بسم الله الرحمن الرحيم
كفالة أبي طالب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) :
وقبل موت عبدالمطلب أوصى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اليتيم إلى عمه أبي طالب لأُمور منها:
إنه شقيق أبيه عبدالله; أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم([256]).
وثانياً أنه أفضل أولاد عبدالمطلب الباقين إذ قال فيه عبدالمطلب:
فأنت من أرجى بنيَّ عندي([257]).
وكان أبو طالب يحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) حباً شديداً لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلاَّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصبا به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)شبعوا، فيقول أبو طالب: إنَّك مبارك([258]).
وكان أبو طالب دائماً يقيم محمدا (صلى الله عليه وآله) من مكانه ويضع علياً مكانه في الليل خوف اغتياله فقال له علي(عليه السلام): يا أبة إنّي مقتول؟ فقال له:
اصبرن يا بني فالصبر أحجى *** كل حيٍّ مصيره لشعوب([259])
صبا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وكان البعض يبين محاسن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحيحة والبعض الاخر يجتهد للنيل منه بالمثالب المزيفة فمن هم هؤلاء ؟
لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنين توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة وهو الصحيح فأصبح يتيم الأبوين([260]).وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار فماتت وهي راجعة إلى مكة، فكفله جده عبدالمطلب، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثماني سنين توفي جده([261]).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمر بحجر ولا شجر إلاّ قال: السلام عليك يا رسول الله.
فيلتفت رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلاّ الشجر والحجارة([262]).
وعاش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صبياً وهو أفضل قومه مروءة وأحسنَهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم خلقاً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانةً، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنِّسُ الرجال تنزهاً وتكرُّماً فأضحى اسمه الأمين([263]).
ولقد حسدت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل شيء حتى في صفة الأمانة فحاولوا الصاقها بأبي عبيدة ابن الجراح! حفار قبور المهاجرين الممتنع من حفر قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند موته([264]).
وحاول القرشيون بشتى الوسائل النيل من شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)فرووا زيفاً قوله:
لقد كنت استظل بظل جفنة عبدالله بن جدعان فكَّة عُمَىٍّ أي وقت الظهيرة.
وان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بعد معركة بدر عن جثة أبي جهل تطلبوه بين القتلى وتعرفوه بشجة في ركبته، فإني تزاحمت انا وهو على مأدبة لابن جدعان فدفعته فسقط على ركبته فانهشمت فأثرها باق في ركبته فوجدوه كذلك.
بينما قالت عائشة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّ ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟
فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): لا إنه لم يقل يوماً ربِّ إغفر لي خطيئتي يوم الدين([265]).
ان جثة أبي جهل يعرفها قاتله، وتُعرف من وجهه وملابسه وخاتمه لا من ركبته، ولقد أراد واضع الرواية الحط من كرامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وتشويه صورته بالمتسول اللاهث خلف الموائد، المتصارع عليها، وان اخلاقه في صباه تشابه اخلاق أبي جهل لا فرق بينهما!
ومن ناحية أخرى لاثبات صورة جيدة لعبدالله بن جدعان التيمي بالرغم من انه رجل شرير من أهل جهنم.
وحاول الأمويون الكفرة واعوانهم بشتى الوسائل اعلاء شأن أعداء أهل البيت والحط من شأن ومرتبة رسول الله وآل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم)وصحبه المخلصين.
هذا في الوقت الذي كان عبدالمطلب سيد قريش واشرفها واغناها يعترف بمكانته تلك ملوك المنطقة مثل ملك اليمن سيف بن ذي يزن وملك الحبشة وملك الروم، فقد اكرمه إبرهة الحبشي برد إبله دون باقي قريش، واكرمه سيف بن ذي يزن اسمى اكرام([266]). وكذلك كان أبو طالب شيخ قريش وزعيمها محترماً من قبل الناس.
وكيف يطغي التسول على رجل يُستسقى به المطر([267]) ويسلّم عليه الشجر والمدر وكان لعبد المطلب إبل كثيرة خلفها لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلف له أبوه عبدالله إبلاً أيضاً([268]).
وسعى الأمويون أيضاً لإتهام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسقوط ردائه أثناء حمله حجارة الكعبة، أي انه الوحيد من رجال قريش سقط رداؤه! فأضحى عرياناً!
بينما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عفيفاً، شريفاً، حكيماً، عاقلاً، مسلماً، نبياً منذ أن خلقه الله تعالى.
وقالوا في رواية أخرى: إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه الغلمان كلهم قد تعرّوا لحمل الحجارة([269]).
وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعرف طريقة وضع الازار والعباس (عمه) يعلمه أياها قائلاً: يابن أخي لو جعلت إزارك على عاتقك، ففعل فسقط مغشياً عليه، علماً بأن عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حينذاك كان خمساً وثلاثين سنة! وعلى مشارف البعثة النبوية!
ومن أكاذيبهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) استلامه اصنام الجاهلية وذبحه شاة لصنم العزى([270]).
ثم مجدوا في المقابل رجال قريش من أمثال زيد بن عمرو، وأبي قيس بن هرمة، وقس بن ساعدة، وعبيدالله بن جحش، وعمر بن الحويرث، ورباب بن البراء بأنهم لم يسجدوا لصنم أبداً!. بينما أعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صباه تنفره من أصنام الجاهلية([271]).
وفي سنة عشرين من مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثت حرب الفجار الآخر بين هوازن وقريش.
وفي سنة سبع عشرة وثبت العظماء والأشراف بالمدائن فخلعوا هرمز وسملوا عينيه وتركوه، وفي سنة تسع عشرة قتلوا هرمز بعد خلعه وفيها ولي إبنه يزدجرد الثالث وكان يسمى كسرى.
وفي سنة خمس وثلاثين كان هدم الكعبة وبنيانها كما في أقوال العلماء.
قالوا: وفي سنة ثمان وثلاثين من مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى الضوء والنور وسمع الصوت. والصحيح أنّه منذ الصغر كان يرى ويسمع صوت جبرائيل بنبوته المبكرة، وستقرأ ذلك في الموضوع القادم.
وفي سنة أربعين من مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) قَتَلَ كسرى برويز النعمان بن المنذر لغضب كان له عليه، قبل المبعث بسبعة أشهر.
والسؤال هو: لماذا يصرّ الحزب القرشي على وصم رسول الله (صلى الله عليه وآله) زيفاً بالتعري وعبادة الأصنام والتسول والفقر المدقع؟ اليس في ذلك دلالة على نفاقهم وكفرهم.(منقول)