الدّين وجذوره في الفطرة الإِنسانية
لا يحاول الدّين إِرجاع البشر إلى الجهل و التخلف ، بل هو ثورة فكرية تقود الإِنسان إلى الكمال و الترقّي في جميع المجالات. و يمكننا أن نقول إن للدين أبعاد أربعة :
أ ـ تقويم الأَفكار و العقائد و تهذيبها عن الأَوهام و الخرافات.
ب ـ تنمية الأصول الأخلاقية.
ج ـ تحسين العلاقات الاجتماعية.
د ـ إلغاء الفوارق العنصرَّية و القوميَّة.
و يصل الإِنسان إلى هذه المآرب الأَربعة في ظل الإِيمان بالله الذي لا ينفك عن الإِحساس بالمْسؤُوليَّة ، و إليك توضيحها :
المجال الأَول : إصلاح الأَفكار و العقيدة :
لا يتمكن الإِنسان المفكر من العيش بلا عقيدة ، حتى أولئك الذين يضفون على منهجهم طابع الإِلحاد ، و يرفعون عقيرتهم بشعار اللاَّدينية ، لا يتمكنون من العيش بلا عقيدة في تفسير الكون و الحياة. و إليك نظرية الدّين لواقع الكون و الحياة.
إِنَّ الدين يفسر واقع الكون و جميع الأَنظمة المادية بأَنها إِبداع موجود عال قام بخلق المادة و تصويرها و تحديدها بقوانين و حدود ، و قد أخضعه لنظام دقيق ، فالجاعل غير المجعول ، و المعطي غير الآخذ.
كما أَنَّه يفسر الحياة الإِنسانية بأَنها لم تظهر على صفحة الكون عبثاً و لم يُخلق الإِنسان سدى ، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظل تعاليم الأَنبياء و الهداة المبعوثين من جانب الخالق إلى هداية مخلوقَه.
هذا هو تفسير الدين لواقع الكون سر الحياة ، غير أَنَّ المادّي يحاول تفسير الكون بشكل مغاير ، و هو يقول :
إِنَّ المادة الأُولى قديمة بالذات و هي التي قامت فأَعطت لنفسها نظماً ، و أَنَّه لا غاية لها ، و لا للإِنسان القاطن فيها.
و بعبارة أُخرى ، إِنَّ للكون في نظرية الإِنسان الإِلهي بداية و نهاية ، فإِنَّ نشوءه من الله سبحانه ، كما أَنَّ نهايته ـ المعاد ـ إلى الله تعالى.
غير أَنَّ الكون في نظرية الإِنسان المادي فاقد للبداية و النهاية ، بمعنى أَنَّه لا يتمكن من ترسيم بداية ، و أَنَّه كيف تحقق و تكوّن و وُجد؟ بل كلّما سأَلته يجيبك : ب ـ « لا أدري ». كما أَنَّه لا يتمكن من تفسير نهايته و غايته ، ولو سألته عن ذلك لأجابك ب ـ « لا أَعلم ».
و بعبارة اخرى : لم تزل الأَسئلة الثلاثة التالية عالقة بذهن الإِنسان منذ أَنْ عرف يمينه من يساره ، و هي :
1 ـ إِنَّه من أَين؟
2 ـ و إلى أَين؟
3 ـ و لماذا خُلِق؟.
و هذه الأسئلة الثلاثة يجيب عنها الفيلسوف الإِلهي بأجوبة رصينة ، و إجمالها أنَّ البداية من الله ، و أنَّ نهاية المطاف هي الله سبحانه ( إِنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ) (1) ، و أَنَّ الغاية هي التخلّق بالقيم و المثل الأخلاقية و الإِتصاف بأسمائه و صفاته سبحانه ، غير أنَّ المادي يَكِلُّ عند الإِجابة عن هذه الأسئلة و لا يأتي بشيء مقنع.
و على هذا الأساس قلنا أنَّ للدّين دوراً في تصحيح الأفكار و العقائد.
و من خلال المقارنة بين الفكر الإلهي والمنهج المادي في الإِجابة على الأسئلة الثلاثة يعلم الإِنسان أنَّ التكامل الفكري إنما يتحقق في ظل الدين ، لأنه يكشف آفاقاً وسيعة أمام عقليته و تفكيره ، في حين أنَّ المادي يملأ الذهن بالجهل والإبهام ، بل يقوده إلى الخرافات. إذ كيف يمكن للمادة أن تمنح نفسها نُظُماً؟ و هل يمكن أن تّتحد العلّة والمعلول ، و الفاعل و المفعول ، والجاعل والمجعول؟.
هذا ما يتعلق بدور الدين في مجال إِصلاح الفكر والعقيدة.
المجال الثاني : تنمية الدَّين للأصول السامية للأَخلاق :
إِنَّ العقائد الدينية تعد رصيداً للأصول الأَخلاقية إِذ التقيد بالقيم ورعايتها لا ينفك عن مصاعب وآلام يصعب على الإِنسان تحملها إلاّ بعامل روحي يسهّلها ويزيل صعوبتها له ، وهذا كالتضحية في سبيل الحق والعدل ورعاية الأَمانة و مساعدة المستضعفين. فهذه بعض الأصول الأَخلاقية التي لا تنكر صحّتها ، غير أَنَّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً و صعوبات ، كما يستتبع الحرمان من بعض اللذائذ ، فما هو ضمان تحقق هذه الأصول؟.
إِنَّ الإِعتقاد بالله سبحانه وأنَّ في إِجراء كل أصل من الأصول الأخلاقية أَجراً كبيراً يصل إليه الإِنسان في الحياة الأخروية ، خير عامل لتحبيذ الإِنسان وتشويقه على إِجرائها والتلّبس بها في حياته الدنيويَّة ، و لولا ذاك الإِعتقاد لأَ صحبت الأَخلاق نصائح وعظات جافة لا ضمان لإِجرائها.
------------------------------------
1 ـ سورة البقرة الآية 156.
المجال الثالث : توطيده العلاقات الاجتماعية :
العقيدة الدّينية تساند الأصول الاجتماعية لأنها تصبح عند الإِنسان المتديّن تكاليف لازمة ، و يكون الإِنسان بنفسه مقوداً إلى العمل و الإِجراء.
غير أنَّ تلك الأصول بين غير المتديّنين لا تراعى إِلاّ بالقوى المادَّية القاهرة. و عندئذ لا تتمتع الأصول الاجتماعية بأي ضمان تنفيذي و هذا مشهود لمن لاحظ حياة الأمم المادّية غير الملتزمة بمبدأ أو معاد.
المجال الرابع : إلغاءه الفوارق العنصرية و القومية المفروضة على عاتق المستضعفين بالقوة و السلطة و الإِغراء و الجهل و تشويه الحقائق:
إِنّ الدّين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدأ واحد ، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات و الجوهر كأسنان المشط ، و لا يرى أي معنى للتمييز و التفريق و ترفيع بعض و تخفيض بعض آخر ، كما لا يرى معنى لوجود أناس اتخمهم الشبع و آخرين أهلكهم الجوع و الحرمان.
تنبيه: ليست كل عقيدة تتسم باسم الدين قادرة على خلق هذه الآثار و إبداعها ، و إنما تقدر عليها كل عقيدة دينية تقوم على أساس العقل ، و تكون واصلة إلينا عن طريق الأنبياء الصادقين ، ففي مثل تلك العقيدة نجد الحركة و الحياة و في غير هذه الصورة يصبح الدين عقائد خرافية تتجلى بصورة الرهبانية و الميول السلبية إلى غير ذلك من الآثار السيئة التي نلمسها في العقائد الدينية التي لا تمت إلى الوحي و رجال الدين الحقيقي بصلة.
كما أنَّ الدين الحقيقي يلغي الفوارق السلبية التي لا تمت إلى أَساس منطقي بصلة ، و أَما المميزات الإِيجابية التي لا تنفكّ عن أَفراد البشر فهي غير ملغاة أَبداً ، فكما أنَّ أَصابع اليد الواحدة تختلف كل واحدة منها عن الأخرى ، كذلك أَفراد البشر يتفاوتون من حيث العقل و الفكر و الحركة و النشاط.
فالفوارق التي تنشأ من نفس طبيعة الإنسان غير قابلة للحذف و التغيير ، و ما يرفضه الدين و يحذفه عن مجال الحياة هو الامتيازات النابعة من القوة و السلطة.
منقول
لا يحاول الدّين إِرجاع البشر إلى الجهل و التخلف ، بل هو ثورة فكرية تقود الإِنسان إلى الكمال و الترقّي في جميع المجالات. و يمكننا أن نقول إن للدين أبعاد أربعة :
أ ـ تقويم الأَفكار و العقائد و تهذيبها عن الأَوهام و الخرافات.
ب ـ تنمية الأصول الأخلاقية.
ج ـ تحسين العلاقات الاجتماعية.
د ـ إلغاء الفوارق العنصرَّية و القوميَّة.
و يصل الإِنسان إلى هذه المآرب الأَربعة في ظل الإِيمان بالله الذي لا ينفك عن الإِحساس بالمْسؤُوليَّة ، و إليك توضيحها :
المجال الأَول : إصلاح الأَفكار و العقيدة :
لا يتمكن الإِنسان المفكر من العيش بلا عقيدة ، حتى أولئك الذين يضفون على منهجهم طابع الإِلحاد ، و يرفعون عقيرتهم بشعار اللاَّدينية ، لا يتمكنون من العيش بلا عقيدة في تفسير الكون و الحياة. و إليك نظرية الدّين لواقع الكون و الحياة.
إِنَّ الدين يفسر واقع الكون و جميع الأَنظمة المادية بأَنها إِبداع موجود عال قام بخلق المادة و تصويرها و تحديدها بقوانين و حدود ، و قد أخضعه لنظام دقيق ، فالجاعل غير المجعول ، و المعطي غير الآخذ.
كما أَنَّه يفسر الحياة الإِنسانية بأَنها لم تظهر على صفحة الكون عبثاً و لم يُخلق الإِنسان سدى ، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظل تعاليم الأَنبياء و الهداة المبعوثين من جانب الخالق إلى هداية مخلوقَه.
هذا هو تفسير الدين لواقع الكون سر الحياة ، غير أَنَّ المادّي يحاول تفسير الكون بشكل مغاير ، و هو يقول :
إِنَّ المادة الأُولى قديمة بالذات و هي التي قامت فأَعطت لنفسها نظماً ، و أَنَّه لا غاية لها ، و لا للإِنسان القاطن فيها.
و بعبارة أُخرى ، إِنَّ للكون في نظرية الإِنسان الإِلهي بداية و نهاية ، فإِنَّ نشوءه من الله سبحانه ، كما أَنَّ نهايته ـ المعاد ـ إلى الله تعالى.
غير أَنَّ الكون في نظرية الإِنسان المادي فاقد للبداية و النهاية ، بمعنى أَنَّه لا يتمكن من ترسيم بداية ، و أَنَّه كيف تحقق و تكوّن و وُجد؟ بل كلّما سأَلته يجيبك : ب ـ « لا أدري ». كما أَنَّه لا يتمكن من تفسير نهايته و غايته ، ولو سألته عن ذلك لأجابك ب ـ « لا أَعلم ».
و بعبارة اخرى : لم تزل الأَسئلة الثلاثة التالية عالقة بذهن الإِنسان منذ أَنْ عرف يمينه من يساره ، و هي :
1 ـ إِنَّه من أَين؟
2 ـ و إلى أَين؟
3 ـ و لماذا خُلِق؟.
و هذه الأسئلة الثلاثة يجيب عنها الفيلسوف الإِلهي بأجوبة رصينة ، و إجمالها أنَّ البداية من الله ، و أنَّ نهاية المطاف هي الله سبحانه ( إِنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ) (1) ، و أَنَّ الغاية هي التخلّق بالقيم و المثل الأخلاقية و الإِتصاف بأسمائه و صفاته سبحانه ، غير أنَّ المادي يَكِلُّ عند الإِجابة عن هذه الأسئلة و لا يأتي بشيء مقنع.
و على هذا الأساس قلنا أنَّ للدّين دوراً في تصحيح الأفكار و العقائد.
و من خلال المقارنة بين الفكر الإلهي والمنهج المادي في الإِجابة على الأسئلة الثلاثة يعلم الإِنسان أنَّ التكامل الفكري إنما يتحقق في ظل الدين ، لأنه يكشف آفاقاً وسيعة أمام عقليته و تفكيره ، في حين أنَّ المادي يملأ الذهن بالجهل والإبهام ، بل يقوده إلى الخرافات. إذ كيف يمكن للمادة أن تمنح نفسها نُظُماً؟ و هل يمكن أن تّتحد العلّة والمعلول ، و الفاعل و المفعول ، والجاعل والمجعول؟.
هذا ما يتعلق بدور الدين في مجال إِصلاح الفكر والعقيدة.
المجال الثاني : تنمية الدَّين للأصول السامية للأَخلاق :
إِنَّ العقائد الدينية تعد رصيداً للأصول الأَخلاقية إِذ التقيد بالقيم ورعايتها لا ينفك عن مصاعب وآلام يصعب على الإِنسان تحملها إلاّ بعامل روحي يسهّلها ويزيل صعوبتها له ، وهذا كالتضحية في سبيل الحق والعدل ورعاية الأَمانة و مساعدة المستضعفين. فهذه بعض الأصول الأَخلاقية التي لا تنكر صحّتها ، غير أَنَّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً و صعوبات ، كما يستتبع الحرمان من بعض اللذائذ ، فما هو ضمان تحقق هذه الأصول؟.
إِنَّ الإِعتقاد بالله سبحانه وأنَّ في إِجراء كل أصل من الأصول الأخلاقية أَجراً كبيراً يصل إليه الإِنسان في الحياة الأخروية ، خير عامل لتحبيذ الإِنسان وتشويقه على إِجرائها والتلّبس بها في حياته الدنيويَّة ، و لولا ذاك الإِعتقاد لأَ صحبت الأَخلاق نصائح وعظات جافة لا ضمان لإِجرائها.
------------------------------------
1 ـ سورة البقرة الآية 156.
المجال الثالث : توطيده العلاقات الاجتماعية :
العقيدة الدّينية تساند الأصول الاجتماعية لأنها تصبح عند الإِنسان المتديّن تكاليف لازمة ، و يكون الإِنسان بنفسه مقوداً إلى العمل و الإِجراء.
غير أنَّ تلك الأصول بين غير المتديّنين لا تراعى إِلاّ بالقوى المادَّية القاهرة. و عندئذ لا تتمتع الأصول الاجتماعية بأي ضمان تنفيذي و هذا مشهود لمن لاحظ حياة الأمم المادّية غير الملتزمة بمبدأ أو معاد.
المجال الرابع : إلغاءه الفوارق العنصرية و القومية المفروضة على عاتق المستضعفين بالقوة و السلطة و الإِغراء و الجهل و تشويه الحقائق:
إِنّ الدّين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدأ واحد ، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات و الجوهر كأسنان المشط ، و لا يرى أي معنى للتمييز و التفريق و ترفيع بعض و تخفيض بعض آخر ، كما لا يرى معنى لوجود أناس اتخمهم الشبع و آخرين أهلكهم الجوع و الحرمان.
تنبيه: ليست كل عقيدة تتسم باسم الدين قادرة على خلق هذه الآثار و إبداعها ، و إنما تقدر عليها كل عقيدة دينية تقوم على أساس العقل ، و تكون واصلة إلينا عن طريق الأنبياء الصادقين ، ففي مثل تلك العقيدة نجد الحركة و الحياة و في غير هذه الصورة يصبح الدين عقائد خرافية تتجلى بصورة الرهبانية و الميول السلبية إلى غير ذلك من الآثار السيئة التي نلمسها في العقائد الدينية التي لا تمت إلى الوحي و رجال الدين الحقيقي بصلة.
كما أنَّ الدين الحقيقي يلغي الفوارق السلبية التي لا تمت إلى أَساس منطقي بصلة ، و أَما المميزات الإِيجابية التي لا تنفكّ عن أَفراد البشر فهي غير ملغاة أَبداً ، فكما أنَّ أَصابع اليد الواحدة تختلف كل واحدة منها عن الأخرى ، كذلك أَفراد البشر يتفاوتون من حيث العقل و الفكر و الحركة و النشاط.
فالفوارق التي تنشأ من نفس طبيعة الإنسان غير قابلة للحذف و التغيير ، و ما يرفضه الدين و يحذفه عن مجال الحياة هو الامتيازات النابعة من القوة و السلطة.
منقول