إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أقوال الفقهاء بحق أبن الجنيد :

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أقوال الفقهاء بحق أبن الجنيد :

    أقوال الفقهاء بحق أبن الجنيد :
    ذكر أبن الجنيد في مؤلفات ورجال فقهاء الإمامية فوثقوه وقلدوه جلالة القدر وشريف المقام وصنفوه من وجوه الأصحاب واعاظم الفرقة ومن أفاضل قدماء الفقهاء ، وأكثرهم فقهاً وأدبا وشهدوا له بعظيم العلم وكثرة التصنيف والتحرير وبالغوا في دقة نظره وقالوا بانه أول من فتح باب الاستنباط وارجع المسائل إلى أصولها ومع ذلك اقروا عمله بالقياس وأعترفوا بلجوءه إلى الإجتهاد وعمله بالظنون مستعيناً بطرق العامة ومذاهب المخالفين وزادوا في ذلك بانهم سمعوا ونقلوا عمله هذا من ثقاة المذهب .
    ولا ادري كيف يكون أبن الجنيد ثقة وهو يعمل بالقياس ويقول بالرأي وكيف يقر الأصحاب عمله هذا وهم ثقات فمن الثقة ومن هو غير الثقة !! فكيف يكون الثقة مخالفا لأهل البيت (ع) ومدرستهم وكيف الأصحاب يوثقون من خالف آل محمد (ع).
    ومن الذين وثقوا هذا الشيخ ورفعوا من قدره ومقامه هو الشيخ الطوسي تلميذ الشيخ المفيد حين ذكره في الفهرست قائلاً : ﴿هو محمد بن أحمد الجنيد ، أبو علي الإسكافي ، وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة جليل القدر ، صنف فأكثر ، إلا أنه كان يرى القول بالقياس ، فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها﴾﴿ ﴾.
    وذكره النجاشي في رجاله والنجاشي أيضاً كان معاصرا للشيخ الطوسي وهو أيضاً أحد تلاميذ الشيخ المفيد فقال : ﴿ محمد بن أحمد بن الجنيد ، أبو علي الكاتب الإسكافي وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر صنف فأكثر - ثم يذكر له كتبا عديدة ومسائل كثيرة ثم يقول عنه بعد ذلك : - وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه : إنه كان يقول بالقياس . وأخبرونا جميعاً بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنفاته .﴾ ﴿ ﴾.
    وقال العلامة الحلي في ﴿ الخلاصة ﴾ : ﴿ . . . كان شيخ الإمامية ، جيد التصنيف حسنه ، وجه في أصحابنا ، ثقة ، جليل القدر ، صنف فأكثر ... ﴾ إلى أن قال ﴿ ... أنه كان يرى القول بالقياس وأنه لذلك تركت كتبه ﴾
    ولا ادري كيف تركت كتبه وهي معتمدة عند السيد المرتضى ويعمل بفتاواه ويزج بها في الإجماع والخلاف كما سيأتي وكيف تركت كتب هذا الشيخ والنجاشي يذكر بأن جميع المشايخ اخبره بالإجازة بجمع كتبه ومصنفاته وهذا تناقض فضيع لا يحتمله العقل السليم .
    ومن الذين ذكروا الجنيدي أبن داوود في رجاله قائلاً : ﴿محمد بن أحمد بن الجنيد يكنى أبا علي كان جيد التصنيف حسنه إلا أنه كان يرى القول بالقياس فتركت كتبه لذلك ولم يتعول عليها﴾﴿ ﴾.
    وقال التفرشي في كتابه نقد الرجال : ﴿محمد بن أحمد بن الجنيد : أبو علي الكاتب الإسكافي ، وجه في أصحابنا ، ثقة ، جليل القدر ، صنف فأكثر ، وسمعت بعض شيوخنا يذكر أنه كان عنده مال للصاحب عليه السلام وسيف أيضاً ، وأنه وصى به إلى جاريته فهلك ، ذلك وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه : إنه كان يقول بالقياس﴾﴿ ﴾.
    وهذا محمد علي الاردبيلي في كتابه جامع الرواة يذكر الشيخ الجنيدي فيقول: ﴿محمد بن أحمد بن الجنيد أبو على الكاتب الإسكافي وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر صنف فأكثر ... كان جيد التصنيف حسنه الا انه كان يرى القول بالقياس فترك لذلك كتبه ولم يعول عليها كان شيخ الإمامية جيد له تصانيف حسنة أخبرنا عنه الشيخ أبو عبد الله وأحمد بن عبدون قيل مات بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ﴾﴿ ﴾.
    وهنالك طائفة أخرى من الفقهاء الذين ذكروا أبن الجنيد محاولين في ذكرهم له نفي ما اتهم به من عمله المخالف لمدرسة أهل البيت (ع) وبالرغم من الفارق الزمني بينهم وبينه محاولين ان يحملوه على محامل حسنة في نظرهم الخاص وفق ما تطور في المباني الفلسفية الخاصة بأصول الفقه الذي هو محل خلاف بين الفقهاء، وعلى أية حال كان من هذه الطائفة السيد مهدي بحر العلوم فقد ذكره في كتابه الفوائد الرجالية قائلا ً : ﴿محمد بن أحمد بن الجنيد . أبو علي الكاتب الإسكافي ، من أعيان الطائفة ، وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإمامية ، وأكثرهم علما وفقها وأدبا ، وأكثرهم تصنيفا وأحسنهم تحريرا ، وأدقهم نظرا ، متكلم فقيه ، محدث ، أديب ، واسع العلم﴾.
    الى هنا ينتهي هذا الرثاء العظيم من السيد للشيخ الجنيدي والعجيب هو ما اتى بعد هذا الرثاء من قول شنيع فقال السيد ناقلاً عن اعاظم الأصحاب عمله بالقياس قائلاً : ﴿وهذا الشيخ - على جلالته في الطائفة ورياسته وعظم محله - قد حكي القول عنه بالقياس ونقل ذلك عنه جماعة من أعاظم الأصحاب . ومع ذلك فقد أثنى عليه علماؤنا ، وبالغوا في اطرائه ومدحه وثنائه . واختلفوا في كتبه : فمنهم - من أسقطها ، ومنهم - من اعتبرها﴾﴿ ﴾.
    إن الغريب من هذا الكلام ومحط الاستفهام هو ان الأصحاب قد علموا ما ذهب إليه الرجل ومع ذلك فقد اثنوا عليه وبالغوا في مدحه وثنائه ، فهل هذا عدل وان كان كذلك فلماذا لا نمدح أبي حنيفة النعمان فهو أيضاً عمل بالقياس بل هو من نشر هذا المبدأ وزجه في الفقه وأصوله، والحق هو ان يُمدح ويُرثى كمدح أبن الجنيد ام ان أبن الجنيد يعتبر في نظر الفقهاء من قدامى فقهاء الإمامية ولهذا السبب فأي فعل يصدر منه يعتبر فعلاً حسنا حتى لو كان الشرك والكفر، واي شيء أعظم من مقالة هذا الشيخ ونسبه الإجتهاد والرأي لآل البيت (ع) فهذا قول شنيع ومدعاةً لاسقاط وثاقته فكيف يمدح وهو هكذا .
    أن الأغرب من المدح هو جعل آراء أبن الجنيد وفتاويه معتبره في الإجماع والخلاف فقد ذكر ان السيد بحر العلوم أول من جعل الرائ أبن الجنيد في جملة الإجماع، ومن القدماء السيد المرتضى الذي هو تلميذ الشيخ المفيد ولم يكتفِ السيد المرتضى في زج فتاوى أبن الجنيد وجعلها في الإجماع والخلاف فحسب بل كان يعتذر عند مخالفته في بعض المسائل الخلافية وهذا بحد ذاته يشير إلى نقله نوعية في التعامل مع المسائل الفقهية عقبت الشيخ المفيد وكانت بوادر هذه النقلة قد بدأت بالفعل على يد السيد المرتضى كما سياتينا .
    وعلى العموم قال السيد بحر العلوم ذاكرا من اعتبر أقوال أبن الجنيد من القدماء فقال : ﴿وممن يحكي قول أبن الجنيد ، ويعتبر ما في الإجماع والنزاع من القدماء السيد الأجل المرتضى ، فإنه قد أكثر النقل عنه والاعتذار عن مخالفته في بعض المسائل﴾﴿ ﴾.
    وذكر السيد بحر العلوم المتأخرون أو قل المعاصرون له ممن جعلوا أقوال أبن الجنيد في جملة الإجماع والخلاف في المسائل الفقهية قائلاً : ﴿ وأما المتأخرون من أصحابنا كالشهيدين والسيوري وأبن فهد والصيمري والمحقق الكركي وغيرهم ، فقد أطبقوا على اعتبار أقوال هذا الشيخ والاستناد إليها في الخلاف والوفاق ، حتى أن الشهيد الثاني في ﴿المسالك﴾ - في مسألة حرمان الزوجة - أورد على السيد المرتضى بأن الأوفق بمذهبه القول بعدم الحرمان مطلقا - كما ذهب إليه أبن الجنيد ﴾﴿ ﴾.
    مع ما تقدم من كلام السيد بحر العلوم من وثاقة هذا الشيخ وجلالة القدر مع قوله بالقياس، لم يكتفِ هذا الشيخ من القول بالقياس بل نسب إلى الأئمة (ع)القول بالرأي فهل هذا القول يبقي وثاقة هذا الرجل على حالها عند أصحاب الرجال ام انه يسقط وثاقته ولهذا السبب أتجه السيد بحر العلوم إلى تسائل مهم قائلاً : ﴿ويتجه - هنا - سؤال ، وهو : إن المنع من القياس من ضروريات مذهب الإمامية ومما تواترت به الروايات عن الأئمة (ع) فيكون المخالف في ذلك خارجا عن المذهب فلا يعتد بقوله ، بل لا يصح توثيقه ، إلا أن يراد : إنه ثقة في مذهبه - كما يقال ذلك في مثل الفطحية والواقفية والمخالفين من العامة - وأعظم من ذلك : ما حكاه المفيد - رحمه الله - عنه من نسبة الأئمة (ع) إلى القول بالرأي ، فإنه رأي سيء وقول شنيع ، وكيف يجتمع ذلك مع القول بعصمة الأئمة (ع) وعدم تجويز الخطأ عليهم - على ما هو المعلوم من المذهب - وهذا القول - وإن لم يشتهر عنه إلا أن قوله بالقياس معروف مشهور قد حكاه المفيد - رحمه الله - والشيخ السروي في ﴿معالمه﴾ ونقله النجاشي - رحمه الله - عن شيوخه الثقات وقد يلوح ذلك - أيضاً - من كلام السيد المرتضى عند نقل أقواله ﴾﴿ ﴾.
    واخيرا قال السيد بأن هذا الشيخ قد زلت له قدم في أمر القياس قائلاً : ﴿والظاهر أنه قد زلت لهذا الشيخ المعظم قدم في هذا الموضع ، ودعاه اختلاف الأخبار الواردة عن الأئمة (ع) إلى القول بهذه المقالة الردية والوجه في الجمع بين ذلك وبين ما نراه - من اتفاق الأصحاب على جلالته وموالاته وعدم قطع العصمة بينهم وبينه حمله على الشبهة المحتملة في ذلك الوقت لعدم بلوغ الأمر فيه إلى حد الضرورة ﴾﴿ ﴾.
    ولا أدري كيف يمكن ان نحمله على الشبهة وان حملناه عليها فلماذا ترك الشيخ المفيد كتبه ؟ ولم يلتفت الأصحاب لمصنف له ولا كتاب ؟ بل وألف الشيخ المفيد الكتب والرسائل في رد آراءه وفتاويه ولماذا لم يحمله محمل الشبهة ؟ علما بأن الشيخ المفيد كان طالباً عند أبن جنيد ومطلعاً على طريقته أكثر من أي شخص آخر .
    إن هذه التساؤلات سوف تتبين لنا في قراءة المراحل التي مرت بعد هذا الشيخ والتي كانت سبباً لمدحه والتغزل بمقالته .
    إن هذه التساؤلات والاستفهامات التي طرقناها في بحثنا لم نكن أول من يطرقها بل هنالك الكثير من الرجال ممن سبقنا في طرحها والذين أستهجنوا التناقض الفاضح الذي وقع به ثله من فقهاء الإمامية وأخذ الباقون ينقلون كلامهم دون تمعن وتدبر ومن هؤلاء المتسائلون هو المحقق البحراني حين نقل كلام الشيخ الطوسي وكذلك كلام العلامة الحلي والنجاشي حول قولهم بوثاقة أبن الجنيد وكذلك وصفهم أياه بانه كان يعمل بالقياس فقال : ﴿لا يخفى ما في كلامه وكذا كلام النجاشي قبله من الإشكال لأن وصفه بالجلالة والوثاقة مع نقلهم عنه القول بالقياس مما لا يجتمعان فإن أصحابنا مجمعون على أن ترك العمل بالقياس من ضروريات مذهب أهل البيت (ع) لاستفاضة الأخبار بالمنع منه فكيف يجامع القول به الوثاقة ؟ وظاهر كلام الشيخ الجزم بذلك والنجاشي قد نقل عن شيوخه الثقات ذلك فكيف يصفه مع ذلك بما ذكره في صدر الترجمة ؟ وبالجملة فكلامهم هنا لا يخلو من النظر الواضح﴾﴿ ﴾.
    ولكن مع الاسف الشديد لم يحقق المحقق البحراني في هذه المسألة وان كان هو أفضل من غيره فهو قد تسائل واجاب وعلى السامع والقارئ ان يفهم .
    وأستمر هذا الحال وهذا المقال حتى جاء السيد الخوئي فقال في رجاله عند ذكر هذا الشيخ ما هذا نصه : ﴿محمد بن أحمد بن الجنيد : يكنى أبا علي ، وكان جيد التصنيف حسنه ، إلا أنه كان يرى القول بالقياس ، فتركت لذلك كتبه ، ولم يعول عليها﴾﴿ ﴾.
    وذكر بعد هذه المقالة اعتراض حفيد الشهيد الثاني على كلام العلامة الحلي في وثاقة أبن الجنيد قائلاً : ﴿ إن العلامة لا يخلو كلامه من غرابة ، لأن نقل الشيخ أنه كان يعمل بالقياس ، وقول النجاشي عن ثقات أصحابه إنه كان يعمل بالقياس ، يدلان على اختلاف الرجل ، لأن أصحابنا يقولون إن ترك العمل بالقياس معلوم بالضرورة ، فالقول به يضر بالاعتقاد ، ويوجب دخول الرجل في ربقة الفسق فضلاً عن غيره ، فكيف يكون ثقة ، واحتمال كونه ثقة مع فساد العقيدة لا يلائمه نقل أقواله في المختلف ، فينبغي التأمل في هذا﴾﴿ ﴾.
    وهذا التأمل مشروع فالتأمل بالمتناقض ليس بغريب على العقلاء وان كانوا لا يتأملون فما فائدة عقولهم، ولكن الغريب هو ما قاله السيد الخوئي معقباً على هذا الكلام ومحققاً له فقد قال بمقالة لم يسبقه أحداً في جرأتها فقد نسب عمل أبن جنيد بالقياس إلى الإجتهاد ولا أدري أي إجتهاد هذا الذي يكون في قبال النصوص المتواترة بنبذ القياس ولنقرأ ما قاله السيد الخوئي : ﴿أن عدم جواز العمل بالقياس وإن كان من ضروريات مذهب الشيعة ، إلا أنه لم يعلم أن الشيخ كان عاملا بذلك ، فعمله بالقياس إنما كان حسب إجتهاده ، فهو معذور في ذلك ، ولو تنزلنا وقلنا إن عمله بالقياس يوجب فسقه ﴿ ولا نقول بذلك جزما ﴾ فهو لا ينافي وثاقته ﴾﴿ ﴾.
    ولمناقشة كلام المحقق يكون ذلك في عدة نقاط :

    أولاً : كيف أنه لم يُعلم عمل أبن الجنيد بالقياس وقد شهد عليه تلميذه الشيخ المفيد بذلك وأقر السيد المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي والنجاشي نقلاً عن ثقات الأصحاب بذلك أيضاً فضلاً عن كتابة الكتب والرسائل على يد الشيخ المفيد في هذا المقام فهل كل هؤلاء كلامهم ليس بثقة عند السيد وان كانوا ثقات فلماذا يقول السيد بإنه لم يُعلم عمل أبن جنيد بالقياس ؟
    ثانياً : هل يوصل إجتهاد المجتهد إلى القول بما يعارض الروايات المتواترة ! فهل هذا من الدين بشيء ؟ ألم يلعن الإمام الصادق (ع) أبي حنيفة النعمان بسبب انه كان يقول قال علي وانا اقول وهذا يدلنا على ان كل من قال برأيه في قبال قول المعصوم فهو ملعون فضلاً عن فسقه وخروجه من المذهب، على اننا لا نستغرب قول المحقق هذا فإن الإجتهاد الأصولي قد اجاز أنواعا من القياس كما سياتي .
    ثالثاً : هل المجتهد في نظركم أن اخطأ فضلاً على ارتكابه جريمة بحق المذهب يكون معذور في ذلك وما هو العذر وعلى أي نص أستندتم في هذه المقالة أم انه دليل عقلي كما تعبرون ولا ادري إلى اين سيوصلنا العقل وإذا قدمنا العذر لقياس هذا الشيخ فلماذا لم يقدم الله العذر لقياس إبليس وهو ارحم الراحمين ولماذا لم يقدم الإمام الصادق (ع) العذر لقياس النعمان وهم أهل بيت الرحمة.
    والحق يقال ان هذا المقام ليس فيه عذر ولا رحمة فإن عذرناه فقد شاركنا بمفسدة في الدين ولانقلبت الأحكام واندثر الإسلام كما حدث هذا بالفعل في تعاقب الاجيال وصولاً إلى زماننا هذا.
    رابعاً : كيف ان الفسق لا ينافي الوثاقة والله تعالى يقول ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾﴿ ﴾ .. والآية صريحة بأن الفاسق غير ثقة وعلينا التحقق من أقواله فكيف الفسق لا ينافي الوثاقه أذن ؟ ولا نستغرب هذا أيضاً من المحقق فإن فساد العقيدة عنده لا تؤثر في وثاقة الرجال كما سياتي في مبحث السُنة .
    وعلى العموم فإن كلام السيد الخوئي هذا لو تأملناه لوجدناه شيء طبيعي جداً فقد مر زمن طويل والمسائل الفقهية وأصولها في تطور مستمر كما يقول أصحابها فلا بد من الابتكار والاندثار فكم من أمور قد أنكرها السابقون واليوم هي من المسلمات وكم من أمور بديهية عند القدماء أصبحت اليوم وبمرور الزمن من المنسيات أو المحرمات .
    لم ينتهي السيد الخوئي من محاولة توثيق أبن جنيد إلى هنا بل راح يشكك في نسبة كتاب المسائل السروية للشيخ المفيد الذي أحتوى الرد على أبن الجنيد قائلا : ﴿إن نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المفيد - قدس سره - لم تثبت ، ولم يذكر النجاشي والشيخ له كتابا يسمى بالمسائل السروية نعم ذكر النجاشي له كتابا وهو النقض على أبن الجنيد في إجتهاد الرأي ، ولكن لم يعلم أن المراد به ماذا ، فلعل المراد النقض على قول أبن الجنيد بالإجتهاد بالرأي ، أي بجواز العمل بالظن ، ومما يؤكد عدم صحة هذه النسبة أنها لو صحت لذكرها النجاشي والشيخ ، فإن ما نسب إليه أعظم من قوله بالقياس ، فكيف لم يطلع على ذلك النجاشي والشيخ وهما تلميذان للمفيد – قدس سره ﴾﴿ ﴾.
    لا نريد هنا أطالة النقاش ولا أستعراض نقاط ونكتفي بالرد على هذا الكلام بأن النجاشي قد ذكر كتاب المسائل الصاغانية الذي هو موجود إلى يومنا هذا بفضل الله حيث قال في رجاله : ﴿له كتب : الرسالة المقنعة ... كتاب المسائل الصاغانية ... النقض على أبن الجنيد في إجتهاد الرأي﴾﴿ ﴾.

    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    وكتاب المسائل الصاغانية قد نقلنا منه كلام الشيخ المفيد في الرد على أبن الجنيد وقوله بالقياس قائلاً : ﴿ فأما قوله بالقياس في الأحكام الشرعية ، واختياره مذاهب لأبي حنيفة وغيره من فقهاء العامة لم يأت بها أثر عن الصادقين (ع)، فقد كنا ننكره عليه غاية الإنكار ، ولذلك أهمل جماعة من أصحابنا أمره وطرحوه ، ولم يلتفت أحد منهم إلى مصنف له ولا كلام ﴾﴿ ﴾.
    وبهذا القدر نكتفي بالرد على المحقق الخوئي في محاولته لتوثيق أبن الجنيد ونقول : أن هذه الاطالة في دراسة حقبة العماني وأبن الجنيد كان لنا بها قصد، فإن هاذين القديمين يعتبران عند فقهاء اليوم أول من فتح باب النظر في الفقه وأستنبط الفروع من الأدلة العقلية مستعينين بما عليه مذاهب المخالفين كما أقر بذلك الشيخ المفيد وهو تلميذ الجنيدي فكان هدفنا هو بيان ما ذهب إليه هذين الشيخين وبيان طريقتهما في الاستدلال وما قيل فيهم جراء مذهبهم من المعاصرين لهم فضلاً عن طلابهم والمقربين منهم .
    إن هذا التناقض الذي رأيناه عند الذين تناولوا حياة الجنيدي ما كان عفوياً بل كان مقصودا لتبرير ما عليه منهجية الفقه وأصوله اليوم فإن قيل ببطلان طريقة الشيخين أدى إلى بطلان الاستدلال بالطريقة الأصولية لأن مؤسسها في المذهب باطل وما بني على باطل فهو باطل وأن قيل بصحة ما ذهب إليه أو محاولة تبرير أقواله كان هو المطلوب لدوام بقاء المقتفين لأثره فعليهم ان يقولوا وعلى الله ان يرضى .
    وهنالك سؤال مهم وهو لماذا لم تظهر الأصول المعمول بها اليوم في ذلك الوقت وأقتصر الأئمة (ع) على اعطاء الأحاديث وحصر تبليغ التشريع فيهم صلوات الله عليهم ؟
    لقد ذكر المحققون هذه الحقيقة في أكثر من مكان حيث بينوا بأن الحال كان مقتصرا على أحاديث الأئمة (ع) ولم يتجرأ أحد بأن يذكر قاعدة واحدة، فقد ذكر السيد عبد الرزاق المقرم في مقدمة كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي والذي كتب بقلم الشيخ على الغروي حيث قال : ﴿ لقد استمر الحال بحفظ الحديث وتدوينه منذ عصر المعصومين عليهم السلام إلى أن وقعت الغيبة الكبرى بوفاة أبي الحسن علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة 329 ه‍ في بغداد وفي هذا العصر دونت فروع الفقه الجعفري وأول من فتح باب استنباط الفروع من أدلتها وهذبها الشيخ الجليل محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي ﴾﴿ ﴾.
    وهنا نجد تسائل يقول : لماذا كل هذه الفترة أي من زمن المعصومين (ع) إلى ما بعد الغيبة الكبرى كان العمل الفقهي مقتصراً على نقل الروايات والأخبار فحسب ؟ لماذا لم يعلّم الأئمة (ع) طلابهم طريق الاستنباط والتحقيق كما يسموه اليوم بالإجتهاد ؟ إن صح لهم ذلك، وقد بينا بأن الاستنباط لا يحق الا للمعصوم فقد ورد عن الرضا (ع)انه قال : ﴿ ... " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " يعني آل محمد عليهم السلام ، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام ، وهم الحجة لله على خلقه﴾﴿ ﴾.
    وقد ذكر المجلسي الآية : ﴿ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم﴾ قال أبو جعفر عليه السلام : هم الأئمة المعصومون " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " الضمير يعود إلى أولي الأمر ﴾﴿ ﴾.
    وقد تبين لنا مما تقدم إن أولي الأمر هم الأئمة (ع) وهم الذين يستنبطون من القرآن فيعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقة وخلفائه في ارضه .
    بعد ما تقدم نقول : ما ان أغمضت الغيبة عينها حتى أصبح القوم في راحة من الرقيب الذي كانوا يخافون خروج تواقيعه بالتفسيق لكل منحرف أو مبتدع لبدعة هذه التواقيع التي لطالما خرجت في أناس قد سلكوا مسالك العامة فخرجوا عن الجادة وابتدعوا الآراء وخاضوا في إجتهادات عقلية البعيدة كل البعد عن طريق الحق والهداية والذي قام بتبليغه محمد وآله (ع) للناس أجمعين .
    الى هنا نكتفي ببيان ما أحدثه الشيخين في اعقاب الغيبة وقد تبين لنا التحول الذي طرأ في ساحة العلم وكيف دخل المحضور في ساحة الامكان وأصبح ضرورة من ضروريات المذهب .
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق

    يعمل...
    X