يؤفكون, و لنسألهم عن‏اختلافاتهم فيها و أقاويلهم في معانيها هل يأتون عليها من سلطان من عندهم إليه يأوون, كلّا و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون, فليجيبوا فأما معنى النية التي اخترعوها في العبادات أهي ‏ألفاظ جارية علي اللسان أم الجنان, أم معان خاطرة علي القلب, أم قد يكون الجميع كما في ‏أفعال الحج, و قد يكون الأخير كما في غيرها, ثم لو قال بلسانه خلاف ما أخطر بقلبه فهل ‏يصح أم لا, ومع الصحة هل العبرة بالقول أم الإخطار, ثم هل يكفي قصد القربة أم لابد معه من‏ قصد الوجوب أو الندب, أم في بعض العبادات ذا أو بعضها ذا, و علي الأخير فما ذاك و ما ذا و ما الفرق, و هل يجب مع قصد الوجوب و الندب قصد وجه الوجوب و الندب أعني حسن الفعل ‏الداعي إلي الترغيب التام أو الناقص في الجميع أو البعض, ثم ما ذلك البعض و ما الفرق, ثم ‏إذا لم يعلم المكلف الوجوب أو الندب فهل يجب عليه تحصيل العلم به أولا أم يسقط حينئذ ذلك, أم يقصد الوجوب أو الندب أم يأتي بالأمرين مردداً أم بالفعل مرتين, ثم هل يمكنه قصد أحدهما مع عدم العلم أو الاعتقاد, ثم ما معنى القربة هل هي بمعنى الامتثال أو موافقة الإرادة و القرب منه تعالي بحسب المنزلة, أو الهرب من البعد عنه اونيل الثواب عنده أو الخلاص من‏ عقابه, أو كونه أهلا للعبادة, أو للحب له, أو للحياء منه, أو المهابة عنه, أو الشكر له, أو التعظيم, أو نفسه جل و عز, أم هي أمر وراء هذه ثم يقول أحد هذه مقامه ‏أم لا أم البعض دون بعض, ثم أيهما عّد الثواب و الخلاص من العقاب كما ظن أو غير ذلك, ثم هل تبطل العبادة بقصد أحدهما, و هل يخل بها قصد آخر غير هذه مطلقا أم منفرداً لا متفقاً أم مع الاستدلال لا بدونه, أم إذا كان‏ غالباً لا مغلوباً أو مساوياً أو مع المساوات أيضاً مع الإخلال أيّ أمر كان, أم إذا لم يكن مباحاً كالتبّرد في الوضوء, أو راجحاً كالحمية في الصوم, أو طارئاً في الإثناء كائنا ما كان, أو الريا فحسب دون غيره, أو الريا يسقط الطلب من المكلف و لا يستحق به ثوابا, وهل يشترط في ‏الطهارات الثلاث قصد رفع الحدث و استباحة العبادة المشروطة بها و الراجحة بها أو احد الأمرين تخييراً, أم الاستباحة خاصة في التيمم لأنه لم يرفع الحدث و إنما يفيد الاستباحة فحسب, و هل احد الأمرين غير الآخر أم متحدان, و هل وجوب الطهارات أو استحبابها لنفسها و عن غيرها لغيرها, و علي التقادير هل يشرط تعيين ذلك في النية أو العلم به ‏أم‏ لا, ثم‏ هل يجوز إيقاع شيى‏ء منها للعبادة المشروطة بها قبل وقت تلك العبادة بنية الوجوب أو بنية الاستجاب مطلقا, أو إذا بقى إلي الوقت مدار فعلها لا أزيد أو الأول في الثاني و الثاني في ‏الأول أو لا مطلقا أو يبنى علي كونها لنفسها أو لغيرها فيجوز في الأول دون الثاني أو بالعكس, ‏أو لا يجوز في التيمم مطلقا, أم يجوز بنية الوجوب لمن عليه فريضة مطلقا, أم إذا أراد فعلها خاصة و ليس لغيره, ثم هل يجوز الدخول في الفريضة بالطهارة المندوبة, و علي تقدير الجواز أمطلقا أم إذا نوى بها استباحة تلك العبادة أو مطلق استباحة العبادة, أو في صورة دون ‏صورة, ثم ما تلك و ما تيك و هل يشترط قصد الأداء و القضاء في العبادات الموقوتة التي ‏تجريان فيها كالصلاة و الصوم, أم في بعضها دون بعض, ثم ماذا و ماذا و ما الفرق, و هل يكفي ‏في الصيام قصد ترك المنافيات, أم لابد من قصد الكف عنها بناء علي أن الأول أمر عدمي والثاني وجودي, و هل يشترط مقارنة النية لأول العبادة, أم يجوز التقديم و التأخير, أم في‏الصوم خاصة يجوز التقديم دون غيره, ثم ما قدر التقديم الجائز فيه أتمام الليل أم تمام‏ الشهر أم الأول مطلقا و الثاني مع النسيان أم يجوز التأخير فيه أيضا إلي الزوال إما مطلقا أو مع ‏النسيان أو العذر أو إلي قبيل الليل في المستحب دون الواجب, و هل يكفي مقارنة العرفية أم ‏لابد من الحقيقية, و هل المقارنة اللازمة للقلبية أو اللفظية, و علي تقدير لزوم المقارنة هل ‏يجوز في الوضوء و الغسل مقارنتها لغسل اليدين المستحب لأنه من الطهارة الكاملة أو المضمضة أو الاستنشاق لأقربيتها إلي الواجب, و هل يجب استحضار الصلاة المندوبة حالة التكبير, و هل يجب استدامة حكم النية إلي آخر العبادة, و علي تقدير وجوبه ما معناها هل‏ هي أمر وجودي هو استمرار النية الأولى أو أمر عدمي بمعنى أن لا ينوي ما ينافي النية الأولى, ثم هل بناء ذلك علي أن الباقي يفتقر في البقاء إلي المؤثر أو لا يفتقر, و متى أخل ‏بالاستدامة فهل يبطل الفعل الواقع بعد الإخلال قبل استدراك النية, ثم إن عاد إلي النية الأولى قبل الإتيان بشي‏ء منها و قبل فوات الموالات حيث كانت شرطا لصحة العبادة لوقوعها بأسرها مع النية و عدم تأثير مثل ذلك فيه‏ أم لا لتخال القطع, ثم‏هل يجوز العدول‏ بالنية في شيى‏ء من العبادات أم لا, فإما قد يجوز و قد لا يجوز, ثم ما موضع الجواز و ما محل‏المنع و ما الفرق, و لو ذهل من النية في أثناء الفعل فهل يكفي تجديدها عند الذكر أم لابد من‏ استئناف الفعل أم قد وقع, ثم النية هل هي واجبة أم مستحبة أم قد وقع, ثم أين تجيء و أين ‏تستحب و ما الفرق, و هل هي في جميع الأفعال أم في العبادات خاصة, ثم ما العبادات التي‏ تجري فيها أليست إزالة النجاسة عن الثوب و البدن للصلاة عبادة فلم لا تجب فيها عند موجبها, و هل هي شرط أم‏ لا, أم في الواجب دون المستحب, أم العبادة دون غيرها, أم في التيمم‏ دون غيره, و هل تصير المباحات بالنية في الحديث المشهور "نية المؤمن خير من عمله" هذه‏ النية أم أمر آخر, ثم ما هو وما معنى الحديث, ثم لو ذهبنا بذكر أقاويلهم في معناه لطال الخطب ‏بل لو اقتصصنا عليك ساير شقوق النية لما فرغنا إلي ما يهمنا إلا بعد ملال و سامة, و هل مثل‏هذه الأمور الآتية في تيه و حيرة في حيرة لا محيص عنها و لا ساحل لها, ثم هب أنها قد تفصت عنها المجتهدون في كتبهم و مسفوراتهم و لم يفعلوا بما يقوم علي ساق و لن يفعلوا فهب أنهم فعلوا فليس في جميعها بل و لا أكثرها و لا أهمها, والمقلد المسكين كيف يصنع و بقول من يأخذ و إلي من يلوذ و كيف يظهر له استجماع شرائط الفتوى فيمن يدعى الاجتهاد و هو موقوف علي تصديق بعضهم بعضها و لا أقل من عدم ‏تكذيبه إياه و هو أمر يمتنع وقوعه إلا من أوحديهم كيف و هم في أكثر البلاد و في أكثر الأزمنة لا يكادون يصطلحون علي خمس مسائل اجتهادية بل و لا على أقل و لا اثنان منهم ‏كما نراه في زماننا و نسمعه فيمن كان قبلنا والي اللَّه المفزع.

                            خاتمة
                            اعلم أني لست أنكر طريقة أهل الاجتهاد جهلا منى بها و لا لعدم بصيرتي فيها كلا بل ما أقدمت علي ذمها إلا بعد ما اطلعت علي طمها ورمها و بعد ما صرفت في البحث عن أصولهم ‏المخترعة أياماً وقضيت في صناعتهم أعواماً فإني بما يعلمون بصير ولا ينبئك مثل خبير, ثم‏ ما ذكرنا كله إنما هو في شأن أهل الاجتهاد و الرأى الناسبين أنفسهم في استعمال الأحكام ‏إلي الأئمة ع بالاستنباط من كلامهم بتأويل المتشابهات علي الأصول المقّررة عندهم.
                            و أما مقلدة هؤلاء المجتهدين الناسبون أنفسهم إليهم المتمسكون بأقاويلهم المفتون من ‏كتبهم بعد موتهم من بعد ما سمعوا منهم أن لا قول للميت و أن قول الميت كالميت و بعد إطلاعهم علي اتفاقهم علي ذلك الذين ترى أحدهم ينصب نفسه قاضياً ضامناً لتلخيص ما التبس علي غيره مع أن مقتداه الميت غير ملبي‏ء بإصدار ما ورد عليه و لا عاضّ علي العلم‏ بضرس قاطع فكيف بهذا المسكين المقتفي أثره فما أبعدهم عن الحق و ما أسحقهم عن ‏الإصابة و أعجب من ذلك أنهم يشطرتون الحياة
                            فيمن يجوز تقليده و مع ذلك لا يقلدون‏إلا الأموات و يجهدون اجتهاد الأحياء و عدالتهم ماداموا أحياء منافسة و حسداً حتى إذا ماتوا صارت أقاويلهم معتبرة عندهم و كتبهم معتمداً عليها لديهم لزوال العلة أيتغافلون بعد موتهم عما عدوه من عيوبهم أم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أم لا يميّزون بين الحق والباطل و الحالي و العاطل لكلال بصائرهم و اعتلال ضمائرهم فيسوى عندهم الصدق والزور و الظلمات و النور و ليت شعري أي مدخل في الموت و الحياة في بطلان الفتيا أو إصابة الآراء و هل الحق إلا واحد و مخالفه إلا جاهد.
                            ثم إن أقاويل الأموات كما دريت مختلفة غاية الاختلاف و فتاويهم في كتبهم مناقضة كمال‏ التناقض بل الكتاب الواحد لمجتهد واحد في مسألة واحدة مختلفة في الفتوى بحسب ‏أبوابه و مباحثه و هذه الاختلافات تزايد يوماً فيوماً إلي ما شاء اللَّه انقراضها و المقلدة و إن ‏كانوا يقولون في الأكثر علي القول الأشهر إلا أن هذه الشهرة ليست مما يصح الاعتماد لكونها غير مبنية علي أصل بل إنما يكون في الأكثر بالبحث و الاتفاق أو يتقرب صاحب ‏القول من السلطان أو ما شابه ذلك من حوادث الدهور و الأوان و يختلف بحسب الأوضاع والأزمان فرب مشهور لا أصل له ورب أصيل لم يشتهر, ثم إنهم لتعصبهم الشديد و غلوهم في ‏التقليد و تجوالهم في الضلال البعيد لا يرفعون إلي ناصع رأساً و لا يذوقون من شراب ‏التحقيق كأساً و لا يلجئون إلي ركن وثيق و لا يقتدون بمن هو بالإقتداء حقيق, بل إنما يتبعون ‏أهوائهم و يقتدون آبائهم يقتص بعضهم أثر بعض حثيثاً و لا يكادون يفقهون حديثاً.
                            وليت شعري من أذن لهم في إتباع رأى من يجوز عليه الخطأ في الرأى ثم اختيار أحد أقوالهم بالاتفاق و البحث مع اختلافهم السحت, آللَّه أذن لهم أم علي اللَّه يفترون, أم تأمرهم ‏أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون, أم عندهم خزائن رحمة ربك أم هم المسيطرون, أم لهم سلم ‏يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين, أم عندهم الغيب فهم يكتبون, أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللَّه كلا بل ذرهم في غمرتهم يعمهون.
                            و حيث انتهت سفينتنا في بحر الاختلاف إلي ساحل النجاة وجرت بنا إلي منازل الهداة فلنرسلها عن الجريان, و نمسك القلم عن الطغيان, بسم اللَّه مجراها و مرساها و إلي ربك‏ منتهاها, فيا بني أركب معنا و أدخل معك من تبعنا, لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي, وتميز القول الميت من القول الحي, و كشف الغطاء من البين, ولاح الصبح لذي عينين, فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق, و لئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك ‏من العلم فمالك من اللَّه من ولي و لا واق.
                            أطفئنا السراج فقد طلع الصبح و الحمد اللَّه و الصلاة على رسول اللَّه ثم علي أهل بيت رسول اللَّه صلوات اللَّه عليهم أجمعين ثم إلي رواة أحكام اللَّه‏ ثم علي من انتفع بمواعظ اللَّه و تمت سفينة النجاة وصار اسمها تاريخها إذا بدلت عشراتها بالآحاد و آحادها بالعشرات بدل اللَّه سيئاتنا حسنات و جعل حسناتنا درجات.


                            (( منقول من كتاب سفينة النجاة
                            تأليف
                            المحقق العظيم و المحدث الكبير و الحكيم المتأله
                            محمد بن المرتضى المدعو
                            بالمولي محسن الكاشاني
                            المتوفى 1091 ه ))


                            تعليق


                            • #15
                              سلمت يداك ققولا وفعلا

                              تعليق

                              يعمل...
                              X