جعفر، من أبناء الإمام الهادي(عليه السلام) وقد انحرف عن خط آبائه الطاهرين، وسلك طريق الهوى والمنكرات.
وليس انحراف جعفر بأعجب من انحراف ابن نوح نبي الله (عليه السلام) الذي قال الله تعالى في
شانه
يا نوح إنه ليس من أهلك،إنه عملٌ غير صالح)(1).
ولم يكن انحراف جعفر عن خط آبائه المعصومين بسبب إهمال والده في تربيته، ولا البيئة التي كان يعيش فيها، بل كان بسبب مجالسته للفسقة والمنحرفين، ومن الواضح أن المجالسة مؤثرة.
ولا نعلم بالضبط كيفية اتصاله وارتباطه بالمنحرفين، الذين وصموه بالخزي، وجروا عليه الويلات، وأبعدوه عن خط أهل البيت (عليهم السلام).
والعجيب أن الإمام العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي كان يظهر ولده الإمام المهدي (عليه السلام) للثقاة من شيعته ويخبر الخواص من أصحابه بولادته لم يخبر أخاه جعفراً بذلك، ولم يعرف جعفر أن لأخيه ولداً، ولعله كان يعلم ذلك ولكنه كان يتجاهله، لأسباب وأهداف.
وقبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمسة عشر يوماً، كتب الإمام رسائل عديدة لشيعته من أهل المدائن وسلم الرسائل إلى خادمه أبي الأديان، وقال له:
(امض بها (أي الرسائل) إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى (سر من رأى) يوم الخامس عشر(أي من سفره) وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ أي: فمن الإمام بعدك؟
قال: من طالبك بجوا بات كتبي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟ أي: اذكر لي المزيد من العلائم؟
قال: من يصلي علي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟
قال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.
وخرجت بالكتب (الرسائل) إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت (سر من رأى) يوم الخامس عشر –كما ذكر لي (عليه السلام)- فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه (أي: أخ الإمام العسكري) بباب الدار، والشيعة من حوله يعزونه و يهنئونه. (أي يهنئونه بالخلافة والإمامة).
فقلت ـ في نفسي -: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور!!
فتقدمت فعزيت وهنأت، فلم يسألني عن شيء. ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كفن أخوك، فقم وصل عليه فدخل جعفر والشيعة من حوله، -يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة- فما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات الله عليه) على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي (صلوات الله عليه) بوجهه سمرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج فجبذ (أي: جذب) برداء جعفر بن علي وقال:
(تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي).
فتأخر جعفر، وقد إربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام) ثم قال –الصبي-: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك؟ فدفعتها إليه، وقلت –في نفسي-: هذه بينتان (أي علامتان) بقي الهميان.
ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الو شاء: يا سيدي من الصبي؟ليقيم الحجة عليه.
فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفرٌ (أي: جماعة) من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته. قالوا: فمن؟ (أي: فمن الإمام بعده؟) فأشار الناس إلى جعفر، فسلموا عليه، وعزوه، وهنئوه، وقالوا: إن معنا كتباً ومالاً، فتقول (أي: فهل تقول) ممن الكتب؟ وكم المال؟
فقام جعفر ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟!.
فخرج الخادم (أي: خادم الإمام المهدي (عليه السلام) فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلية (بالذهب).
فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام... إلى آخر الحديث.
وترى جعفراً يصر على باطله ولا يتنازل عنه، وتتكرر الحوادث فتزيد – معها- فضيحة جعفر، وذلك حينما وصل وفد آخر من أهل قم إلى سامراء، كما روي عن علي بن سنان الموصلي قال: حدثني أبي قال: (لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وفد من قم والجبال وفودٌ بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام) فلما أن وصلوا إلى (سر من رأى) سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقيل لهم: إنه قد فُقِد.
فقالوا: فمن وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن علي.
فسألوا عنه فقيل لهم: إنه قد خرج متنزهاً، وركب زورقاً في (دجلة) يشرب ومعه المغنون!!.
قال: فتشاور القوم... فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام. وقال بعضهم: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري ألقمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحة.
فلما انصرف جعفر، دخلوا فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن من أهل قم، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن ابن علي الأموال.
فقال: وأين هي؟
قالوا: معنا.
قال: احملوا إلي .
قالوا: لا.. إن لهذه الأموال خبراً طريفاً.
قال: وما هو؟
قالوا: إن هذه الأموال تجمع، ويكون فيها – من عامة الشيعة-: الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا دينار من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا. حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش.
فقال: جعفر: كذبتم !.. تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، ولا يعلمه إلا الله.
فلما سمع القوم كلام جعفر، جعل بعضهم ينظر إلى بعض.
فقال لهم جعفر: احملوا هذا المال إلي؟.
قالوا: إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب المال ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام) فإن كنت (أنت) الإمام فبرهن لنا وإلا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال (الراوي): فدخل جعفر على المعتمد العباسي - وكان بسر من رأى- فاستعدى عليهم فلما أُحضروا، قال المعتمد: احملوا هذا المال إلى جعفر؟.
قالوا: إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام).
فقال الحاكم: فما كانت العلامة التي كانت لكم مع أبي محمد؟.
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إله مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلا رددناها إلى أصحابها.
قال جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب.
فقال العباسي: القوم رسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
قال (الراوي): فبهت جعفر ولم يرد جواباً.
فطلب الوفد من الحاكم العباسي أن يرسل معهم حارساً يصبحهم حتى يخرجوا من المدينة، فأمر بذلك.
فلما أن خرجوا من البلد، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنه خادم، فنادى: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم ؟
فقالوا: أنت مولانا ؟
قال: معاذ الله ... أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
قال: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليهما السلام) فإذا ولده القائم سيدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه، فرد علينا السلام ثم قال: جملة المال كذا وكذا دينار، حمل فلان كذا وفلان كذا ولم يزل يصف، حتى وصف الجميع.
ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما معنا من الدواب، فخررنا سجداً لله عز وجل، شكراً لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، وسألناه عما أردنا فأجاب، فحلمنا إليه الأموال.وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال، فإنه ينصب لنا –ببغداد- رجلاً تحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع (أي الإمام) إلى أبي العباس محمد بن جعفر ألقمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك.
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي (رحمه الله).
وليس انحراف جعفر بأعجب من انحراف ابن نوح نبي الله (عليه السلام) الذي قال الله تعالى في
شانه
يا نوح إنه ليس من أهلك،إنه عملٌ غير صالح)(1).
ولم يكن انحراف جعفر عن خط آبائه المعصومين بسبب إهمال والده في تربيته، ولا البيئة التي كان يعيش فيها، بل كان بسبب مجالسته للفسقة والمنحرفين، ومن الواضح أن المجالسة مؤثرة.
ولا نعلم بالضبط كيفية اتصاله وارتباطه بالمنحرفين، الذين وصموه بالخزي، وجروا عليه الويلات، وأبعدوه عن خط أهل البيت (عليهم السلام).
والعجيب أن الإمام العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي كان يظهر ولده الإمام المهدي (عليه السلام) للثقاة من شيعته ويخبر الخواص من أصحابه بولادته لم يخبر أخاه جعفراً بذلك، ولم يعرف جعفر أن لأخيه ولداً، ولعله كان يعلم ذلك ولكنه كان يتجاهله، لأسباب وأهداف.
وقبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمسة عشر يوماً، كتب الإمام رسائل عديدة لشيعته من أهل المدائن وسلم الرسائل إلى خادمه أبي الأديان، وقال له:
(امض بها (أي الرسائل) إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى (سر من رأى) يوم الخامس عشر(أي من سفره) وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ أي: فمن الإمام بعدك؟
قال: من طالبك بجوا بات كتبي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟ أي: اذكر لي المزيد من العلائم؟
قال: من يصلي علي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟
قال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.
وخرجت بالكتب (الرسائل) إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت (سر من رأى) يوم الخامس عشر –كما ذكر لي (عليه السلام)- فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه (أي: أخ الإمام العسكري) بباب الدار، والشيعة من حوله يعزونه و يهنئونه. (أي يهنئونه بالخلافة والإمامة).
فقلت ـ في نفسي -: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور!!
فتقدمت فعزيت وهنأت، فلم يسألني عن شيء. ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كفن أخوك، فقم وصل عليه فدخل جعفر والشيعة من حوله، -يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة- فما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات الله عليه) على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي (صلوات الله عليه) بوجهه سمرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج فجبذ (أي: جذب) برداء جعفر بن علي وقال:
(تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي).
فتأخر جعفر، وقد إربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام) ثم قال –الصبي-: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك؟ فدفعتها إليه، وقلت –في نفسي-: هذه بينتان (أي علامتان) بقي الهميان.
ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الو شاء: يا سيدي من الصبي؟ليقيم الحجة عليه.
فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفرٌ (أي: جماعة) من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته. قالوا: فمن؟ (أي: فمن الإمام بعده؟) فأشار الناس إلى جعفر، فسلموا عليه، وعزوه، وهنئوه، وقالوا: إن معنا كتباً ومالاً، فتقول (أي: فهل تقول) ممن الكتب؟ وكم المال؟
فقام جعفر ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟!.
فخرج الخادم (أي: خادم الإمام المهدي (عليه السلام) فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلية (بالذهب).
فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام... إلى آخر الحديث.
وترى جعفراً يصر على باطله ولا يتنازل عنه، وتتكرر الحوادث فتزيد – معها- فضيحة جعفر، وذلك حينما وصل وفد آخر من أهل قم إلى سامراء، كما روي عن علي بن سنان الموصلي قال: حدثني أبي قال: (لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وفد من قم والجبال وفودٌ بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام) فلما أن وصلوا إلى (سر من رأى) سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقيل لهم: إنه قد فُقِد.
فقالوا: فمن وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن علي.
فسألوا عنه فقيل لهم: إنه قد خرج متنزهاً، وركب زورقاً في (دجلة) يشرب ومعه المغنون!!.
قال: فتشاور القوم... فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام. وقال بعضهم: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري ألقمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحة.
فلما انصرف جعفر، دخلوا فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن من أهل قم، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن ابن علي الأموال.
فقال: وأين هي؟
قالوا: معنا.
قال: احملوا إلي .
قالوا: لا.. إن لهذه الأموال خبراً طريفاً.
قال: وما هو؟
قالوا: إن هذه الأموال تجمع، ويكون فيها – من عامة الشيعة-: الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا دينار من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا. حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش.
فقال: جعفر: كذبتم !.. تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، ولا يعلمه إلا الله.
فلما سمع القوم كلام جعفر، جعل بعضهم ينظر إلى بعض.
فقال لهم جعفر: احملوا هذا المال إلي؟.
قالوا: إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب المال ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام) فإن كنت (أنت) الإمام فبرهن لنا وإلا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال (الراوي): فدخل جعفر على المعتمد العباسي - وكان بسر من رأى- فاستعدى عليهم فلما أُحضروا، قال المعتمد: احملوا هذا المال إلى جعفر؟.
قالوا: إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام).
فقال الحاكم: فما كانت العلامة التي كانت لكم مع أبي محمد؟.
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إله مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلا رددناها إلى أصحابها.
قال جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب.
فقال العباسي: القوم رسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
قال (الراوي): فبهت جعفر ولم يرد جواباً.
فطلب الوفد من الحاكم العباسي أن يرسل معهم حارساً يصبحهم حتى يخرجوا من المدينة، فأمر بذلك.
فلما أن خرجوا من البلد، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنه خادم، فنادى: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم ؟
فقالوا: أنت مولانا ؟
قال: معاذ الله ... أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
قال: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليهما السلام) فإذا ولده القائم سيدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه، فرد علينا السلام ثم قال: جملة المال كذا وكذا دينار، حمل فلان كذا وفلان كذا ولم يزل يصف، حتى وصف الجميع.
ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما معنا من الدواب، فخررنا سجداً لله عز وجل، شكراً لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، وسألناه عما أردنا فأجاب، فحلمنا إليه الأموال.وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال، فإنه ينصب لنا –ببغداد- رجلاً تحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع (أي الإمام) إلى أبي العباس محمد بن جعفر ألقمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك.
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي (رحمه الله).
تعليق