قلم: أبي عبد الله علي بن محمد أبو هنية
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فإِنَّ الدَّعوةَ السلفيَّةَ دعوةٌ صافيةٌ نقيَّة, لا يُكدِّرها مُكدِّر, ولا يُفسِدُها دخيل؛ لجلائِها وصفائِها, ووضوحِها وبهائِها, وكم من الدَّعوات الباطلة, والجماعات المنحرفة قد التصق بهذه الدعوة المباركة؟ وحاولوا التلبيس على النَّاس بأنهم من أهلها! ففضحهم الله, وسرعان ما بانَ حالُهم, وظهر ضلالُهم و..
من تزيَّا بغيرِ ما هو فيهِ *** فضحتْهُ شواهدُ الامتحانِ
ولعلِّي لا أبالغ إذا قلت: إِنَّه لم يظلم مصطلحٌ في هذا العصر بقدر ما ظُلِمَ مصطلح (السَّلفيَّة)؛ لكثرةِ ما أُلقِيَ عليه من شبهات, وحِيكَ حوله من مؤامراتٍ, من أعدائِه؛ من جماعاتٍ, وأحزابٍ وتنظيماتٍ, وكثيرِ ما لقيَ من أبنائِه؛ من تشويهِ وإِساءاتٍ, وتفريطٍ في الواجباتِ.
ومن هذه الجماعاتِ والأَحزابِ والتَّنظيماتِ الّتي تسمَّتْ باسمِ السلفيَّةِ بغيرِ حقٍّ, ولَبِسَتْ لَبوسَها بغير صِدق, ما يُسمَّى بـ(السَّلفيَّة الجهاديَّة!).
وفي حقيقتهم؛ لا هم من أَتباعِ السَّلف, ولا هم من أَهلِ الجهاد.
لأَنَّ واقعهم يشهد أَنَّهم لا للجهاد حقَّقوا! ولا بمنهج السَّلف تمسَّكوا!! مجرَّد أسماءٍ وألقابٍ تَسَمَّوا وانتَفخوا بها؛ ليَضحكوا على عقولِ الغُفْل المساكين, ويُلبِّسوا على السُّذَّج من المسلمين.
أَلقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها *** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأَسدِ
السلفيَّةُ واحدةٌ لا تَتعدَّدُ:
وَلا شكَّ أن إِلصاق كلمة (جهاديَّة) بالسَّلفيَّة أمرٌ فيهِ ما فيهِ! ووَراءَه ما وراءَه! من اتَّهامٍ لغيرِهم بالتَّخاذل, أو الرَّجعيَّة, أو الانهزاميَّة, ومن تقسيمِهم للدَّعوةِ إِلى: عِلميَّة! وتَقليديَّة! ورَسميَّة! و..و..وأَخيراً (جهاديَّة!) = (تكفيريَّة!) والعجبُ كلُّ العجبِ ممن يقسِّمُ السَّلفيَّةَ هذه التَّقسيماتِ! ويفتاتُ على الدَّعوة هذا الافتيات!! وكأَنَّها أموالُ تَرِكَة! أو أقسامُ شَرِكَة!
وللهِ درُّ شيخِنا البحرِ عليٍّ الحلبيِّ –حفظهُ اللهُ-, حينَ ردَّ على تلكم الفريةِ تحتَ عنوانِ: "السَّلفيَّةُ واحدةٌ", قال: "مِن أعجَب ما تَرَدَّدَ على الأسماع , وانتشر –بأخرةَ– وَذَاع : قول بعض الرّعاع, من أهل الجهل والابتداع : إِنَّ السَّلفيَّةَ أنواع !!
قالوا : سلفيّة تقليديّة ! و : سلفيّة جهاديّة ! أو ( تكفيريّة !!) و : سلفيّة تجديديّة ! و: سلفيّة رسميّة ! أو : ( سُلطويّة ) !!و: سلفيّة شرعيّة !و :سلفية إصلاحيّة! ... نعم هكذا يُصَنِّفون , ولا يُنصفون!! وهكذا يَفْتَرون, ولا يَفْتُرون !!وهم في هذا –كلّه– على غير الحق, بل هم في باطلٍ صُراح؛ فالسلفية منهجٌ ربانيٌّ مُتوارَثٌ, يأخذه الخالفُ عن السَّالفِ, والأَبناءُ عن الآباءِ, والأَحفادُ عن الأَجداد ..وأَعظمُ ما يميِّزُ الدَّعوةَ السَّلفيَّةَ – على تعدُّد مزاياها- الاستسلامُ لما فيها من حقٍّ مُتَلَقَّى عن السَّلف, والالتئامُ بما مع علمائها من نورٍ كالدُّرِّ في الصَّدف ...أمَّا الأَغيار : المُغَيِّرُون : تحت ستارِ التَّجديدِ ...والمفسدونَ: تحتَ غطاءِ الجهادِ ... المبدِّلون : تحتَ عباءةِ الإِصلاحِ ... فأوراقهم مكشوفةٌ , ونَغَماتُهُم نَشاز ... لقد انتسبوا إلى السلفية –ظاهراً- , ثم خالفوا -في الحقيقة – أئمتها وكبراءَها- في هذا العصر-: الألباني , وابن عثيمين, وابن باز .. لقد تَسَربلوا لبوسها بثيابٍ رَقراقةٍ شفَّافةٍ ... فَسَرعانَ ما انكشفتْ منهمُ العورات, وبدا لكلِّ ذي عينينِ ما أَخفَوا من سَوءات !! ...".اهـ "السلفية لماذا ؟؟ مَعاذاً ومَلاذاً" ص61
أَصلٌ فاسِدٌ:
ومن الأمور التي لا بدَّ من معرفتها: أنَّ أصلَ فكرِ (السَّلفيَّة الجهاديَّة) التكفيريِّ ومنشأَه في العصرِ الحديثِ هو ما خرجَتْ به (جماعةُ التَّكفيرِ والهجرةِ) الإِخوانيَّةُ في السِّتينيَّاتِ في الجمهوريَّةِ المصريَّة, بقيادةِ (شكري مصطفى), والتي تبنَّت أفكارَ سيِّد قطبٍ الدمويَّةَ التي جاءت كردَّةِ فعلٍ, بعدما نكَّلَ بهمُ الرَّئيسُ المصريُّ الرَّاحلُ (جمال عبد الناصر), ثمَّ تبعتها جماعةُ (الجهاد) في أواخرِ السبعينيَّات, والتي كان على يديها مقتلُ الرَّئيسِ المصريِّ الرَّاحلِ (أنور السادات), ثمَّ تجدَّد هذا الفكرُ المنحرفُ مؤخَّراً بعدَ الحربِ الأَفغانيَّةِ الأُولى -وهيَ أكثرُ المراحلِ خطورةً- على يديْ (تنظيمِ القاعدةِ) في أفغانستانَ بقيادةِ! أُسامةَ بنِ لادنٍ وذراعِهِ! الأيمن! (الظواهري)!, ثُمَّ تشعَّبَ هذا التَّنظيمُ, وبدأَ يبثُّ سراياهُ في العالمِ أجمعَ, وبخاصةٍ في دولِ العالمِ الإِسلاميِّ, وبسببِ عواملَ كثيرةٍ, منها: فشوُّ الجهلِ, وتصدُّرُ أَئمَّةِ الضَّلالِ, وعدمُ احترامِ المرجعيَّةِ العلميَّةِ, ووجودُ الأَحزابِ, وتلوُّثُ كثيرٍ من عقائدِ المسلمينَ في مسألةِ ولاةِ الأمرِ, فقد انتشرَ هذا الفكرُ الخطيرُ انتشارَ النَّارِ في الهشيمِ, وانتشارَ السَّرطانِ في البدنِ السَّقيمِ, فباضَ وفرَّخ في العديدِ من الدُّول الإِسلاميَّةِ, وصارَ لـ(تنظيمِ القاعدةِ) أصلِ (جماعة السَّلفيَّةِ الجهاديَّةِ) فروعٌ في شتَّى البقاعِ والأَصقاعِ: في المغربِ, والجزائرِ, ومصرَ, والعراقِ, ولبنانَ, والسعوديةِ, والأردنِّ, وفلسطينَ, واليمنِ, والصومالِ, ..وغيرِها, بلْ وفي أمريكا وأوروبا.
وصارَ له قادةٌ ومنظِّرون كُثُر؛ كأبي قتادةَ الفلسطيني, وأبي بصيرٍ, وأبي حمزةَ المصري, ومحمد سرور, وكلُّهم في بلادِ الكفرِ يقطنون, وحمود العقلاء الشُّعيبي, وعلي الخضير, وناصر الفهد, والمقدسيِّ, والزَّرقاوي, والحواليِّ, والعَودةِ, والطّريري..وغيرِهم, وكلُّهم في بلاد الإِسلام يقيمون.
وما (السَّلفيَّةُ الجهاديَّةُ) إِلا أَحدَ فروعِ هذا التَّنظيمِ الكبيرِ, ممَّن يحملُ هذا الفكرَ الخطيرَ.
فكما نرى أَنَّ هذه الجماعةَ قد بُنِيَتْ على أصلٍ فاسدٍ, وفكرٍ قطبيٍّ مخالفٍ محترقٍ! بشريٍّ منحرفٍ عن الكتابِ والسنةِ ومنهجِ السَّلفِ الصَّالحِ؛ و(القاعدةُ!!) تقولُ: كلُّ ما بنيَ على فاسدٍ فهو فاسدٌ.
جهادٌ شرعيٌّ, وجهادٌ وهميٌّ!!
فَرُويدَكم أيُّها المتعجِّلون! إِنَّ الجهادَ الشَّرعيَّ اليومَ بالحجِّة والعلمِ والبيانِ, أَمَّا جهادُ السَّيفِ والرُّمحِ والسِّنانِ فله وقتُه وأَوانُه؛ وذلكَ حين تتوفَّرُ شروطُه, وتتواجدُ رجالُه, ونُعِدُّ له العُدَّةَ الّلازِمةَ.
فلو أَنَّكم انشغلتُم بواجبِ الوقتِ من التَّعلُّم والتَّعليمِ, وزرعِ التَّوحيدِ وحُبِّ السُّنَّة في نفوسِ النَّاسِ, ودعوتهم إِلى الخيرِ, لحقَّقتم ما أَرادَ اللهُ منكم, ولكنَّكم انشغلتُم بما لا تستطيعونَ عمَّا تستطيعون, فلا أَنتُم حققتُم ما تستطيعون, ولا أَدركتُم ما لا تستطيعون.. و
إِذا لم تَستَطِعْ شَيئاً فَدَعْهُ *** وَجاوِزْهُ إِلى ما تَستَطيعُ
"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً". [النساء:66]
قالَ الشَّيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمه الله-: "إِنَّه في عصرِنا الحاضرِ يتعذَّرُ القيامُ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ بالسَّيفِ ونحوِه، لضعفِ المسلمين مادِّيَّاً ومعنويَّاً, وعدمِ إِتيانِهم بأَسبابِ النَّصرِ الحقيقيَّةِ، ولأَجلِ دُخولهِم في المواثيقِ والعهودِ الدَّوليَّةِ، فلمْ يَبْقَ إِلّا الجهادُ بالدَّعوةِ إِلى اللهِ على بصيرةٍ".اهـ "فتاوى الشيخ ابن عثيمين"(18/388)
وقالَ فضيلةُ الشَّيخِ زيدٍ بنِ هادي المدخليِّ -حفظه الله-: "وَما عَمَلُ الجماعاتِ المسلَّحةِ في بعضِ الأَقطارِ الّتي تصولُ وتجولُ باسمِ الجِهادِ والدَّعوةِ إِلى العودةِ إِلى الشَّريعةِ الإِسلاميةِ –زعموا- فتقتلُ هذا, وتأخذُ مالَ هذا, وتروِّعُ أُسَراً ومجتمعاتٍ, وتنسفُ مصالحَ ومنشآتٍ؛ كمطارٍ ومدرسةٍ ونحوِهما؛ إِلَّا صورةً من صورِ الإِرهابِ الرَّهيبِ المغلَّفِ, والإِجرامِ العصيبِ المكثَّفِ.
ويا ليتَ هذا الصِّنفَ ممن أَطلقوا على أَنفسِهِم جماعةَ كذا, وادَّعوا العلمَ وأَصدَروا الفتاوى والأَحكَامَ الَّتي تبيحُ دماءَ الحكَّامِ, بلْ ودماءَ السَّاكتينَ عن مثالبِ الحكَّامِ والكافِّينَ أَيديهم عن مصاولتِهم في أَوطانِهم.
أقولُ: يا ليتَ هؤلاءِ بذلوا جهودَهم في نشرِ تعاليمِ الإِسلامِ بينَ محتاجيه -عقيدةً وعبادةً وخُلُقاً وسُلوكاً وأَدباً- بِقَدْرِ ما يستطيعون- مُتَّخذينَ من القرآنَ الكريمَ منهجاً, ومن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ مَدخَلاً ومَخرجَاً ـ قبلَ أَن يُشهِروا على النَّاسِ أَسلحَتهم, ويخيفوا سبلَهم ويزلزِلوا أَمنَهم واستقرارَهم بغياً وظلماً وعدواناً, غير أنَّه باسمِ الغَيرَةِ على شريعةِ الإِسلامِ, وصلاحِ أُمَّةِ الإِسلامِ, وهم بهذا الصَّنيعِ يشوِّهون سُمعةَ أمَّةِ الإِسلامِ الحقيقيِّ, ويفتحونَ نوافذَ الذَّمِّ بل أبوابَها على مِصراعَيْها لأَعداءِ الإِسلامِ والمسلمين من الغربيِّين والشَّرقيِّين ليدخُلوا منها, بَلْ ويطلقوا على إِسلامِنا المجيدِ لقبَ القسوةِ والجَورِ والتَّطرُّفِ والإِرهاب كما يطلقونَ على أَهلِه إِطلاقاً عامَّاً بأَنَّهم إِرهابيُّون ومتطرِّفون, بل ولا يحترمون حقَّاً من حقوقِ الإِنسانيَّة, وذلك كلُّه بسببِ سوءِ التَّصرُّفِ في دعوةِ الخلقِ التي يجبُ أن تكونَ بالأُسلوبِ الشَّرعيِّ الصَّحيحِ والسَّيرِ على منهاجِ الرُّسلِ والأَنبياء الواضحِ الصَّريحِ...".اهـ
"الإرهاب وأثره في الأفراد والأمم" ص13
قلتُ: هيهاتَ أن يفهموا هذا الكلام, وينزجروا من هذا الملام, وصدقَ من قال:
ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بعقلِهِ *** وأَخو الجهالةِ في الشَّقاوةِ يَنْعَمُ
وَمِنَ البليَّةِ عَذْلُ من لا يَرْعَوي *** عَن غَيِّهِ وخطابُ من لا يَفْهَمُ
ثُمَّ هؤلاءِ؛ أَيِّ جهادٍ عنه يتكلَّمون؟ وأَيِّ قتالٍ به يتفيهَقون؟ لو أنَّك سألتَهم عن مسألةٍ من مسائلِ فقهِ الجهادِ لرأيتهم جاهلينَ في ذلكَ أشدَّ الجهل!! في الوقتِ الّذي يملأُ صراخُهم الوعرَ والسَّهل.
وستُبدي لكَ الأَيَّامُ ما كنتَ جاهلاً...و
"نعمْ؛ نحنُ نؤمنُ بالجهاد, ونعطيهِ أَهمِّيَّته الشَّرعيَّة, ونؤدِّيه مكانتَه الدِّينيَّة, ونعرفُ له قدره؛ لكن: ضِمنَ ضوابطِ الشَّرعِ, وأَحكامِ علمائِه, وهديِ أئمَّتهِ وكُبَرائِه..
وأَمَّا إِشاعةُ الفوضى, وترويعُ الآمِنين ـ أو المستأمِنين ـ, وتقتيلُ الأَطفالِ والنِّساءِ والشُّيوخِ, ونزعُ الأُمَّة من أَمنِها وأَمانِها ـ باسمِ الجِهادِ! والدِّينِ!! -وبالعواطفِ الجارفةِ, أَو الحماساتِ الفارغةِ-: فهو عينُ المحادَّةِ للهِ, ولرسولهِ, وللمؤمنين, وخروجٌ عن جادَّةِ أَهلِ العلمِ الراسِخين.
وهذهِ الفعائِلُ التي وصفنا أَخيراً يسمِّيها الغربُ ومن تبعه من أَهلِ الشَّرقِ إِرهاباً!!
... فالدعوةُ السَّلفيَّةُ -الهادِئةُ الهادِيةُ- دعوةٌ علميَّةٌ, ودعوةٌ ربانيَّةٌ, تأْبى تلكمُ المحدثاتِ, وتنأَى بنفسِها عن هاتيكَ الفتنِ العاصفاتِ؛ لا جُبناً أو خَوفاً -كما يصوِّره ويتصوَّره- بعضُ الغلاةِ المخالفين, أَو أَشباهِهم من الجهلةِ المتعنِّتين...".اهـ (السلفية لماذا؟؟ معاذاً وملاذاً) ص118
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فإِنَّ الدَّعوةَ السلفيَّةَ دعوةٌ صافيةٌ نقيَّة, لا يُكدِّرها مُكدِّر, ولا يُفسِدُها دخيل؛ لجلائِها وصفائِها, ووضوحِها وبهائِها, وكم من الدَّعوات الباطلة, والجماعات المنحرفة قد التصق بهذه الدعوة المباركة؟ وحاولوا التلبيس على النَّاس بأنهم من أهلها! ففضحهم الله, وسرعان ما بانَ حالُهم, وظهر ضلالُهم و..
من تزيَّا بغيرِ ما هو فيهِ *** فضحتْهُ شواهدُ الامتحانِ
ولعلِّي لا أبالغ إذا قلت: إِنَّه لم يظلم مصطلحٌ في هذا العصر بقدر ما ظُلِمَ مصطلح (السَّلفيَّة)؛ لكثرةِ ما أُلقِيَ عليه من شبهات, وحِيكَ حوله من مؤامراتٍ, من أعدائِه؛ من جماعاتٍ, وأحزابٍ وتنظيماتٍ, وكثيرِ ما لقيَ من أبنائِه؛ من تشويهِ وإِساءاتٍ, وتفريطٍ في الواجباتِ.
ومن هذه الجماعاتِ والأَحزابِ والتَّنظيماتِ الّتي تسمَّتْ باسمِ السلفيَّةِ بغيرِ حقٍّ, ولَبِسَتْ لَبوسَها بغير صِدق, ما يُسمَّى بـ(السَّلفيَّة الجهاديَّة!).
وفي حقيقتهم؛ لا هم من أَتباعِ السَّلف, ولا هم من أَهلِ الجهاد.
لأَنَّ واقعهم يشهد أَنَّهم لا للجهاد حقَّقوا! ولا بمنهج السَّلف تمسَّكوا!! مجرَّد أسماءٍ وألقابٍ تَسَمَّوا وانتَفخوا بها؛ ليَضحكوا على عقولِ الغُفْل المساكين, ويُلبِّسوا على السُّذَّج من المسلمين.
أَلقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها *** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأَسدِ
السلفيَّةُ واحدةٌ لا تَتعدَّدُ:
وَلا شكَّ أن إِلصاق كلمة (جهاديَّة) بالسَّلفيَّة أمرٌ فيهِ ما فيهِ! ووَراءَه ما وراءَه! من اتَّهامٍ لغيرِهم بالتَّخاذل, أو الرَّجعيَّة, أو الانهزاميَّة, ومن تقسيمِهم للدَّعوةِ إِلى: عِلميَّة! وتَقليديَّة! ورَسميَّة! و..و..وأَخيراً (جهاديَّة!) = (تكفيريَّة!) والعجبُ كلُّ العجبِ ممن يقسِّمُ السَّلفيَّةَ هذه التَّقسيماتِ! ويفتاتُ على الدَّعوة هذا الافتيات!! وكأَنَّها أموالُ تَرِكَة! أو أقسامُ شَرِكَة!
وللهِ درُّ شيخِنا البحرِ عليٍّ الحلبيِّ –حفظهُ اللهُ-, حينَ ردَّ على تلكم الفريةِ تحتَ عنوانِ: "السَّلفيَّةُ واحدةٌ", قال: "مِن أعجَب ما تَرَدَّدَ على الأسماع , وانتشر –بأخرةَ– وَذَاع : قول بعض الرّعاع, من أهل الجهل والابتداع : إِنَّ السَّلفيَّةَ أنواع !!
قالوا : سلفيّة تقليديّة ! و : سلفيّة جهاديّة ! أو ( تكفيريّة !!) و : سلفيّة تجديديّة ! و: سلفيّة رسميّة ! أو : ( سُلطويّة ) !!و: سلفيّة شرعيّة !و :سلفية إصلاحيّة! ... نعم هكذا يُصَنِّفون , ولا يُنصفون!! وهكذا يَفْتَرون, ولا يَفْتُرون !!وهم في هذا –كلّه– على غير الحق, بل هم في باطلٍ صُراح؛ فالسلفية منهجٌ ربانيٌّ مُتوارَثٌ, يأخذه الخالفُ عن السَّالفِ, والأَبناءُ عن الآباءِ, والأَحفادُ عن الأَجداد ..وأَعظمُ ما يميِّزُ الدَّعوةَ السَّلفيَّةَ – على تعدُّد مزاياها- الاستسلامُ لما فيها من حقٍّ مُتَلَقَّى عن السَّلف, والالتئامُ بما مع علمائها من نورٍ كالدُّرِّ في الصَّدف ...أمَّا الأَغيار : المُغَيِّرُون : تحت ستارِ التَّجديدِ ...والمفسدونَ: تحتَ غطاءِ الجهادِ ... المبدِّلون : تحتَ عباءةِ الإِصلاحِ ... فأوراقهم مكشوفةٌ , ونَغَماتُهُم نَشاز ... لقد انتسبوا إلى السلفية –ظاهراً- , ثم خالفوا -في الحقيقة – أئمتها وكبراءَها- في هذا العصر-: الألباني , وابن عثيمين, وابن باز .. لقد تَسَربلوا لبوسها بثيابٍ رَقراقةٍ شفَّافةٍ ... فَسَرعانَ ما انكشفتْ منهمُ العورات, وبدا لكلِّ ذي عينينِ ما أَخفَوا من سَوءات !! ...".اهـ "السلفية لماذا ؟؟ مَعاذاً ومَلاذاً" ص61
أَصلٌ فاسِدٌ:
ومن الأمور التي لا بدَّ من معرفتها: أنَّ أصلَ فكرِ (السَّلفيَّة الجهاديَّة) التكفيريِّ ومنشأَه في العصرِ الحديثِ هو ما خرجَتْ به (جماعةُ التَّكفيرِ والهجرةِ) الإِخوانيَّةُ في السِّتينيَّاتِ في الجمهوريَّةِ المصريَّة, بقيادةِ (شكري مصطفى), والتي تبنَّت أفكارَ سيِّد قطبٍ الدمويَّةَ التي جاءت كردَّةِ فعلٍ, بعدما نكَّلَ بهمُ الرَّئيسُ المصريُّ الرَّاحلُ (جمال عبد الناصر), ثمَّ تبعتها جماعةُ (الجهاد) في أواخرِ السبعينيَّات, والتي كان على يديها مقتلُ الرَّئيسِ المصريِّ الرَّاحلِ (أنور السادات), ثمَّ تجدَّد هذا الفكرُ المنحرفُ مؤخَّراً بعدَ الحربِ الأَفغانيَّةِ الأُولى -وهيَ أكثرُ المراحلِ خطورةً- على يديْ (تنظيمِ القاعدةِ) في أفغانستانَ بقيادةِ! أُسامةَ بنِ لادنٍ وذراعِهِ! الأيمن! (الظواهري)!, ثُمَّ تشعَّبَ هذا التَّنظيمُ, وبدأَ يبثُّ سراياهُ في العالمِ أجمعَ, وبخاصةٍ في دولِ العالمِ الإِسلاميِّ, وبسببِ عواملَ كثيرةٍ, منها: فشوُّ الجهلِ, وتصدُّرُ أَئمَّةِ الضَّلالِ, وعدمُ احترامِ المرجعيَّةِ العلميَّةِ, ووجودُ الأَحزابِ, وتلوُّثُ كثيرٍ من عقائدِ المسلمينَ في مسألةِ ولاةِ الأمرِ, فقد انتشرَ هذا الفكرُ الخطيرُ انتشارَ النَّارِ في الهشيمِ, وانتشارَ السَّرطانِ في البدنِ السَّقيمِ, فباضَ وفرَّخ في العديدِ من الدُّول الإِسلاميَّةِ, وصارَ لـ(تنظيمِ القاعدةِ) أصلِ (جماعة السَّلفيَّةِ الجهاديَّةِ) فروعٌ في شتَّى البقاعِ والأَصقاعِ: في المغربِ, والجزائرِ, ومصرَ, والعراقِ, ولبنانَ, والسعوديةِ, والأردنِّ, وفلسطينَ, واليمنِ, والصومالِ, ..وغيرِها, بلْ وفي أمريكا وأوروبا.
وصارَ له قادةٌ ومنظِّرون كُثُر؛ كأبي قتادةَ الفلسطيني, وأبي بصيرٍ, وأبي حمزةَ المصري, ومحمد سرور, وكلُّهم في بلادِ الكفرِ يقطنون, وحمود العقلاء الشُّعيبي, وعلي الخضير, وناصر الفهد, والمقدسيِّ, والزَّرقاوي, والحواليِّ, والعَودةِ, والطّريري..وغيرِهم, وكلُّهم في بلاد الإِسلام يقيمون.
وما (السَّلفيَّةُ الجهاديَّةُ) إِلا أَحدَ فروعِ هذا التَّنظيمِ الكبيرِ, ممَّن يحملُ هذا الفكرَ الخطيرَ.
فكما نرى أَنَّ هذه الجماعةَ قد بُنِيَتْ على أصلٍ فاسدٍ, وفكرٍ قطبيٍّ مخالفٍ محترقٍ! بشريٍّ منحرفٍ عن الكتابِ والسنةِ ومنهجِ السَّلفِ الصَّالحِ؛ و(القاعدةُ!!) تقولُ: كلُّ ما بنيَ على فاسدٍ فهو فاسدٌ.
جهادٌ شرعيٌّ, وجهادٌ وهميٌّ!!
فَرُويدَكم أيُّها المتعجِّلون! إِنَّ الجهادَ الشَّرعيَّ اليومَ بالحجِّة والعلمِ والبيانِ, أَمَّا جهادُ السَّيفِ والرُّمحِ والسِّنانِ فله وقتُه وأَوانُه؛ وذلكَ حين تتوفَّرُ شروطُه, وتتواجدُ رجالُه, ونُعِدُّ له العُدَّةَ الّلازِمةَ.
فلو أَنَّكم انشغلتُم بواجبِ الوقتِ من التَّعلُّم والتَّعليمِ, وزرعِ التَّوحيدِ وحُبِّ السُّنَّة في نفوسِ النَّاسِ, ودعوتهم إِلى الخيرِ, لحقَّقتم ما أَرادَ اللهُ منكم, ولكنَّكم انشغلتُم بما لا تستطيعونَ عمَّا تستطيعون, فلا أَنتُم حققتُم ما تستطيعون, ولا أَدركتُم ما لا تستطيعون.. و
إِذا لم تَستَطِعْ شَيئاً فَدَعْهُ *** وَجاوِزْهُ إِلى ما تَستَطيعُ
"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً". [النساء:66]
قالَ الشَّيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمه الله-: "إِنَّه في عصرِنا الحاضرِ يتعذَّرُ القيامُ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ بالسَّيفِ ونحوِه، لضعفِ المسلمين مادِّيَّاً ومعنويَّاً, وعدمِ إِتيانِهم بأَسبابِ النَّصرِ الحقيقيَّةِ، ولأَجلِ دُخولهِم في المواثيقِ والعهودِ الدَّوليَّةِ، فلمْ يَبْقَ إِلّا الجهادُ بالدَّعوةِ إِلى اللهِ على بصيرةٍ".اهـ "فتاوى الشيخ ابن عثيمين"(18/388)
وقالَ فضيلةُ الشَّيخِ زيدٍ بنِ هادي المدخليِّ -حفظه الله-: "وَما عَمَلُ الجماعاتِ المسلَّحةِ في بعضِ الأَقطارِ الّتي تصولُ وتجولُ باسمِ الجِهادِ والدَّعوةِ إِلى العودةِ إِلى الشَّريعةِ الإِسلاميةِ –زعموا- فتقتلُ هذا, وتأخذُ مالَ هذا, وتروِّعُ أُسَراً ومجتمعاتٍ, وتنسفُ مصالحَ ومنشآتٍ؛ كمطارٍ ومدرسةٍ ونحوِهما؛ إِلَّا صورةً من صورِ الإِرهابِ الرَّهيبِ المغلَّفِ, والإِجرامِ العصيبِ المكثَّفِ.
ويا ليتَ هذا الصِّنفَ ممن أَطلقوا على أَنفسِهِم جماعةَ كذا, وادَّعوا العلمَ وأَصدَروا الفتاوى والأَحكَامَ الَّتي تبيحُ دماءَ الحكَّامِ, بلْ ودماءَ السَّاكتينَ عن مثالبِ الحكَّامِ والكافِّينَ أَيديهم عن مصاولتِهم في أَوطانِهم.
أقولُ: يا ليتَ هؤلاءِ بذلوا جهودَهم في نشرِ تعاليمِ الإِسلامِ بينَ محتاجيه -عقيدةً وعبادةً وخُلُقاً وسُلوكاً وأَدباً- بِقَدْرِ ما يستطيعون- مُتَّخذينَ من القرآنَ الكريمَ منهجاً, ومن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ مَدخَلاً ومَخرجَاً ـ قبلَ أَن يُشهِروا على النَّاسِ أَسلحَتهم, ويخيفوا سبلَهم ويزلزِلوا أَمنَهم واستقرارَهم بغياً وظلماً وعدواناً, غير أنَّه باسمِ الغَيرَةِ على شريعةِ الإِسلامِ, وصلاحِ أُمَّةِ الإِسلامِ, وهم بهذا الصَّنيعِ يشوِّهون سُمعةَ أمَّةِ الإِسلامِ الحقيقيِّ, ويفتحونَ نوافذَ الذَّمِّ بل أبوابَها على مِصراعَيْها لأَعداءِ الإِسلامِ والمسلمين من الغربيِّين والشَّرقيِّين ليدخُلوا منها, بَلْ ويطلقوا على إِسلامِنا المجيدِ لقبَ القسوةِ والجَورِ والتَّطرُّفِ والإِرهاب كما يطلقونَ على أَهلِه إِطلاقاً عامَّاً بأَنَّهم إِرهابيُّون ومتطرِّفون, بل ولا يحترمون حقَّاً من حقوقِ الإِنسانيَّة, وذلك كلُّه بسببِ سوءِ التَّصرُّفِ في دعوةِ الخلقِ التي يجبُ أن تكونَ بالأُسلوبِ الشَّرعيِّ الصَّحيحِ والسَّيرِ على منهاجِ الرُّسلِ والأَنبياء الواضحِ الصَّريحِ...".اهـ
"الإرهاب وأثره في الأفراد والأمم" ص13
قلتُ: هيهاتَ أن يفهموا هذا الكلام, وينزجروا من هذا الملام, وصدقَ من قال:
ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بعقلِهِ *** وأَخو الجهالةِ في الشَّقاوةِ يَنْعَمُ
وَمِنَ البليَّةِ عَذْلُ من لا يَرْعَوي *** عَن غَيِّهِ وخطابُ من لا يَفْهَمُ
ثُمَّ هؤلاءِ؛ أَيِّ جهادٍ عنه يتكلَّمون؟ وأَيِّ قتالٍ به يتفيهَقون؟ لو أنَّك سألتَهم عن مسألةٍ من مسائلِ فقهِ الجهادِ لرأيتهم جاهلينَ في ذلكَ أشدَّ الجهل!! في الوقتِ الّذي يملأُ صراخُهم الوعرَ والسَّهل.
وستُبدي لكَ الأَيَّامُ ما كنتَ جاهلاً...و
"نعمْ؛ نحنُ نؤمنُ بالجهاد, ونعطيهِ أَهمِّيَّته الشَّرعيَّة, ونؤدِّيه مكانتَه الدِّينيَّة, ونعرفُ له قدره؛ لكن: ضِمنَ ضوابطِ الشَّرعِ, وأَحكامِ علمائِه, وهديِ أئمَّتهِ وكُبَرائِه..
وأَمَّا إِشاعةُ الفوضى, وترويعُ الآمِنين ـ أو المستأمِنين ـ, وتقتيلُ الأَطفالِ والنِّساءِ والشُّيوخِ, ونزعُ الأُمَّة من أَمنِها وأَمانِها ـ باسمِ الجِهادِ! والدِّينِ!! -وبالعواطفِ الجارفةِ, أَو الحماساتِ الفارغةِ-: فهو عينُ المحادَّةِ للهِ, ولرسولهِ, وللمؤمنين, وخروجٌ عن جادَّةِ أَهلِ العلمِ الراسِخين.
وهذهِ الفعائِلُ التي وصفنا أَخيراً يسمِّيها الغربُ ومن تبعه من أَهلِ الشَّرقِ إِرهاباً!!
... فالدعوةُ السَّلفيَّةُ -الهادِئةُ الهادِيةُ- دعوةٌ علميَّةٌ, ودعوةٌ ربانيَّةٌ, تأْبى تلكمُ المحدثاتِ, وتنأَى بنفسِها عن هاتيكَ الفتنِ العاصفاتِ؛ لا جُبناً أو خَوفاً -كما يصوِّره ويتصوَّره- بعضُ الغلاةِ المخالفين, أَو أَشباهِهم من الجهلةِ المتعنِّتين...".اهـ (السلفية لماذا؟؟ معاذاً وملاذاً) ص118