مرحلة العلامة الحلي ﴿648 هـ - 726 هـ﴾ :
وهو الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي الأسدي المعروف بالعلامة الحلي ولد في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 648هـ بمدينة الحلة في العراق وكان أبن اخت المحقق الحلي ومن اقرب تلامذته بالاضافة إلى جملة من المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم العلامة الحلي، ولعل من أبرز هؤلاء المشايخ هو الشيخ محمد الطوسي المعروف بالخواجة نصير الدين الطوسي كما انه قد درس عند فقهاء المذاهب الأخرى كما هو حال أغلب فقهاء الإمامية في تلك العصور .
لم يتفق لأحد من الفقهاء قبل الحسن الحلي أن لقب بـ﴿العلامة﴾ فهو أول من لقب بهذا اللقب بعد أن سطع نجمه في ساحة الفقهاء بعد رحيل خاله المحقق الحلي كما انه لم يتفق لأحد من الفقهاء قبل المحقق الحلي ان لقب بـ﴿المحقق﴾ أيضاً ومما يذكره التأريخ أن الحسن الحلي قد لقب بهذا اللقب بعد مناظرة مشهورة له في مجلس السلطان الجايتو خدابنده المغولي ، وعلى أثر تلك المناظرة منح هذا اللقب ارتجالاً ثم ما لبث أن لازمه واختص به في ذلك الزمن على انه قد أصبح هذا اللقب اليوم يعطى لمن تجاوز مقدمات الحوزة أو أقل من ذلك وهذا شيء طبيعى لما ظهر من الالقاب التي ما انزل الله بها من سلطان وكما سياتي ذكرها .
لقد شهدت تلك الحقبة الزمنية بداية لظهور الالقاب والكنى العجيبة والتي كان يتقلدها الفقهاء واحدا بعد آخر وهم معجبين بها غاية الاعجاب حتى أصبح الأمر تجاسرا على مقام المعصوم فهذا الشهيد الأول عند ذكره للعلامة الحلي قال عنه : ﴿شيخنا الإمام الأعلم حجة الله على الخلق جمال الدين ...- إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن الأربعون حديثا : 49
وقال تلميذه محمد بن علي الجرجاني : ﴿شيخنا المعظم وإمامنا الأعظم سيد فضلاء العصر ورئيس علماء الدهر المبرز في فني المعقول والمنقول والمطرز للواء علمي الفروع والأصول ... - إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن أعيان الشيعة 5 / 397
وقال الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي في إجازته للشيخ محمد صالح الغروي قال : ﴿شيخنا وإمامنا رئيس جميع علمائنا العلامة الفهامة شيخ مشايخ الإسلام والفارق بفتاويه الحلال والحرام المسلم له الرئاسة من جميع فرق الإسلام ... إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن بحار الأنوار 108 / 19
إن مقام الإمامة والحجة لم يطلقان على أي فقيه سبق العلامة الحلي وان هذه الالقاب كما هو ثابت في أخبار أهل البيت (ع) خاصة بالمعصومين فكيف جاز لنا إطلاقها على الفقهاء ؟
إن مقام الإمامة أو مقام الحجة ابعد من ان يعطى إلى فقيه يخطئ ويصيب في قوله وفعله فقد جاء عن الإمام الرضا (ع) في وصف الإمامة انه قال : ﴿ ... ان الإمامة أجل قدرا وأعظم شأناً وأعلى مكانا وامنع جانبا وابعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم ان الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره ... ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافة الله عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما السلام ... الإمام امين الله في ارضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم الله الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفعل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفه الإمام ويمكنه اختياره ؟ ! هيهات هيهات ! ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيله من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه لا كيف وانى وهو بحيت النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ لأظنوا ان يوجد ذلك في غير آل الرسول (ص) ؟ كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض اقدامهم راموا اقامة الإمام بقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا ﴿ قاتلهم الله انى يؤفكون ﴾ لقد راموا صعبا وقالوا افكا ﴿ وضلوا ضلالاً بعيداً ﴾ ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين ﴾ ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم ﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ﴾ وقال الله عز وجل : ﴿ وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾ ... فكيف لهم باختيار الإمام ؟ ! ... - عيون أخبار الرضا ﴿ع﴾ - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 195 وما بعدها
وبعد هذا البيان من امامنا الرضا (ع) فهل يُعقل ان يعطى لقب الإمام أو حجة الله على خلقه لغير المعصوم مهما بلغ من العلم والمعرفة بين الناس ؟؟!!
بعد ما تقدم نحب أن نبين ان العلامة الحلي سار على ما سار عليه خاله المحقق فقال في الإجتهاد بنفس مقولة خاله وذهب إلى ما ذهب إليه المحقق من قبل فقال في تصويب المجتهد ما هذا نصه : ﴿ أن المصيب واحد ، وأن لله تعالى في كل واقعة حكماً معيناً ، وأن عليه دليلا ظاهرا لا قطعيا . والمخطئ بعد الإجتهاد غير مأثوم ، لأن كل واحد من المجتهدين ، إذا اعتقد رجحان أمارته ، كان أحد هذين الاعتقادين خطأ﴾﴿ مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 244 – 245
وقول العلامة هذا استنساخ لما ذهب إليه أبن قدامه كما تقدم﴿ - روضة الناظر – أبن قدامه – ج1 – ص383 ﴾ وهو قول الرازي سنة 575 هـ ﴿ - المحصول - الرازي - ج 6 - ص 35 – 36
- مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 246﴾ كما ذهب الرازي إلى القول : ﴿أن أحد المجتهدين إذا اعتقد رجحان الأمارة الدالة على الثبوت والمجتهد الثاني اعتقد رجحان الأمارة الدالة على العدم فنقول أحد هذين الاعتقادين خطأ﴾﴿ ﴾.
ولا يخفى فإن أقوال الأصوليين من الإمامية ما هي إلا استنساخ لأقوال الأصوليين السُنة ويرد عليه بنفس ما يرد به على المحقق وقد ذكرنا الرد فيما سبق فراجع .
إن العلامة الحلي بين مسألة غاية في الخطورة وهي مسألة تغير إجتهاد المجتهد وكذلك فإنه قد بين مسألة أخرى وهي مسألة نسيان المجتهد لدليله الأول وقبل أن نناقش هذا الكلام لنقرأ ما ذكره العلامة في تفسير الإجتهاد حيث قال ما هذا نصه : ﴿المجتهد : إذا أداه إجتهاده إلى حكم ثم تغير إجتهاده وجب الرجوع إلى الإجتهاد الثاني ويجب على المستفتي العمل بما أداه إجتهاده ثانيا وإذا أفتى غيره عن إجتهاد ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة فله الفتوى بالأول إن كان ذاكرا للإجتهاد الأول وإن كان ناسيا لزم الإجتهاد ثانيا على إشكال منشأه غلبة الظن بأن الطريق الذي أفتى به صالح لذلك الحكم ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 37﴾.
وهذا القول أيضاً مشابه لما ذهب إليه الرازي في المحصول حيث قال : ﴿المجتهد إذا تغير إجتهاده ففيه بحثان الأول أن المجتهد كيف يعمل والثاني أن العامي الذي عمل بفتواه كيف يعمل ... إذا أفتى المجتهد بما أدى إليه إجتهاده ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة فإما أن يكون ذاكرا لطريق الإجتهاد الأول أو لا يكون فإن كان ذاكرا له فهو مجتهد وتجوز له الفتوى وإن نسيه لزمه أن يستأنف الإجتهاد فإن أداه إجتهاده إلى خلاف فتواه في الأول أفتى بما أداه إجتهاده إليه ثانيا ﴾﴿ - المحصول - الرازي - ج 6 - ص 64 - 69﴾.
إن هذه المسائل التي ذكرها العلامة مما لا دليل عليها فكيف جاز في شرع الله ان يتغير قول المفتي بين حين وآخر وحلال الله واحد إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فهل يقبل العقل والرب ان نتبع شخصا يتغير حكمة في مسألة واحدة عدة مرات !! وإذا كان كذلك فإن إتباعه يكون غير مبرئ للذمة بل ان الشخص قد يستفتي أحد الفقهاء بمسألة ثم يذهب ويعمل بفتيا الفقيه وهو لا يعلم ان الفقيه قد تغير حكمه في المسألة فهل يعقل ان تكون شريعة الله بيد عباده ويقولون هذا حلال وهذا حرام ثم تتغير المسألة بالكلية فينقلب الحرام حلالاً والحلال حراماً وقد تتغير في المستقبل بل قد يتغير الحكم عدة مرات وفي كل الأحوال لا يؤثم المجتهد كما يقول العلامة والمحقق من قبل !!
فهل هذا الأمر يعقل وهل يعقل ان يتعبد المرئ بهكذا طريقة وأهل البيت (ع) قد بينوا بأن من حكم في أمر فيه اختلاف وزعم بانه مصيب كان حكمه كحكم الطاغوت فقد روي عن أبي جعفر (ع) قال : ﴿ ... فمن حكم بما ليس فيه اختلاف ، فحكمه من حكم الله عز وجل ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 248 ﴾.
إن كلام أهل البيت (ع) نور من نور الله عز وجل وبه يستضاء طريق السالكين إلى رضوان الله تعالى وقد بينوا سلام الله عليهم في أخبار كثيرة بأن حكم الله واحد في كل واقعة تقع بنا فإذا علمنا بأن هذا حكم الله على القطع فبه والا فالتوقف واجب فيما ليس عندنا علمه مصداقا لقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...﴾﴿ ﴾.
اما القول الزائد والتكلف فيما لا علم لنا به فقد نتج عنه اختلاف كثير بين الفقهاء حتى أصبح لكل مسألة ثلاثين قولاً أو ازيد وهذا مما لا يرضاه الله لعباده وقد ذم القرآن الاختلاف في الدين في أكثر من آية شريفة كما انه تعالى أسمه قد حذر هؤلاء المختلفين وتوعدهم بعذاب عظيم في قوله تعالى : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
والآيات التي
يتبع
وهو الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي الأسدي المعروف بالعلامة الحلي ولد في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 648هـ بمدينة الحلة في العراق وكان أبن اخت المحقق الحلي ومن اقرب تلامذته بالاضافة إلى جملة من المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم العلامة الحلي، ولعل من أبرز هؤلاء المشايخ هو الشيخ محمد الطوسي المعروف بالخواجة نصير الدين الطوسي كما انه قد درس عند فقهاء المذاهب الأخرى كما هو حال أغلب فقهاء الإمامية في تلك العصور .
لم يتفق لأحد من الفقهاء قبل الحسن الحلي أن لقب بـ﴿العلامة﴾ فهو أول من لقب بهذا اللقب بعد أن سطع نجمه في ساحة الفقهاء بعد رحيل خاله المحقق الحلي كما انه لم يتفق لأحد من الفقهاء قبل المحقق الحلي ان لقب بـ﴿المحقق﴾ أيضاً ومما يذكره التأريخ أن الحسن الحلي قد لقب بهذا اللقب بعد مناظرة مشهورة له في مجلس السلطان الجايتو خدابنده المغولي ، وعلى أثر تلك المناظرة منح هذا اللقب ارتجالاً ثم ما لبث أن لازمه واختص به في ذلك الزمن على انه قد أصبح هذا اللقب اليوم يعطى لمن تجاوز مقدمات الحوزة أو أقل من ذلك وهذا شيء طبيعى لما ظهر من الالقاب التي ما انزل الله بها من سلطان وكما سياتي ذكرها .
لقد شهدت تلك الحقبة الزمنية بداية لظهور الالقاب والكنى العجيبة والتي كان يتقلدها الفقهاء واحدا بعد آخر وهم معجبين بها غاية الاعجاب حتى أصبح الأمر تجاسرا على مقام المعصوم فهذا الشهيد الأول عند ذكره للعلامة الحلي قال عنه : ﴿شيخنا الإمام الأعلم حجة الله على الخلق جمال الدين ...- إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن الأربعون حديثا : 49
وقال تلميذه محمد بن علي الجرجاني : ﴿شيخنا المعظم وإمامنا الأعظم سيد فضلاء العصر ورئيس علماء الدهر المبرز في فني المعقول والمنقول والمطرز للواء علمي الفروع والأصول ... - إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن أعيان الشيعة 5 / 397
وقال الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي في إجازته للشيخ محمد صالح الغروي قال : ﴿شيخنا وإمامنا رئيس جميع علمائنا العلامة الفهامة شيخ مشايخ الإسلام والفارق بفتاويه الحلال والحرام المسلم له الرئاسة من جميع فرق الإسلام ... إرشاد الأذهان - العلامة الحلي - ج 1 - ص 56 نقلا عن بحار الأنوار 108 / 19
إن مقام الإمامة والحجة لم يطلقان على أي فقيه سبق العلامة الحلي وان هذه الالقاب كما هو ثابت في أخبار أهل البيت (ع) خاصة بالمعصومين فكيف جاز لنا إطلاقها على الفقهاء ؟
إن مقام الإمامة أو مقام الحجة ابعد من ان يعطى إلى فقيه يخطئ ويصيب في قوله وفعله فقد جاء عن الإمام الرضا (ع) في وصف الإمامة انه قال : ﴿ ... ان الإمامة أجل قدرا وأعظم شأناً وأعلى مكانا وامنع جانبا وابعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم ان الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره ... ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافة الله عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما السلام ... الإمام امين الله في ارضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم الله الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفعل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفه الإمام ويمكنه اختياره ؟ ! هيهات هيهات ! ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيله من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه لا كيف وانى وهو بحيت النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ لأظنوا ان يوجد ذلك في غير آل الرسول (ص) ؟ كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض اقدامهم راموا اقامة الإمام بقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا ﴿ قاتلهم الله انى يؤفكون ﴾ لقد راموا صعبا وقالوا افكا ﴿ وضلوا ضلالاً بعيداً ﴾ ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين ﴾ ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم ﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ﴾ وقال الله عز وجل : ﴿ وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾ ... فكيف لهم باختيار الإمام ؟ ! ... - عيون أخبار الرضا ﴿ع﴾ - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 195 وما بعدها
وبعد هذا البيان من امامنا الرضا (ع) فهل يُعقل ان يعطى لقب الإمام أو حجة الله على خلقه لغير المعصوم مهما بلغ من العلم والمعرفة بين الناس ؟؟!!
بعد ما تقدم نحب أن نبين ان العلامة الحلي سار على ما سار عليه خاله المحقق فقال في الإجتهاد بنفس مقولة خاله وذهب إلى ما ذهب إليه المحقق من قبل فقال في تصويب المجتهد ما هذا نصه : ﴿ أن المصيب واحد ، وأن لله تعالى في كل واقعة حكماً معيناً ، وأن عليه دليلا ظاهرا لا قطعيا . والمخطئ بعد الإجتهاد غير مأثوم ، لأن كل واحد من المجتهدين ، إذا اعتقد رجحان أمارته ، كان أحد هذين الاعتقادين خطأ﴾﴿ مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 244 – 245
وقول العلامة هذا استنساخ لما ذهب إليه أبن قدامه كما تقدم﴿ - روضة الناظر – أبن قدامه – ج1 – ص383 ﴾ وهو قول الرازي سنة 575 هـ ﴿ - المحصول - الرازي - ج 6 - ص 35 – 36
- مبادئ الوصول - العلامة الحلي - ص 246﴾ كما ذهب الرازي إلى القول : ﴿أن أحد المجتهدين إذا اعتقد رجحان الأمارة الدالة على الثبوت والمجتهد الثاني اعتقد رجحان الأمارة الدالة على العدم فنقول أحد هذين الاعتقادين خطأ﴾﴿ ﴾.
ولا يخفى فإن أقوال الأصوليين من الإمامية ما هي إلا استنساخ لأقوال الأصوليين السُنة ويرد عليه بنفس ما يرد به على المحقق وقد ذكرنا الرد فيما سبق فراجع .
إن العلامة الحلي بين مسألة غاية في الخطورة وهي مسألة تغير إجتهاد المجتهد وكذلك فإنه قد بين مسألة أخرى وهي مسألة نسيان المجتهد لدليله الأول وقبل أن نناقش هذا الكلام لنقرأ ما ذكره العلامة في تفسير الإجتهاد حيث قال ما هذا نصه : ﴿المجتهد : إذا أداه إجتهاده إلى حكم ثم تغير إجتهاده وجب الرجوع إلى الإجتهاد الثاني ويجب على المستفتي العمل بما أداه إجتهاده ثانيا وإذا أفتى غيره عن إجتهاد ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة فله الفتوى بالأول إن كان ذاكرا للإجتهاد الأول وإن كان ناسيا لزم الإجتهاد ثانيا على إشكال منشأه غلبة الظن بأن الطريق الذي أفتى به صالح لذلك الحكم ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 37﴾.
وهذا القول أيضاً مشابه لما ذهب إليه الرازي في المحصول حيث قال : ﴿المجتهد إذا تغير إجتهاده ففيه بحثان الأول أن المجتهد كيف يعمل والثاني أن العامي الذي عمل بفتواه كيف يعمل ... إذا أفتى المجتهد بما أدى إليه إجتهاده ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة فإما أن يكون ذاكرا لطريق الإجتهاد الأول أو لا يكون فإن كان ذاكرا له فهو مجتهد وتجوز له الفتوى وإن نسيه لزمه أن يستأنف الإجتهاد فإن أداه إجتهاده إلى خلاف فتواه في الأول أفتى بما أداه إجتهاده إليه ثانيا ﴾﴿ - المحصول - الرازي - ج 6 - ص 64 - 69﴾.
إن هذه المسائل التي ذكرها العلامة مما لا دليل عليها فكيف جاز في شرع الله ان يتغير قول المفتي بين حين وآخر وحلال الله واحد إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فهل يقبل العقل والرب ان نتبع شخصا يتغير حكمة في مسألة واحدة عدة مرات !! وإذا كان كذلك فإن إتباعه يكون غير مبرئ للذمة بل ان الشخص قد يستفتي أحد الفقهاء بمسألة ثم يذهب ويعمل بفتيا الفقيه وهو لا يعلم ان الفقيه قد تغير حكمه في المسألة فهل يعقل ان تكون شريعة الله بيد عباده ويقولون هذا حلال وهذا حرام ثم تتغير المسألة بالكلية فينقلب الحرام حلالاً والحلال حراماً وقد تتغير في المستقبل بل قد يتغير الحكم عدة مرات وفي كل الأحوال لا يؤثم المجتهد كما يقول العلامة والمحقق من قبل !!
فهل هذا الأمر يعقل وهل يعقل ان يتعبد المرئ بهكذا طريقة وأهل البيت (ع) قد بينوا بأن من حكم في أمر فيه اختلاف وزعم بانه مصيب كان حكمه كحكم الطاغوت فقد روي عن أبي جعفر (ع) قال : ﴿ ... فمن حكم بما ليس فيه اختلاف ، فحكمه من حكم الله عز وجل ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 248 ﴾.
إن كلام أهل البيت (ع) نور من نور الله عز وجل وبه يستضاء طريق السالكين إلى رضوان الله تعالى وقد بينوا سلام الله عليهم في أخبار كثيرة بأن حكم الله واحد في كل واقعة تقع بنا فإذا علمنا بأن هذا حكم الله على القطع فبه والا فالتوقف واجب فيما ليس عندنا علمه مصداقا لقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...﴾﴿ ﴾.
اما القول الزائد والتكلف فيما لا علم لنا به فقد نتج عنه اختلاف كثير بين الفقهاء حتى أصبح لكل مسألة ثلاثين قولاً أو ازيد وهذا مما لا يرضاه الله لعباده وقد ذم القرآن الاختلاف في الدين في أكثر من آية شريفة كما انه تعالى أسمه قد حذر هؤلاء المختلفين وتوعدهم بعذاب عظيم في قوله تعالى : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
والآيات التي
يتبع
تعليق