جميع فقهاء الدين في عصر الظهور الشريف يعملون بالرأي والإجتهاد العقلي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتهُ
إن مسألة الإختلاف في إصدار الفتاوى الفقهية بين المذاهب الإسلامية أصبحت واضحة لجميع المسلمين في العالم الإسلامي بل تعدى ذلك الأمر إلى أن يكون ذلك الإختلاف في إصدار الفتاوى الفقهية هو من ضمن المذهب الواحد .
الرسول الأكرم (صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم تسليماً) أكد لجميع هذهِ الأمة الإسلامية أن تتمسك بشيئين لاثالث لهما وهما كتاب الله (القرآن) و (أهل بيتهِ الطاهرين) والمخصوص منهم الأئمة الاثنا عشر وحجج الله المعصومين في أرضه الذين جاءوا بعد رسول الله (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ، حيث قال (صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم): (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).
لكن أقول هيهات أن تتسمك هذهِ الأمة بعد نبيها إلى يومنا هذا بما أمر بهِ أن يوصل ، فحتى من تمسّك بعنوان طائفة الحق في إتباع منهجية آل النبوة والرسالة وقع فيهِ الإختلاف تحت مبررات إنهم تمسّكوا بما اُمِروا بهِ من خلال الأحاديث الشريفة تاركين وراءهم كمّاً شديداً من الروايات الشريفة التي نهت عن تشريع الفقهاء بما لايعلمون حتى لايحصل الإختلاف في الفتاوى الشرعية لأي مسألة فقهية لديهم ، وهذا ما نراهُ واضحاً في إختلاف آراء فقهاء مذهب الإمامية من خلال الإطلاع على رسائل الفقهاء العملية التي أصبحت نتاجات الرأي والقياس في إجتهاد العقل البشري القاصر بدين الله تعالى.
بعد هذا أقول هناك الكثير من فقهاء مذهب الإمامية الأوائل في زمن الغيبة الكبرى لم يضعوا رسائل عملية بهذهِ الكيفية في زماننا الحاضر بكثرة الإختلاف في الرآي في وضع الإحكام الشرعية حيث كتبوا ذلك بما وجدوهُ في الأحاديث الفقهية مبتعدين عن الرأي في الإشكالات والمُستحدثات وهذا عكس مانراهُ اليوم من وضع متممات فقهية لاتمت لكتاب الله (القرآن) ولا مذكور في أخبار السنّة المطهرة بشيء ، وأقول لو عرض الإمام المعصوم تشريعاتهم الجديدة على كتاب الله لوجدوا فيهِ إختلافاً كبيراً سبحان الله.
لنرى من أقوال علماءنا الأوائل الأجلاء الذين أخذوا الحذر من الوقوع في لعبة الإجتهاد بالرأي والقياس العقلي الذي أطبق على عيوننا وأعمى بصيرتنا وعلى المثل الشعبي (ذبها بعالم وطلع سالم) من أمثال ومسميّات ما أنزل الله بها من سلطان.
الشيخ النعماني (قدس الله روحهُ الطاهرة) وضع بيانهُ الصريح وأبرأ نفسهُ الزكية من ذلك يقول/
ثم أعجب من هذا ادعاء هؤلاء الصم العمي أنه ليس في القرآن علم كل شيء من صغير الفرائض و كبيرها و دقيق الأحكام و السنن و جليلها و أنهم لما لم يجدوه فيه احتاجوا إلى القياس و الاجتهاد في الرأي و العمل في الحكومة بهما و افتروا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )الكذب و الزور بأنه أباحهم الاجتهاد و أطلق لهم ما ادعوه عليه لقوله لمعاذ بن جبل و الله يقول: (وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و يقول ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و يقول وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) و يقول: (وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً و يقول قل إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و يقول وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) فمن أنكر أن شيئا من أمور الدنيا و الآخرة و أحكام الدين و فرائضه و سننه و جميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجودا في القرآن الذي قال الله تعالى فيه تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ فهو راد على الله قوله و مفتر على الله الكذب و غير مصدق بكتابه. و لعمري لقد صدقوا عن أنفسهم و أئمتهم الذين يقتدون بهم في أنهم لا يجدون ذلك في القرآن لأنهم ليسوا من أهله و لا ممن أوتي علمه و لا جعل الله و لا رسوله لهم فيه نصيبا بل خص بالعلم كله أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين آتاهم العلم و دل عليهم الذين أمر بمسألتهم ليدلوا على موضعه من الكتاب الذي هم خزنته و ورثته و تراجمته. و لو امتثلوا أمر الله عز و جل في قوله (وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و في قوله فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) لأوصلهم الله إلى نور الهدى و علمهم ما لم يكونوا يعلمون و أغناهم عن القياس و الاجتهاد بالرأي و سقط الاختلاف الواقع في أحكام الدين الذين يدين به العباد و يجيزونه بينهم و يدعون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الكذب أنه أطلقه و أجازه و القرآن يحظره و ينهى عنه حيث يقول جل و عز: (وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و يقول وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) و يقول: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا) و آيات الله في ذم الاختلاف و الفرقة أكثر من أن تحصى و الاختلاف و الفرقة في الدين هو الضلال و يجيزونه و يدعون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أطلقه و أجازه افتراء عليه و كتاب الله عز و جل يحظره و ينهى عنه بقوله: (وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا).
فأي بيان أوضح من هذا البيان و أي حجة للخلق على الله بعد هذا الإيضاح و الإرشاد نعوذ بالله من الخذلان و من أن يكلنا إلى نفوسنا و عقولنا و اجتهادنا و آرائنا في ديننا و نسأله أن يثبتنا على ما هدانا له و دلنا عليه و أرشدنا إليه من دينه و الموالاة لأوليائه و التمسك بهم و الأخذ عنهم و العمل بما أمروا به و الانتهاء عما نهوا عنه حتى نلقاه عز و جل على ذلك غير مبدلين و لا شاكين و لا متقدمين لهم و لا متأخرين عنهم فإن من تقدم عليهم مرق و من تخلف عنهم غرق و من خالفهم محق و من لزمهم لحق و كذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
_____________________
اللهم أحيي بوليك القرآن ، وأرنا نورهُ سرمداً ، لاظُلمة فيهِ ، وأحيي به القلوب الميّتة ، وأشفِ بهِ الصدور الوغرة ، وأجمع بهِ الأهواء المختلفة على الحق ، وأقم به الحدود المُعطّلة ، والأحكام المُهملة ، حتى لايبقى حق إلا ظهر ، ولا عدلُ إلاّ زهَرَ. آمين رب العالمين.