________________________________________
كلنا يعلم بأن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه فاعلم أن إعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربانية، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى جملة منها على نحو الاختصار:
1- القرآن والمعارف
صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلى الله عليه واله وسلم أمي، وقد جهر النبي بهذه الدعوى في ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أميته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الإسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعا لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الإعجاز.
ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم لم يكن أميا، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد صلى الله عليه واله وسلم بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالأوهام، ويؤمنون بالخرافات، وذلك ظاهر. ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب العهدين التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الأنبياء. وإذ فرضنا أن محمداً صلى الله عليه واله وسلم أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي، وتنزيهه لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملأت كتب العهدين وغيرها من مصادر التعلم في ذلك العصر.
وقد تعرض القرآن الكريم لصفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال، ونزهه عن لوازم النقص والحدوث. وهذه نماذج منها:﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل﴾﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ﴿قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾11. ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾12. ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. هكذا يصف القرآن إلى العالمين، ويأتي بالمعارف التي تتمشى مع البرهان الصريح، ويسير مع العقل الصحيح، وهل يمكن لبشر أمي نشأ في محيط جاهل أن يأتي بمثل هذه المعارف العالية؟
ويتعرض القرآن لذكر الأنبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب اليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الإلهية، وإليك نماذج منها:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾15. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾16. ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍٍ﴾17. ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾18. ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾19. ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾20. ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾21. ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾22. ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾23.. ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾24. ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾25. ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾26. ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾27. ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ﴾28.﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾29.(البيان - 4)
هذه جملة من الآيات التي جاء بها الكتاب العزيز في تنزيه الأنبياء وتقديسهم، وإظهارهم على حقيقتهم من القداسة والنزاهة وجميل الذكر.
أما كتب العهدين فقد تعرضت أيضا لذكر الأنبياء ووصفتهم، ولكن بماذا وصفتهم؟! وبأي منزلة وضيعة أنزلت هؤلاء السفرة الأبرار، ولنذكر لذلك أمثلة:
1- ذكرت التوراة في الإصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين. قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة. وذكرت أن الله أجاز لآدم أن يأكل من جميع الأثمار إلا ثمرة شجرة معرفة الخير والشر. وقال له: "لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" ثم خلق الله من آدم زوجته حواء وكانا عاريين في الجنة لأنهما لا يدركان الخير والشر، وجاءت الحية ودلتهما على الشجرة، وحرضتهما على الآكل من ثمرها وقالت: إنكما لاتموتان بل إن الله عالم أنكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتعرفان الخير والشر فلما أكلا منها انفتحت أعينهما، وعرفا أنهما عاريان. فصنعا لأنفسهما مئزرا فرآهما الرب وهو يتمشى في الجنة، فاختبأ آدم وحواء منه فنادى الله آدم أين أنت؟ فقال آدم: سمعت صوتك فاختبأت لأني عريان. فقال الله: من أعلمك بأنك عريان، هل أكلت من الشجرة؟ ثم إن الله بعد ما ظهر له أكل آدم من الشجرة. قال: هو ذا آدم صار كواحد منا عارف بالخير والشر، والآن يمد يده فيأكل من شجرة الحياة، ويعيش إلى الأبد، فأخرجه الله من الجنة، وجعل على شرقيها ما يحرس طريق الشجرة. وذكر في العدد التاسع من الإصحاح الثاني عشر أن الحية القديمة هو المدعو إبليس، والشيطان الذي يضل العالم كله.
انظر كيف تنسب كتب الوحي إلى قداسة الله أنه كذب على آدم، وخادعه في أمر الشجرة، ثم خاف من حياته، وخشي من معارضته إياه في استقلال مملكته فأخرجه من الجنة، وأن الله جسم يتمشى في الجنة، وأنه جاهل بمكان آدم حين اختفى عنه، وأن الشيطان المضل نصح لآدم، وأخرجه من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة، وإدراك الحسن والقبح.
كلنا يعلم بأن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه فاعلم أن إعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربانية، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى جملة منها على نحو الاختصار:
1- القرآن والمعارف
صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلى الله عليه واله وسلم أمي، وقد جهر النبي بهذه الدعوى في ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أميته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الإسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعا لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الإعجاز.
ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم لم يكن أميا، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد صلى الله عليه واله وسلم بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالأوهام، ويؤمنون بالخرافات، وذلك ظاهر. ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب العهدين التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الأنبياء. وإذ فرضنا أن محمداً صلى الله عليه واله وسلم أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي، وتنزيهه لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملأت كتب العهدين وغيرها من مصادر التعلم في ذلك العصر.
وقد تعرض القرآن الكريم لصفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال، ونزهه عن لوازم النقص والحدوث. وهذه نماذج منها:﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل﴾﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ﴿قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾11. ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾12. ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. هكذا يصف القرآن إلى العالمين، ويأتي بالمعارف التي تتمشى مع البرهان الصريح، ويسير مع العقل الصحيح، وهل يمكن لبشر أمي نشأ في محيط جاهل أن يأتي بمثل هذه المعارف العالية؟
ويتعرض القرآن لذكر الأنبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب اليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الإلهية، وإليك نماذج منها:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾15. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾16. ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍٍ﴾17. ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾18. ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾19. ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾20. ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾21. ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾22. ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾23.. ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾24. ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾25. ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾26. ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾27. ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ﴾28.﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾29.(البيان - 4)
هذه جملة من الآيات التي جاء بها الكتاب العزيز في تنزيه الأنبياء وتقديسهم، وإظهارهم على حقيقتهم من القداسة والنزاهة وجميل الذكر.
أما كتب العهدين فقد تعرضت أيضا لذكر الأنبياء ووصفتهم، ولكن بماذا وصفتهم؟! وبأي منزلة وضيعة أنزلت هؤلاء السفرة الأبرار، ولنذكر لذلك أمثلة:
1- ذكرت التوراة في الإصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين. قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة. وذكرت أن الله أجاز لآدم أن يأكل من جميع الأثمار إلا ثمرة شجرة معرفة الخير والشر. وقال له: "لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" ثم خلق الله من آدم زوجته حواء وكانا عاريين في الجنة لأنهما لا يدركان الخير والشر، وجاءت الحية ودلتهما على الشجرة، وحرضتهما على الآكل من ثمرها وقالت: إنكما لاتموتان بل إن الله عالم أنكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتعرفان الخير والشر فلما أكلا منها انفتحت أعينهما، وعرفا أنهما عاريان. فصنعا لأنفسهما مئزرا فرآهما الرب وهو يتمشى في الجنة، فاختبأ آدم وحواء منه فنادى الله آدم أين أنت؟ فقال آدم: سمعت صوتك فاختبأت لأني عريان. فقال الله: من أعلمك بأنك عريان، هل أكلت من الشجرة؟ ثم إن الله بعد ما ظهر له أكل آدم من الشجرة. قال: هو ذا آدم صار كواحد منا عارف بالخير والشر، والآن يمد يده فيأكل من شجرة الحياة، ويعيش إلى الأبد، فأخرجه الله من الجنة، وجعل على شرقيها ما يحرس طريق الشجرة. وذكر في العدد التاسع من الإصحاح الثاني عشر أن الحية القديمة هو المدعو إبليس، والشيطان الذي يضل العالم كله.
انظر كيف تنسب كتب الوحي إلى قداسة الله أنه كذب على آدم، وخادعه في أمر الشجرة، ثم خاف من حياته، وخشي من معارضته إياه في استقلال مملكته فأخرجه من الجنة، وأن الله جسم يتمشى في الجنة، وأنه جاهل بمكان آدم حين اختفى عنه، وأن الشيطان المضل نصح لآدم، وأخرجه من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة، وإدراك الحسن والقبح.
تعليق