قصة الخضر وموسى (عليهما السلام) تـَــــذِم أختلاف مراجع الدين في الفتاوى الفقهيـــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الغر الميامين وأصحابهم المنتجبين
أخوتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كثير مانبحث ونعرف عن موارد ذم الأختلاف في الفتيا بعدما أصبح أمرها شائِعاً إلى حدٍ كبير في زماننا هذا وأبتعادنا عن مصاديق وروايات المعصومين (عليهم السلام) كأن تكون تلك الرواية ضعيفة السند أو رواتها غير موثوقين وقام بعض المجتهدين بإصدار فتاوى لاتستند على دليل نقلي وساد عليها دليله العقلي فيحكم برأيه خِلافاً مايحكم الآخر برأي آخر مخالِف للرأي السابق في نفس المسألة الفقهية, فهم يعلمون بعدم جواز التشريع العقلي .
وأكثر مانجد مواضع الخلل في أحكام الرأي والقياس والإستحسان في إصدار المستحدثات الفقهية فهؤلاء الفقهاء العاملين عليها يعلمون بعدم جواز فكرة الإجتهاد الظني وفي نفس الوقت يختلفون في فتاواهم الفقهية والأمثلة كثيرة لمن أراد أن يعرف ذلك فليقارن في رسائلهم العملية ، في حين إنهم ينكرون أن مايعملون به هو مخالف لشريعة السماء .
قصة موسى والخضر عليهما السلام نموذجاً على عدم التشريع العقلي وفيها ذمّ منهج القياس الذي سلكهُ علماء ومراجع الأسلام بالإعتماد على بعض الأدلة العقلية وترك السِنن الإلهية ، إليك مابيّنهُ أئِمتنُا المعصومين (عليهم السلام) عن غاية هذهِ القصة التي ذكرت في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق (قدس الله روحهُ الطاهرة)/
باب العلة التي من أجلها سمي الخضر خضراً و علل ما أتاه مما يسخطه موسى (عليهما السلام) من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار/
1- حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد ع أنه قال إن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه عللالشرائع ج 1 ص 60و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضرا و إنما سمي خضرا لذلك و كان اسمه باليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح ع و إن موسى لما كلمه الله تكليما و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء و جعل آيته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر و غرق الله عز و جل فرعون و جنوده و عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل يا جبرئيل أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك و قل له إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه و تعلم منه فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربه عز و جل فعلم موسى أن ذلك لما حدثت به نفسه فمضى هو و فتاه يوشع بن نون ع حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين فوجدا هناك الخضر ع يعبد الله عز و جل كما قال عز و جل في كتابه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال له الخضر إنك لن تستطيع معي صبرا لأني وكلت بعلم لا تطيقه و وكلت أنت بعلم لا أطيقه قال موسى له بل أستطيع معك صبرا فقال له الخضر إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال موسى ستجدني إن شاء الله صابرا و لا أعصي لك أمرا فلما استثنى المشي قبله قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فقال موسى ع لك ذلك علي فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر ع فقال له موسى ع أ خرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال أ لم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال موسى لا تؤاخذني بما نسيت أي بما تركت من أمرك و لا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله الخضر ع فغضب موسى و أخذ بتلابيبه و قال له أ قتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال له الخضر
عللالشرائع ج 1 ص 61إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره بل أمر الله يحكم عليها فسلم لما ترى مني و اصبر عليه فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا قال موسى إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية و هي الناصرة و إليها تنسب النصارى و استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فوضع الخضر ع يده عليه فأقامه فقال له موسى لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال له الخضر هذا فراق بيني و بينك سأنبئنك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فقال أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت بما فعلت أن تبقى لهم و لا يغصبهم الملك عليها فنصب الأنانية في هذا الفعل إلى نفسه لعله ذكر التعييب لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك ثم قال و أما الغلام فكان أبواه مؤمنين و طلع كافرا و علم الله تعالى ذكره إن بقي كفر أبواه و افتتنا به و ضلا بإضلاله إياهما فأمرني الله تعالى ذكره بقتله و أراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة فاشترك بالأنانية بقوله فخشينا أن يرهقهما طغيانا و كفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة و أقرب رحما و إنما اشترك في الأنانية لأنه خشي و الله لا يخشى لأنه لا يفوته شيء و لا يمتنع عليه أحد أراده و إنما خشي الخضر من أن يحال بينه و بين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه و وقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى ع لأنه صار في الوقت مخبرا و كليم الله موسى ع مخبرا و لم يكن ذلك باستحقاق للخضر ع للرتبة على موسى ع و هو أفضل من الخضر بل كان لاستحقاق موسى لتبيين ثم قال و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا و لم يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة و لكن عللالشرائع ج 1 ص 62كان لوحا من ذهب فيه مكتوب عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها و كان أبوهما صالحا كان بينهما و بين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه ثم قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما فتبرأ من الأنانية في آخر القصص و نسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد و يصير موسى ع به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له فتجرد من الأنانية و الإرادة تجرد العبد المخلص ثم صار متنصلا مما أتاه من نسبة الأنانية في أول القصة و من ادعاء الاشتراك في ثاني القصة فقال رحمة من ربك و ما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ثم قال جعفر بن محمد ع إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس و من حمل أمر الله على المقاييس هلك و أهلك إن أول معصية ظهرت الأنانية عن إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا و أبى إبليس اللعين أن يسجد فقال عز و جل ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فكان أول كفره قوله أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ثم قياسه بقوله خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فطرده الله عز و جل عن جواره و لعنه و سماه رجيما و أقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار
قال مصنف هذا الكتاب إن موسى ع مع كمال عقله و فضله و محله من الله تعالى ذكره لم يستدرك باستنباطه و استدلاله معنى أفعال الخضر ع حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه و سخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضي و لو لم يخبر بتأويله لما أدركه و لو فنى في الكفر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله و رسله ص القياس و الاستنباط و الاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك عللالشرائع ج 1 ص 63
2- و سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ بفرغانة يقول في خرق الخضر ع السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار إن تلك إشارات من الله تعالى لموسى ع و تعريض بها إلى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عز و جل عليه نبهه عليها و على مقدارها من الفضل ذكره بخرق السفينة أنه حفظه في الماء حين ألقته أمه في التابوت و ألقت التابوت في اليم و هو طفل ضعيف لا قوة له فأراد بذلك أن الذي حفظك في التابوت الملقى في اليم هو الذي يحفظهم في السفينة و أما قتل الغلام فإنه كان قد قتل رجلا في الله عز و جل و كانت تلك زلة عظيمة عند من لم يعلم أن موسى نبي فذكره بذلك منته عليه حين دفع عنه كيد من أراد قتله به و أما إقامة الجدار من غير أجر فإن الله عز و جل ذكره بذلك فضله فيما أتاه من ابنتي شعيب حين سقى لهما و هو جائع و لم يبتغ على ذلك أجرا مع حاجته إلى الطعام فنبهه عز و جل على ذلك ليكون شاكرا مسرورا و أما قول الخضر لموسى ع هذا فراق بيني و بينك فإن ذلك كان من جهة موسى حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني فموسى ع هو الذي حكم بالمفارقة لما قال له فلا تصاحبني و إن موسى ع اختار سبعين رجلا من قومه لميقات ربه فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز و جل حتى تجاوزوا الحد بقولهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا و لو اختارهم الله عز و جل لعصمهم و لما اختار من يعلم منه تجاوز الحد فإذا لم يصلح موسى ع للاختيار مع فضله و محله فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام بآرائها و كيف يصلحون لاستنباط الأحكام و استخراجها بعقولهم الناقصة و آرائهم المتفاوتة و هممهم المتباينة و إراداتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا و أفعال أمير المؤمنين ص مثلها مثل أفاعيل الخضر ع و هي حكمة و صواب و إن جهل الناس وجه الحكمة و الصواب فيها
تعليق