إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مرحلة السيد المرتضى :

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرحلة السيد المرتضى :

    نقلا من كتاب سقيفة الغيبة

    مرحلة السيد المرتضى :
    وهو السيد علي بن الحسين المعروف بالسيد المرتضى وعرف أيضاً بالشريف المرتضى علم الهدى المتوفي سنة ﴿436 هـ﴾ .
    ولد السيد المرتضى في العاصمة بغداد سنة 355 هـ ومع نمو التجمعات البغدادية ، أخذت أماكن الإمامية على تلك الأيام تنفصل عن أماكن أهل السُنة ، فأصبحت محلة الكرخ مركزا شيعيا وبذلك بدأت التحركات والحروب بين الطائفتين ، حتى إن الخليفة التجأ إلى أن يعين للشيعة نقيبا فكانت النقابة الشيعية انتهت حين ذاك إلى الشريف أبي أحمد ، ثم انتقلت إلى ولديه الشريف الرضي ، ثم الشريف المرتضى الذي تزعم زمام الامور بعد وفاة الشيخ المفيد .
    كانت أسرة الشريف المرتضى من أكبر العائلات الشيعية ظهورا وشهرة في بغداد وكانوا في نفس الوقت فقهاء للشيعة ، علاوة على منصب النقابة ، كما أن منصب إمارة الحج والنظر في المظالم في بعض ضواحي العراق كانت مفوضة إليهم من الخليفة العباسي شخصياً﴿ روضات الجنات - ص 383﴾ .
    وذكر في كتاب الرسائل العشرة اسرة الشريف المرتضى وقربها للبلاط العباسي ما هذا نصه : ﴿ إن أسرة السيد كانت من ذي قبل ، ذات اعتبار ومكانة لدى الخلفاء العباسيين﴾﴿ - الرسائل العشرة - الشيخ الطوسي - ص27
    كان الشريف المرتضى من أشهر تلاميذ الشيخ المفيد وقد يتفاجأ البعض عندما نقول بأن الشريف المرتضى قد أحدث الانقلاب الثاني بعد أبن جنيد والعماني فهو أول من قام بزج فتاوى أبن الجنيد وجعلها معتبرة في جملة الإجماع والخلاف بل وأكثر من ذلك فقد كان يعتذر عن مخالفته في بعض المسائل الخلافية .
    بعد أن تركت كتب أبن جنيد في عهد الشيخ المفيد ولم يراعى لأبن جنيد مصنفا ولا كتاب جاء السيد المرتضى فضرب هذه المسألة عرض الحائط وهذا ما ذكره السيد بحر العلوم فقد ذكر بأن السيد المرتضى أول من جعل آراء أبن الجنيد في جملة الإجماع من القدماء قائلاً : ﴿ وممن يحكي قول أبن الجنيد ، ويعتبر ما في الإجماع والنزاع من القدماء السيد الأجل المرتضى ، فإنه قد أكثر النقل عنه والاعتذار عن مخالفته في بعض المسائل﴾﴿ - الفوائد الرجالية - ص 211﴾. ﴾.
    وهذا بحد ذاته يشير إلى نقله نوعية في التعامل مع المسائل الفقهية تلت مرحلة الشيخ المفيد وكانت بوادرها على يد السيد المرتضى حيث ذكرنا ان في مرحلة الشيخ المفيد قد تركت كتب أبن الجنيد ولم يؤخذ بمصنف له ولا كتاب بينما في هذه المرحلة بدا الشريف المرتضى يستعين بأقوال الجنيدي ويزجها في الإجماع والخلاف.
    اننا لا نستغرب هذا التصرف حين نعلم بأن السيد المرتضى نفسه قد سار على ما سار عليه الجنيدي في تبني القياس والعمل به فقد تبنى المرتضى القياس واطلق عليه القياس الشرعي وقبل أن يتبناه تبرأ منه شرعاً وقبله عقلاً قائلاً : ﴿أن القياس محظور في الشريعة استعماله ، لأن العبادة لم ترد به ، وإن كان العقل مجوزا ورود العبادة باستعماله .﴾﴿ الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 675.
    ثم بعد ذلك تبناه وجعله طريقا إلى معرفة الأحكام الشرعية قائلاً : ﴿اعلم أنا إذا بينا أن القياس الشرعي يمكن أن يكون طريقا إلى معرفة الأحكام الشرعية ، فقد جرى القياس مجرى الأدلة الشرعية كلها من نص وغيره ، فمن منع - مع ثبوت ذلك - من أن يدل الله تعالى به ، كما يدل بالنص على الأحكام ، فهو مقترح لا يلتفت إلى خلافه﴾﴿ الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 677
    إن من أصعب المسائل هو تقديم الاقتراحات على شريعة رب العالمين فمن نكون نحن حتى نلقي باقتراحاتنا على الشريعة وقد علمنا بأن الأئمة والأنبياء (ع) لم يفعلوا ذلك بل انهم قد نهوا عن ذلك وأصبح هذا الأمر من البديهيات لكل مطلع على كلام الأئمة (ع) واما قوله ﴿فمن منع - مع ثبوت ذلك - من أن يدل الله تعالى به﴾ فيرد عليه بأن الأخبار الدالة على المنع كثيرة جداً إلى حد التواتر وان هذه المسألة من ضروريات الدين والتي نقلت على لسان الصادقين فكيف جاز لنا القول بالتشكيك في المنع منه.
    اننا نجد ان الشريف المرتضى بعد كلامه هذا بدأ بضرب الأمثال لتقريب صحة القياس إلى اذهان المتلقين فقد ضرب المرتضى مثلاً على حجية القياس قائلاً : ﴿والذي يدل على صحة معرفة الأحكام به ﴿أي القياس﴾ أنه لا فرق في صحة معرفتنا بتحريم النبيذ المسكر بين أن ينص الله تعالى على تحريم كل مسكر ، وبين أن ينص على تحريم الخمر بعينها ، ثم ينص على أن العلة في تحريمها شدتها ، ولا فرق بين أن ينص على العلة ، وبين أن يدلنا بدليل غير النص على أنه حرم الخمر لشدتها ، أو ينصب لنا أمارة يغلب عندها في ظنوننا أن تحريم الخمر لهذه العلة ، مع إيجابه القياس علينا في هذه الوجوه كلها﴾﴿ - الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 677﴾.
    لماذا نحتاج إلى العمل بالقياس في هذا المثال والروايات صريحة بتحريم كل مسكر فقد جاء عن رسول الله (ص) ما يفيد المقام قائلاً : ﴿ الخمر حرام بعينه ، والمسكر من كل شراب ، فما أسكر كثيره فقليله حرام﴾﴿ فقه الرضا - علي بن بابويه - ص 280﴾.
    فلماذا نحتاج لمثال السيد المرتضى هذا وغيره من الأمثلة لاعطاء شرعية للقياس والروايات صريحة بما يجب علينا العمل به وفعله كما تقدم في كلام رسول الله (ص) .
    إن المصيبة ليست في قبول المثال أو رده بل انه قد اعطاه الضوء الاخضر لدخوله في جملة أدوات الإجتهاد والذي سماه بالقياس الشرعي ولم يقف إلى هذا الحد وإنما زاد عن ذلك باعطاء الضوء الاخضر هذه المرة للظن بدخوله في جملة أدوات المجتهد فرد على من انكر القياس لتعلقة بالظن قائلاً : ﴿فأما من أحال القياس لتعلقه بالظن الذي يخطئ ويصيب ، فالذي يبطل قوله أن كثيراً من الأحكام العقلية والشرعية تابعة للظنون ، ومثاله في العقل علمنا بحسن التجارة عند ظن الربح ، وقبحها عند ظن الخسران ﴾﴿- الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 677
    فما ابعد المثال الذي ضربه السيد عن شريعة الله فقد تواترت الأخبار بالمنع عن استعمال الظن كحجة فقد ورد في وصية المفضل قال سمعت أبا عبد الله (ع)يقول : ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿ الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400
    نعم ان حجة الله هي الحجة الواضحة وإلا لماذا سميت حجة اذا كان في وضوحها غموض أو شك إلا إننا نجد الشريف المرتضى قد جعل الظن طريقا للعلم بالأحكام في قوله : ﴿الأحكام لا تكون إلا معلومة ، ولا تثبت إلا من طريق العلم ، إلا أن الطريق إليها قد يكون العلم تارة ، والظن أخرى﴾﴿ - الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 679 ﴾. ﴾.
    ﴾.
    وبهذا فقد أسس السيد المرتضى ثاني قاعدة إجتهادية تلت أختها الاولى والتي تأسست على يد الشيخين أبن جنيد والعماني والتي جوبهت من قبل الشيخ المفيد بكل أساليب المحاربة .
    إننا نجد السيد المرتضى قد اعلنها صراحةً بإنه من أهل الإجتهاد وهو اقدم قول لفقيه إمامي في اعقاب الغيبة بل هو من اقوى التصريحات التي صدرت عنه حيث ذكر ذلك في قوله : ﴿ وليس يمتنع أن يكون قولنا أهل الإجتهاد - إذا أطلق - محمولا بالعرف على من عول على الظنون والامارات في إثبات الأحكام الشرعية ، دون من لم يرجع إلا إلى الأدلة والعلوم ﴾﴿ - الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 679 ﴾. ﴾. ﴾.
    وهنا لا بد من بيان بعض النقاط على هذا الكلام وهي ان الإجتهاد الذي قال المرتضى بانه من أهله كيف لا يعول على الامارات والظنون وهو من المدافعين عن استخدام الظن بالأحكام الشرعية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد بين السيد المرتضى بأن للقياس شرعية وضرب مثال بتحرم كل مسكر قياسا على علة الاسكار في الخمر وهو ما يسمى اليوم بقياس ﴿منصوص العلة﴾ وبهذا يكون الإجتهاد عند السيد حاوى على ما حرم استعماله في الشريعة بالروايات المتواترة وبالنصوص القرآنية .
    إن مسألة وضع الأدلة على القواعد المستحدثة لهي من المسائل الخطرة والحساسة فإننا لو رجعنا إلى قواعد المخالفين وأصولهم الفقهية لوجدناها حاوية على أدلة توافق العقل والمنطق وهذه الأدلة أغلبها نابعة من الكتاب والسُنة إلا أن أئمة أهل البيت (ع) رفضوا تلك القواعد والأصول وقالوا بلسان صريح بأن دين الله لا يصاب بالعقول إطلاقاً كما ان القرآن والسُنة لا يفسران بالعقل والرأي .
    فلو رجعنا إلى فقه أبي حنيفة وادلته في حجية القياس لوجدنا انه احتج بجملة من الآيات القرآنية التي تحكي في ظاهرها على حجية القياس وعلى حجية العقل ومن أراد هذه الأدلة فليراجعها في كتب القوم ومصنفاتهم .
    إن ما يعنينا هنا كموالين لآل النبي الاطهار (ع) هو الإمتثال والطاعة لهم ولا يكون تجسيد هذه الطاعة الا بالالتزام بما قالوه وليس التقدم عليهم في أوامر الدين وقواعد الشريعة فضلاً عن المخالفة الصريحة لأقوالهم (ع).
    إن من جملة القواعد التي قال بها السيد المرتضى هي قاعدة الإجماع حيث لم تقف أدوات المرتضى الإجتهادية إلى هذا الحد بل زاد في ذلك بادخال الإجماع في جملة أدوات المجتهد .
    ويعد تصريح السيد بالإجماع من اقدم تصاريح الفقهاء الأصوليين ان لم يكن اولها فقد استعرض السيد المرتضى مقالة فقهاء المسلمين وما ذهب إليه المتكلمين في حجية الإجماع فقال : ﴿اختلف الناس في هذه المسألة : فقال أكثر المتكلمين وجميع الفقهاء : إن إجماع أمة النبي صلى الله عليه وآله حجة ، وإنهم لا يجوز أن يجمعوا على باطل﴾﴿ نفس المصدر السابق - ص 672﴾.
    لو تنزلنا جدلاً وقلنا بحجية الإجماع فيكون النقاش بأن الحديث يقول بإجماع أمة النبي (ص). وهل أمة النبي (ص) قد أجمعت كلها على شيء من الأحكام الفقهية إلا اللهم إجماعهم في وجوب الصلاة أو صيام شهر رمضان أو الحج على من استطاع وغيرها من الثوابت البديهية في الدين الإسلامي .
    فإذا كان المقصود من إجماع أمة النبي (ص) هذه المفاهيم فهو صحيح والا لو دخلنا في فروع هذه المسائل لوجدنا أمة النبي (ص) في غاية الاختلاف فَهُم يختلفون في جزئيات الصلاة ومناسك الحج ومفطرات شهر رمضان وغيرها كثير وليست هذه الاختلافات بين المذاهب وحسب بل في المذهب الواحد يختلف فيه فقهاءه غاية الاختلاف .
    واما في مدرسة أهل البيت (ع) فإن الإجماع الذي يزعموه لا دليل عليه ولم يقدم أصحاب الإجماع ما يدل على صحته في كلام أو خبر ضعيفا كان أو صحيح ، نعم قد يخلط البعض بين الشهرة والإجماع فقد اجاز الأئمة (ع) العمل بالمشهور أي وبمعنى مبسط إذا جاءت رواية تخالف ما ينقله العشرات فإن الأخذ بالمشهور في هذه الحالة جائز .
    لقد ذكر المرتضى ما يذهب إليه في حجية الإجماع في الأحكام الشرعية قائلاً : ﴿ والصحيح الذي نذهب إليه أن قولنا ﴿ إجماع ﴾ إما أن يكون واقعا على جميع الأمة ، أو على المؤمنين منهم ، أو على العلماء فيما يراعي فيه إجماعهم ، وعلى كل الأقسام لا بد من أن يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه ، لأنه من الأمة ، ومن أجل المؤمنين ، وأفضل العلماء ، فالأسم مشتمل عليه ، وما يقول به المعصوم لا يكون إلا حجة وحقاً ﴾﴿ - الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 604﴾.
    وذكر في رسائله الإجماع قائلاً : ﴿فالإجماع الموثوق به في الفرقة المحقة ، هو إجماع الخاصة دون العامة ، والعلماء دون الجهال . . . وإذا كانت أقوال العلماء في كل مذهب مضبوطة ، والإمام لا يكون إلا سيد العلماء وأوحدهم ، فلا بد من دخوله في جملتهم ، والقطع على أن قوله كقولهم ﴾﴿ الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 605﴾.
    ونلاحظ ما في القولين من اختلاف قد وقع فيه المرتضى في أقواله فقد ذكر في كتابه الذريعة بأن الإجماع ان وقع في الأمة فإن الإمام من ضمن الأمة وإذا وقع في المؤمنين فإن الإمام ضمن المؤمنين وإذا وقع في العلماء فإن الإمام ضمن العلماء وكل إجماع يقع فيه الإمام فهو حجة ولكنه قد خالف نفسه حين خالف التعريف الذي طرحه في كتابه الذريعة وقال في الرسائل بأن الإجماع الموثوق هو إجماع الخاصة دون العامة والعلماء دون الجهال فاين ذهب إجماع الأمة التي فيها المعصوم واين ذهب إجماع المؤمنين والذي من ضمنهم الإمام والذين ذكر حجية إجماعهم في كتابه الذريعة .
    إن مثل هذه التناقضات يمكن ان يقع فيها أي إنسان لا يقتفي آثار الأئمة (ع) ويعتمد على اقاويل العقول القاصرة مهما بلغ في العلم والرقي، اننا حين نستعرض حجية الإجماع عند المرتضى لا نرى في قوله دليلاً إلا الدليل العقلي الذي استدل به على صحة الإجماع حيث ذكره قائلاً : ﴿ فأما نحن فنستدل على صحة الإجماع وكونه حجة في كل عصر بأن العقل قد دل على أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم ، لكون ذلك لطفا في التكليف العقلي ، وهذا مذكور مستقصى في كتب الإمامة ، فلا معنى للتعرض له هيهنا - وثبوت هذه الجملة يقتضي أن الإجماع في كل عصر حجة ﴾﴿ - رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 14 - 15
    ﴾.
    وذكر جملة من الاقاويل التي لا دليل عليها الا دليل التوهم وان كانوا يسمونه دليلاً عقلياً إلا أن العقل السليم يقول بأن هذه الاقاويل نابعة من توهم الإنسان والا كيف يحكم عقل العاقل بلزوم متابعة الإمام لنا فهل الإمام تابعا لأحد ام اننا تابعين له؟
    إن هذه المسألة مع شديد الاسف قد قال بها المرتضى فقد ذكر بأن الحق في هذه الفرقة وان مذهب الإمام مذهب هذه الفرقة وذلك في قوله : ﴿فلا بد من أن يكون الإمام الذي نثق بأنه لا يفارق الحق ولا يعتمد سواه ، مذهبه مذهب هذه الفرقة ، إذ لا حق سواه ﴾﴿ الذريعة - السيد المرتضى - ج 2 - ص 606

    إن هذه المسألة في غاية الخطورة إذ اننا بهذا القول نحكم على الإمام بأن يتابع مذهب هذه الفرقة مهما قالت ومهما سنت من القواعد والقوانين فإذا قلنا بالإجماع كان على الإمام ان يعتقد بما اعتقدنا، وإذا قلنا بحجية القياس والإجتهاد والظن فعلى الإمام ان يرضى بما نقول ونعمل .
    إن هذه النزعة المذهبية قد رفضها أئمة أهل البيت (ع) كل الرفض فعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (ع) قال : ﴿ لا تذهب بكم المذاهب فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل﴾﴿ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 15 - ص 233 - 234

    إن من صفات الشيعة هي طاعة الله عز وجل والله يقول : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ﴾﴿ سورة النساء آية 59
    ﴾. ﴾. ﴾ وقد ثبت مما تقدم بأن أولي الأمر هم الأئمة (ع) وطاعتهم مفروضة إلى يوم القيامة، وعليه فللإمام المهدي (ع) الطاعة والإنقياد وليس عليه شيء أبداً وان وقوع الغيبة كان سببها الناس لا محالة بعصيانهم وتمردهم، فبدلا من ان نُكَفّر عن أخطائنا رحنا نسعى لتكبير فجوة الابتعاد بيننا وبينه فقلنا بأن قولنا قول الإمام ونحن لا علم لنا بقول الإمام أساساً فهذه مصيبة أخرى تضاف على أفعالنا التي تسبب بغيبة المعصوم وتنحيه عنا .
    إن ما يعنينا هنا هو الإجماع الذي سنه المرتضى واوجب على الإمام الدخول فيه دون علم بما يقره المعصوم المظلوم (ع) وجعل دخول الإمام المهدي في جملة الإجماع واجبا عليه وذلك في قوله : ﴿أن إجماع الإمامية على قول أو مذهب لا يكون إلا حقاً، لأنهم لا يجمعون إلا وقول الإمام داخل في جملة أقوالهم ﴾﴿ رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 15 - 16

    ﴾. وقال أيضاً : ﴿وإذا علمنا في قول من الأقوال أنه مذهب لكل عالم من الإمامية فلا بد من أن يكون الإمام (ع) داخلا في هذه الجملة﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 18

    إن من الخطأ الكبير والجرم العظيم ان ننسب ما أجمعنا عليه للإمام المهدي (ع) وكيف لنا ذلك ومن اين علمنا بأن الإمام راضي عن أفعالنا وأقوالنا. ان الكلام في رضا الإمام المعصوم على إجماعنا لهو ضرب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئاً بل هنالك عدة شواهد تدلنا على ان الإمام (ع) قد هجر القوم لغضب الله عليهم ولم يعد لا في وسط الأمة ولا المؤمنين ولا الفقهاء، وقبل أن نبدأ بسرد الأدلة على عدم تحصيل القطع بدخول الإمام في إجماع الفقهاء نحب أن نبين بأن هذا الإجماع المزعوم لم يرد ذكره في أخبار الأئمة (ع) أبداً ولا يوجد له شاهد يؤكد صحة ما ذهب إليه السيد المرتضى بل ان هنالك الكثير من الشواهد التي تؤكد العكس ولا باس من ذكر بعض هذه الشواهد :
    اولاً : ما روي في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي في حديث الإمام المهدي (ع) مع أبن المازيار فقال له : ﴿ يا بن المازيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ، ومن البلاد إلى عفرها ، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج﴾﴿ - الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 266
    ومن هذا الكلام يتضح ان الإمام المظلوم (ع) قد هجر القوم ولم يسكن في مدنهم لأن الله قد غضب عليهم ونتيجة غضب الله هو ابعاد حجته عن خلقه كما جاء عن أبو جعفر(ع) انه قال : ﴿ إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا عن جوارهم ﴾﴿ - الكافي – الشيخ الكليني - ج1 - ص506﴾. ﴾.
    ﴾.
    فسكن (ع) الجبال الوعره والبلاد النائية واظهر التقية كلها إلى يوم الخروج فكيف له ان يكون في الأمة وفي إجماعها أو في إجماع المؤمنين أو الفقهاء وهو قد هجرهم جميعاً واظهر التقية كلها وليس جزءاً منها .

    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    ثانياً : قد وصف أمير المؤمنين (ع) حال حامل الإمامة قائلا : ﴿ظاهر غير مطاع ، أو مكتتم يترقب﴾﴿- نفس المصدر السابق - ص 339 ﴾.
    وذكر المازندراني في شرح أصول الكافي بيان معنى ﴿ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقب﴾ قائلاً : ﴿ قوله ﴿ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقب﴾ أي يترقب ظهوره وهو صاحب الزمان (ع) وأما غيره من الأئمة فهو مندرج في الأول لظهورهم بين الخلق وعدم إطاعة الخلق لهم﴾﴿ - شرح أصول الكافي - المازندراني - ج 6 - ص 263
    فإذا كان حال الإمام (ع) هو الخفاء والتكتم وعدم طاعة الامة له وهذا ينافي كون الإمام داخل في هذا الإجماع المزعوم، كما انه يلتفت إلى مسألة في غاية الدهشة والغرابة فهل تحدثت كتب الرجال عن حال عالما أو فقيها غير معروف فكل الفقهاء الذين عاصروا المرتضى وما سبقهم معروفون النسب والأسم ويعرفهم الناس حق المعرفة كما انهم يعرفون ابائهم واجدادهم وعائلاتهم فكيف يمكن القول بأن الإمام المهدي (ع) واحدا من هؤلاء !! على أنهم قد فرضوا وجود مجهول النسب وأشترطوا ذلك كما سيأتي تفصيله في مبحث الإجماع فأنتظر .
    ثالثاً : لقد دلت الروايات والأخبار على ان الإمام المهدي (ع) سوف يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسُنة جديدة كما جاء في الرواية : ﴿ يقوم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وسُنة جديدة وقضاء جديد ..﴾﴿ ﴾. - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 52 - ص 231﴾.

    فإذا كان قول الإمام (ع)داخلا في الإجماع عند إجماع الأمة أو المؤمنين أو الفقهاء وفي كل العصور كما يقول السيد المرتضى فكيف يكون أمره جديد وقضائه جديد وسنته جديدة عند قيامة أليس كلامه وأحكامه معلومة على مر العصور بدعوى الإجماع الذي يقولون فيه ؟
    كما انه قد روي ما هو أعظم من ذلك فقد روي عن الإمام الصادق (ع): ﴿ إن لله خليفة يخرج من عترة رسول الله (ص) - إلى أن قال : - يدعو إلى الله بالسيف ويرفع المذاهب عن الأرض ، فلا يبقى إلا الدين الخالص . أعداؤه مقلدة العلماء أهل الإجتهاد ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم ، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفاً من سيفه ، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم - إلى أن قال : - ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله - إلى أن قال : - ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم ﴾﴿ مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 2 - ص 142 - 143﴾.
    ومن قول الإمام الصادق (ع) نفهم بأن الناس أي مقلدة العلماء سوف يجدون الإمام المهدي (ع) يحكم بخلاف ما ذهب إليه ائمتهم أي الفقهاء واما الفقهاء فإنهم سوف يهابون سيفه ولولا سيفه لافتوا بقتله لأنهم يعتقدون بانه على ضلالة لأنه يحكم فيهم بغير مذهبهم أي بغير أقوالهم التي أجمعوا على صحتها فهل سيتجرأ أحدهم ويقول للإمام إننا قد أجمعنا على قول ويجب عليك الدخول في إجماعنا طبعاً لا يتجرأ أحدهم على ذلك خوفاً من سيفه لا خوفاً من مقامه عند الله .
    رابعاً : قد ورد في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وصفاً للإمام المهدي (ع) عن الإمام الصادق (ع) بالصامت فقد جاء عن زرارة ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : ﴿حقيق على الله أن يدخل الضلال الجنة . فقال زرارة : كيف ذلك جعلت فداك ؟ . قال : يموت الناطق ولا ينطق الصامت ، فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة ﴾﴿ - الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 460 – 461
    ان الواضح في الحديث ان الإمام المهدي (ع) لقب بالصامت فكيف يمكن الجمع بين صمت الإمام ودخول كلامه في إجماع الفقهاء ؟
    خامساً : إن دعوى الإجماع خالية من الدليل الواضح ولم تحوي على نصوص داعمة لها سواءا من القرآن أو روايات العترة الطاهرة (ع) وبهذا احيطت بشيء من الغموض والظنون بأن يكون قول المعصوم (ع) في جمله أقوال الفقهاء أو المؤمنين أو الأمة باسرها وهذا بحد ذاته ليس بحجة على أحد لأن حجة الله هي الحجة الواضحة كما جاء عن أحمد بن أبي عبد الله قال في وصية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ﴿ من شك أو ظن فأقام على أحدهما فقد حبط عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة ﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 40 - 41﴾.
    ﴾.
    وعلى هذا القول لا يكون الإجماع حجة لأنه من الظن والظن ليس من الواضحات فقد اشار الإمام إلى ان حجة الله هي الحجة الواضحة وليست التي تبنى على الشكوك والظنون .
    سادسا : اننا حين نرجع إلى سُنن الإمام المهدي (ع)من الأنبياء (ع)نرى بأن الأنبياء في غيباتهم لم يكن لهم اتصال بشيعتهم فهذا نبي الله وكليمه موسى (ع) حين غاب عن قومه نجد قومه قد اتخذوا العجل وقد خاطب القرآن بني إسرائيل بالجمع في قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴾﴿ ﴾.
    فهل لبني إسرائيل الحجة بإتخاذهم العجل رباً من دون الله فَهُم قد يحتجون على نبيهم بإجماعهم هذا وهل لاخوة يوسف الحق حين أجمعوا على ان يجعلوا اخيهم في غيابة الجب قال تعالى : ﴿ فلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾﴿ ﴾ .
    بل اننا لا نكاد نجد نبيا من الأنبياء قد اجمع قومه او امته على اتباعه بل العكس كان الاجماع دائما ضد امر الله وضد انبياءه وهذا نبي الله لوط ونوح وصالح وابراهيم وغيرهم عليهم السلام اجمعين قد اجمعت اممهم على خلافهم فهل الحق مع الإجماع ام معي ولي الله ؟!!
    إن الشواهد كثيرة على فساد الإجماع المزعوم وان صح هذا انتفت الحاجة للمعصوم واستبدل بجملة من القواعد والأصول بحجة كمالها وتمامها ، وقد بينا بأن الإمام (ع) حين ظهوره سيظهر العقيدة الحقة والأحكام الإلهية وستكون هذه العقائد والأحكام محل استهجان عند الفقهاء وعند الناس على حد سواء فلو كانت هذه الأحكام والعقائد موجودة بين يدي القوم صحيحة بحجة وجود المعصوم فيهم لما حصل هذا الاستهجان والنفور .
    الى هذا المقدار نكتفي ببيان هذه المرحلة المهمة التي مرت بالتأريخ الشيعي والتي تزعم آرائها السيد المرتضى أو المعروف بالشريف المرتضى وهي من أهم مراحل التغير التي مرت على المدرسة الإمامية من حيث الانعطاف في مستوى التفكير الفقهي وهي كما قلنا مرحلة مشابهة ان لم نقل متممة لآختها التي سبقتها وهي مرحلة الشيخ أبن جنيد وأبن أبي العقيل العماني .
    لقد عرفنا من ملامح هذه المرحلة ومما كتبه الشريف المرتضى في كتابه الذريعة وغيره من الكتب والمصنفات ما له من افكار لم يسبقه بها أحد لا من حيث تبنيها ولا من حيث تصنيفها بهذا التصنيف، وكما عرفنا مما تقدم ان الشريف المرتضى قد اقر مبدأ القياس وسماه بالقياس الشرعي والذي يسمى اليوم بقياس منصوص العلة وهذا الاقرار بهذا النوع من القياس يعتبر عبورٌ لاسوار الدين التي وضعها رسول الله (ص) وآل بيته الاطهار (ع) كما تقدم في بداية كلامنا عن القياس الملعون على لسان محمد وآله الاطهار (ع) وعلى أية حال نترك باقي البحث والتأمل للقارئ اللبيب الذي لا يقوده التفكير الجاهلي والتقليد الاعمى للرجال .
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3










      التعديل الأخير تم بواسطة ابو محمد الزبيدي; الساعة 02-04-13, 01:47 AM.

      تعليق

      يعمل...
      X