إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مرحلة المحقق الحلي (602هـ - 676هـ )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرحلة المحقق الحلي (602هـ - 676هـ )

    مرحلة المحقق الحلي ﴿602 هـ - 676 هـ ﴾ :
    وهو جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق الحلي أبرز الرجال الذين ظهروا بعد أبن إدريس الحلي فكان له الدور الكبير في إحياء الإجتهاد على طريقة الشيخ الطوسي ولعل أبرز ما تميز به عن غيره في الفقه هو ما قام به من ترتيب الفقه وأبوابه فهو الذي قام بتقسيم الفقه إلى : عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام ولم يكن هذا التقسيم قد شوهد في مصنفات سابقيه من الفقهاء والمحققين .
    أحدث المحقق الحلي تغييرا ملموسا على صعيد الإجتهادات والقواعد الأصولية والآراء حتى اجتذب العديد من المؤيدين له والمتابعين لأقواله والى يومنا هذا، فقبل مجئ المحقق الحلي إلى ساحة الفقهاء كان المعتمد في الكتب الدراسية كتاب النهاية للشيخ الطوسي إلا أن بمجئ المحقق استعاض الفقهاء بكتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي وقد ذكر ذلك الشيخ آغا بزرگ الطهراني قائلاً : ﴿لما ألف المحقق الحلي " شرايع الإسلام " استعاضوا به عن مؤلفات شيخ الطائفة ، وأصبح من كتبهم الدراسية ، بعد أن كان كتاب " النهاية " هو المحور وكان بحثهم وتدريسهم وشروحهم غالبا فيه وعليه﴾﴿ التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - المقدمة ص 9﴾.
    وعلى العموم بدا المحقق الحلي كسابقيه من حيث التجديد والتغيير وهذه السمة غالباً ما نراها في الفقهاء فكل فقيه ذاع صيته وعلا واشتهر على الالسن ذكره كان من أصحاب النظريات الجديدة والأقوال التي لم يسبقه أحد بالقول بها.
    وإذا التزم أحد الفقهاء بما عليه السلف الصالح خمد ذكره ولا تكاد تجد له بصيص من أقواله وفتاويه وكأن التجديد والتغيير هو الشرط الوحيد لشهرة الفقيه في أي زمان من الازمنة حتى أصبح البقاء على ما عليه قدمائنا محطا للسخرية والاستهزاء إلا إذا أراد الفقيه ان يعلوا ذكره ويدنوا من العلياء أمره كان لزاما عليه التغيير والإتيان بما هو جديد على الاذهان سماعه .
    لقد أحدث المحقق الحلي نقلة نوعية أخرى على صعيد الآراء الأصولية وقبل أن ندخل بتفاصيل ما ذكره المحقق علينا اولا أن نبين اللبس الذي وقع به السيد محمد باقر الصدر حين ذكر في كتابه المعالم الجديدة للأصول بأن المحقق الحلي هو أول فقيه قال بانه من أهل الإجتهاد بمعناه الجديد كما يفترض السيد الصدر وذلك في قوله : ﴿ولا يوجد لدينا الآن نص شيعي يعكس هذا التطور أقدم تأريخا من كتاب المعارج للمحقق الحلي المتوفى سنة ﴿676) - المعالم الجديدة للأصول - السيد محمد باقر الصدر - ص 26﴾
    وهذا الكلام غير صحيح بالمرة فإننا نجد السيد المرتضى قد اعلنها صراحة قبل أن يقولها المحقق الحلي بأكثر من 250 سنة تقريبا حيث ذكر المرتضى بانه من أهل الإجتهاد وهو اقدم قول شيعي في اعقاب الغيبة - ان تجاوزنا الشيخين أبن أبي عقيل العماني وأبن الجنيد لعدم توفر مصنفاتهم في وقتنا الحاضر - وليس كما يقول السيد محمد باقر الصدر في كتابه المذكور واليك نص ما قاله السيد المرتضى في كتابه الذريعة : ﴿ وليس يمتنع أن يكون قولنا أهل الإجتهاد - إذا أطلق - محمولا بالعرف على من عول على الظنون والامارات في إثبات الأحكام الشرعية ، دون من لم يرجع إلا إلى الأدلة والعلوم ﴾﴿ الذريعة - أصول فقه - السيد المرتضى - ج 2 - ص 672

    وبهذا القول الذي اطلقة السيد المرتضى يثبت لدينا بانه اقدم قول شيعي وهو يسبق ما ذكره السيد الصدر بأكثر من قرنين من الزمان وبهذا نرجوا ممن اقتفى اثر السيد الصدر ان يراجع أكثر وان يُجهد نفسه بالبحث والتقصي في امور الدين ولا يعتمد على قول الرجال مهما بلغوا في العلم والمعرفة فهنالك الكثير من الفقهاء ممن وقع في الغلط جراء اعتماده على أقوال الرجال كما وقع العديد من الفقهاء بالغلط اعتمادا على الأحاديث التي صنفها الشيخ الطوسي وقد بينا ما قاله الشيخ البحراني عما عليه كتب الشيخ من الغلط والتحريف والنقصان .
    وعلى العموم فإن كلمات المحقق الحلي كثيرة لا يمكن التوقف عليها وبحثها بحثا علميا في هذا السفر البسيط إلا أن جل ما يهمنا هو ما قاله في الباب التاسع من كتابه معارج الأصول حيث سماه ﴿في الإجتهاد﴾ وراح في الفصل الأول يطلق عدة مسائل وذكر في المسألة الاولى في حقيقة الإجتهاد حيث اخذ يعرف الإجتهاد قائلاً : ﴿ الإجتهاد : افتعال من الجهد ... وهو في عرف الفقهاء : بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلة الشرع إجتهادا ، لأنها تبتنى على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر ، وسواءً كان ذلك الدليل قياسا أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الإجتهاد.
    فإن قيل : يلزم على هذا أن يكون الإمامية من أهل الإجتهاد .
    قلنا : الأمر كذلك ، لكن فيه ايهام من حيث أن القياس من جملة الإجتهاد ، فإذا استثنى القياس كنا من أهل الإجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 179

    إن أصل التعريف الذي ذكره المحقق الحلي نابع من منابع المخالفين لمدرسة أهل البيت (ع) فقد ذكره الغزالي المتوفى سنة 505 هـ والذي سبق المحقق الحلي بأكثر من قرن من الزمان تعريف الإجتهاد قائلاً : ﴿ في عرف العلماء مخصوصاً ببذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة﴾﴿ - المستصفى - ج2 - ص350﴾.
    ولا يخفى نسبة التشابه في التعريف وقد ذكر العديد من فقهاء المخالفين تعريف الإجتهاد بألفاظ مختلفة ذكرنا بعضها فيما سبق .
    إننا حين نذكر قاعدة أو نذكر تعريفاً لشيء ما يجب علينا أن نبين مصدر التعريف لكي لا يشتبه على الناس الأمر فيعتقدون ان هذا التعريف وارد عن مسلك صحيح خصوصاً إذا تحقق عند المتلقي حسن الظن بناقل التعريف أو القاعدة وهذا ما هو حاصل عند الإمامية في المحقق الحلي ، ولكن الذي يجب علينا تبيانه باننا غير مخولين باخذ شيء من أصول المخالفين وقواعدهم فقد عد الأئمة (ع) تلك الأصول والقواعد من الخبائث التي حرموها على شيعتهم ومواليهم ولا يسعنا الإتيان بتلك الخبائث خصوصاً إذا علمنا بأن هذا التعريف لم يرد في شيء من الأخبار على الإطلاق فما هو وجه الصحة في اخذ هذا التعريف من أقوال المخالفين وقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته لكميل أبن زياد قال : ﴿ ... يا كميل ! هي نبوة ورسالة وامامة ، وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين ، أو مبتدعين ، إنما يتقبل الله من المتقين ، يا كميل ! لا تأخذ إلا عنا تكن منا﴾﴿ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 30﴾.
    وجاء عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق (ع): ﴿كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متمسك بعروة غيرنا﴾﴿ - صفات الشيعة - الشيخ الصدوق - ص 3
    ﴾ .
    وهذا من جهة التعريف اما من جهة التطبيق لهذا التعريف فقد ذكر المحقق ان عملية الإجتهاد تبتنى على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص سواءً كانت هذه الاعتبارات مبنية على القياس أو غيره ثم قال المحقق بأن الإمامية من أهل الإجتهاد إلا أن هذا الإجتهاد مستثنى منه القياس وهذا حد قوله ولنا في قوله نقاش :
    إن هذه الاعتبارات النظرية إذا جاء بها اثر في أقوال أصحاب العصمة (ع) فلا اعتراض عليها كما هو الحال في الأصول التي ذكرها الأئمة (ع)لأصحابهم والتي ذكرناها في بحثنا هذا أما إذا كانت هذه الاعتبارات لا دليل عليها في اثار الأئمة (ع) فلا يمكن الاحتجاج بها إطلاقاً، فلا صحة في الذي لم يخرج منهم (ع).
    ولا يخفى على من اطلع على أصول الفقهاء الإمامية يجد الكثير منها مما اخذ عن مدارس المخالفين والتي لا دليل على صحتها في كتب القدماء بل لم تذكر أساساً .
    اما ما ذهب إليه في قوله بأن الإمامية من أهل الإجتهاد فهذا أيضاً مما لا دليل عليه اما قوله بأن إجتهاد الإمامية مستثنى منه القياس فهو مردود لعمل المحقق الحلي نفسه بالقياس باعتباره دليلاً بل ان السابقين له قد عدوه من الأدلة وكما مر ذكره اما ما ذكره المحقق فهو قوله : ﴿في القياس ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : القياس في الوضع : هو المماثلة . وفى الاصطلاح : عبارة عن الحكم على معلوم بمثل الحكم الثابت لمعلوم آخر ، لتساويهما في علة الحكم . فموضع الحكم المتفق عليه يسمى : أصلاً . وموضع الحكم المختلف فيه يسمى : فرعا . والعلة : هي الجامع الموجب لاثبات مثل حكم الأصل في الفرع ، فإن كانت العلة معلومة ، ولزوم الحكم لها معلوما من حيث هي ، كانت النتيجة علمية ، ولا نزاع في كون مثل ذلك دليلاً ...
    المسألة الثانية : النص على علة الحكم وتعليقه عليها مطلقا ، يوجب ثبوت الحكم ان ثبتت العلة ، كقوله : الزنا يوجب الحد ، والسرقة توجب القطع . أما إذا حكم في شيء بحكم ثم نص على علته فيه : فإن نص مع ذلك على تعديته وجب ، وان لم ينص ، لم يجب تعدية الحكم الا مع القول بكون القياس حجة﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 182-183

    ثم قال في المسألة الرابعة : ﴿ الجمع بين الأصل والفرع قد يكون بعدم الفارق ، ويسمى : تنقيح المناط . فإن علمت المساواة من كل وجه ، جاز تعدية الحكم إلى المساوي ، وان علم الامتياز أو جوز ، لو تجز التعدية الا مع النص على ذلك ، لجواز اختصاص الحكم بتلك المزية ، وعدم ما يدل على التعدية . وقد يكون الجمع بعلة موجودة في الأصل والفرع ، فيغلب على الظن ثبوت الحكم في الفرع ، ولا يجوز تعدية الحكم - والحال هذه - بما سندل عليه . فإن نص الشارع على العلة ، وكان هناك شاهد حال يدل على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلة في ثبوت الحكم ، جاز تعدية الحكم ، وكان ذلك برهانا﴾﴿- معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 185﴾. ﴾.
    لقد اقر المحقق هذا الأنواع من القياس والتي هو ﴿القياس في الوضع﴾ وكذلك القياس الثاني والذي حدده فيما إذا كانت العلة منصوص عليها ما يسمى عند الفقهاء بقياس منصوص العلة والنوع الثالث والذي هو تنقيح المناط وهذه الأنواع من القياس واضحة البطلان كما سياتي في مبحث القياس عند الإمامية كما انها من الأنواع التي احتج بها المخالفون وعملوا بها وصنفوها في كتبهم، وان خير رد يرد به عليه هو ما ورد عن عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن موسى (ع) عن القياس فقال : ﴿مالكم والقياس إن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 57﴾.
    فإذا كان الله لا يسال كيف احل وكيف حرم فلا سبيل لنا لمعرفة العلل في الأحكام أما إذا ورد في النص تحديداً للعلة فلا يمكننا تحديد وضعيتها المناسبة في ذلك، وخير مثال هو ان العلة في وقوع العدة على المطلقة أو الارملة هو عدم اختلاط الماء وقد حدد الشرع هذه المسألة علة لمسألة العدة إلا أن المراة التي هجرها زوجها لاعوام أو التي زوجها كان في الاسر على سبيل المثال وعلمت بوفاته بعد سنين أو المراة العقيمة أو التي بلغت سن الياس من الحمل والانجاب وغيرها من الحالات ففي هذه الحالات كلها تكون المرأة ملزمة بالعدة فاين ذهبت العلة التي اقرها الشرع يا ترى ؟
    هنالك الكثير من الأحكام التي وضعها الله لعباده فعرّف جانب من العلة إلا إنه سبحانه اخفى عن عباده جوانب أخرى كما انه قد اخفى الكثير من العلل التي دعت إلى وضع الكثير من الأحكام الشرعية ونحن كمسلمين متبعين لا يسعنا في ذلك الا التعبد بهذه الأحكام الإلهية .
    لقد بين أئمة أهل البيت (ع) بطلان كل أنواع القياس التي تستخدم في نفس الأحكام الشرعية ولا توجد رواية أو خبر يذكر إستثناء أحد هذه الأنواع بل انهم (ع) اخبروا شيعتهم بتحريم كل أنواع القياس فقد جاء عن أبي شيبة الخراساني قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ﴿إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا ، وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس ﴾﴿وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 43

    ولا يخفى بأن كلمة المقاييس هي جمع قياس وهذا يدل على تحريم كل أنواع القياس في نفس الأحكام الشرعية بقول مطلق .
    إن مسألة تحديد العلة في الأحكام الشريعة قد بين عدمها الشيخ المفيد وذلك في قوله الذي ذكره المحقق الحلي : ﴿ واحتج شيخنا المفيد ره لذلك أيضاً بأنه لا سبيل إلى علة الحكم في الأصل ، فلا سبيل إلى القياس ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 184 ﴾﴾
    إلا أن المحقق الحلي قال بعدم التسليم لقول الشيخ المفيد وذلك في قوله : ﴿والجواب عن احتجاج المفيد أن نقول : لا نسلم أنه لا سبيل إلى تحصيل علة الحكم ﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾
    ولا نريد الاطالة في هذا المقام ولندع النقاش أكثر في أنواع القياس عند الإمامية إلى مبحث القياس إلا أن ما يجب بيانه هو ان المحقق قد استثنى من القياس المحرم بقول مطلق بعض أنواعه ولم يذكر في إستثنائه هذا دليل معتبرا من الكتاب والسُنة وقد بينا بأن هذا الإستثناء ممتنع في الأخبار وروده ولا يسعنا إلا التمسك بقول المعصوم وندع قول فاقدي العصمة مهما بلغوا في العلم والمقام بين الناس .
    إن من العجائب الأخرى لأقوال المحقق الحلي هو مناقشته وتأييده في الظاهر لقول من قال بترجيح أحد الخبرين إذا وافق القياس أحدهما فيكون المرجح هو الخبر الذي يوافق القياس وذلك في قوله : ﴿ ذهب ذاهب إلى أن الخبرين إذا تعارضا ، وكان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما ، كان ذلك وجها يقتضى ترجيح ذلك الخبر على معارضه . ويمكن أن يحتج لذلك : بأن الحق في أحد الخبرين ، فلا يمكن العمل بهما ولا طرحهما ، فتعين أن يعمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض ، فلا بد في العمل بأحدهما من مرجح ، ﴿والقياس مما يصلح﴾ أن يكون مرجحا ، لحصول الظن به فتعين العمل بما طابقه . لا يقال : أجمعنا على أن القياس مطرح في الشرع . لأنا نقول : بمعنى أنه ليس بدليل على الحكم ، لا بمعنى أنه لا يكون مرجحا لاحد الخبرين على الآخر ، وهذا لأن فائدة كونه مرجحا كونه دافعا للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ، ويكون العمل به ، لا بذلك القياس ، وفى ذلك نظر ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 186 -187

    إن الرد على هذا الكلام لا يحتاج إلى



    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    كثير من البيان ونكتفي فقط بقولنا كيف جاز لنا استعمال قانون إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ في معرفة الصحيح من أقوال الأئمة (ع) على ان الأئمة (ع) قد بينوا لنا المرجحات وعرفونا بها فمن أجاز لنا ادخال ما هو محرم إلى ساحة الترجيح ؟
    بعد الذي ذكرناه نود أن نقول : إن الإجتهاد الذي قال بجوازه المحقق قد حوى بين ثناياه القياس المحرم على لسان المعصومين (ع) وعليه فإن قوله في إستثناء القياس من عملية الإجتهاد مردود والسبب في ذلك يكمن في ان المحقق نفسه قال بجواز بعض أنواع القياس المحرم ولم يكن في قوله حجة معتبرة ولا دليل متين .
    اما ما يتعلق بمعرفة الأحكام الشرعية فقد بين المحقق الحلي كيفية معرفة الأحكام في عرفه وقد قسم هذه الكيفية إلى طريقتين قال في الطريقة الاولى ما هذا نصه : ﴿ الأحكام اما أن تكون مستفادة من ظواهر النصوص المعلومة على القطع ، والمصيب فيها واحد ، والمخطئ لا يعذر ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 181﴾. ﴾.
    وهذا قول لاخلاف في احقيته وصدقه فقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع) ما يؤكد حجية النصوص الواردة وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم ولا خلاف في ان المخطئ في تبليغ الأحكام لا يعذر بل هو مأثوم .
    إن هذه الحالة لاخلاف فيها ولكن الخلاف في الطريقة الثانية التي ذكرها المحقق الحلي وهذه الطريقة هي التي تحتاج إلى الإجتهاد وذلك في قوله : ﴿واما أن تفتقر إلى إجتهاد ونظر ، ويجوز اختلافه باختلاف المصالح ، فإنه يجب على المجتهد استفراغ الوسع فيه ، فإن أخطأ لم يكن مأثوما﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾.
    وقبل أن نناقش هذه الطريقة نحب أن نبين بأن هذا القول هو من أقوال المخالفين لال محمد وقد اشتهروا به ولا يوجد له اثر في أخبار الأئمة (ع) على الإطلاق وقد ذكره أبن قدامه ﴿541هـ - 620هـ﴾ في قوله : ﴿المجتهد في الفروع إما مصيب وإما مخطىء مثاب غير مأثوم﴾﴿روضة الناظر – أبن قدامه – ج1 – ص383

    وقال الرازي سنة 575 هـ : ﴿ أن المخطئ هل يستحق الإثم والعقاب أم لا فذهب بشر المريسي من المعتزلة إلى أنه يستحق الإثم والباقون اتفقوا على أنه لا يستحق ﴾﴿- المحصول - الرازي - ج 6 - ص 35 - 36 ﴾.
    لا يخفى بأن فقهاء الإمامية قاموا باستنساخ كلام المخالفين فأبن قدامة قد ولد قبل مولد المحقق الحلي بحوالي إحدى وستين سنة تقريبا توفى قبل وفاة المحقق بحوالي ستة وخمسون سنة والرازي قد سبق المحقق بقرن من الزمان تقريباً وهذه الفترة كافية لاستنساخ الأقوال .
    قبل أن نناقش هذه المسألة نحب أن نبين أدلة وضع الاثم عن المجتهد المخطئ والتي احتج بها المحقق الحلي في قوله : ﴿ويدل على وضع الاثم عنه وجوه :
    أحدها : انه مع استفراغ الوسع يتحقق العذر ، فلا يتحقق الاثم .
    الثاني : إنا نجد الفرقة المحقة مختلفة في الأحكام الشرعية اختلافاً شديداً حتى يفتى الواحد منهم بالشيء ويرجع عنه إلى غيره ، فلو لم يرتفع الاثم لعمهم الفسق وشملهم الاثم ، لأن القائل منهم بالقول اما أن يكون استفرغ وسعه في تحصيل ذلك الحكم أو لم يكن ، فإن لم يكن ، تحقق الاثم ، وان استفرغ وسعه ثم لم يظفر ، ولم يعذر ، تحقق الاثم أيضاً .
    الثالث : الأحكام الشرعية تابعة للمصالح ، فجاز أن تختلف بالنسبة إلى المجتهدين ، كاستقبال القبلة ، فإنه يلزم كل من غلب على ظنه أن القبلة في جهة أن يستقبل تلك الجهة - إذ لم يكن له طريق إلى العلم - ثم تكون الصلوات مجزية لكل واحد منهم ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 181 -182
    ﴾.
    إن الأحكام التي تفتقر إلى إجتهاد كما يقول المحقق هي تلك الأحكام التي لم يرد بها نص صريح سواءً من الكتاب ام من السُنة الشريفة والمتمثلة بأحاديث النبي (ص) وأقوال الأئمة (ع) والسؤال الذي يطرق الاذهان هو هل أجاز لنا أئمة أهل البيت (ع) ان نسلك هذا الطريق في هذه الحالة أي ان نسلك طريق الإجتهاد إذا فقد النص؟
    والجواب يأتي من أخبار أهل البيت (ع) وأثارهم الشريفة فقد ورد عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (ع): ﴿ ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل﴾﴿ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 56

    إن سؤال أبي بصير واضح في النظر في الأحكام التي لم ترد في الكتاب والسُنة بل ان أبي بصير لم يوجه السؤال بهذه الكيفية كما قراءنا بل انه قال ترد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سُنة نبيه ولعل القارئ يقول ما الفرق بين التعبيرين فنقول : ان الفرق كبير وهو اننا إذا قلنا ان حادثة من الحوادث لم ترد في كتاب الله ولا سُنة نبيه فقد كذبنا لأن الله يقول : ﴿ ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ... ﴾﴿ ﴾
    أما إذا قلنا كما قال أبي بصير فقولنا الحق لأن أي حادثة تحدث فحكمها موجود في كتاب الله ولكننا قد لا نعرفه، وهذا فرق عن قولنا ان هذه الحادثة حكمها غير موجود في كتاب الله فتامل الفرق بين التعبيرين، على ان الفقهاء قد قالوا بأن الكتاب غير متكفل ببيان جميع الأحكام وهذا قول في قبال النص الثابت وهو مرفوض ومردود كما سياتي بيانه في مبحث الكتاب .

    إن ما يهمنا الآن هو جواب الإمام الصادق (ع) لأبي بصير حيث ان الإمام بين لأبي بصير رفضه التام للنظر في تلك الأحكام التي غفل العقل عن إيجاد حكمها من الكتاب والسُنة وكذلك فإن الإمام (ع) قد بين بانه إذا نظر في تلك الأحكام التي لا يعرف حكمها من الكتاب ولا السُنة فإن اصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله، وهذا عكس ما قاله المحقق الحلي حيث ذكر بأن المجتهد إذا أخطأ في حكمه لم يكن مأثوما وهذا القول من المحقق إجتهاد في قبال النصوص كما لا يخفى على القارئ اللبيب.
    ولعل قائل يعترض فيقول بأن هذه الرواية ضعيفة وما إلى ذلك من الامور التي يتمنطقون بها فنقول: إن هذه الرواية قد اقر المحققون وأصحاب الرجال بصحتها كما ذكرها المحقق الخوئي في رجاله قائلا بصحتها﴿ - معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 19﴾ وبعد هذا لا يبقى عذر لمعترض، أما إذا أرادوا التأويل والتصريف على وجوه ما انزل الله بها من سلطان كقولهم بأن النظر غير الإجتهاد فنقول: لقد قلتم بأن الإجتهاد كان يمارسه أصحاب الأئمة (ع) فإذا تنزلنا جدلا وقبلنا بهذه المقولة فإن أبا بصير كان مجتهد على نفس الطريقة التي تعتمدونها وبذلك فإن اخطأ لزم ان يكون غير مأثوم كما يقول المحقق الحلي وهذا لم يكن حاصلاً مع أبي بصير بنص قول الصادق (ع) بل ان الإمام قد بين بانه إذا اصاب لم يؤجر وان اخطأ كذب على الله وهذا عكس ما ذهب إليه المحقق الحلي .
    وأما إذا اعترض قائل بأن الإجتهاد الذي يمارسه فقهاء الإمامية لم يكن موجودا في زمن الأئمة (ع) وهذا هو عين الصواب وهذا ما ذكره السيد الخميني في قوله : ﴿الإجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا ، لم يكن في الصدر الأول﴾﴿ - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 48

    قلنا من سمح لنا اذن بممارسة الإجتهاد !! إذا كان الأئمة (ع) لم يقولوا بالإجتهاد ولم يعلموا طلابهم هذه الطرق الإجتهادية. فمن سمح لنا بممارسته اذن فنحن نعلم بأن الواجب علينا هو التسليم والإتباع دون التقدم على الأئمة (ع) وإذا كان الإجتهاد حق لزم على الأئمة (ع) أن يبينوه لأتباعهم ويعلموهم كيفية الإجتهاد وطرقه في الحوادث النازلة بهم فيما لا يعلمون حكمها في الكتاب والسُنة وهذا مما لم يحصل أبداً .
    واما الأخبار التي تنهى عن الإجتهاد في تلك الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة فهي كثيرة منها وما ورد عن حمزة بن الطيار أنه عرض على أبي عبد الله (ع) بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له : كف واسكت ، ثم قال أبو عبد الله (ع): ﴿ إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون ، إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ، ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى : ﴿ فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 155

    وجاء عن زرارة ، عن أبي عبد الله (ع) قال : ﴿لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 158 ﴾
    وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟ قال : ﴿ لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 154﴾.
    ولا يخفى فإن الاحتياط الوارد في الرواية بمعنى التوقف حتى سؤال الإمام عن الحكم الصحيح .
    وجاء عن حسان أبي علي عن أبي عبد الله (ع)- في حديث - قال : ﴿حسبكم أن تقولوا ما نقول ، وتصمتوا عما نصمت ، إنكم قد رأيتم أن الله عز وجل لم يجعل لأحد في خلافنا خيرا ﴾﴿ نفس المصدر السابق - ص 128﴾.
    لقد بين الأئمة (ع) سُنة رسول الله (ص) في الامور الواقعة بنا من الأحكام الشرعية وقد بين رسول الله (ص) ان الأمر المختلف فيه يجب رده إلى الله أي بمعنى رده إلى أولياء الله المعصومين (ع) فقد ورد عن جميل بن صالح، عن الصادق (ع)، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص)- في كلام طويل : ﴿الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشدة فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 162﴾.
    الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على اجتناب الإجتهاد في الدين وباي طريقة أو أسلوب كان بل ان منتهى ما يجب علينا فعله هو الإنقياد لأقوال المعصوم والتوقف في الامور التي لا يعلم عقلنا القاصر حكمها من الكتاب والسُنة لا ان نتكلفها ونسن لها القواعد والقوانين وندعي بانها كافلة لبيان أحكام الله وشريعته .
    وهذا مشابه لمسلك المخالفين فإنهم قد احتجوا بجملة من الأصول والقواعد التي استخرجوها من ظواهر الكتاب وزعموا بانها كفيلة لبيان الأحكام ، كما فعل أبو حنيفة فقد استدل على القياس والرأي بجملة من الآيات وهذه الآيات وان كانت في الظاهر تدعم ما يدعيه إلا أن الأئمة (ع) بينوا انحرافه في ذلك وقالوا ان القرآن لا يمكن تفسيره بالعقل والرأي بل ان ابا بكر نفسه كان يقول : ﴿أية أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم﴾ فكيف بنا ونحن ندعي الولاء والطاعة لأهل بيت العصمة (ع).
    لقد اشار القرآن الذي هو الثقل الأكبر إلى التوقف في الامور التي لا علم لنا بحكمها وذلك واضح في قوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾﴿ ﴾.
    كما ان هنالك العديد من

    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3
      الآيات الكريمة التي تنهى عن القول في الحلال والحرام الا بعلم من الله ورسوله قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾﴿ ﴾. وقال تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾﴿ ﴾.
      وبهذا يتضح لنا ان أمر الحلال والحرام من الله فقط والله يبلغ أنبيائه ورسله وهم بدورهم يبلغون الناس كما مر في الأخبار فكيف جاز لنا ممارسة الإجتهاد وهو لم يجز لرسول الله (ص) وقبل أن ننهي نقاشنا هذا يجب علينا مناقشة الأدلة التي وضعها المحقق الحلي وزعم بانها دافعة لوقوع الاثم عن المجتهد المخطئ في إجتهاده وكان اولها ان المجتهد مع استفراغ الوسع يتحقق العذر له فلا يتحقق الاثم عليه ان اخطئ في حكمه .
      ويرد عليه بانه من أذن للفقيه في الإجتهاد في الحوادث التي لا يعلم حكمها فقد اوردنا الأخبار الدالة على منع أهل البيت (ع) لأصحابهم من النظر بما لا يعلمون حكمه من الكتاب والسُنة فمن اجاز لنا النظر والإجتهاد في تلك الحوادث فإن قال قائل هذا ما توصل إليه المحقق قلنا بأن المحقق لا حجة في أقواله على الناس ان كان قوله بلا دليل من الثقلين فقد ورد عن عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد الله (ع): ﴿... إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 126﴾.
      والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً إذ لا حجة الا في قول المعصوم وبهذا يتضح لنا عدم الحجية في قول المحقق الحلي هذا، نعم إذا نقل المحقق حكماً نابعاً من الكتاب والسُنة أي الثقلين فهو حجة والحجة هنا لم تأتي لقول المحقق بل ان الحجة لكلام المعصوم الذي ينقله المحقق.
      اما الدليل الثاني الذي احتج به المحقق والذي هو إجماع الفقهاء على الإجتهاد فيرد عليه ان هذا الإجماع باطل في أصولكم قبل أي شيء وان الفرقة المحقة هي التي تمتثل لأوامر أهل البيت (ع) ولا تتعدى حدود الله التي رسمها لعباده فهؤلاء الفقهاء المختلفين ان أجمعوا على قول أو فعل فهل في إجماعهم حجة شرعية وهم أنفسهم يقولون ان إجماعنا ليس بحجة إذا لم يكن المعصوم داخلا فيه .
      وعليه فإن تصرفهم ليس بحجة على أحد فإن اخطئوا فعليهم ان يحملوا اثامهم واثام من اتبعهم إلى يوم القيامة وان احسنوا في إجتهادهم فلا اجر لهم وهذا هو قول الصادق (ع) كما ان الفرقة المحقة لا تختلف في الأقوال والأفعال فهل قول الله واحد ام هو متعدد فلو اختلف أحد الفقهاء مع آخر في إحدى المسائل فهذا يقول بالحرمة وذاك يقول بالحلية فهل كلا الفقيهين على صواب وإذا كان كذلك فإن حلال الله وحرامه على حد سواء وهذا مما لا يقبله العقل والرب فإن حكم أحد بغير حكم الله فقد حاد الله ورسوله والله تعالى يقول : ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴿ ﴾ ... فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴿ ﴾... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾﴿ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 1 - ص 135﴾.
      ويظهر مما تقدم ان الذين يحكمون بغير ما نزل من حكمه فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون فكيف جاز للمحقق ان يقول ان اخطئ المجتهد في حكم الله لم يؤثم .
      إن كثرة الفقهاء الذين يختلفون في الإجتهاد والتي احتج بها المحقق لا تعني شيء إطلاقاً بل ان الله قد ذم الكثرة وفي مواطن عديدة من كتابه وذلك واضح البيان فقد ورد عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى أبن جعفر ﴿عليهما السلام﴾ في حديث طويل إلى ان قال : ﴿ ... ثم ذم الكثرة ، فقال : ﴿وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ وقال: ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾... يا هشام ثم مدح القلة، فقال : ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾. وقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ وقال: ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾...﴾﴿ ﴾.
      إن مسألة الكثرة والقلة لا تفيد الاحتجاج إطلاقاً كما انها ليست بحجة وإذا كانت حجة لاحتج بها المشركون والكفار على أنبياء الله ورسله فما كان المؤمنون الا قليل ولو ان كل الفرقة سلكت مسلك خاطئ إلا واحد فلا يضر الله شي، فكيف إذا علمنا بأن المتقدمين من أصحاب الأئمة (ع) لم يسلكوا هذا المسلك كما ان عدد من الأخباريين لم يسلكوا هذا المسلك أيضاً وعليه فإن الاحتجاج بالكثرة مما عليه مسالك المخالفين وليس مسلك الفرقة المحقة كما يقول المحقق فإن الفرقة المحقة هي التي تتمسك بأقوال الأئمة (ع) ولا تحلل أمر في الشرع مما هو في أقوال الأئمة (ع) محرم مذموم فإن الاحتجاج بالأكثرية أو بالإجماع الفاقد للشرعية مما تواترت الأخبار بالمنع منه.
      فقد ورد في الحديث القدسي ان الله يستغني بعبادة مؤمن واحد مع إمام عادل عن جميع الخلق فقد جاء عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : قال الله عز وجل : ﴿ ... ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما ولجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما ﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 350﴾.
      وجاء عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : قال الله عز وجل : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج معه إلى أحد ﴾﴿ الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119

      ولا يخفى في الخبر الثاني بأن الله يستغني عن جميع الخلق بعبادة مؤمن واحد وأن ذلك المؤمن هو الحجة لأن الارض لا تخلو من حجة فإن كان الحجة هو المؤمن الوحيد في الارض وجميع ما في الارض مخالفين لأوامر الله لاستغنى الله به عن جميع الخلق .
      والحاصل مما تقدم ان اختلاف جميع الفقهاء في الفتيا ليس بحجة على عباد الله على الإطلاق وان حكم الله واحد وحلاله واحد وحرامه واحد اما من تكلف في افتاء الناس بما لا يعلم حكمه علم اليقين فإن الأثم واقع عليه وليس اثمه فقط بل اثم من عمل بفتياه شاء ام ابى قال تعالى : ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾﴿ - سورة النحل آية 25﴾.
      اما الدليل الثالث الذي احتج به المحقق الحلي وهو قوله ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح وجاز ان تختلف بالنسبة إلى المجتهدين كأستقبال القبله فإنه يلزم كل من غلب على ظنه ان القبله في جهة أن يستقبل تلك الجهة ثم تكن الصلوات كلها مجزية !!
      ويرد على هذا الكلام بأن المثال الذي ضربه المحقق حكماً خاص لواقعة خاصة فكيف جاز له تعميمه على كل الحوادث التي لا نعلم حكمها في الكتاب والسُنة؟
      ان هذا المثال الذي استدل به المحقق مردود لعلة ورود ما يقابله في الأخبار الشريفة فقد روى الشيخ الطوسي في الاستبصار بسنده عن خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : ﴿ له جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت علينا فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الإجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه ﴾﴿ - الاستبصار - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 295﴾
      ولا يخفى ان أصحاب الإجتهاد كانوا يحتجون على أتباع أهل البيت (ع) بهذا المثال الذي ضربه المحقق الحلي كدليل على إجتهاد الفقهاء ولكن جواب الإمام الصادق (ع) كان رادعا لعملية الإجتهاد عند هؤلاء الفقهاء .
      اما ما نقله الشيخ الطوسي من الأخبار التي تجيز الصلاة على الظن باتجاه القبله فإنه من باب الضرورة القصوى وقد علق الشيخ الطوسي على تلك الأخبار بقوله : ﴿فالوجه في هذه الأخبار ان نحملها على حال الضرورة التي لا يتمكن الإنسان فيها من الصلاة إلى أربع جهات فإنه يجزيه التحري فأما إذا تمكن فلا بد من الصلاة إلى أربع جهات ﴾﴿نفس المصدر السابق

      إن الفقهاء قد تركوا هذه الرواية وعملوا بغيرها لأنها في نظرهم تسقط القول بالإجتهاد وبالكلية وذلك واضح في قول المجتهدين حين ذكروا هذه الرواية فقالوا : ﴿متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط الإجتهاد بالكلية ، فلا تعويل عليها﴾﴿ - مدارك الأحكام - السيد محمد العاملي - ج 3 - شرح ص 137 ﴾
      ولا يخفى ما في قولهم من الصراحة والجرأة فهل وصل بنا الحال إلى اسقاط الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) بحجة انها تسقط الإجتهاد بالكلية وإذا كان كذلك فيجب علينا ترك أخبار أهل البيت (ع) بالكلية أيضاً لأنها غير نابعة من منابع المجتهدين بالأساس فالأحكام الواردة عن أئمة الهدى (ع) لا تمت إلى الإجتهاد بصلة .
      إن كلام المحقق في دليله الثالث تضمنه الخلط بين ما هو عام وما هو خاص كما أنه قد وقع في الوهم بأن أحكام الله تابعة للظنون ان أحكام الله لا تكون الا قطعية كضوء الشمس في رابعة النهار فأما الشك والظن فإنه محبط للعمل فقد ورد في وصية المفضل قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400﴾
      كما ان هنالك العديد من الآيات تذم الظن منها قوله تعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾وقوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾﴿ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾
      والآيات والأخبار بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز للمجتهد الاعتماد على ظنه في أحكام الله وشريعته نعم هنالك من الظن ما هو جائز كالمثال الذي ضربه المحقق في استقبال القبلة ولكن الإشكال ان هذه الواقعة خاصة وليس لنا تعميم حكمها لمعرفة أحكام الله وفق الظنون التي لا تغني عن الحق شيء.
      الى هنا يتبين لنا ضعف الأدلة التي احتج بها المحقق وتناقلها من تلاه بالرضا والقبول دون تمعن بما هو عليه ثابت الأخبار والأقوال الشريفة المعصومة .
      إن من عجائب الأقوال التي طرحها المحقق هو قوله بعدم الممانعة من كون النبي (ص) كان يعمل بالإجتهاد وذلك في قوله : ﴿وهل يجوز أن يكون متعبدا باستخراج الأحكام الشرعية بالطرق النظرية الشرعية عدا القياس ؟ لا نمنع من جوازه ، وان كنا لا نعلم وقوعه ﴾﴿ معارج الاصول – المحقق الحلي – ص180

      وهذا المسألة أيضاً مشابه لما قاله الرازي في المحصول حيث قال : ﴿إذا جوزنا له ﴿ص﴾ الإجتهاد فالحق عندنا أنه لا يجوز أن يخطئ وقال قوم يجوز بشرط أن لا يقر عليه لنا أنا مأمورون بإتباعه في الحكم﴾﴿- المحصول - الرازي - ج 6 - ص 15 - 16﴾ .
      ويرد على المحقق .. كيف لا تمنع من جواز إجتهاد النبي (ص) فهل لك في قولك دليل ونحن نتحدى أي شخص ان يأتي بدليل معتبر على ان رسول الله (ص) كان يعمل بالإجتهاد كما ان المحقق نفسه قد ناقض قوله حين قال ﴿وان كنا لا نعلم وقوعه﴾ فإذا كان غير ممتنع لزم ان يكون له اثر أي في الأخبار الواردة وهذا ممتنع بنص كلام المحقق .
      إن رسول الله (ص) لا ينطق عن الهوى ولا يتكلف في دين الله ما تكلفتموه في الافتاء والقول بغير علم فكيف جاز لكم الإجتهاد في دين الله، وكذلك وقد ورد عن أبي إسماعيل الجعفي قال : قال أبو جعفر (ع): ﴿إن الله برأ محمدا صلى الله عليه وآله من ثلاث : أن يتقول على الله ، أو ينطق عن هواه ، أو يتكلف ﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 178﴾.
      ولو كان رسول الله (ص) يعمل بالإجتهاد لما حصل له التوقف عن القول فيما يسال عنه حتى يعلم الوحي وهذا من أعظم الحجج على المجتهدين فإذا كان رسول الله (ص) وهو أعظم الخلق واكملهم عقلا لا يقول في أحكام الله عن نفسه بل انه لا يفتي عن نفسه وذلك واضح في قوله تعالى : ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ... ﴾﴿ ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ... ﴾﴿ ﴾ .
      إن الواضح في قوله تعالى ان المفتي هو الله وليس النبي (ص) وان النبي إنما هو الصلة بين الرب والعبد وهذا مما اثبتناه فيما سبق بقي لدينا شي يجب علينا بيانه وهو ان من الثابت حتى عند المخالفين ان النبي (ص) لم يجتهد في دين الله وباي طريقة كانت وهذا بحد ذاته حجة على المجتهدين لأنهم يقولون : ﴿المراد بالسُنة هو : قول الحجة أو فعله أو تقريره﴾﴿ فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 363

      وبهذا يثبت ان الإجتهاد لم يرد في سُنة رسول الله (ص) وهو من أعظم الحجج على القائلين بالإجتهاد حيث ان الإجتهاد لم يرد لا في قول النبي ولا فعله ولا تقريره كما انه لم يرد في أقوال الأئمة (ع)ولا في أفعالهم ولا تقريرهم وبهذا فإن العمل به مردود ممتنع إمتثالاً للسُنة الشريفة وهي الثقل الثاني بعد كتاب الله عز وجل .
      إن المحقق الحلي لم يقف عند هذا الحد فحسب بل زاد في قوله حين ناقش عدم جواز الخطأ على النبي (ص) فيما إذا عمل بالإجتهاد وذلك في قوله : ﴿ وعلى هذا التقدير ، فهل يجوز أن يخطئ في إجتهاده ؟ الحق أنه لا يجوز ، لوجوه :
      الأول : أنه معصوم من الخطأ ، عمدا ونسيانا ، بما ثبت في الكلام ، ومع ذلك يستحيل عليه الغلط .
      الثاني : انا مأمورون بإتباعه ، فلو وقع منه الخطأ في الأحكام ، لزم الأمر بالعمل بالخطأ ، وهو باطل ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 180﴾.
      وقبل أن نستعرض الوجه الثالث نحب أن نبين للقارئ الكريم بأن قول المحقق الحلي باننا مأمورون بإتباع النبي (ص) فلو وقع في الخطأ في إجتهاد لزم ان نعمل بالخطأ والعمل بالخطأ باطل وهذا قول حق من المحقق ويضاف إليه بأن الحال نفسها في الفقهاء المجتهدين فإن وقعوا بالخطأ لزم ان يعمل أتباعهم بالخطأ والعمل بالخطأ باطل أيضاً فكيف جاز قولك بأن المجتهد إذا اخطأ في إجتهاده فلا اثم عليه!!
      اما الوجه الثالث فقوله : ﴿ الثالث : لو جاز ذلك لم يبق وثوق بأوامره ونواهيه ، فيؤدي ذلك إلى التنفير عن قبول قوله ﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 180﴾.
      فنقول : هذا حق ولكن الحال نفسها في الفقهاء المجتهدين فإن المجتهدين يخطئون ويصيبون فلا يبقى وثوق بأقوالهم ان كانوا على هذه الحال فيؤدي ذلك إلى التنفير من قبول قولهم جميعاً فضلاً على انهم مختلفون حتى مع أنفسهم .
      الى هنا نكون قد انتهينا من استعراض بعض الطرق التي سلكها المحقق الحلي وقد تركنا الكثير من الكلام مراعاة للاختصار ولولا ذلك لكان كلامنا في مجلدات وليس في سفر بسيط كهذا وان أراد أحد المزيد فليراجع أقوالهم ويقارنها بما ورد في الثقلين ليرى الفرق بين الاثنين .

      تم والحمد لله
      اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

      تعليق

      يعمل...
      X