لاول مرة في تاريخ العلوم العصمة تنتقل عنطريق الوراثة(الحلقة الأولى)
(من فكر السيد ابو عبد الله الحسين القحطاني)
توصل علماء الوراثة إلى أن الجينات هي التي تنقل الرسالة الوراثية من جيل لآخر ، حيث لها الإمكانية على توجيه نشاط كل خلية ، وهذه الخلية عبارة عن جزيئات عملاقة تكوّن ما يشبه الخيوط الرفيعة المجدولة التي يطلق عليها (الحمض النووي المختزل) ، وتحتوي هذه الرسالة الوراثية على كل الصفات الوراثية من لون العينين إلى أدق التركيبات الأخرى في الجسم، بما في ذلك القدرة والكفاءة ومستوى الذكاء ، وما إلى ذلك من التفصيلات الأخرى.
وتعتبر الهندسة الوراثية البشرية احدى الفروع التطبيقية لعلم الوراثة ، وقد أثار هذا النوع جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية والاجتماعية والسياسية ، ويقول علماء الوراثة أن الهندسة الوراثية هي ثورة تقنية جبارة تهدف إلى إضافة جينات جديدة تحمل إلى الكائن الحي صفات لم تكن موجودة من قبل ، لحين تجاوز التراكيب الوراثية الموجودة إلى تراكيب جينية أفضل بقصد إصلاح عيب أو خلل في المادة الوراثية أو تحسين الصفات العامة للأفراد عن طريق إعادة صياغة الخريطة الجينية ، مع العلم أنهم أثبتوا إمكانية انتقال (الشفرة الوراثية) بتفصيلاتها المتناهية الدقة من شخص لآخر وفق الوضع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان ، فمن الممكن جداً أن يولد لأي إنسان ولداً يشبه آباءه أو أجداده في الشكل والصورة ، ومن الممكن أيضاً أن يولد مولود يشبه أحد آباءهأو أجداده في الصفات الروحية والمعنوية ، بل من الممكن أيضاً أن يولد مولود تكون لهنفس الموصفات الداخلية والخارجية من مضمون داخلي وصورة خارجية لأحد الآباء أوالأجداد ، وكل ذلك وفق قانون الجينات والرسالة الوراثية الذي اكتشفه العلم الحديث ،وبين قابليته على نقل الشفرة الوراثية من جيل إلى جيل وليس من جد إلى ابن فقط ،وهذا ما أكدته الأحاديث الشريفة لرسول الله (ص) وروايات الأئمة الطاهرين (عليهمالسلام)
وقد ذكر المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات المباركات التي تشير إلى وجود قانون الوراثة وسريانه بين الخلق ، ومنها:
1- قال تعالى : {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}مريم (5-6)
2- وقوله تعالى : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} النمل 16.
3- {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32.
4- {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْمَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنفال75.
5- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد26.
6- {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5.
إذن فالقرآن يقر قانون الوراثة والجينات ، ويمكننا تقسيم الصفات الوراثية إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول : وراثة الصفات الجسمانية التيتخص الشكل الخارجي للإنسان .
القسم الثاني : وراثة الصفات الروحية والمعنوية من عقل وذكاء وفطنة ، أو بلادة وغباء ، أي ينطبق الأمر سلباً وإيجاباً ، ويدخل الأمرالإلهي أيضاً في هذا القسم .
القسم الثالث : اجتماع القسمين الأول والثاني فيهذا القسم أي انتقال جميع الصفات الجسمانية والروحية والمعنوية في شخص واحد .
إن الجينات الوراثية متواصلة على مرّ العصور وغير منقطعة ويكون اختيار الشفرة الوراثية للإنسان عند دخول النطفة الرحم ، وسلسلة الجينات الوراثية متصلة بيننا وبين آدم (ع) ، والمولى عز وجل يختار بمشيئته ما يلائم هذه النطفة أو ما يريد لها جلت قدرته من جينات وراثية لأي نسب من أسلافه ، وهذا ما ذكره رسول الله (ص) ، فقد جاء عن الرضا عن آباءه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لرجل : (ماولد لك ؟ قال : يا رسول الله وما عسى أن يكون لي إما غلاماً وإما جارية . قال فمنيشبه ؟ قال : يشبه أمه اوأباه . فقال (ص) : لا تقل هكذا إن النطفة إذا استقرت فيالرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم) بحار الأنوار ج7 ص94.
فمن الممكن أن يكون مولوداً لا يشبه أبوه ولا يشبه أمه ، وقد لا يكون فيه شبه من أخواله أو أعمامه أو أجداده ، فإن النسل الوراثي متواصل كما ذكرنا إلى آدم (ع) ، فقد يكون شبيهاً بأحد أجداده الذي لم يدركه أحد من آباءه ، وكما هو الحال مع أحد الأنصار الذي ولدت زوجته ما لا يشبهه ولا يشبه أخواله أو أجداده فذهب به وبزوجته متحيراً إلى رسولالله (ص) ، فقد جاء في الكافي ج5 ص561 ، عن أبي جعفر (ع) قال : (أتى رجل من الأنصار رسول الله (ص) فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم إلا خيراً وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعدٍ قططٍ أفطس الأنف لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي . فقال لامرأته ما تقولين ؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق نبياً ما أقعدت مقعده منيمنذ ملكني أحداً غيره . قال : فنكس رسول الله (ص) برأسه ملياً ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال يا هذا إنه ليس من أحد إلا وبينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً كلها تضرب في النسب فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسألالله الشبه لها فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك خذ إليكابنك . فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله).
انظر أخي القارئ الى القاعدة العلمية الرصينة التي يذكرها رسول الله (ص) مؤكداً وجود علم الجينات وانتقال الوراثة عبر استلام النطفة لتلك الجينات في الوهلة الأولى لدخولها الرحم ، وإنمصادر الجينات هي التسعة والتسعين عرق التي تتحكم في نوعية الجينات الموروثة ،وسيتوصل العلم الحديث في يوم من الأيام إلى اكتشاف هذه القاعدة المهمة . قال تعالى : {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}الإسراء85.
ولكن هل بالإمكان انتقال الأمر الإلهي (العصمة) عبر الانتقال الانسيابي للجينات الوراثية ؟ أقول : تؤكد الأحاديث الشريفة على أن أهل البيت (ع) هم الخمسة أصحاب الكساء الذين خصهمالله تعالى بآية التطهير التي نزلت فيهم وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وفي ذات الوقت هنالك الكثير من الأحاديثوالروايات التي تذكر أن أهل البيت والمطهرين هم الأربعة عشر (سلام الله عليهم أجمعين) فما معنى ذلك ؟
الواقع أن الخمسة أصحاب الكساء (ع) الذين نزلت فيهم آيةالتطهير هم أهل البيت ، وقد انتقل هذا الامر وراثياً الى الأئمة التسعة المعصومينمن ذرية الحسين (عليهم السلام) فقد ورثوا التطهير من آبائهم أهل الكساء كما ورثواأمور أخرى عديدة ، وتدخل هذه المواريث في القسم الثاني من أقسام الوراثات ، وقد يتعجب البعض من هذا الكلام ، إلا أن القرآن قد نطق به وبينته الأحاديث والروايات ،وكذلك أكده العلم الحديث ، وهو لا يخص الأئمة فقط بل هو سار كذلك في الأنبياء (عليهم السلام) ، فلو عدنا لقوله تعالى في سورة فاطر لتبين لنا إمكانية ذلك . قالعز وجل :
{ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32 ، وقولهتعالى : {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنفال75 ، وقوله تعالى : {وَلَقَدْأَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد26.
ومن الروايات ما ورد عن عبد الرحمن بم كثير قال : (قلت لأبي عبد الله (ع) : ما عني الله عز وجل بقوله : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قال : نزلت في النبي (ص) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فلما قبض الله عز وجل نبيه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم وقع تأويل هذه الآية : {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} وكان علي بن الحسين (ع) إماماً ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ، فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عز وجل) بحار الأنوار ج25 ص355.
وعن الريان بن الصلت ، قال : (حضر الرضا (ع) مجلس المأمون بمروّ ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان فقالالمأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فقالت العلماء : أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا (ع) : لا أقول كما قالوا ولكني أقول أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة - إلى أن قال- فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . فقال المأمون من العترة الطاهرة ؟ قال : فقال الرضا (ع) : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه جل وعز : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَعَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ...ثم قال : أماعلمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم . قالوا : أين يا أبا الحسن ؟ قال : من قوله عز وجل : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين) بشارة المصطفى ص228 . والجدير بالذكر أن الإمام الحسين (ع) الذي فهو والد الأئمة التسعة هو الوحيد الذي اختصه الله بزيارة وارث ولم يختصالإمام الحسن (ع) بهذه الزيارة لكونه حاملاً للجينات الوراثة للانبياء وخصوصاً اولوا العزم منهم ، حتى تكون الامامة امتداد للنبوة .
ويتبين لنا من هذه الآيات القرآنية والروايات الشريفة بأن الإمامة وكل ما يتعلق بها من لوازم تنتقل عن طريق الوراثة إلى ذريتهما من المهتدين والمصطفين ، وقد أكد علماء الوراثة هذه الحقيقة فقد اكتشفوا أطلس كامل للجينات البشرية التي تحمل جميع صفات الإنسان الجسدية والسلوكية والأخلاقية بحيث أنهم وجدوا لكل صفة من الصفات أحد الجينات المسؤول عنوراثة هذه الصفة إلى المولود ، وبالإمكان تنضيد مجموعة الجينات الوراثية الحاملة للمواصفات المطلوبة لكان المولود متحلياً بنفس تلك المواصفات تماماً .
الحلقة الثانية
إن وراثة الأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين (ع) كانت من القسم الثاني من الوراثة ، فهي وراثة روحية ومعنوية ووراثة لأمر الله تبارك وتعالى ، وليست وراثة جسمانية ، فتجد الأئمة (ع) يختلف بعضهم عن بعض من ناحية الشكل ولكنهم نفس المضمون ، وبذلك يتبين بأن أهل البيت (عليهم السلام) ذرية بعضها من بعض وقد شملت الطهارة والأئمة الذين لم يكونوا حينها تحت الكساء ، وقد ذكرت الروايات الشريفة شمولهم بهذه المنزلة عبر الجينات الوراثية ، ومن هذه الروايات ما جاء عن سليم عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : (أيها الناس تعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فجمعني وفاطمة وابني حسناً وحسيناً ثم ألقى علينا الكساء ، وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله (ص) ؟ فقال : أنت على خير ، إنما نزلت فيّ وفي أخي علي وابنيّ وفي تسعة من ولد الحسين خاصة وليس معنا أحد غيرنا) بحار الأنوار ج31 ص413.
وبذلك فإن أهل البيت المشمولين بآية التطهير هم الأربعة عشر المعصومين (عليه السلام) خمسة منهم أهل الكساء بحسب التنزيل وتسعة منهم من ولد الحسين (ع) بحسب قانون الوراثة والجينات . ومن هذا نفهم معنى قول رسول الله (ص) : (الحسين خازن وحيي والحسن معدن علمي) . فالحسين (ع) هو خازن الجينات الوراثية التي من خلالها تم التواصل لأبنائه المعصومين (ع) من خلال عامل الوراثة .
لقد فرق كتاب الله عز وجل بين الشجرة الملعونة والشجرة المباركة ، فالشجرة الملعونة التي تمثل بني أمية والشجرة الطيبة التي تمثل محمد وآله الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فالشجرة الملعونة تحمل الجينات الوراثية ذات المواصفات المتدنية ، أما الشجرة الطيبة فهي تحمل الجينات الوراثية الراقية.
وعليه فإن الإمام المهدي (ع) يقتل ذراري قتلة الحسين الذين انتقلت لهم جينات أجدادهم قتلة الحسين (ع) فيكونون كأجدادهم الذين وقفوا بوجه الحسين ، وسيقفون بوجه الإمام المهدي (مكن) وإلا فلا تزر وازرة وزر أخرى ، والإمام المهدي (ع) سيكون حاملاً لكافة الجينات الجسمانية والروحية والمعنوية ، فهو وارث الأنبياء والمرسلين وهو الذي يصفه رسول الله (ص) بأنه أشبه الناس به خلقاً وخلقاً . فقد ورد عن جابر الأنصاري ، قال : (قال رسول الله (ص) : المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب ويملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) بحار الأنوار ج50 ص231.
وينطبق هذا الأمر من وراثة الجينات الجسمانية والروحية والمعنوية على اليماني الموعود أيضاً فهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً بعيسى ابن مريم (ع) ، فقد ورد في غيبة النعماني عن عبد الرحمن بن حمزة عن كعب الأحبار أنه قال : ( ...إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيس بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسيماء وهيئة يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله ...) بحار الأنوار ج52 ص225. وبذلك تنطبق الاية الكريمة في قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33. فمن آل عمران عيسى ومن آل ابراهيم الامام المهدي (ع) وهنا اصبحت ذرية بعضها من بعض والله واسع عليم .
(من فكر السيد ابو عبد الله الحسين القحطاني)
توصل علماء الوراثة إلى أن الجينات هي التي تنقل الرسالة الوراثية من جيل لآخر ، حيث لها الإمكانية على توجيه نشاط كل خلية ، وهذه الخلية عبارة عن جزيئات عملاقة تكوّن ما يشبه الخيوط الرفيعة المجدولة التي يطلق عليها (الحمض النووي المختزل) ، وتحتوي هذه الرسالة الوراثية على كل الصفات الوراثية من لون العينين إلى أدق التركيبات الأخرى في الجسم، بما في ذلك القدرة والكفاءة ومستوى الذكاء ، وما إلى ذلك من التفصيلات الأخرى.
وتعتبر الهندسة الوراثية البشرية احدى الفروع التطبيقية لعلم الوراثة ، وقد أثار هذا النوع جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية والاجتماعية والسياسية ، ويقول علماء الوراثة أن الهندسة الوراثية هي ثورة تقنية جبارة تهدف إلى إضافة جينات جديدة تحمل إلى الكائن الحي صفات لم تكن موجودة من قبل ، لحين تجاوز التراكيب الوراثية الموجودة إلى تراكيب جينية أفضل بقصد إصلاح عيب أو خلل في المادة الوراثية أو تحسين الصفات العامة للأفراد عن طريق إعادة صياغة الخريطة الجينية ، مع العلم أنهم أثبتوا إمكانية انتقال (الشفرة الوراثية) بتفصيلاتها المتناهية الدقة من شخص لآخر وفق الوضع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان ، فمن الممكن جداً أن يولد لأي إنسان ولداً يشبه آباءه أو أجداده في الشكل والصورة ، ومن الممكن أيضاً أن يولد مولود يشبه أحد آباءهأو أجداده في الصفات الروحية والمعنوية ، بل من الممكن أيضاً أن يولد مولود تكون لهنفس الموصفات الداخلية والخارجية من مضمون داخلي وصورة خارجية لأحد الآباء أوالأجداد ، وكل ذلك وفق قانون الجينات والرسالة الوراثية الذي اكتشفه العلم الحديث ،وبين قابليته على نقل الشفرة الوراثية من جيل إلى جيل وليس من جد إلى ابن فقط ،وهذا ما أكدته الأحاديث الشريفة لرسول الله (ص) وروايات الأئمة الطاهرين (عليهمالسلام)
وقد ذكر المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات المباركات التي تشير إلى وجود قانون الوراثة وسريانه بين الخلق ، ومنها:
1- قال تعالى : {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}مريم (5-6)
2- وقوله تعالى : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} النمل 16.
3- {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32.
4- {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْمَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنفال75.
5- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد26.
6- {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5.
إذن فالقرآن يقر قانون الوراثة والجينات ، ويمكننا تقسيم الصفات الوراثية إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول : وراثة الصفات الجسمانية التيتخص الشكل الخارجي للإنسان .
القسم الثاني : وراثة الصفات الروحية والمعنوية من عقل وذكاء وفطنة ، أو بلادة وغباء ، أي ينطبق الأمر سلباً وإيجاباً ، ويدخل الأمرالإلهي أيضاً في هذا القسم .
القسم الثالث : اجتماع القسمين الأول والثاني فيهذا القسم أي انتقال جميع الصفات الجسمانية والروحية والمعنوية في شخص واحد .
إن الجينات الوراثية متواصلة على مرّ العصور وغير منقطعة ويكون اختيار الشفرة الوراثية للإنسان عند دخول النطفة الرحم ، وسلسلة الجينات الوراثية متصلة بيننا وبين آدم (ع) ، والمولى عز وجل يختار بمشيئته ما يلائم هذه النطفة أو ما يريد لها جلت قدرته من جينات وراثية لأي نسب من أسلافه ، وهذا ما ذكره رسول الله (ص) ، فقد جاء عن الرضا عن آباءه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لرجل : (ماولد لك ؟ قال : يا رسول الله وما عسى أن يكون لي إما غلاماً وإما جارية . قال فمنيشبه ؟ قال : يشبه أمه اوأباه . فقال (ص) : لا تقل هكذا إن النطفة إذا استقرت فيالرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم) بحار الأنوار ج7 ص94.
فمن الممكن أن يكون مولوداً لا يشبه أبوه ولا يشبه أمه ، وقد لا يكون فيه شبه من أخواله أو أعمامه أو أجداده ، فإن النسل الوراثي متواصل كما ذكرنا إلى آدم (ع) ، فقد يكون شبيهاً بأحد أجداده الذي لم يدركه أحد من آباءه ، وكما هو الحال مع أحد الأنصار الذي ولدت زوجته ما لا يشبهه ولا يشبه أخواله أو أجداده فذهب به وبزوجته متحيراً إلى رسولالله (ص) ، فقد جاء في الكافي ج5 ص561 ، عن أبي جعفر (ع) قال : (أتى رجل من الأنصار رسول الله (ص) فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم إلا خيراً وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعدٍ قططٍ أفطس الأنف لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي . فقال لامرأته ما تقولين ؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق نبياً ما أقعدت مقعده منيمنذ ملكني أحداً غيره . قال : فنكس رسول الله (ص) برأسه ملياً ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال يا هذا إنه ليس من أحد إلا وبينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً كلها تضرب في النسب فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسألالله الشبه لها فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك خذ إليكابنك . فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله).
انظر أخي القارئ الى القاعدة العلمية الرصينة التي يذكرها رسول الله (ص) مؤكداً وجود علم الجينات وانتقال الوراثة عبر استلام النطفة لتلك الجينات في الوهلة الأولى لدخولها الرحم ، وإنمصادر الجينات هي التسعة والتسعين عرق التي تتحكم في نوعية الجينات الموروثة ،وسيتوصل العلم الحديث في يوم من الأيام إلى اكتشاف هذه القاعدة المهمة . قال تعالى : {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}الإسراء85.
ولكن هل بالإمكان انتقال الأمر الإلهي (العصمة) عبر الانتقال الانسيابي للجينات الوراثية ؟ أقول : تؤكد الأحاديث الشريفة على أن أهل البيت (ع) هم الخمسة أصحاب الكساء الذين خصهمالله تعالى بآية التطهير التي نزلت فيهم وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وفي ذات الوقت هنالك الكثير من الأحاديثوالروايات التي تذكر أن أهل البيت والمطهرين هم الأربعة عشر (سلام الله عليهم أجمعين) فما معنى ذلك ؟
الواقع أن الخمسة أصحاب الكساء (ع) الذين نزلت فيهم آيةالتطهير هم أهل البيت ، وقد انتقل هذا الامر وراثياً الى الأئمة التسعة المعصومينمن ذرية الحسين (عليهم السلام) فقد ورثوا التطهير من آبائهم أهل الكساء كما ورثواأمور أخرى عديدة ، وتدخل هذه المواريث في القسم الثاني من أقسام الوراثات ، وقد يتعجب البعض من هذا الكلام ، إلا أن القرآن قد نطق به وبينته الأحاديث والروايات ،وكذلك أكده العلم الحديث ، وهو لا يخص الأئمة فقط بل هو سار كذلك في الأنبياء (عليهم السلام) ، فلو عدنا لقوله تعالى في سورة فاطر لتبين لنا إمكانية ذلك . قالعز وجل :
{ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32 ، وقولهتعالى : {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنفال75 ، وقوله تعالى : {وَلَقَدْأَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد26.
ومن الروايات ما ورد عن عبد الرحمن بم كثير قال : (قلت لأبي عبد الله (ع) : ما عني الله عز وجل بقوله : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قال : نزلت في النبي (ص) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فلما قبض الله عز وجل نبيه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم وقع تأويل هذه الآية : {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} وكان علي بن الحسين (ع) إماماً ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ، فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عز وجل) بحار الأنوار ج25 ص355.
وعن الريان بن الصلت ، قال : (حضر الرضا (ع) مجلس المأمون بمروّ ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان فقالالمأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فقالت العلماء : أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا (ع) : لا أقول كما قالوا ولكني أقول أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة - إلى أن قال- فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . فقال المأمون من العترة الطاهرة ؟ قال : فقال الرضا (ع) : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه جل وعز : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَعَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ...ثم قال : أماعلمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم . قالوا : أين يا أبا الحسن ؟ قال : من قوله عز وجل : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين) بشارة المصطفى ص228 . والجدير بالذكر أن الإمام الحسين (ع) الذي فهو والد الأئمة التسعة هو الوحيد الذي اختصه الله بزيارة وارث ولم يختصالإمام الحسن (ع) بهذه الزيارة لكونه حاملاً للجينات الوراثة للانبياء وخصوصاً اولوا العزم منهم ، حتى تكون الامامة امتداد للنبوة .
ويتبين لنا من هذه الآيات القرآنية والروايات الشريفة بأن الإمامة وكل ما يتعلق بها من لوازم تنتقل عن طريق الوراثة إلى ذريتهما من المهتدين والمصطفين ، وقد أكد علماء الوراثة هذه الحقيقة فقد اكتشفوا أطلس كامل للجينات البشرية التي تحمل جميع صفات الإنسان الجسدية والسلوكية والأخلاقية بحيث أنهم وجدوا لكل صفة من الصفات أحد الجينات المسؤول عنوراثة هذه الصفة إلى المولود ، وبالإمكان تنضيد مجموعة الجينات الوراثية الحاملة للمواصفات المطلوبة لكان المولود متحلياً بنفس تلك المواصفات تماماً .
الحلقة الثانية
إن وراثة الأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين (ع) كانت من القسم الثاني من الوراثة ، فهي وراثة روحية ومعنوية ووراثة لأمر الله تبارك وتعالى ، وليست وراثة جسمانية ، فتجد الأئمة (ع) يختلف بعضهم عن بعض من ناحية الشكل ولكنهم نفس المضمون ، وبذلك يتبين بأن أهل البيت (عليهم السلام) ذرية بعضها من بعض وقد شملت الطهارة والأئمة الذين لم يكونوا حينها تحت الكساء ، وقد ذكرت الروايات الشريفة شمولهم بهذه المنزلة عبر الجينات الوراثية ، ومن هذه الروايات ما جاء عن سليم عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : (أيها الناس تعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فجمعني وفاطمة وابني حسناً وحسيناً ثم ألقى علينا الكساء ، وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله (ص) ؟ فقال : أنت على خير ، إنما نزلت فيّ وفي أخي علي وابنيّ وفي تسعة من ولد الحسين خاصة وليس معنا أحد غيرنا) بحار الأنوار ج31 ص413.
وبذلك فإن أهل البيت المشمولين بآية التطهير هم الأربعة عشر المعصومين (عليه السلام) خمسة منهم أهل الكساء بحسب التنزيل وتسعة منهم من ولد الحسين (ع) بحسب قانون الوراثة والجينات . ومن هذا نفهم معنى قول رسول الله (ص) : (الحسين خازن وحيي والحسن معدن علمي) . فالحسين (ع) هو خازن الجينات الوراثية التي من خلالها تم التواصل لأبنائه المعصومين (ع) من خلال عامل الوراثة .
لقد فرق كتاب الله عز وجل بين الشجرة الملعونة والشجرة المباركة ، فالشجرة الملعونة التي تمثل بني أمية والشجرة الطيبة التي تمثل محمد وآله الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فالشجرة الملعونة تحمل الجينات الوراثية ذات المواصفات المتدنية ، أما الشجرة الطيبة فهي تحمل الجينات الوراثية الراقية.
وعليه فإن الإمام المهدي (ع) يقتل ذراري قتلة الحسين الذين انتقلت لهم جينات أجدادهم قتلة الحسين (ع) فيكونون كأجدادهم الذين وقفوا بوجه الحسين ، وسيقفون بوجه الإمام المهدي (مكن) وإلا فلا تزر وازرة وزر أخرى ، والإمام المهدي (ع) سيكون حاملاً لكافة الجينات الجسمانية والروحية والمعنوية ، فهو وارث الأنبياء والمرسلين وهو الذي يصفه رسول الله (ص) بأنه أشبه الناس به خلقاً وخلقاً . فقد ورد عن جابر الأنصاري ، قال : (قال رسول الله (ص) : المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب ويملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) بحار الأنوار ج50 ص231.
وينطبق هذا الأمر من وراثة الجينات الجسمانية والروحية والمعنوية على اليماني الموعود أيضاً فهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً بعيسى ابن مريم (ع) ، فقد ورد في غيبة النعماني عن عبد الرحمن بن حمزة عن كعب الأحبار أنه قال : ( ...إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيس بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسيماء وهيئة يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله ...) بحار الأنوار ج52 ص225. وبذلك تنطبق الاية الكريمة في قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33. فمن آل عمران عيسى ومن آل ابراهيم الامام المهدي (ع) وهنا اصبحت ذرية بعضها من بعض والله واسع عليم .