التقليد عند الامامية
قال السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرحه على التهذيب : " والحق أن هذه الأصول الأربعة لم تستوف الأحكام كلها ، بل قد وجدنا كثيرا من الأحكام في غيرها ، مثل عيون أخبار الرضا ، والأمالي ، وكتاب الاحتجاج ، ونحوها . فينبغي مراجعة هذه الكتب وأخذ أحكام منها ولا يقلد العلماء في فتاويهم )) الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 25
عدة الأصول (ط.ج) - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 126 - 130
فأما ما اخترته من المذهب فهو : ان خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ، وكان ذلك مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن واحد من الأئمة عليهم السلام وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر ، لأنه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجبا للعلم . - ونحن نذكر القرائن فيما بعد - التي جاز العمل بها . والذي يدل على ذلك : اجماع الفرقة المحقة ، فاني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ( 1 ) حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف ، أو أصل ( 2 ) مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد ‹ صفحة 127 › النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته ، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه ، لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو
المقدمة
ان مسألة التقليد لها ابعاد خطيرة على المسلمين عامه واتباع اهل البيت (عليهم السلام) خاصة و ان لابعاد هذه المساله أنطباق على سنن بني اسرائل التي ابا الله الا ان تجري في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة , فبدءاً من مراحل التقليد التي مرت على بني ادم في الاقوام السابقة من الامم السالفة من بني اسرائيل ومن لف لفهم مرورا بقريش اول الزمان الذين كانوا عاكفين على عبادة الاصنام مقلدين بذلك ابائهم الاولين وهذا بحد ذاته لهو عين التقليد الذي ذمه الله في كتابه العزيز في عدة مواطن ذكر فيها المُقلدة من اقوام الانبياء والمرسلين.
ان الذي يهمنا الان هو دراسة ابعاد هذه المسالة في واقعنا الحالي وما أنتجته من صراعات حتى في البيت الواحد بل وحتى بين الرجل وزوجته فهذا يُقلد فلان وهذا يقلد فلاناً اخر وهذا مالايرتضيه مولانا الامام المهدي (ارواحنا لمقدمه الفداء) فأصبح المذهب مرماً لسهام الاعداء من كل حدبا وصوب وذلك بسبب أختلاف أبنائه المُقلدين فيما بينهم الناتج من أختلاف مراجعهم في الدين . يقول السيد محمد حسين فضل الله : (إن تعدد المرجعيات قد يخلق لنا مشاكل وتمزقات في داخل الواقع الإسلامي، سواء كان ذلك على مستوى تعدد النظريات الفقهية التي تلزم الزوج برأي مرجع وتلزم الزوجة برأي مرجع آخر، ويحصل التنافر حتى داخل البيت الواحد، أو في طبيعة الاتجاهات العامة في هذا الموقع أو ذاك الموقع) المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله ص117
سئل محمد صادق الصدر: فتاة بالغة رشيدة تقلد (س) من العلماء يجيز زواجها من الكفو دون إذن الولي، ووالد الفتاة يقلد (ص) من العلماء لا يجيز ذلك إلا بإذن الولي. فما هو موقف الفتاة من ناحية الشرع أو ناحية تقليدها؟ وما هو تكليف الأب من ناحية تقليده؟ فأجاب (قده):
بسمه تعالى: تستطيع أن تتزوج من الكفو بدون إذن والدها إذا كان تقليدها حجة ) (مسائل وردود – 4/42 –مسألة (184).)
أن هذه الاختلافات بين المرجعيات تشابه الى حد كبير الاختلافات التي حصلت بين المذاهب الاسلامية وهذا امر لايخفى على احد حتى ان كثير من الفقهاء قد شكى من هذه الحالة التي اصبحت وبمرور الزمن أمراً واقعا لامحيص عنه , وفي هذا المقام قال السيد محمد حسين فضل الله : ( إن المشكلة التي نواجهها في تعدد المرجعيات هي المشكلة التي نواجهها في تعدد المذاهب الفقهية لأن المرجعيات هي مذاهب فقهية متعددة من خلال طبيعة تنوع الفتاوى) المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية ص117
ان هذه الاختلافات بين الفقهاء لم تحبس في حيز المدارس الفقهية بل وصل الاخلاف الى المُقلدين أنفسهم إلى حد التشكيك في عدالة من يُقلد غير المرجع الذي يقلده أذ وصل بهم الحال الى التحزب حتى في صلاة الجماعة أذ لايصلي أحدهم خلف من يُقلد غير مرجعه في التقليد .
وهذا واضح خصوصاً في المراقد المقدسة فحين تذهب الى أي منها تجد مالايقل عن ثلاثة فأكثر من صلوات الجماعة كلاً حسب مرجعة في الدين .
والمراجع مختلفون إلى حد أن كل واحد منهم يقول بأنه الأعلم ، وأنه لا يجوز تقليد سواه وهذا واضح في الرسائل العملية لان كل منهم – الا ماندر - قد أصدر رسالة عملية قال فيها بعدم جواز تقليد غير الاعلم وبما انه قد اصدر رسالته العملية اذن يدعوا العوام الى تقليده لانه الاعلم .
ولو كان الفقهاء يتبعون في الواقع ماقاله الثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة (عليهم السلام) لما اختلفوا فيما بينهم في مسألة فقهية واحدة .
ومن هذا نفهم ماعناه الكتاب حين نسب الاختلاف الى غير الله في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
وقال الصادق (عليه السلام) : (الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية) الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 407
فلو كانت الاحكام صادرة بحكم الله لما كان أختلاف في الدين من الاساس بل يؤخذ من الحق ضغث ومن الباطل ضغث فيمجزهما اولياء الشيطان فيجيئان معا لاغواء عباد الرحمن كما فعل السامري في غياب نبي الله موسى (عليه السلام) ولذلك قال الائمة (عليهم السلام) في علامات الفتن فأن اول الفتن اتباع الهوى وثانيها ابتداع الاحكام التي يخالف بها كتاب الله وثالثها التقليد حيث يقلد فيها الرجال رجالا فقد جاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال خطب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس فقال : ( أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يقلد فيها رجال رجالا ، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316
أن مسالة التقليد و وجوبة الذي نحن بصدد بيانه لم نجده في كتب قدماء الامامية ولعل اقدم من تناول وجوب التقليد وفصل له باباً مستقلاً هو السيد محمد كاظم الطباطبائي المتوفي سنة 1337هـ في كتابه العروة الوثقى والذي تعتبر رسالته العملية انذاك وهو من اشهر الكتب من حيث تعليقات الفقهاء فقد علق عليه اغلب الفقهاء وعلى العموم قال السيد في المسألة السابعة ماهذا نصه : (عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل) العروة الوثقى ج 1 - ص 13
قد يتفاجئ البعض من هذا التصريح حين ياخذ بين يديه أحدى المصنفات لقدماء الامامية كأمثال الشيخ الكليني والعلامة المجلسي والحر العاملي وغيرهم من دعائم وجبال عصر الغيبة كما يسمونهم في المجتمعات الامامية ليجد بين كتاباتهم ما يذم التقليد ذما مبرحا وليس على لسانهم فحسب بل قد اوردوا العديد من روايات اهل البيت (عليهم السلام) ما يجعلك تشمئز من هذه الكلمة ولعلك لاتنظر بوجه من يقول بها أن قرأة ما قاله اهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهذا الشيخ الكليني قد أفرد باباً كاملاً في كتابه الكافي وسماه باب التقليد وأورد العديد من الروايات الناهيه عن تقليد غير المعصوم (عليه السلام) ولم يتطرق لاي روايه تقول بتقليد الفقهاء لامن قريب ولا من بعيد وسنورد لكم هذه الروايه التي نقلها الشيخ في باب التقليد في كتابه الكافي :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ( " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ " ؟ فقال : " أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون ) الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 53 (باب التقليد)
وذكر الشيخ المفيد التقليد في كتابه تصحيح اعتقادات الامامية ناهياً عنه مستعينا بالروايات الناهيه عن الاتباع والتقليد لغير المعصوم (عليه السلام) نقل منها عن الامام الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال : ( إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ) فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون ) .
ونقل أيضاً عن الامام الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) .
ثم علق الشيخ المفيد قائلاً :
( ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى ، وكان كل ضال بالتقليد معذورا ، وكل مقلد لمبدع غير موزور ، وهذا ما لا يقوله أحد ، فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق) . تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد - ص 72 - 73
ولعل سائل يُشكل فيقول : ان التقليد المنهي عن اتباعه هنا هو التقليد في اصول الدين وليس في فروع الدين وان فقهاء الشيعة مجمعين على تحريمه في الاصول فلماذا الكلام ؟
نقول : ان الرواية تقول (من قلد في دينه هلك) ومن المعلوم ان الدين جامع للاصول والفروع ولو تامل القارئ كلام الامام الصادق (عليه السلام) لوجد ان التقليد المنهي عنه في الروايه يخص الفروع اكثر من الاصول والدليل على ذلك هو ربط دليل حرمة التقليد والتحذير منه مع حرمة اتباع الاحبار والرهبان وتقليدهم والتحذير منهم لأنهم قد احلوا حراما وحرموا حلالاً فقلدهم العوام في ذلك ونحن نعلم جميعنا ان الفروع هي الحاويه على مسائل الحلال والحرام وليست الاصول كما هو معلوم ومن هذا نفهم تحذير الامام من التقليد في الفروع والاصول وذلك لقوله (عليه السلام) : (من قلد في دينه هلك) والدين المنهي عن التقليد فيه هو الدين أي الجامع لأصوله وفروعه .
ومن جمله من تناول التقليد وعَرفه هو الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة فقد عرف التقليد في كتابه الاقتصاد قائلاً : (التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة - وهو حقيقة التقليد - فذلك قبيح في العقول ، لأن فيه إقداما على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلا لتعريه من الدليل ، والإقدام على ذلك قبيح في العقول . ولأنه ليس في العقول تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز أن يتساوى الحق والباطل ) الاقتصاد - الشيخ الطوسي - ص 10 - 11
وهذا التعريف من قبل الشيخ يوحي الى ان التقليد كان ممنوع في زمن الطوسي على اقل التقادير .
وكتب الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة باباً كاملا تحت عنوان (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم (عليه السلام) ..) ذكر فيه عدد كبير من الروايات التي جائت تنهى عن تقليد غير المعصوم منها ماجاء عن محمد بن خالد عن أخيه قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( إياك والرياسة فما طلبها أحد إلا هلك ، فقلت : قد هلكنا إذا ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه ، فقال : ليس حيث تذهب ، إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس إلى قوله ) وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 129
ونقل العاملي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : ( من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132
ونقل أيضاً عن علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال : ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) : نزلت في الذين غيروا دين الله وتركوا ما أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133
ونقل عن أبان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( يا معشر الأحداث ! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
ومع ذلك حاول العديد من المهتمين بأثبات حجية التقليد بأيجاد المداخل والمنافذ للدخول الى هذا الباب من جهة القدماء فلم يستطيعوا اثبات ذلك الى ان عترفوا في كتبهم ومن خلال كلامهم ان لادليل على مبدأ التقليد غير الدليل العقلي وهذا مانلاحظه في قول السيد الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد حين تحدث عن دليل التقليد قائلاً : ( ثم إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شئ من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد ) كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 81
لقد أقر السيد الخوئي مسألة غايه في الخطورة وهو كون التقليد لم يرد في شيء من الروايات وهنا يتبادر الى الاذهان سؤال مهم جدا وهو كيف ان الاسلام هذا الدين العظيم الذي جاء ناسخا لكل الاديان هذا الدين الذي ليس لواقعة الا ولها حكم في دستوره هذا الدين الذي وضع أحكاماً حتى لبيت الخلاء فهل يعقل أن يترك الاسلام هذه المسألة المهمة دون بيان !!!
لقد جعل الفقهاء أعمال العباد بين القبول والرفض فالمقلد للفقيه قد قبل عمله أحسن القبول والمتهاون في التقليد قد حبط عمله وقد خسر الدنيا والاخرة فهل يعقل هذا الامر يا أصحاب العقول ؟ هل يعقل ان نعطي بعقولنا مقاماً للتقليد كمقام الولاية للمعصوم (عليه السلام) بل أكثر بكثير ؟ هل ترك الدين هذه المسألة الحساسة دون ان يعير لها أهميه كما أشار المحقق الخوئي ؟ فأذا كانت بهذا الحجم وبهذا الوجوب الذي صورة الفقهاء لعوام الشيعة وجب على الدين والمشرع بيانها والإ فالدين ليس بكامل وقد أكمل مبانيه الفقهاء بأستحداثهم لوجوب التقليد على العوام .
وعلى العموم نترك مناقشة رواية الاحتجاج والروايات الاخرى الى بحث مناقشة الادلة الروائية ولكن الذي سوف نتناوله هنا هو عدم تسليم الفقهاء بعدم مشروعية التقليد لغير المعصوم (عليه السلام) وذلك لتعذر وروده في شيء من الروايات ليعطي بذلك الحجة الدامغة في تقليد من كان دون المعصوم (عليه السلام) رتبتاً ومقاماً ولهذا السبب نجد الفقهاء قاموا بضرب الامثال فتارتاً بمراجعة الاطباء وتارتاً بأستشارة المهندسين عند طلب الاستشارة منهم وقياسا على هذه المراجعة تم وضع حجية للتقليد !!! حتى ضج باب التقليد من كثرة الادله العقلية قديما وحديثا ومن الامثله في مراجعة المختصين كالطبيب والمهندس حتى قال الكثير من نقاد المذهب بان فقهاء هذا المذهب ليس لديهم دليلا غير الدليل العقلي في اثبات حجية التقليد , بحث من كتاب سقيفة الغيبة للباحث ناطق سعيد احد تلامذة السيد القحطاني
قال السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرحه على التهذيب : " والحق أن هذه الأصول الأربعة لم تستوف الأحكام كلها ، بل قد وجدنا كثيرا من الأحكام في غيرها ، مثل عيون أخبار الرضا ، والأمالي ، وكتاب الاحتجاج ، ونحوها . فينبغي مراجعة هذه الكتب وأخذ أحكام منها ولا يقلد العلماء في فتاويهم )) الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 25
عدة الأصول (ط.ج) - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 126 - 130
فأما ما اخترته من المذهب فهو : ان خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ، وكان ذلك مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن واحد من الأئمة عليهم السلام وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر ، لأنه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجبا للعلم . - ونحن نذكر القرائن فيما بعد - التي جاز العمل بها . والذي يدل على ذلك : اجماع الفرقة المحقة ، فاني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ( 1 ) حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف ، أو أصل ( 2 ) مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد ‹ صفحة 127 › النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته ، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه ، لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو
المقدمة
ان مسألة التقليد لها ابعاد خطيرة على المسلمين عامه واتباع اهل البيت (عليهم السلام) خاصة و ان لابعاد هذه المساله أنطباق على سنن بني اسرائل التي ابا الله الا ان تجري في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة , فبدءاً من مراحل التقليد التي مرت على بني ادم في الاقوام السابقة من الامم السالفة من بني اسرائيل ومن لف لفهم مرورا بقريش اول الزمان الذين كانوا عاكفين على عبادة الاصنام مقلدين بذلك ابائهم الاولين وهذا بحد ذاته لهو عين التقليد الذي ذمه الله في كتابه العزيز في عدة مواطن ذكر فيها المُقلدة من اقوام الانبياء والمرسلين.
ان الذي يهمنا الان هو دراسة ابعاد هذه المسالة في واقعنا الحالي وما أنتجته من صراعات حتى في البيت الواحد بل وحتى بين الرجل وزوجته فهذا يُقلد فلان وهذا يقلد فلاناً اخر وهذا مالايرتضيه مولانا الامام المهدي (ارواحنا لمقدمه الفداء) فأصبح المذهب مرماً لسهام الاعداء من كل حدبا وصوب وذلك بسبب أختلاف أبنائه المُقلدين فيما بينهم الناتج من أختلاف مراجعهم في الدين . يقول السيد محمد حسين فضل الله : (إن تعدد المرجعيات قد يخلق لنا مشاكل وتمزقات في داخل الواقع الإسلامي، سواء كان ذلك على مستوى تعدد النظريات الفقهية التي تلزم الزوج برأي مرجع وتلزم الزوجة برأي مرجع آخر، ويحصل التنافر حتى داخل البيت الواحد، أو في طبيعة الاتجاهات العامة في هذا الموقع أو ذاك الموقع) المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله ص117
سئل محمد صادق الصدر: فتاة بالغة رشيدة تقلد (س) من العلماء يجيز زواجها من الكفو دون إذن الولي، ووالد الفتاة يقلد (ص) من العلماء لا يجيز ذلك إلا بإذن الولي. فما هو موقف الفتاة من ناحية الشرع أو ناحية تقليدها؟ وما هو تكليف الأب من ناحية تقليده؟ فأجاب (قده):
بسمه تعالى: تستطيع أن تتزوج من الكفو بدون إذن والدها إذا كان تقليدها حجة ) (مسائل وردود – 4/42 –مسألة (184).)
أن هذه الاختلافات بين المرجعيات تشابه الى حد كبير الاختلافات التي حصلت بين المذاهب الاسلامية وهذا امر لايخفى على احد حتى ان كثير من الفقهاء قد شكى من هذه الحالة التي اصبحت وبمرور الزمن أمراً واقعا لامحيص عنه , وفي هذا المقام قال السيد محمد حسين فضل الله : ( إن المشكلة التي نواجهها في تعدد المرجعيات هي المشكلة التي نواجهها في تعدد المذاهب الفقهية لأن المرجعيات هي مذاهب فقهية متعددة من خلال طبيعة تنوع الفتاوى) المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية ص117
ان هذه الاختلافات بين الفقهاء لم تحبس في حيز المدارس الفقهية بل وصل الاخلاف الى المُقلدين أنفسهم إلى حد التشكيك في عدالة من يُقلد غير المرجع الذي يقلده أذ وصل بهم الحال الى التحزب حتى في صلاة الجماعة أذ لايصلي أحدهم خلف من يُقلد غير مرجعه في التقليد .
وهذا واضح خصوصاً في المراقد المقدسة فحين تذهب الى أي منها تجد مالايقل عن ثلاثة فأكثر من صلوات الجماعة كلاً حسب مرجعة في الدين .
والمراجع مختلفون إلى حد أن كل واحد منهم يقول بأنه الأعلم ، وأنه لا يجوز تقليد سواه وهذا واضح في الرسائل العملية لان كل منهم – الا ماندر - قد أصدر رسالة عملية قال فيها بعدم جواز تقليد غير الاعلم وبما انه قد اصدر رسالته العملية اذن يدعوا العوام الى تقليده لانه الاعلم .
ولو كان الفقهاء يتبعون في الواقع ماقاله الثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة (عليهم السلام) لما اختلفوا فيما بينهم في مسألة فقهية واحدة .
ومن هذا نفهم ماعناه الكتاب حين نسب الاختلاف الى غير الله في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
وقال الصادق (عليه السلام) : (الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية) الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 407
فلو كانت الاحكام صادرة بحكم الله لما كان أختلاف في الدين من الاساس بل يؤخذ من الحق ضغث ومن الباطل ضغث فيمجزهما اولياء الشيطان فيجيئان معا لاغواء عباد الرحمن كما فعل السامري في غياب نبي الله موسى (عليه السلام) ولذلك قال الائمة (عليهم السلام) في علامات الفتن فأن اول الفتن اتباع الهوى وثانيها ابتداع الاحكام التي يخالف بها كتاب الله وثالثها التقليد حيث يقلد فيها الرجال رجالا فقد جاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال خطب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس فقال : ( أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يقلد فيها رجال رجالا ، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316
أن مسالة التقليد و وجوبة الذي نحن بصدد بيانه لم نجده في كتب قدماء الامامية ولعل اقدم من تناول وجوب التقليد وفصل له باباً مستقلاً هو السيد محمد كاظم الطباطبائي المتوفي سنة 1337هـ في كتابه العروة الوثقى والذي تعتبر رسالته العملية انذاك وهو من اشهر الكتب من حيث تعليقات الفقهاء فقد علق عليه اغلب الفقهاء وعلى العموم قال السيد في المسألة السابعة ماهذا نصه : (عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل) العروة الوثقى ج 1 - ص 13
قد يتفاجئ البعض من هذا التصريح حين ياخذ بين يديه أحدى المصنفات لقدماء الامامية كأمثال الشيخ الكليني والعلامة المجلسي والحر العاملي وغيرهم من دعائم وجبال عصر الغيبة كما يسمونهم في المجتمعات الامامية ليجد بين كتاباتهم ما يذم التقليد ذما مبرحا وليس على لسانهم فحسب بل قد اوردوا العديد من روايات اهل البيت (عليهم السلام) ما يجعلك تشمئز من هذه الكلمة ولعلك لاتنظر بوجه من يقول بها أن قرأة ما قاله اهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهذا الشيخ الكليني قد أفرد باباً كاملاً في كتابه الكافي وسماه باب التقليد وأورد العديد من الروايات الناهيه عن تقليد غير المعصوم (عليه السلام) ولم يتطرق لاي روايه تقول بتقليد الفقهاء لامن قريب ولا من بعيد وسنورد لكم هذه الروايه التي نقلها الشيخ في باب التقليد في كتابه الكافي :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ( " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ " ؟ فقال : " أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون ) الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 53 (باب التقليد)
وذكر الشيخ المفيد التقليد في كتابه تصحيح اعتقادات الامامية ناهياً عنه مستعينا بالروايات الناهيه عن الاتباع والتقليد لغير المعصوم (عليه السلام) نقل منها عن الامام الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال : ( إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ) فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون ) .
ونقل أيضاً عن الامام الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) .
ثم علق الشيخ المفيد قائلاً :
( ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى ، وكان كل ضال بالتقليد معذورا ، وكل مقلد لمبدع غير موزور ، وهذا ما لا يقوله أحد ، فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق) . تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد - ص 72 - 73
ولعل سائل يُشكل فيقول : ان التقليد المنهي عن اتباعه هنا هو التقليد في اصول الدين وليس في فروع الدين وان فقهاء الشيعة مجمعين على تحريمه في الاصول فلماذا الكلام ؟
نقول : ان الرواية تقول (من قلد في دينه هلك) ومن المعلوم ان الدين جامع للاصول والفروع ولو تامل القارئ كلام الامام الصادق (عليه السلام) لوجد ان التقليد المنهي عنه في الروايه يخص الفروع اكثر من الاصول والدليل على ذلك هو ربط دليل حرمة التقليد والتحذير منه مع حرمة اتباع الاحبار والرهبان وتقليدهم والتحذير منهم لأنهم قد احلوا حراما وحرموا حلالاً فقلدهم العوام في ذلك ونحن نعلم جميعنا ان الفروع هي الحاويه على مسائل الحلال والحرام وليست الاصول كما هو معلوم ومن هذا نفهم تحذير الامام من التقليد في الفروع والاصول وذلك لقوله (عليه السلام) : (من قلد في دينه هلك) والدين المنهي عن التقليد فيه هو الدين أي الجامع لأصوله وفروعه .
ومن جمله من تناول التقليد وعَرفه هو الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة فقد عرف التقليد في كتابه الاقتصاد قائلاً : (التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة - وهو حقيقة التقليد - فذلك قبيح في العقول ، لأن فيه إقداما على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلا لتعريه من الدليل ، والإقدام على ذلك قبيح في العقول . ولأنه ليس في العقول تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز أن يتساوى الحق والباطل ) الاقتصاد - الشيخ الطوسي - ص 10 - 11
وهذا التعريف من قبل الشيخ يوحي الى ان التقليد كان ممنوع في زمن الطوسي على اقل التقادير .
وكتب الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة باباً كاملا تحت عنوان (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم (عليه السلام) ..) ذكر فيه عدد كبير من الروايات التي جائت تنهى عن تقليد غير المعصوم منها ماجاء عن محمد بن خالد عن أخيه قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( إياك والرياسة فما طلبها أحد إلا هلك ، فقلت : قد هلكنا إذا ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه ، فقال : ليس حيث تذهب ، إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس إلى قوله ) وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 129
ونقل العاملي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : ( من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132
ونقل أيضاً عن علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال : ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) : نزلت في الذين غيروا دين الله وتركوا ما أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133
ونقل عن أبان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( يا معشر الأحداث ! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
ومع ذلك حاول العديد من المهتمين بأثبات حجية التقليد بأيجاد المداخل والمنافذ للدخول الى هذا الباب من جهة القدماء فلم يستطيعوا اثبات ذلك الى ان عترفوا في كتبهم ومن خلال كلامهم ان لادليل على مبدأ التقليد غير الدليل العقلي وهذا مانلاحظه في قول السيد الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد حين تحدث عن دليل التقليد قائلاً : ( ثم إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شئ من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد ) كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 81
لقد أقر السيد الخوئي مسألة غايه في الخطورة وهو كون التقليد لم يرد في شيء من الروايات وهنا يتبادر الى الاذهان سؤال مهم جدا وهو كيف ان الاسلام هذا الدين العظيم الذي جاء ناسخا لكل الاديان هذا الدين الذي ليس لواقعة الا ولها حكم في دستوره هذا الدين الذي وضع أحكاماً حتى لبيت الخلاء فهل يعقل أن يترك الاسلام هذه المسألة المهمة دون بيان !!!
لقد جعل الفقهاء أعمال العباد بين القبول والرفض فالمقلد للفقيه قد قبل عمله أحسن القبول والمتهاون في التقليد قد حبط عمله وقد خسر الدنيا والاخرة فهل يعقل هذا الامر يا أصحاب العقول ؟ هل يعقل ان نعطي بعقولنا مقاماً للتقليد كمقام الولاية للمعصوم (عليه السلام) بل أكثر بكثير ؟ هل ترك الدين هذه المسألة الحساسة دون ان يعير لها أهميه كما أشار المحقق الخوئي ؟ فأذا كانت بهذا الحجم وبهذا الوجوب الذي صورة الفقهاء لعوام الشيعة وجب على الدين والمشرع بيانها والإ فالدين ليس بكامل وقد أكمل مبانيه الفقهاء بأستحداثهم لوجوب التقليد على العوام .
وعلى العموم نترك مناقشة رواية الاحتجاج والروايات الاخرى الى بحث مناقشة الادلة الروائية ولكن الذي سوف نتناوله هنا هو عدم تسليم الفقهاء بعدم مشروعية التقليد لغير المعصوم (عليه السلام) وذلك لتعذر وروده في شيء من الروايات ليعطي بذلك الحجة الدامغة في تقليد من كان دون المعصوم (عليه السلام) رتبتاً ومقاماً ولهذا السبب نجد الفقهاء قاموا بضرب الامثال فتارتاً بمراجعة الاطباء وتارتاً بأستشارة المهندسين عند طلب الاستشارة منهم وقياسا على هذه المراجعة تم وضع حجية للتقليد !!! حتى ضج باب التقليد من كثرة الادله العقلية قديما وحديثا ومن الامثله في مراجعة المختصين كالطبيب والمهندس حتى قال الكثير من نقاد المذهب بان فقهاء هذا المذهب ليس لديهم دليلا غير الدليل العقلي في اثبات حجية التقليد , بحث من كتاب سقيفة الغيبة للباحث ناطق سعيد احد تلامذة السيد القحطاني
تعليق