تويت
الإجتهاد في الأمم السابقة :
مرت الأديان السماوية بعدة آفات نهشت أسس ما دأب الأنبياء والمرسلون وأوصيائهم على بنائه وكان أسس ذلك البناء هو الطاعة لله وتوحيده ونبذ الشرك أينما وجد وأين ما حل في كل المسائل التي تتعلق بحياة المجتمعات، فمن الشرك ما كان ظاهراً ومنه ما كان خفي عن الإحساس به أو الشعور عند ممارسته .
وبطبيعة الحال فإن الأدوات التي كانت تنهش هذا الأساس الذي بناه النبيون والمرسلون لم تصدر من بسطاء الناس بل كانت تصدر من هؤلاء الذين جلسوا مكان الأنبياء مدعين التدين موهمين الناس بأنهم أهلاً للقيادة ومحلا للثقة فإنقاد لهم الناس وأصبحوا طائعين لهم عابدين غير مبالين بما يصدر عنهم أهو في مرضاة الله أم في سخط الجبار العليم إلا ما عصم ربي .
إن أغلب رجال الدين في كل زمان من الأزمنة السابقة كانوا أول المحاربين للنبيين والرسل وكل ذلك لا لشيء إنما هو لحب الانا والدنيا وعشق الرئاسة والتسلط على رقاب الناس . وخير مثال على ذلك. هو ما فعله الأحبار والرهبأن فالأحبار قد غيروا ما غيروا من تعاليم موسى ﴿عليه السلام﴾ بما يخدم مصالحهم الدنيوية ويثبت سلطانهم ونرى موقفهم من نبي الله عيسى ﴿عليه السلام﴾ واضحاً وجلياً قد نقلته المصادر الإسلامية كما شهد الانجيل ناقلاً لما قاله السيد المسيح ﴿عليه السلام﴾ بحق الكتبة والصدوقيون والفريسيون﴿ ﴾ .
إن القارئ الكريم سيجد في بحثنا هذا إننا نذكر نصوصاً من التوراة والانجيل وقد يكون الاحتجاج بهما غريباً بعض الشيء لدى القارئ الكريم لعدم احتجاج أكثر الباحثين من الفرق الإسلامية بما هو موجود في تلك الكتب .
إن هدفنا من الاستدلال بكتب الأديان الاخرى هو لتقصي الحقائق ومقارنة ما هو موجود في التوراة والانجيل الحاليين وبين ماهو موجود في تراثنا الإسلامي اعني الكتاب والسُنة وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لكي تكتمل الصورة في البحث .
إن المطلع على كتب الأديان الثلاث يجد فيها الكثير من التعاليم المتشابهة وقد تعمدنا في هذا الكتاب أن نلفت نظر القارئ إلى مثل هكذا مصادر مهمة عانت من اضطهاد كبير من قبل علماء المسلمين مما أدى إلى إفتقار المثقف المسلم إلى المعرفة بما جاء في بطون تلك الاسفار .
إن السبب الوحيد في هجران كتب الأديان يعود إلى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن التي ذكرت مسألة التحريف الذي أصاب كتب اليهود والنصارى ، كقوله تعالى : ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ...﴾ ﴿ ﴾
إن التفسير الشائع عند أغلب الناس هو القول برفض نصوص الكتاب المقدس كلياً وهذا التفسير من الأسباب التي ادت إلى أبتعاد المسلمين عن ما هو موجود في كتب الأديان السابقة .
إن الحقيقة تظهر عند العارفين بتفسير الآيات التي ذكرناها والتي ذكرت الذين يحرفون الكلم عن مواضعه أي أحبار اليهود ورهبأن النصارى .
إن المعنى اللغوي للتحريف المذكور في الكتاب الكريم يرجع إلى الجذر ﴿حَرَفَ﴾ أي إمالة الشيء والعدول عن مواضعه واتجاهه الأساسي الموجود أو الذي ينبغي أن يكون .
وتحريف الكلم عن مواضعه : ﴿تغييره والتحريف في القرآن والكلمة : تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشياء فوصفهم الله بفعلهم فقال تعالى ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ...﴾ ﴾ ﴿ ﴾ . ويقول أهل اللغة أيضاً : ﴿ يحرفون ً: ﴿من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه﴾ أي يصرفونه عن معناه ﴾ ﴿ ﴾ .
هذا من جانب أهل اللغة أما من جانب قراءة الكتاب المقدس – أي الانجيل والتوراة – فإننا نجد الكثير من الامور التي تحدثت عنها هذه الكتب قد ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي السُنة الشريفة مما يدل على أن في التوراة والانجيل نصوص لم تصلها ايدي التحريف بأي معانيه كما إننا نرى الكثير من المحاججات بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وبين الأحبار والرهبأن وقد بنيت هذه المحاججات على ما وجد في التوراة والانجيل من نصوص ولم تكن مبنية على ماهو موجود في القرآن الكريم فقط بل أن طبيعة المحاججات لا بد أن تتم بما في أيدي الخصم وبما يعترف به ويقدسه ولا يمكن القول بأن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كانوا يحاججون بالباطل إذا فرضنا بأن ما موجود في التوراة والانجيل باطل فإن الاحتجاج بالباطل لا يليق بأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أبداً ولا ينبغي لهم إطلاقاً وهذا ما يؤكد بأن الكتب التي في أيدي الأحبار والرهبأن لازالت تحتوي على الكثير من الحقائق التي نجهلها ولا يمكن القول بأن أيدي التحريف قد طالت جميع النصوص التوراتية والانجيلية بل أن الكثير من الحق لا زال موجود في نصوصهما وهو مما حدى بأهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ من المحاججة بهذا الحق الموجود في تلك الكتب .
إن المناظرات التي جرت بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وبين زعماء الأديان الأخرى كثيرة منها ما ينقل في كتب الأخبار من محاججة الإمام الرضا ﴿عليه السلام﴾ مع الجاثليق في إحدى مجالس المأمون العباسي حيث سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلا : ﴿ يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا ﴿عليه السلام﴾ : يا نصراني، فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟ ، قال الجاثليق : وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي ... ﴾ ﴿ ﴾ .
هذا بالأضافة إلى ما قاله أمير المؤمنين﴿عليه السلام﴾ حول الحكم بين الأديان بقوله : ﴿ اما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بأنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ...﴾﴿ ﴾ .
إن كلام أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يؤكد بأن في الانجيل الكثير من الحقائق التي لم يصل اليها المحرفون فإن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ قد اعلنها صراحةً بانه على استعداد للحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم وأمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ لا يحكم بالباطل كما انه لا يستطيع أن يجلب لهم انجيل غير انجيلهم ولا توراة غير توراتهم وإذا فعل ذلك لا يقبل أيٍ من اليهود والنصارى حكم الإمام لعدم اعترافهم بغير ما جاء في كتبهم ولذلك قال الإمام بانه سيحكم بينهم بكتبهم أي بمعنى التي بين أيديهم وهذا ما يؤكد بأن هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق التي يجب أن يعلمها المسلمون وأن لايغضوا عنها الانظار .
إن ما يعنينا في الاستدلال بما جاء في التوراة والانجيل هو بيان العصيان والتمرد الذي صدر من قبل رجال الدين على الأوامر الإلهية بعد رحيل الأنبياء والذي كان السبب في نخر جسد الدين وهجر أوامر رب العالمين بتعليلات وأعذار وضعت من قبل أناس جلسوا في مجالس الأنبياء محاولين بذلك تصحيح منهاج السماء ظنا منهم أن الأمر لهم ﴿ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾﴿ ﴾ . وقال تعالى ﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾﴿ ﴾ .
لقد أجتهد رجال الدين في الأديان السابقة بآرائهم حتى اضحوا غير مبالين بسخط الجبار فبمجرد رحيل النبي أو الحجة من بين أمته ترى هذه الأمة مولعة بالتغيير وهذا التغيير بطبيعة الحال لا يكون على يد بسطاء الناس كما مر ذكره إنما يقوم به كبار القوم الذين نصبوا أنفسهم قادة للناس، فيبدأ برنامج التغيير نحو الهلاك فيغيرون شريعة السماء بشريعة تتوافق ومصالحهم وأهواءهم، فيبدأ نجم الدين بالأفول يوما بعد يوم حتى تصبح السُنن ميتة والبدع ظاهرة ويصير الأمر ليس لله بل للناس ، ولكن الله يمهل هذه الأمم ولا يهملها لا لأنه عاجز عن ردعهم والدفاع عن شريعته سبحانه بل ليميز الخبيث من الطيب ويعطي المحسن ثواب إحسانه ويلقي بالجاحد في النار جزاء ظلمه وعدوانه .
لقد تعاقب الأنبياء نبي بعد نبي ورسول بعد رسول لالقاء الحجج على الخلق قبل أن يحل الهلاك عليهم قال تعالى : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أرسلتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾﴿ ﴾ فكان الجواب الإلهي لهم : ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾﴿ ﴾ .
إن السماء كانت مدراراً بالأنبياء والمرسلين وما كانوا ليؤمنوا بما انزل الله عليهم إلا قليل من المؤمنين فكان أكثرهم مجمعين على قتال النبيين فحل عليهم غضب الله بعد ما اسرفوا في عصيانهم واعتدائهم على شريعة الله قال تعالى : ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾﴿ ﴾ .
ونحن أمام هذا القول لا بد أن نتحرى مصاديق تحقق هذا الكلام في أمتنا الإسلامية وفي هذا الزمن بالذات زمن ظهور المصلح العالمي، فإذا استطعنا تحديد الخلل وكشفنا بعض الاعوجاج وتجنبناه كان قبولنا أقرب عند ولي الله المهدي ﴿عليه السلام﴾ فالتطهر من الآثام يقرب اليمن باللقاء لأنه صلوات الله عليه طهر طاهر لا يجاور الجيف .
وسوف نقوم في هذا المقام بتبيين ما حل من تغيير في أديان الأمم السابقة ونحصر البحث في أمة موسى وعيسى ﴿عليهما السلام﴾ ونثبت كيف أن زعماء تلك الأمم وكبارها غيروا في دين الله وأظهروا البدع في أممهم، ونقارن تلك البدع بزماننا ونوضح كيف جرت وستجري سُنن الماضين علينا من خلال الاثبات بأن سُنن الأمم السالفة سوف تقع في أمة محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
مرت الأديان السماوية بعدة آفات نهشت أسس ما دأب الأنبياء والمرسلون وأوصيائهم على بنائه وكان أسس ذلك البناء هو الطاعة لله وتوحيده ونبذ الشرك أينما وجد وأين ما حل في كل المسائل التي تتعلق بحياة المجتمعات، فمن الشرك ما كان ظاهراً ومنه ما كان خفي عن الإحساس به أو الشعور عند ممارسته .
وبطبيعة الحال فإن الأدوات التي كانت تنهش هذا الأساس الذي بناه النبيون والمرسلون لم تصدر من بسطاء الناس بل كانت تصدر من هؤلاء الذين جلسوا مكان الأنبياء مدعين التدين موهمين الناس بأنهم أهلاً للقيادة ومحلا للثقة فإنقاد لهم الناس وأصبحوا طائعين لهم عابدين غير مبالين بما يصدر عنهم أهو في مرضاة الله أم في سخط الجبار العليم إلا ما عصم ربي .
إن أغلب رجال الدين في كل زمان من الأزمنة السابقة كانوا أول المحاربين للنبيين والرسل وكل ذلك لا لشيء إنما هو لحب الانا والدنيا وعشق الرئاسة والتسلط على رقاب الناس . وخير مثال على ذلك. هو ما فعله الأحبار والرهبأن فالأحبار قد غيروا ما غيروا من تعاليم موسى ﴿عليه السلام﴾ بما يخدم مصالحهم الدنيوية ويثبت سلطانهم ونرى موقفهم من نبي الله عيسى ﴿عليه السلام﴾ واضحاً وجلياً قد نقلته المصادر الإسلامية كما شهد الانجيل ناقلاً لما قاله السيد المسيح ﴿عليه السلام﴾ بحق الكتبة والصدوقيون والفريسيون﴿ ﴾ .
إن القارئ الكريم سيجد في بحثنا هذا إننا نذكر نصوصاً من التوراة والانجيل وقد يكون الاحتجاج بهما غريباً بعض الشيء لدى القارئ الكريم لعدم احتجاج أكثر الباحثين من الفرق الإسلامية بما هو موجود في تلك الكتب .
إن هدفنا من الاستدلال بكتب الأديان الاخرى هو لتقصي الحقائق ومقارنة ما هو موجود في التوراة والانجيل الحاليين وبين ماهو موجود في تراثنا الإسلامي اعني الكتاب والسُنة وأقوال الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ لكي تكتمل الصورة في البحث .
إن المطلع على كتب الأديان الثلاث يجد فيها الكثير من التعاليم المتشابهة وقد تعمدنا في هذا الكتاب أن نلفت نظر القارئ إلى مثل هكذا مصادر مهمة عانت من اضطهاد كبير من قبل علماء المسلمين مما أدى إلى إفتقار المثقف المسلم إلى المعرفة بما جاء في بطون تلك الاسفار .
إن السبب الوحيد في هجران كتب الأديان يعود إلى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن التي ذكرت مسألة التحريف الذي أصاب كتب اليهود والنصارى ، كقوله تعالى : ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ...﴾ ﴿ ﴾
إن التفسير الشائع عند أغلب الناس هو القول برفض نصوص الكتاب المقدس كلياً وهذا التفسير من الأسباب التي ادت إلى أبتعاد المسلمين عن ما هو موجود في كتب الأديان السابقة .
إن الحقيقة تظهر عند العارفين بتفسير الآيات التي ذكرناها والتي ذكرت الذين يحرفون الكلم عن مواضعه أي أحبار اليهود ورهبأن النصارى .
إن المعنى اللغوي للتحريف المذكور في الكتاب الكريم يرجع إلى الجذر ﴿حَرَفَ﴾ أي إمالة الشيء والعدول عن مواضعه واتجاهه الأساسي الموجود أو الذي ينبغي أن يكون .
وتحريف الكلم عن مواضعه : ﴿تغييره والتحريف في القرآن والكلمة : تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشياء فوصفهم الله بفعلهم فقال تعالى ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ...﴾ ﴾ ﴿ ﴾ . ويقول أهل اللغة أيضاً : ﴿ يحرفون ً: ﴿من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه﴾ أي يصرفونه عن معناه ﴾ ﴿ ﴾ .
هذا من جانب أهل اللغة أما من جانب قراءة الكتاب المقدس – أي الانجيل والتوراة – فإننا نجد الكثير من الامور التي تحدثت عنها هذه الكتب قد ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي السُنة الشريفة مما يدل على أن في التوراة والانجيل نصوص لم تصلها ايدي التحريف بأي معانيه كما إننا نرى الكثير من المحاججات بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وبين الأحبار والرهبأن وقد بنيت هذه المحاججات على ما وجد في التوراة والانجيل من نصوص ولم تكن مبنية على ماهو موجود في القرآن الكريم فقط بل أن طبيعة المحاججات لا بد أن تتم بما في أيدي الخصم وبما يعترف به ويقدسه ولا يمكن القول بأن الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ كانوا يحاججون بالباطل إذا فرضنا بأن ما موجود في التوراة والانجيل باطل فإن الاحتجاج بالباطل لا يليق بأهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أبداً ولا ينبغي لهم إطلاقاً وهذا ما يؤكد بأن الكتب التي في أيدي الأحبار والرهبأن لازالت تحتوي على الكثير من الحقائق التي نجهلها ولا يمكن القول بأن أيدي التحريف قد طالت جميع النصوص التوراتية والانجيلية بل أن الكثير من الحق لا زال موجود في نصوصهما وهو مما حدى بأهل بيت العصمة ﴿عليهم السلام﴾ من المحاججة بهذا الحق الموجود في تلك الكتب .
إن المناظرات التي جرت بين الأئمة ﴿عليهم السلام﴾ وبين زعماء الأديان الأخرى كثيرة منها ما ينقل في كتب الأخبار من محاججة الإمام الرضا ﴿عليه السلام﴾ مع الجاثليق في إحدى مجالس المأمون العباسي حيث سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلا : ﴿ يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا ﴿عليه السلام﴾ : يا نصراني، فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟ ، قال الجاثليق : وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي ... ﴾ ﴿ ﴾ .
هذا بالأضافة إلى ما قاله أمير المؤمنين﴿عليه السلام﴾ حول الحكم بين الأديان بقوله : ﴿ اما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بأنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ...﴾﴿ ﴾ .
إن كلام أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ يؤكد بأن في الانجيل الكثير من الحقائق التي لم يصل اليها المحرفون فإن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ قد اعلنها صراحةً بانه على استعداد للحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم وأمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ لا يحكم بالباطل كما انه لا يستطيع أن يجلب لهم انجيل غير انجيلهم ولا توراة غير توراتهم وإذا فعل ذلك لا يقبل أيٍ من اليهود والنصارى حكم الإمام لعدم اعترافهم بغير ما جاء في كتبهم ولذلك قال الإمام بانه سيحكم بينهم بكتبهم أي بمعنى التي بين أيديهم وهذا ما يؤكد بأن هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق التي يجب أن يعلمها المسلمون وأن لايغضوا عنها الانظار .
إن ما يعنينا في الاستدلال بما جاء في التوراة والانجيل هو بيان العصيان والتمرد الذي صدر من قبل رجال الدين على الأوامر الإلهية بعد رحيل الأنبياء والذي كان السبب في نخر جسد الدين وهجر أوامر رب العالمين بتعليلات وأعذار وضعت من قبل أناس جلسوا في مجالس الأنبياء محاولين بذلك تصحيح منهاج السماء ظنا منهم أن الأمر لهم ﴿ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾﴿ ﴾ . وقال تعالى ﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾﴿ ﴾ .
لقد أجتهد رجال الدين في الأديان السابقة بآرائهم حتى اضحوا غير مبالين بسخط الجبار فبمجرد رحيل النبي أو الحجة من بين أمته ترى هذه الأمة مولعة بالتغيير وهذا التغيير بطبيعة الحال لا يكون على يد بسطاء الناس كما مر ذكره إنما يقوم به كبار القوم الذين نصبوا أنفسهم قادة للناس، فيبدأ برنامج التغيير نحو الهلاك فيغيرون شريعة السماء بشريعة تتوافق ومصالحهم وأهواءهم، فيبدأ نجم الدين بالأفول يوما بعد يوم حتى تصبح السُنن ميتة والبدع ظاهرة ويصير الأمر ليس لله بل للناس ، ولكن الله يمهل هذه الأمم ولا يهملها لا لأنه عاجز عن ردعهم والدفاع عن شريعته سبحانه بل ليميز الخبيث من الطيب ويعطي المحسن ثواب إحسانه ويلقي بالجاحد في النار جزاء ظلمه وعدوانه .
لقد تعاقب الأنبياء نبي بعد نبي ورسول بعد رسول لالقاء الحجج على الخلق قبل أن يحل الهلاك عليهم قال تعالى : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أرسلتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾﴿ ﴾ فكان الجواب الإلهي لهم : ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾﴿ ﴾ .
إن السماء كانت مدراراً بالأنبياء والمرسلين وما كانوا ليؤمنوا بما انزل الله عليهم إلا قليل من المؤمنين فكان أكثرهم مجمعين على قتال النبيين فحل عليهم غضب الله بعد ما اسرفوا في عصيانهم واعتدائهم على شريعة الله قال تعالى : ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾﴿ ﴾ .
ونحن أمام هذا القول لا بد أن نتحرى مصاديق تحقق هذا الكلام في أمتنا الإسلامية وفي هذا الزمن بالذات زمن ظهور المصلح العالمي، فإذا استطعنا تحديد الخلل وكشفنا بعض الاعوجاج وتجنبناه كان قبولنا أقرب عند ولي الله المهدي ﴿عليه السلام﴾ فالتطهر من الآثام يقرب اليمن باللقاء لأنه صلوات الله عليه طهر طاهر لا يجاور الجيف .
وسوف نقوم في هذا المقام بتبيين ما حل من تغيير في أديان الأمم السابقة ونحصر البحث في أمة موسى وعيسى ﴿عليهما السلام﴾ ونثبت كيف أن زعماء تلك الأمم وكبارها غيروا في دين الله وأظهروا البدع في أممهم، ونقارن تلك البدع بزماننا ونوضح كيف جرت وستجري سُنن الماضين علينا من خلال الاثبات بأن سُنن الأمم السالفة سوف تقع في أمة محمد ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
تعليق