الاجتهاد في الامم السابقة :
مرت الأديان السماوية بعدة آفات نهشت أساس ما دأب الأنبياء والمرسلون وأوصيائهم في بنائه وكان أساس ذلك البناء هو الطاعة لله وتوحيده ونبذ الشرك أينما وجد وأين ما حل في كل المسائل التي تتعلق في حياة المجتمعات فمن الشرك ما كان ظاهراً ومنه ما كان خفي عن الإحساس به والشعور في ممارسته .
وفي طبيعة الحال فأن الأدوات التي كانت تنهش هذا الأساس الذي بناه النبيون والمرسلون وأتباعهم لم تصدر من بسطاء الناس بل كانت تصدر من هؤلاء الذين جلسوا مكان الأنبياء مدعين التدين موهمين الناس بأنهم أهلا للقيادة ومحلا للثقة حتى وقع الناس بحبائل أعوان إبليس فنقادو لهم وأصبحوا طائعين لهم عابدين غير مبالين بما يصدر عنهم أهو في مرضاه الله أم في سخط الجبار العليم إلا ما عصم ربي .
ولذلك نجد رجال الدين في كل زمان من الأزمنة السابقة كانوا أول المحاربين للنبيين أن أتوا لإصلاح ما خربه الجالسين في مكان الاولياء وكل ذلك لا لشئ انما هو لحب الانا والدنيا وعشق الرئاسة والتسلط على رقاب الناس وخير مثال على ذلك هو ما فعله الأحبار والرهبان فالأحبار قد غيروا ما غيروا من تعاليم موسى (عليه السلام) بما يخدم مصالحهم الدنية ونرى موقفهم من نبي الله عيسى (عليه السلام) واضحا وجليا قد شهده الانجيل ناقلا لما قاله السيد المسيح (عليه السلام) بحق الكتبة والفريسيون حيث جاء في الانجيل حين خاطب يسوع الجموع وتلامِيذه قائلا : ( عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ 3فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ وَلَكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. 4فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ 5وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ 6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ 7وَﭐلتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! 8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. 11وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِماً لَكُمْ. 12فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ )أنجيل متى - الاصحاح 23
وكذلك جاء تحذير السيد المسيح (عليه السلام) للكتبة والفريسيون حيث قال : ( وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ! 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً! 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ! 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْماً! 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ! 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ 35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ ) أنجيل متى - الاصحاح 23
ولا يخفى على من تمعن كلام السيد المسيح (عليه السلام) أن يدرك ما كان عليه الأحبار قبل قدومه وكيف كانوا يجلسون على كرسي موسى (عليه السلام) وكيف أنهم يقولون مالا يفعلون محبين للرياء مولعين بتقديم أنفسهم بين الناس متكأين على موائد الطعام يحبون مدح الناس لهم يأكلون أموال الأرامل والأيتام ظلما وأنهم يبنون قبور الأنبياء ويقولون ياليتنا كنا معكم لما شاركنا أبائنا في قتالكم ولنصرناكم وهم يشهدون بأنهم أولاد قتلة الأنبياء وذراري المفسدين في الأرض وهذا كله تصديق لما جاء في كتاب الله الذي انزل على خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماٍ) حين وصف الذين غيروا دين الله بأرائهم وعقولهم القاصرة في قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء أية 224 - 227
حيث جاء في تفسيرها عن الصادقين (عليهم السلام) ما نقله علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( نزلت في الذين غيروا دين الله (وتركوا ما) أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : - (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133
وجاء أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قوله عز وجل : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : (من رأيتم من الشعراء ! إنما عنى بهذا الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس الباطل ، وهم الشعراء الذين يتبعون) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 17 - ص 310
وجاء عن الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال : روى العياشي بالاسناد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في الشعراء : (هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
ومن هنا يتضح لنا اوجه الشبه بين المفسدين في اول الزمان والاحقين بهم في زمن الاسلام الى يومنا هذا وكذلك مدى تشابه الوصف لهم بين ماذكره الانجيل وما تحدث به كتاب الله القران الكريم فهم قد وصفوا بانهم يقولون مالا يفعلون وقد ذكر في الانجيل وكذلك في اقوال الائمة (عليهم السلام) صفاتهم الاخرى والتي ذكرناها فيما تقدم .
ان الاحتجاج بالانجيل او بالتوراة قد يكون غريباً بعض الشيء لدى القارئ الكريم لعدم احتجاج الباحثين من الامامية وغيرها بما هو موجود في تلك الكتب وان هدفنا من الاستدلال خصوصا حين نناقش المسيحين بالانجيل هو تقصي الحقائق ومقارنة ماهو موجود في هذا الكتاب – اعني الانجيل - وبين ماهو موجود في تراثنا الاسلامي اعني الكتاب والسنة واقوال الائمة (عليهم السلام) لكي تكتمل الصورة في البحث .
وعلى العموم فأن القاريء الكريم ربما تكون له المعرفة ولو النسبية بما جاء في سطور الاناجيل وربما لا تكون وهذا ماعليه اغلب المثقفين من المسلمين بشكل عام لاكتفائهم بالمصادر الاسلامية وعدم الاطلاع على المصادر الاخرى .
ان المطلع على كتب الاديان الاخرى وخصوصاً التوراة والانجيل يجد فيها الكثير من التعاليم المتشابهه التي وردت في كتب الاديان السماوية الثلاثة وقد تعمدنا في هذا الفصل ان نلفت نظر القاريء الى مثل هكذا مصادر مهمة عانت من اضطهاد كبير من قبل العلماء المسلمين مما ادى الى افتقار المثقف المسلم الى المعرفة بما جاء في بطون تلك الاسفار .
ان السبب الوحيد في هجران كتب الاديان يعود الى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن التي ذكرت مسالة التحريف الذي اصاب كتب اليهود او النصارى ، كقوله تعالى : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ...) النساء 46، وقوله تعالى : (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ... )المائدة 13، وقوله تعالى : ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم ياتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ...) المائدة 41 ،
ان التفسير الشائع عند عوام الناس هو القول برفض نصوص الكتاب المقدس كلياً وهذا التفسير من الاسباب التي ادت الى ابتعاد المسلمين عن ماهو موجود في هذه الكتب السماوية التي سبقت الاسلام ، ان الحقيقة تظهر عند العارفين بتفسير الآيات التي ذكرناها والتي ذكرت الذين يحرفون الكلم عن مواضعه اي احبار اليهود ورهبان النصارى .
ان المعنى اللغوي للتحريف المذكور في الكتاب الكريم يرجع إلى الجذر (حَرَفَ) أي إمالة الشيء و العدول عنه عن مواضعه و اتجاهه الأساسي الموجود أو الذي ينبغي أن يكون .
و تحريف الكلم عن مواضعه : تغييره و التحريف في القرآن و الكلمة : تغيير الحرف عن معناه و الكلمة عن معناها و هي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشياء فوصفهم الله بفعلهم فقال تعالى ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) ابن منظور ، لسان العرب ، ط1 ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1408 هـ ، مج3 ، ص129 ويقول اهل اللغة ايضاً : ( يحرفون ً: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) أي يصرفونه عن معناه ) معجم ألفاظ القرآن الكريم ، ط1،طهران : مطبعة أرمان ، 1363هـ ، ج1 ، ص248
هذا من جانب اهل اللغة اما من جانب قراءة الكتاب المقدس – اي الانجيل والتوراة – فأننا نجد الكثير من الامور التي تحدثت عنها هذه الكتب قد ورد ذكرها في الكتاب الكريم وفي اقوال الائمة (عليهم السلام) مما يدل على ان في الكتاب المقدس نصوص لم تصلها ايدي التحريف بأي معانيه كما اننا نرى الكثير من المحاججات بين الائمة (عليهم السلام) وبين الاحبار والرهبان قد بنيت عما موجود في الكتاب المقدس ولم تكن مبنية على ماهو موجود في القران الكريم فقط بل ان طبيعة المحاججات لابد ان تتم بما في ايدي الخصم وبما يعترف به ويقدسة ولا يمكن القول بان الائمة (عليهم السلام) كانوا يحاججون بالباطل اذا فرضنا بان ماهو موجود في الكتاب المقدس هو باطل فهذه السمة لاتليق باهل البيت (عليهم السلام) ابداً ولا تكون لهم اطلاقاً وهذا ما يؤكد بان الكتب التي في ايدي الاحبار والرهبان لازالت تحتوي على الكثير من الحقائق التي نجهلها ولا يمكن القول بان ايدي التحريف قد طالت جميع مافي الكتاب المقدس بل ان الكثير من الحق لازال موجود في بطون هذه الكتب وهو مما حدى باهل بيت العصمة من المحاججة بهذا الحق الموجود في تلك الكتب .
ان المناظرات التي جرت بين الائمة (عليهم السلام) وبين زعماء الاديان الاخرى كثيرة منها ما ينقل في كتب الاخبار من محاججة الامام الرضا (عليه السلام) مع الجاثليق في احد مجالس المأمون العباسي حيث سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلاًً : (يا امير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا (عليه السلام) :يا نصراني ، فأن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟، قال الجاثليق :وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي..)(عيون اخبار الرضا ج1 ص 156) ، بالأضافة الى ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام) حول الحكم بين الاديان بقولهاما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بأنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل الفرقان بفرقانهم..)البحار ج40 ص 144.
ان كلام امير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد بان في الانجيل الكثير من الحقائق التي لم يصل اليها المحرفون فأن امير المؤمنين (عليه السلام) قد اعلنها صراحتاً بانه على استعداد للحكم بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بانجيلهم وامير المؤمنين (عليه السلام) لايحكم بالباطل كما انه لايستطيع ان يجلب لهم انجيل غير انجيلهم ولا توراة غير توراتهم واذا فعل ذلك لايقبل اياً من اليهود النصراى حكم الامام لعدم اعترافهم بغير ماجاء في كتبهم ولذلك قال الامام بانه سيحكم بينهم بكتبهم اي بمعنى التي بين ايديهم وهذا ما يؤكد بان هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق التي يجب ان يعلمها المسلمون وان لايغضوا عنها الانظار .
إن ما يعنينا في في الاستدلال بما جاء في الكتاب المقدس هو بيان العصيان والتمرد الذي صدر من قبل رجال الدين على الأوامر الإلهية بعد رحيل الأنبياء والذي كان السبب في نخر جسد الدين وهجر أوامر رب العالمين بتعليلات وأعذار وضعت من قبل أناس جلسوا في مجالس الانبياء محاولين بذلك تصحيح منهاج السماء ظنا منهم أن الأمر لهم (قل الأمر كله لله) وقال تعالى (ولا يشرك في حكمه أحدا) وهو الذي (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )...
لقد أجتهد رجال الدين في الاديان السابقه بأرائهم حتى اضحوا غير مبالين بسخط الجبار فبمجرد رحيل النبي او الحجة من بين أمته ترى هذه الأمة مولعة بالتغيير وهذا التغيير بطبيعة الحال لا يكون على يد بسطاء الناس كما مر ذكره إنما يقوم به كبار القوم الذين نصبوا أنفسهم قادة للناس، فيبدأ برنامج التغيير نحو الهلاك فيغيرون شريعة السماء بشريعة تتوافق ومصالحهم وأهواءهم فيبدأ نجم الدين بالأفول يوما بعد يوم فكم حتى تصبح السنن ميتة والبدع ظاهرة ويصير الأمر ليس لله بل للناس ، ولكن الله يمهل هذه الأمم ولا يهملها لا لأنه عاجز عن ردعهم والدفاع عن شريعته بل ليميز الخبيث من الطيب ويعطي المحسن ثواب إحسانه ويلقي بالجاحد في ناره جزاء ظلمه وعدوانه ...
لقد تعاقب الأنبياء نبي بعد نبي ورسول بعد رسول لالقاء الحجج على الخلق قبل ان يحل الهلاك عليهم قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى )طه أية 134 فكان الجواب الالهي عليهم (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)الاسراء أية15 فكانت السماء مدرارا بالانبياء والمرسلين وما كانوا ليؤمنوا بما انزل الله عليهم الا قليل من المؤمنين وكان اغلبهم مجمعين على قتال النبيين فحل عليهم غضب الله بعدما اسرفوا في عصيانهم واعتدائهم على شريعة الله قال تعالى : (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) البقرة61
ونحن أمام هذا القول لابد أن نتحرى مصاديق تحقق هذا الكلام في أمتنا الإسلامية وفي هذا الزمن بالذات زمن ظهور المصلح ، فإذا استطعنا تحديد الخلل وكشفنا بعض الاعوجاج وتجنبناه كان قبولنا اقرب عند ولي الله المهدي (عليه السلام) فالتطهر من الآثام يقرب اليمن باللقاء لأنه صلوات الله تعالى عليه طهر طاهر لا يجاور الجيف .
وسوف نقوم في هذا المقام بتبيين ما حل من تغيير في أديان الأمم السابقة ونحصر البحث في أمة موسى وعيسى (عليهما السلام) ونثبت كيف أن زعماء تلك الأمم وكبارها غيروا في دين الله وأظهروا البدع في أممهم، ونقارن تلك البدع بزماننا ونوضح كيف جرت وستجري سنن الماضين علينا وقبل ان ندرس الحوادث علينا اولا اثبات بان سنن الامم السالفة سوف تقع في امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
مرت الأديان السماوية بعدة آفات نهشت أساس ما دأب الأنبياء والمرسلون وأوصيائهم في بنائه وكان أساس ذلك البناء هو الطاعة لله وتوحيده ونبذ الشرك أينما وجد وأين ما حل في كل المسائل التي تتعلق في حياة المجتمعات فمن الشرك ما كان ظاهراً ومنه ما كان خفي عن الإحساس به والشعور في ممارسته .
وفي طبيعة الحال فأن الأدوات التي كانت تنهش هذا الأساس الذي بناه النبيون والمرسلون وأتباعهم لم تصدر من بسطاء الناس بل كانت تصدر من هؤلاء الذين جلسوا مكان الأنبياء مدعين التدين موهمين الناس بأنهم أهلا للقيادة ومحلا للثقة حتى وقع الناس بحبائل أعوان إبليس فنقادو لهم وأصبحوا طائعين لهم عابدين غير مبالين بما يصدر عنهم أهو في مرضاه الله أم في سخط الجبار العليم إلا ما عصم ربي .
ولذلك نجد رجال الدين في كل زمان من الأزمنة السابقة كانوا أول المحاربين للنبيين أن أتوا لإصلاح ما خربه الجالسين في مكان الاولياء وكل ذلك لا لشئ انما هو لحب الانا والدنيا وعشق الرئاسة والتسلط على رقاب الناس وخير مثال على ذلك هو ما فعله الأحبار والرهبان فالأحبار قد غيروا ما غيروا من تعاليم موسى (عليه السلام) بما يخدم مصالحهم الدنية ونرى موقفهم من نبي الله عيسى (عليه السلام) واضحا وجليا قد شهده الانجيل ناقلا لما قاله السيد المسيح (عليه السلام) بحق الكتبة والفريسيون حيث جاء في الانجيل حين خاطب يسوع الجموع وتلامِيذه قائلا : ( عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ 3فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ وَلَكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. 4فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ 5وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ 6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ 7وَﭐلتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! 8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. 11وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِماً لَكُمْ. 12فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ )أنجيل متى - الاصحاح 23
وكذلك جاء تحذير السيد المسيح (عليه السلام) للكتبة والفريسيون حيث قال : ( وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ! 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً! 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ! 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْماً! 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ! 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ 35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ ) أنجيل متى - الاصحاح 23
ولا يخفى على من تمعن كلام السيد المسيح (عليه السلام) أن يدرك ما كان عليه الأحبار قبل قدومه وكيف كانوا يجلسون على كرسي موسى (عليه السلام) وكيف أنهم يقولون مالا يفعلون محبين للرياء مولعين بتقديم أنفسهم بين الناس متكأين على موائد الطعام يحبون مدح الناس لهم يأكلون أموال الأرامل والأيتام ظلما وأنهم يبنون قبور الأنبياء ويقولون ياليتنا كنا معكم لما شاركنا أبائنا في قتالكم ولنصرناكم وهم يشهدون بأنهم أولاد قتلة الأنبياء وذراري المفسدين في الأرض وهذا كله تصديق لما جاء في كتاب الله الذي انزل على خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماٍ) حين وصف الذين غيروا دين الله بأرائهم وعقولهم القاصرة في قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء أية 224 - 227
حيث جاء في تفسيرها عن الصادقين (عليهم السلام) ما نقله علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( نزلت في الذين غيروا دين الله (وتركوا ما) أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : - (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133
وجاء أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قوله عز وجل : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : (من رأيتم من الشعراء ! إنما عنى بهذا الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس الباطل ، وهم الشعراء الذين يتبعون) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 17 - ص 310
وجاء عن الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال : روى العياشي بالاسناد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في الشعراء : (هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
ومن هنا يتضح لنا اوجه الشبه بين المفسدين في اول الزمان والاحقين بهم في زمن الاسلام الى يومنا هذا وكذلك مدى تشابه الوصف لهم بين ماذكره الانجيل وما تحدث به كتاب الله القران الكريم فهم قد وصفوا بانهم يقولون مالا يفعلون وقد ذكر في الانجيل وكذلك في اقوال الائمة (عليهم السلام) صفاتهم الاخرى والتي ذكرناها فيما تقدم .
ان الاحتجاج بالانجيل او بالتوراة قد يكون غريباً بعض الشيء لدى القارئ الكريم لعدم احتجاج الباحثين من الامامية وغيرها بما هو موجود في تلك الكتب وان هدفنا من الاستدلال خصوصا حين نناقش المسيحين بالانجيل هو تقصي الحقائق ومقارنة ماهو موجود في هذا الكتاب – اعني الانجيل - وبين ماهو موجود في تراثنا الاسلامي اعني الكتاب والسنة واقوال الائمة (عليهم السلام) لكي تكتمل الصورة في البحث .
وعلى العموم فأن القاريء الكريم ربما تكون له المعرفة ولو النسبية بما جاء في سطور الاناجيل وربما لا تكون وهذا ماعليه اغلب المثقفين من المسلمين بشكل عام لاكتفائهم بالمصادر الاسلامية وعدم الاطلاع على المصادر الاخرى .
ان المطلع على كتب الاديان الاخرى وخصوصاً التوراة والانجيل يجد فيها الكثير من التعاليم المتشابهه التي وردت في كتب الاديان السماوية الثلاثة وقد تعمدنا في هذا الفصل ان نلفت نظر القاريء الى مثل هكذا مصادر مهمة عانت من اضطهاد كبير من قبل العلماء المسلمين مما ادى الى افتقار المثقف المسلم الى المعرفة بما جاء في بطون تلك الاسفار .
ان السبب الوحيد في هجران كتب الاديان يعود الى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن التي ذكرت مسالة التحريف الذي اصاب كتب اليهود او النصارى ، كقوله تعالى : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ...) النساء 46، وقوله تعالى : (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ... )المائدة 13، وقوله تعالى : ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم ياتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ...) المائدة 41 ،
ان التفسير الشائع عند عوام الناس هو القول برفض نصوص الكتاب المقدس كلياً وهذا التفسير من الاسباب التي ادت الى ابتعاد المسلمين عن ماهو موجود في هذه الكتب السماوية التي سبقت الاسلام ، ان الحقيقة تظهر عند العارفين بتفسير الآيات التي ذكرناها والتي ذكرت الذين يحرفون الكلم عن مواضعه اي احبار اليهود ورهبان النصارى .
ان المعنى اللغوي للتحريف المذكور في الكتاب الكريم يرجع إلى الجذر (حَرَفَ) أي إمالة الشيء و العدول عنه عن مواضعه و اتجاهه الأساسي الموجود أو الذي ينبغي أن يكون .
و تحريف الكلم عن مواضعه : تغييره و التحريف في القرآن و الكلمة : تغيير الحرف عن معناه و الكلمة عن معناها و هي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشياء فوصفهم الله بفعلهم فقال تعالى ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) ابن منظور ، لسان العرب ، ط1 ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1408 هـ ، مج3 ، ص129 ويقول اهل اللغة ايضاً : ( يحرفون ً: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) أي يصرفونه عن معناه ) معجم ألفاظ القرآن الكريم ، ط1،طهران : مطبعة أرمان ، 1363هـ ، ج1 ، ص248
هذا من جانب اهل اللغة اما من جانب قراءة الكتاب المقدس – اي الانجيل والتوراة – فأننا نجد الكثير من الامور التي تحدثت عنها هذه الكتب قد ورد ذكرها في الكتاب الكريم وفي اقوال الائمة (عليهم السلام) مما يدل على ان في الكتاب المقدس نصوص لم تصلها ايدي التحريف بأي معانيه كما اننا نرى الكثير من المحاججات بين الائمة (عليهم السلام) وبين الاحبار والرهبان قد بنيت عما موجود في الكتاب المقدس ولم تكن مبنية على ماهو موجود في القران الكريم فقط بل ان طبيعة المحاججات لابد ان تتم بما في ايدي الخصم وبما يعترف به ويقدسة ولا يمكن القول بان الائمة (عليهم السلام) كانوا يحاججون بالباطل اذا فرضنا بان ماهو موجود في الكتاب المقدس هو باطل فهذه السمة لاتليق باهل البيت (عليهم السلام) ابداً ولا تكون لهم اطلاقاً وهذا ما يؤكد بان الكتب التي في ايدي الاحبار والرهبان لازالت تحتوي على الكثير من الحقائق التي نجهلها ولا يمكن القول بان ايدي التحريف قد طالت جميع مافي الكتاب المقدس بل ان الكثير من الحق لازال موجود في بطون هذه الكتب وهو مما حدى باهل بيت العصمة من المحاججة بهذا الحق الموجود في تلك الكتب .
ان المناظرات التي جرت بين الائمة (عليهم السلام) وبين زعماء الاديان الاخرى كثيرة منها ما ينقل في كتب الاخبار من محاججة الامام الرضا (عليه السلام) مع الجاثليق في احد مجالس المأمون العباسي حيث سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلاًً : (يا امير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا (عليه السلام) :يا نصراني ، فأن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟، قال الجاثليق :وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي..)(عيون اخبار الرضا ج1 ص 156) ، بالأضافة الى ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام) حول الحكم بين الاديان بقولهاما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بأنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل الفرقان بفرقانهم..)البحار ج40 ص 144.
ان كلام امير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد بان في الانجيل الكثير من الحقائق التي لم يصل اليها المحرفون فأن امير المؤمنين (عليه السلام) قد اعلنها صراحتاً بانه على استعداد للحكم بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بانجيلهم وامير المؤمنين (عليه السلام) لايحكم بالباطل كما انه لايستطيع ان يجلب لهم انجيل غير انجيلهم ولا توراة غير توراتهم واذا فعل ذلك لايقبل اياً من اليهود النصراى حكم الامام لعدم اعترافهم بغير ماجاء في كتبهم ولذلك قال الامام بانه سيحكم بينهم بكتبهم اي بمعنى التي بين ايديهم وهذا ما يؤكد بان هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق التي يجب ان يعلمها المسلمون وان لايغضوا عنها الانظار .
إن ما يعنينا في في الاستدلال بما جاء في الكتاب المقدس هو بيان العصيان والتمرد الذي صدر من قبل رجال الدين على الأوامر الإلهية بعد رحيل الأنبياء والذي كان السبب في نخر جسد الدين وهجر أوامر رب العالمين بتعليلات وأعذار وضعت من قبل أناس جلسوا في مجالس الانبياء محاولين بذلك تصحيح منهاج السماء ظنا منهم أن الأمر لهم (قل الأمر كله لله) وقال تعالى (ولا يشرك في حكمه أحدا) وهو الذي (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )...
لقد أجتهد رجال الدين في الاديان السابقه بأرائهم حتى اضحوا غير مبالين بسخط الجبار فبمجرد رحيل النبي او الحجة من بين أمته ترى هذه الأمة مولعة بالتغيير وهذا التغيير بطبيعة الحال لا يكون على يد بسطاء الناس كما مر ذكره إنما يقوم به كبار القوم الذين نصبوا أنفسهم قادة للناس، فيبدأ برنامج التغيير نحو الهلاك فيغيرون شريعة السماء بشريعة تتوافق ومصالحهم وأهواءهم فيبدأ نجم الدين بالأفول يوما بعد يوم فكم حتى تصبح السنن ميتة والبدع ظاهرة ويصير الأمر ليس لله بل للناس ، ولكن الله يمهل هذه الأمم ولا يهملها لا لأنه عاجز عن ردعهم والدفاع عن شريعته بل ليميز الخبيث من الطيب ويعطي المحسن ثواب إحسانه ويلقي بالجاحد في ناره جزاء ظلمه وعدوانه ...
لقد تعاقب الأنبياء نبي بعد نبي ورسول بعد رسول لالقاء الحجج على الخلق قبل ان يحل الهلاك عليهم قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى )طه أية 134 فكان الجواب الالهي عليهم (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)الاسراء أية15 فكانت السماء مدرارا بالانبياء والمرسلين وما كانوا ليؤمنوا بما انزل الله عليهم الا قليل من المؤمنين وكان اغلبهم مجمعين على قتال النبيين فحل عليهم غضب الله بعدما اسرفوا في عصيانهم واعتدائهم على شريعة الله قال تعالى : (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) البقرة61
ونحن أمام هذا القول لابد أن نتحرى مصاديق تحقق هذا الكلام في أمتنا الإسلامية وفي هذا الزمن بالذات زمن ظهور المصلح ، فإذا استطعنا تحديد الخلل وكشفنا بعض الاعوجاج وتجنبناه كان قبولنا اقرب عند ولي الله المهدي (عليه السلام) فالتطهر من الآثام يقرب اليمن باللقاء لأنه صلوات الله تعالى عليه طهر طاهر لا يجاور الجيف .
وسوف نقوم في هذا المقام بتبيين ما حل من تغيير في أديان الأمم السابقة ونحصر البحث في أمة موسى وعيسى (عليهما السلام) ونثبت كيف أن زعماء تلك الأمم وكبارها غيروا في دين الله وأظهروا البدع في أممهم، ونقارن تلك البدع بزماننا ونوضح كيف جرت وستجري سنن الماضين علينا وقبل ان ندرس الحوادث علينا اولا اثبات بان سنن الامم السالفة سوف تقع في امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .