كثيرا ما تحدثت المواضيع التي كتبت من فكر السيد القحطاني حول قضية الامام المهدي (ع) ويستحضرني موقف غاية في العبرة يوضح المراحل التي تمر بها هذه الدعوة المباركة ففي يوم من الايام كنا نسير على اقدامنا متجهين الى زيارة ابن سيد البشر الحسين بن علي ابن رسول الله (ص) منطلقين من مسجد السهلة في مدينة الكوفة وكان قائد المسيرة المباركة هو السيد القحطاني وكانت تلك المسيرات تكون على فترات متقاربة فتنطلق مسيرة كل اربعين يوما وكانت تلك المسيرة كلها عبر ومواعظ يفيض بها علينا السيد القحطاني في تلك الاوقات .. الذي اريد قوله بان السيد القحطاني في احد تلك المسيرات المباركة جسد امامنا مثلا كبيرا في كيفية السير في قضية الامام المهدي (ع) وكيفية بزوغ هذه الدعوة الى النور هذا المثل يحدثنا عنه السيد المبارك وعبد الله الصالح (مجيد رمضان) رحمة الله على روحه الطاهرة هذا الشخص المغمور الذي لا يعرف قربه إلى الله إلا من عاشره وعاش معه ، وقد صدق الحديث ( أخفى الله وليه في ارضه ) ينقل لنا هذا العبد الصالح بان السيد القحطاني في تلك المسيرة طلب ممن كان يسير معه بان يمشون دون أن يصدروا اي صوت وبعد ذلك طلب منهم ان يتحدثوا همسا ولا يسمع صوتهم إلا من بقربهم وبعد ذلك طلب منهم ان يتكلموا كما يشاؤون ودون تقيد ثم بعد ذلك طلب منهم ان يتكلموا بصوت عالٍ وبعدها طلب ان يبدئوا باللطم بأكثر القصائد حبا عند السيد القحطاني وهي ( جينه ننشد كربلا مضيعينها ) وقال الطموا بكل قوة وبكل صوت ..
نستخلص العبرة التي وضحها لنا ولبعض الاخوة الاخ مجيد رمضان فقال ان امر الامام المهدي (ع) ودعوته تكون على هذه الصورة فالأمر له في كل وقت حال ووضع مختلف ... واليوم جاء الوقت الذي نتكلم فيه بصوت عالٍ ونعلنها على رؤوس الاشهاد حقيقة طالما كان ينظر اليها الناس وهم بين المشكك والمصدق وبين الذي يخبئ راسه في حجره وبين الذي يستغشي ثياب ويغمض عينه هذه الحقيقة متعلقة بأهم امر في هذا الوجود وفي هذا الوقت وهي قضية الامام المهدي (ع) ودعوته المباركة ولكن قبل ذلك نحتاج الى مقدمة بسيطة لتوضيح الامر.
فكما يعلم الجميع بان الإمام المهدي (ع) ومن مقتضى العدل الإلهي ان تكون له دعوة قبل أن يقوم بالسيف ليقيم الحجة على الناس قبل ان يحل العذاب قال الله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الاسراء15 .
لذلك فقد اشار اهل البيت (ع) بان للإمام المهدي (ع) دعوة كدعوة جده رسول الله فقد ورد عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، فقلت أشرح لي هذا أصلحك الله، فقال: يستأنف الداعي منا دعاءا جديدا كما دعا رسول الله)( غيبة النعماني ص337 ).
ولكن حينما نستقرأ النصوص نجد ان الامام المهدي (ع) يقوم بالسيف وليس بالحوار والدعوة فكيف تستقيم هذه النصوص مع تلك!!
فقد ورد عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: (في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد (صلى الله عليه واله ) فأما من موسى فخائف يترقب وأما من يوسف فالسجن وأما من عيسى فيقال له انه مات ولم يمت وأما من محمد فالسيف) كمال الدين وتمام النعمة ص152.
وعن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله ) شبهاً من خمسة من الرسل ...- الى ان قال - وأما شبهه من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله ورسوله ...) بحار الأنوار ج51 ص217.
وجاء عن أبي بصير قال: قال الأمام أبي جعفر (عليه السلام): ( يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحد ولا تأخذه في الله لومة لائم)( غيبة النعماني ص 239 ).
فكيف تستقيم الدعوة وإقامة الحجة مع القيام بالسيف دون استتابة؟! فالأمرين يختلف احدهما عن الاخر ولكن كلاهما صحيح فكيف يمكن الجمع بينهما؟ واذا كان للإمام المهدي (ع) دعوة فمن الذي سيقوم بها باعتبار ان الإمام (ع) يقوم بالسيف ولا يستتيب أحد ؟
ان الذي يفجر لنا العلم ويبصرنا بطريقنا هم اهل البيت (ع) فقد ورد بان وزير الامام المهدي السيد اليماني هو صاحب دعوة الامام المهدي (ع) وهو من يأتي ليقيم الحجة على الناس.
فقد ورد في الرواية الشريفة عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
)( غيبة النعماني ص264).
لاحظ قوله (ع) في كلمة ( يدعو الى صاحبكم) أي ان اليماني هو الداعي للإمام وصاحب دعوته فهذا الشخص الذي سيكون وزيرا للإمام وصاحبا لدعوته المباركة سيكون انسانا رفيع القدر وعظيم المقام يختاره الله تعالى من بين هذه الامة لجدارته واخلاصه وهو من يمثل الامام المهدي (ع) قبل القيام لذلك قال الامام بأن ( الملتوي عليه من أهل النار ) فلا مفر لأي انسان من ان يحقق في شخصية اليماني وكيفية التعرف عليه من بين الرايات المشتبهة والضالة لكي يضع الانسان نفسه في المكان الذي يوجب له الجنة وينجيه من النار فكلنا يعلم بانه ستظهر رايات مشتبهة ورايات ضلالة منحرفة هذه الرايات الضالة يجب على كل انسان ان يميز راية الحق عنها ولا يلقي بنفسه في احد هذه الرايات المنحرفة فقد ورد عن المفضل بن عمر عن الامام الصادق (عليه السلام ) انه قال ( إياكم والتنويه أما والله ليغيبن إمامكم ...ولترفعن أثنتا عشر راية مشتبهة لا يدري أي من أي قال : فبكيت فقال لي: ما يبكيك يا أبا عبد الله فقلت : وكيف لا أبكي وانت تقول ترفع أثنتا عشر راية مشتبهة لا يدري أي من أي فكيف نصنع .قال : فنظر الى شمس داخلة في الصفة فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ، قلت نعم قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس ) غيبة النعماني ص86،غيبة الطوسي ص337
ولكن كيف يمكن التعرف على الداعي اليماني من بين هذه الرايات الضالة المنحرفة يا ترى ؟ قبل ذلك علينا ان نعلم بان قول الامام ( إن امرنا ابين من هذه الشمس ) يشير الى ان امر الامام المهدي (ع) بين وواضح وضوح الشمس لمن كان له بصيرة فالحق يعرف ويرى بعيني القلب التي يميز بها الانسان الحق من الباطل اما اذا ماتت القلوب وران عليها وعميت بصيرتها فإنها لن ترى الحق حتى لو كان كالشمس التي وصفها المعصوم قال الله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}الحج 46
وقال تعالى :{ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة المطففين
فيوم الدين هو يوم المهدي (ع) الذي يكذب به المعتدين الذين ملئوا بطونهم حراما فطبع على قلوبهم وهؤلاء يكذبون بالقائم ويعتبرونه من الاساطير وذلك بسبب الرين الذي تكدس على تلك القلوب المغمورة بالشر وهؤلاء حتى الشمس الذي هو الامام المهدي (ع) لن يروه بل وسيقاتلونه لذلك علينا ان نميز راية الحق ويكون بحثنا معتمدا ليس على الاهواء والآراء والعلماء بل على الثقلين الذين بهما الهدى والنجاة من الضلال . ولا يظن احد بان القلوب الصافية والمبصرة تكون عند المتدينين ومن على شاكلتهم حصرا بل الحق بان اصحاب المعاصي والخطآة يكونون اقرب من غيرهم في هذه الحالات فلابد ان تجري سنن الماضين على هذه الامة فالجميع يعلم بان حواري المسيح كانوا من اصحاب المعاصي والذنوب فلا ييأس من كان مبتعدا عن الله تعالى فان النصر به اوكد والتسليم منه ابين ممن عشعش الشرك في قلبه وسكن الرجال في صدره .
لقد بين اهل البيت (ع) كل ما يهم المسلمون بل وحتى آداب الطعام والنوم فهل يمكن ان يغفلون حاشاهم من تبيين كيفية التعرف على وزير الامام المهدي (ع) . لقد بين اهل بيت العصمة ذلك الامر بجلاء واشارت الروايات المعصومية الشريفة الى الامور التي يعرف بها الداعي اليماني ومنها أن يكون اليماني الموعود باقرا للحديث كما ورد عن علي (ع) فقد جاء عن المسيب أنه قال: ( وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين ومعه رجل يقال له أبو السوداء فقال يا أمير المؤمنين إن هذا يكذب على الله ورسوله ويتشهدك فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا عرض وطول يقول ماذا فقال يذكر جيش الغضب فقال خل سبيل الرجل أولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف الرجل والرجلان والثلاثة في كل قبيلة حتى يبلغ تسعة أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم ثم نهض وهو يقول باقرا باقرا باقرا ثم قال ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقراً )( بحار الأنوار ج51 ص298 ، غيبة النعماني ص113).
ومعنى بقر الحديث شقه واستخراج محتواه أي تأويله وتفسيره وفك رموزه واسراره فاليماني يبقر الحديث بقرا وانه يأتي أيضا بالتفسير التام والمحكم للرجعة التي لم يبين حقيقتها وطريقتها ورموزها واسرارها اهل البيت (ع) وكأنما كانت قضية الرجعة مدخرة لآخر الزمان ليعرف من خلالها وزير الامام حيث ورد عن المفضل بن عمر، قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: يرجع في أحدهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟
قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله " غيبة النعماني ص178 .
عن زرارة قال: ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها. فقال :إن هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه، وقد قال الله عز وجل: { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه } )( بحار الأنوار ج53 ص40).
وعن حمران قال: ( سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأمور العظام من الرجعة وغيرها، فقال: إن هذا الذي تسألوني عنه لم يأتي أوانه، قال الله: { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه } )( تفسير العياشي ج2 ص122).
وكذلك يكون اليماني الموعود عالما بعظائم الامور التي اهمها القرآن واسراره وانه ايضا يأتي بعلم التوسم لأن الامام المهدي (ع) يكون عالما بعلم التوسم ويعلّم اصحابه هذا العلم فقد ورد عن الباقر (عليه السلام): ( كأني انظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير، قد فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم متنكسين قسيهم قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار رهبان في الليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ويعطيهم صاحبهم التوسم، لا يقتل أحد منهم إلا كافر أو منافقاً، فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} )( بحار الأنوار ج52 ص286 ).
هذه اهم الامور التي
يتبع يتبع
تعليق