إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف نشأت الحركة الاصولية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف نشأت الحركة الاصولية

    كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني

    المدرسة الأصولية :
    بدأت هذه المدرسة باعادة مجدها وبنيانها بعد ثورة الأخباريين والتي انتهت بتكفيرهم وقتلهم وتهجيرهم إذ لم تنتصر هذه المدرسة بالحجة والبرهان بل انتصرت بالقوة والدم وشهدت تلك الفترة صراعات دموية غوغائية وقد ذكرنا بعضها وما خفي كان أعظم .
    بدء تزعم هذه المدرسة على يد السيد محمد باقر البهبهاني ï´؟ 1117-1208ï´¾ الملقب ب‍ " الوحيد البهبهاني " الذي كان يُدرس في كربلاء والذي كان معاصراً للمحدث البحراني الأخباري وقد أفتى البهبهاني كما ذكرنا بكفر الأخباريين وسجل انتصاراً في الظاهر للمدرسة الأصولية وأعاد الإجتهاد والفقه الإجتهادي إلى مسيره السابق الذي استمر به تلامذته من بعده إلى يومنا هذا .
    وقد استمرت المدرسة الأصولية على هذا المنوال وألفت كتب في الأصول الفقهية على يد فقهاء هذه المدرسة أمثال الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1128هـ والسيد مهدي بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ والسيد علي الطباطبائي المتوفى سنة 1231هـ وولده السيد محمد بن علي الطباطبائي المتوفى سنة 1241هـ والشيخ أحمد بن محمد النراقي المتوفى سنة 1244هـ والشيخ محمد حسن النجفي المعروف ب‍ ï´؟صاحب الجواهرï´¾ المتوفى سنة 1266هـ والذي ألف أكبر كتاب فقهي وفقا لآراء المدرسة الأصولية حيث يبلغ ثلاثة وأربعين مجلدا .
    اما الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة 1281هـ فقد كان له دور كبير في إكمال ما قام به الوحيد البهبهاني من ترسيخ الفقه الإجتهادي الأصولي وتشييد أركان أصول الفقه حيث يعتبر استاذا ومرجعا في الأصول الفقهية لهذه المدرسة.
    ان التأريخ يشير إلى ان الأنصاري أول من أحدث أبوابا للإجتهاد والتقليد في الكتب الفقهية فقد كانت تدرس قبل مجيئه في الكتب الأصولية حصراً ولم يعقد فقيها قبله بابا للإجتهاد والتقليد في مباحث الفقه وهذه نتيجة طبيعية للتطور المشهور في تلك الازمان فبعد أن كان باب التقليد والإجتهاد يعقد لذمهما والبرائة منهما كما في الكافي والوسائل وغيرها من كتب الحديث أصبح وبمرور الزمن أمراً معكوساً انعكاساً كلياً حيث وكما ذكرنا قد عقد لهما أبوباً لبيان حجيتهما في الشريعة !!
    إن هذا التحول في الفقه يعزى انكسار الحركة الأخبارية وتقوقعها في بلدان نائية فلم يكن لهم صوتا ولا مدارس معروفة بسبب مبالغة الأصوليين بعداوتهم وتشريدهم واصدار الفتاوى ضدهم وكما مر ذكره مما جعلهم لا حول لهم ولا قوة وبمرور الزمن أصبح هذا الانعزال سمة من سمات الأخباريين فنراهم قد انعزلوا انعزالاً كلياً بعد سنين حتى انك في أيامنا هذه لو تكلمت بين أغلب الإمامية بل وحتى أغلب المثقفين منهم عن الأخبارية تراهم يستهجنون كلامك وموضوعك لجهلهم بهذه الحركة فضلاً عن عدم سماعهم بها أو قرائتهم عنها.
    لقد ذكرنا فيما سبق الفروق بين المدرستين الأخبارية والأصولية وبينا فيما تقدم أصل الإجتهاد وتأريخه والأقوال التي صدرت من فقهاء الإمامية فيه وقد اثبتنا انها مأخوذة من كتب المخالفين وأصولهم، وبقى علينا أن نبين وفق أقوال الفقهاء بأن علم الأصول وطرقه العقلية المعمول بها مأخوذ عن المخالفين لال محمد (ع) وهذه من أعظم الطعون على شرعية هذه الأصول حيث يشير التأريخ إلى أن علم الأصول لم يتميز عن غيره إلا في القرن الثاني الهجري وكان للشافعي الدور الأساسي في جمع مباحث الأصول في كتابه ï´؟الرسالةï´¾ إضافة إلى تجديد وإضافة القواعد الأساسية في علم الأصول حتى تم تعديله وشرحه وإضافة القواعد الأخرى على يد فقهاء المخالفين حتى أنتقل هذا التصنيف إلى مختلف مذاهب العامة، ولم تحضى تلك الأصول بتأييد من الأئمة (ع) إذ لم يشهد التاريخ الإمامي ظهور تصنيف لهذا العلم قبل وقوع الغيبة الكبرى.
    وما ان اغمضت الغيبة عيناها حتى بدء الفقهاء من المدارس الإمامية بالتصنيف والكتابة حول هذا الموضوع.
    لقد احتج بعض الفقهاء بأن الأصل في علم الأصول قد صدر من أئمة أهل البيت (ع) وانه ينتمى إلى هذه المدرسة واستندوا في كلامهم إلى عدة أدلة منها إن هناك شواهد في التاريخ تثبت لنا إن هشام أبن الحكم وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع) روي انه ألف رسالة في مباحث الألفاظ وينقل عن غيره من أصحاب الإمام أنه ألف رسالة في التعادل والتراجيح وغيره ذكر كتاب خبر الواحد وحجيته وهكذا .... لكن المتتبع والمتفكر في مثل هذه الأمور التي ذكرت يدرك بانها لا تثبت لنا بان علم الأصول أصله شيعي وصادر عن الأئمة (ع)، وذلك لأن الرسالة التي ألفها هشام بن الحكم هي في مباحث الألفاظ ومن المعلوم أن مباحث الألفاظ من مباحث علم اللغة سواءً كان بالبلاغة أم الصرف ودخولها على علم الأصول من باب اعتبارها مقدمة له فلا يثبت لنا ان رسالة الألفاظ هي رسالة أصولية .
    وأما مباحث التعادل والتراجيح فهي أيضاً من المباحث العامة التي يستعملها الأخباري والأصولي على حدٍ سواء في مرحلة التعارض بين الخبرين وترجيح إحدهما على الآخر أو خدش بعض الرواة أو توثيق غيرهم فهي ليست مختصة بالأصولي فقط وكذلك خبر الواحد ومدى صحته وعدمه فإنها أيضاً مشتركة بين الأخباري والأصولي .
    إن الذي يثبت المقام ويدل على أصل العلم هي المباحث العقلية والتي هي زبدة المخاض ونقطة الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين. ونحن نتحدى أي شخص أن يجد في بطون الكتب رسالة أو خبر ينسب إلى أهل البيت (ع) يدل على صحة الاستنباط بالأدلة العقلية ومباحث الدليل العقلي، وإلا لو كانت موجودة في ذلك الزمن فلماذا لم تُنقل لنا كما نقلت رسالات أخرى حيث وصلت لنا في مباحث الألفاظ والتعادل والتراجيح وغيرها من المباحث والرسالات، فلم ينقل أياً من المباحث العقلية وهذه حجة على الأصوليين بأن علم الأصول أصله ومنابعه من المخالفين وليس من الأئمة ï´؟عليهم السلامï´¾.
    علاوة على ما تقدم فقد اقر فقهاء المدرسة الإمامية الاثنا عشرية ومن كلتا المدرستين الأصولية والأخبارية بأن علم الأصول من اختراع المخالفين وقد دخل إلى مدارس الإمامية بعد وقوع الغيبة وقد ذكر المحقق الشيخ يوسف البحراني - وهو من الأخباريين كما تقدم - ما هذا نصة : ï´؟لا ريب ان هذا العلم واختراع التصنيف فيه والتدوين لأصوله وقواعده ، إنما وقع اولا من العامة ، فإن من جملة من صنف فيه الشافعي ، وهو في عصر الأئمة - عليهم السلام - مع انه لم يرد عنهم - عليهم السلام - ما يشير إليه ، فضلاً عن ان يدل عليه ، ولو كان حقاً كما يدعونه ، بل هو الأصل في الأحكام الشرعية كما يزعمونه ، لما غفل عنه الأئمة عليهم السلام ، مع حرصهم على هداية شيعتهم ، إلى كل نقير وقطمير ، كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم ، إذ ما من حالة من حالات الإنسان ، في مأكله ومشربه وملبسه ونومه ويقظته ونكاحه ونحو ذلك من أحواله ، الا وقد خرجت فيه السُنن عنهم عليهم السلام حتى الخلاء ، ولو أراد إنسان ان يجمع ما ورد في باب الخلاء لكان كتابا على حدة ، فيكف يغفلون عن هذا العلم الذى هو بزعمهم مشتمل على القواعد الكلية والأصول الجلية ، والأحكام الشرعية ، وكذلك أصحابهم في زمانهم عليهم السلام ، مع رؤيتهم العامة عاكفين على تلك القواعد والأصولï´¾ï´؟ الحدائق الناضرة – البحراني - ج 18 - ص140

    إن قول المحقق البحراني هذا غني عن التعليق والبيان كما انه عين الحقيقة والبرهان فإذا كان هذا العلم هو أساس الشريعة كان لزاماً على الأئمة (ع) بيانه لشيعتهم وطلابهم على وجه الخصوص وهذا مما لا آثر له كما ان الاثر الواضح للعيان ان هذا العلم قد دخل للتشيع بعد الغيبة بسنين كما يذكر ذلك السيد محمد باقر الصدر – وهو من اعلام الأصوليين – في قوله : ï´؟فإن التأريخ يشير إلى أن علم الأصول ترعرع وازدهر نسبيا في نطاق الفقه السني قبل ترعرعه وازدهاره في نطاقنا الفقهي الإمامي ، حتى إنه يقال : إن علم الأصول على الصعيد السني دخل في دور التصنيف في أواخر القرن الثاني ، إذ ألف في الأصول كل من الشافعي المتوفى سنة ï´؟182ï´¾ ه‍ ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة ï´؟189ï´¾ ه‍ بينما قد لا نجد التصنيف الواسع في علم الأصول على الصعيد الشيعي إلا في أعقاب الغيبة الصغرى أي في مطلع القرن الرابعï´¾ï´؟ - المعالم الجديدة للأصول - السيد محمد باقر الصدر - ص54

    كما ذكر أبن تيمية مؤسس علم الأصول بقوله : ï´؟فمن المعلوم أن أول من عرف أنه جرد الكلام في أصول الفقه هو الشافعي ... - الفتاوى - 20/402
    بما تقدم من كلام السيد الصدر وكذلك المحقق البحراني من قبل وكذلك ما جاء في قول أبن تيمية يثبت بأن هذا العلم هو من علوم المخالفين واختراعهم ولم يكن له أصل عند الإمامية قبل وقوع الغيبة .
    إننا حين نطالع هذه الكلمات يتوجب علينا بيان استفسار حول هذا الحدث التأريخي وهو اننا بحكم موالاتنا وتشيعنا لآل بيت النبوة الاطهار (ع) يتوجب علينا اخذ كلامهم -والذي هو في الواقع أوامر- على جانب كبير من الأهمية ومن هذه الأقوال التي جاءت عن لسان الأئمة (ع) هو التمسك بأقوالهم وعدم الأخذ بأقوال المخالفين وقد عد الأئمة (ع) كما تقدم في بداية كلامنا بأن الخبائث هي قول من خالف والواجب على المؤمنين اجتنابها كما انه قد جاء عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع)انه قال : ï´؟لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم... - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 82. .
    وقد مر بيان أقوال الأئمة (ع) في مخالفة العامة وهي كثيرة قد ذكرنا بعضها وبهذا يكون الأخذ بأقوال المخالفين وأصولهم عصيانا للأئمة (ع) وتمرد على أولي الأمر الواجبي الطاعة .
    بعد ما تقدم نحب أن نبين بأن الحوادث التأريخية التي مر بها المخالفون وقعت بعينها عند الإمامية ألا وهي الحاجة إلى التشريع في المسائل التي يجهلونها وقد مر بيان ذلك ، وحاصلة ان المخالفين وقعوا في تيه بعد رحيل النبي الخاتم (ص) نتيجه لعدم رجوعهم إلى الإمام المعصوم المفترض الطاعة فأدعوا بانهم اثبتوا جميع ما يحتاجونه في الفقه ولم يكن لديهم علم رسول الله (ص) ولم يكن لهم علم كافي بكتاب الله لا من حيث التفسير ولا من حيث التأويل فكانوا يُسألون فيستحون ان ينسبهم الناس بالجهل فقالوا برايهم وقياسهم ووضعوا القواعد والأصول شيئاً فشيئاً حتى جاء الشافعي كما ذكرنا وصنف علم الأصول وجعله علم مستقل بذاته .
    إن هذه التجربة قد استفاد منها بعض فقهاء المدرسة الإمامية بعد أن انقطع عنهم الحجة ووقعت الغيبة فبدأوا يُسألون فيستحون ان ينسبهم الناس بالجهل فقالوا بأصول المخالفين وعملوا بالإجتهاد العقلي واستعملوا الظن وأتبعوا سبيل المخالفين وغيرها من الامور التي تقدم ذكرها، وعن هذه الامور يتحدث السيد نعمة الله الجزائري قائلاً : ï´؟ إن أكثر الأصحاب قد تبعوا جماعة من مخالفينا من أهل الرأي والقياس ومن أهل علم الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها وطرحوا ما جاءت به الأنبياء (ع) حيث لم يأت على وفق عقولهم ... والحاصل انهم ما اعتمدوا في شيء من أمورهم الا على العقل فتابعهم بعض أصحابنا وإن لم يعترفوا بالمتابعة فقالوا انه إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي طرحنا النقلي أو تأولناه إلى ما يرجع إلى العقل ومن هنا تراهم في مسائل الأصول يذهبون إلى أشياء كثيرة قد قامت الدلائل النقلية على خلافها لوجود ما تخيلوا انه دليل عقلي ... واما مسائل الفروع فمدارها على طرح الدلائل النقلية والقول بما أدت إليه الاستحسانات العقلية وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون اولا الدلائل العقلية ثم يجعلون دليل النقل مؤيداً لها وعاضداً اياها فيكون المدار والأصل إنما هو العقل ï´¾ï´؟ - الانوار النعمانية – السيد نعمة الله الجزائري – ج3 ص 129 ï´¾.
    إن هذه السبل لم يسلكها فقهاء الإمامية من باب الترف الفكري وإنما قد وقع فيهم ما وقع للمخالفين خصوصاً بعد غيبة الإمام العالم بحلال الله وحرامه وفقدانهم لمن يخبرهم بامور دينهم كما هو حال المخالفين بعد رحيل النبي (ص) .
    لم تكن غيبة المعصوم عنا خيراً أبداً وإنما هي العقاب لمن غضب الله عليهم وكلما زاد زمان الغيبة علمنا ان الغضب لازال موجودا.
    إننا حين نتكلم عن علم الأصول الذي دخل إلى ساحة الفقهاء بعد وقوع الغيبة واعتقد البعض بانه كافل بمعرفة الأحكام لا بد من القول بأن هذا العلم ليس له قواعد ثابتة فكل مجتهد يأتي إلى ساحة الإجتهاد ويجلب معه قواعد جديدة وأصول حديثة تستجد معها أحكاما جديدة .
    وقبل أن نناقش هذا الاختلاف ونطرق الأقوال فيه نحب أن نبين نبذة مختصرة عن علم الأصول .
    إن علم الأصول هو ذلك العلم الذي يستعمله المجتهد في عملية استنباط الأحكام الشرعية حيث يعتمد الفقهاء الأصوليين اعتمادا كبيرا عليه في ممارستهم لعملية الاستنباط وقد بينا فيما تقدم ان عملية الاستنباط لا تتم في الشرع الا من خلال الأئمة (ع) فقد جاء في كلام الإمام أبي جعفر الباقر (ع) قال : ï´؟ ... ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ..وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 35 – 36
    -
    وقال المحقق البحراني في الحدائق : ï´؟ قوله : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . " يدل على كون المستنبطين هم الأئمة (ع) وبذلك توافرت الأخبار عنهم (ع)، ففي الجوامع عن الباقر (ع): " هم الأئمة المعصومون " والعياشي عن الرضا (ع): " يعني آل محمد وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام "الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 31 - 34
    . .
    وفي مقابل هذا النصوص قال السيد محمد باقر الصدر ما هذا نصه : ï´؟حين نتسائل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط ؟ يجيء الجواب على البداهة بالايجاب ï´¾ï´؟ - المعالم الجديدة للاصول – السيد محمد باقر الصدر – ص37
    ï´¾.
    لقد أصبحت عملية الاستنباط عند المجتهدين من البديهيات ولم يكن السيد الصدر متفرداً بهذا القول بل كل الفقهاء الأصوليين يجمعون عليه حتى أصبح من المسلمات كحال الكثير من القضايا التي أصبحت وبمرور الزمن أمراً طبيعياً بعد أن كانت على العكس في أول الزمان وقد يتسائل البعض إذا منع الفقيه من ممارسة الاستنباط ادى ذلك إلى فقدان عنوانه كفقيه ؟
    نقول : إن عنوان الفقيه عند أهل البيت (ع) هو العالم بأحاديثهم ورواياتهم الشريفة وليس هو الممارس لعملية الاستنباط فقد ذكر الإمام الصادق (ع) ذلك في قوله : ï´؟اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا ...وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 149.
    إذن فالمحدث أي العالم بأحاديثهم (ع) هو الفقيه وليس المستنبط فقد حصر الاستنباط بالأئمة (ع) وقد ورد عن الرضا (ع) انه قال : ï´؟ ... " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " يعني آل محمد عليهم السلام ، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام ، وهم الحجة لله على خلقهï´¾ï´؟ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 23 - ص 295 - 296ï´¾.
    إن علم الأصول الذي يستخدمه الفقهاء في معرفة الأحكام يعتمد وبشكل كبير على الأدلة العقلية المنطقية والفلسفية والمباحث اللفظية ومباحث الحجة والظهور وغيرها، اما اعتماده على الأخبار فهو قليل جداً حين مقارنته بالمباحث العقلية .
    لقد تأثر هذا العلم الموضوع تأثراً كبيرا بالمنطق اليوناني والفلسفة المعقدة حتى أصبح في كثير من مواضعه بعيداً عن الشريعة الإسلامية وكان الغزالي أول من استخدم المنطق في علم أصول الفقه وقد قابله في ذلك عدد من مشايخ المخالفين منهم أبن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد الرافضين لكل عمل فلسفي ، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية ï´؟عكس ما أراد الغزالي توضيحهï´¾ وذلك في كتابه ï´؟الرد على المنطقيينï´¾ واعُتبر من قبل بعض الباحثين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها ، فنقده مبني على دراسة عميقة لأساليب المنطق والفلسفة.
    إذن فالتأريخ يشير إلى أن المخالفين والنواصب هم أساس هذا العلم بل هم من وضع المنطق اليوناني والفلسفة المعقدة كأدوات لهذا العلم بل ان بعضهم رفض هذا الشيء الدخيل على أدوات الشريعة، وفقهاء المدرسة الإمامية الأصولية اخذوا هذه الأصول بفلسفتها ومنطقها من المخالفين حتى ضج جملة من الفقهاء بتدخل الفلسفة بهذا العلم والذي أصبح بمرور الزمن علما له علاقة بالفلسفة أكثر بكثير من علاقته بالشريعة الإسلامية، حتى خرج في كثير من مواضعه عن مجاله الحقيقي.
    وقد ذكر العلامة محمد مهدي شمس الدين علم الأصول وتطوره في قوله : ï´؟طوره الأصوليون الشيعة الإمامية في القرنين الاخيرين تطوراً مهما في اتجاه العمق خرج به في كثير من الابحاث عن مجاله الأصلي وهو الشريعة ليجعل منه بحثاً فلسفياً – كلامياً تجريدياً لا علاقة له بقضية الاستنباط من الكتاب والسُنة من دون ان يساهم هذا على الإطلاق في توسيع مجال الاستنباط الفقهي .. إلى ان يقول .. صيغت المناهج الأصولية والقواعد متأثرة بالمنطق الارسطي وبعض الآراء الفلسفية ï´¾ï´؟الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص13


    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة ناطق سعيد; الساعة 19-05-13, 11:45 AM.
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    إننا حين نطالع روايات الأئمة (ع) وأحاديثهم نجدهم يتكلمون بابسط الكلام لكي يفهمه المتلقي فهماً صحيحاً حيث ان كلامهم يخلو من استخدام الألفاظ الفلسفية المعقدة أو مفردات المنطق التي يستخدمها أغلب الأصوليين في كتبهم الفقهية مما جعل رواياتهم أكثر فهماً وتوضيحاً من الكتب الفقهية لمشايخ الأصوليين المتداولة اليوم .
    إن الصعوبة التي تجدها في الكتب الفقهية عند الأصوليين نابعة من تمسكهم بمفردات الفلسفة والمنطق التي تعلموها في مباحث الأصول على وجه الخصوص وهذه المفردات هي من الأسباب التي دعت الناس إلى النفور من هذه الكتب وعدم قرائتها وأكتفوا بالسؤال المباشر دون معرفة الأدلة التفصيلية التي ابتنى عليها جواب الفقيه، والسبب الأول والاخير هو الصعوبة الموجودة في تلك المؤلفات التي تنحاز إلى جانب الفلسفة والمنطق أكثر من انحيازها إلى الفقه ومسائله، علما بأن هذا الانحياز جعلها تبتعد ابتعاداً كلياً عن طبيعة الكتاب والسُنة وأسلوبهما وقد شكى عدد من الفقهاء هذه النتائج ومنهم العلامة محمد مهدي شمس الدين حين تحدث عن الخلل في علم الأصول وابتعاد منهجه عن طبيعة ومنهج الكتاب والسُنة وذلك في قوله : ﴿ فالخلل جاء من اننا نتعامل مع نص تشريعي في الكتاب والسُنة فيما نحسب وفقاً لمنهج لا يتناسب مع الغاية مع ذي المنهج وفي كثير من الحالات نتعامل مع نص الكتاب والسُنة بمنهج مختلف في طبيعته عن الكتاب والسُنة وضيق عن استيعاب الابعاد التشريعية للكتاب والسُنة ﴾﴿ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص16 ﴾.
    إننا حين نطالع الأصول الفقهية لفقهاء الإمامية نجدهم يذكرون مصطلحات غريبة وعجيبة لم تأتي باي خبر ولا حديث وقد ضج جملة من الفقهاء على هذا الواقع المرير منهم السيد نعمة الله الجزائري في قوله : ﴿وما سمعنا أيضاً الهيولى والصورة ولا الجزء الذي لا يتجزء في شيء من الأخبار﴾﴿ - الانوار النعمانية - السيد نعمة الله الجزائري - ج1 ص 149﴾.
    لم تكن هذه المصطلحات من وضع الإمامية أبداً إلا أن الإمامية قاموا باستنساخ أقوال فقهاء العامة الأصولية بمصطلحاتهم التي اخذوها من فلاسفة اليونان يقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تقديمه لكتاب ﴿الإحكام في أصول الأحكام﴾ للآمدي : ﴿إنَّ الآمدي درس الفلسفة بأقسامها المختلفة وتوغَّل فيها وتشبَّعت بها روحه حتَّى ظهر أثر ذلك في تأليفه. ومن قرأ كتبَه وخاصَّةً ما ألَّفه في علم الكلام وأصول الفقه يتبيَّن له ما ذكرتُ، كما يتبيَّن له منها أنه كان قوي العارضة كثير الجدل واسع الخيال كثير التشقيقات في تفصيل المسائل والترديد والسير والتقسيم في الأدلة إلى درجة قد تنتهي بالقارئ أحياناً إلى الحيرة﴾
    أما الرازي فهو أيضاً سلك هذا المسلك حيث قضى عمره في دراسة العلوم الفلسفية والكلامية فلم تنفعه شيئاً، وكما اعترف هو في وصيته حين قال ما هذا نصه :
    وأرواحنا في وحشةٍ من جسومِنا * وحاصلُ دُنيانــا أذىً وَوَبـــــــــــالُ
    ولم نستفِدْ من بحثِنا طولَ عمــرنا * ســـوى أن جَمَعنا فيه قيلَ وقالوا
    ثم قال : ﴿ ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتُها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية إلى الله تعالى، ويمنع عن التعمّق في إيراد المعارضات والمتناقضات، وما ذلك إلاَّ العلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفيّة ﴾﴿ تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 43 - ص 221﴾.
    إننا نجد أن المخالفين بعد تأسيسهم لعلم الأصول وادخال الفلسفة والمنطق في مضانه اعترفوا بأن ما ادخلوه ابعدهم عن روح الشريعة الإسلامية وقربهم إلى الجدل والقيل والقال إلا إننا نجد فقهاء الإمامية لم يستفيدوا من هذه التجارب الا بعد قرون عدة فبدأ كما قرأنا يشكون من تدخل الفلسفة والمنطق في أصول الفقه كما شكى المخالفين قبلهم بازمان بعيدة وقد ذكر العلامة محمد مهدي شمس الدين وهو يتحدث عن تأثر علم الأصول في الفلسفة وما أنتجه من ابتعاد عن الكتاب والسُنة : ﴿في علم الأصول حدث خلل برأيي وهو ان علم الأصول تأثر في وقت مبكر جداً بعلم الكلام والفلسفة فأصبح شيئاً فشيئاً مقصدا بذاته ... منهج البحث الفلسفي يختلف اختلافا موضوعيا وجذريا وطبيعيا عن منهج البحث في الكتاب والسُنة فنحن أصبحنا في علم الأصول في كثير من الحالات نذهب بوسيلة إلى غاية أخرى وتحول علم الأصول في كثير من الموارد إلى غاية بحد ذاته وهذه ناحية شديدة الخطورة واعتقد انها شلت الفقه الإسلامي في جوانب كثيرة وانعكست على وضع الأمة وعلى عقل المسلم ذلك اننا استخدمنا منهجاً سميناه ﴿﴿أصول الفقه﴾﴾ ذا علاقة ينبغي ان تكون عضوية تفاعلية مع نصي الكتاب والسُنة استخدمنا فيه منهجا فلسفيا لا علاقة له بكتاب ولا سُنة حدث خلل في علم الأصول ووصل حتى إلى مباحث الألفاظ الآن التأثير الفلسفي نجده حتى في مبحث الدلالة ﴾﴿ - الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص16﴾.
    إن هذه الصعوبات والثغرات الموجودة في هذا العلم تؤكد لنا بأن واضعيه أناس فاقدي العصمة والا لو خرج هذا العلم من المعصومين (ع) لما وجدت به هذه الاخطاء وهذه الثغرات التي وصلت إلى حدٍ تبعدنا عن الشريعة فيما نحسب اننا وباستعمالنا لهذا العلم سوف نتقرب إلى معرفة الأحكام .
    إن هذه المسائل تدل وبشكل كبير إلى ان هذا العلم لم يخرج من أئمة الهدى (ع) ومما يدل أيضاً على إن علم الأصول ليس من علوم أهل البيت (ع) هو وجود الاختلافات الكثيرة في حجية قواعده وقوانينه بين الفقهاء الأصوليين حيث بُدل الكثير منها واستحدث الكثير أيضاً وعن هذه الحالة يقول محمد جواد مغنية : ﴿ أحدث المتأخرون قواعد فقهية جديدة ، وعدلوا كثيراً من القواعد القديمة فنفوا أحكاماً أثبتها المتقدمون ، وأثبتوا أحكاماً لم يعرفها أحد مما سبقهم ﴾﴿ مع الشيعة الإمامية – محمد جواد مغنية - ص90

    وفي هذا السياق يقول مرتضى المطهري ما هذا نصه : ﴿نلاحظ أنه في كل بضعة قرون يظهر شخص يغير الأصول ويأتي بأصول جديدة مكانها ثم يتابعه جميع المجتهدين أرقى من العوام قليلاً﴾﴿ - التربية والتعليم – مرتضى مطهري – ص14

    لقد اثر هذا التغيير في القواعد الأصولية والفقهية بشكل كبير على فتاوى الفقهاء في الأحكام حيث تغير العديد منها عند مقارنتها بفتاوى القدماء يقول العلامة الشيخ محمد مهدي الاصفي : ﴿فإن الخلاف في الفروع الفقهية نتيجة طبيعية في أصول الاستدلال والاحتجاج ﴾﴿ - الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص112
    - نفس المصدر السابق
    ﴾. ﴾. ﴾.
    وقد شكى الشيخ الاصفي هذا الخلاف ودعى إلى توحد مصادر الإجتهاد في قوله : ﴿وأفضل السبل لملئ فجوات الخلاف في الفروع والوصول إلى فهم مشترك في أصول الاستدلال أي ﴿توحيد مصادر الإجتهاد وادلته﴾﴾
    إن مسألة الاختلاف نتيجة طبيعية جداً لاي علم يخترع من قبل الإنسان ونحن نعلم إن علوم أهل البيت (ع) من الله جل جلاله لا اختلاف فيها مصداقاً لقوله تعالى : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾.
    وبما أن علم الأصول من العلوم الحاضنة للخلاف والاختلاف فهو يؤكد بذلك بانه علم ليس من عند الله وهذا شاهد كتبهم حيث نجدهم في مسألة واحدة يقولون عدة أقوال كما سياتينا .
    إن الأصوليين لم يكتفوا بمخالفة بعضهم البعض في حجية قواعد الأصول بل انهم خالفوا أنفسهم أو قل انهم جهلوا حتى تطبيق هذه القواعد على فروع الأحكام حيث ينقل الشيخ محمد جواد مغنية قول العلامة المجلسي ﴿ان الفقهاء لما رجعوا إلى الفروع كانهم نسوا ما اسسوه في الأصول ﴾ ثم علق قائلا : ﴿وإذا تتبعت الكثير من كتب الفقه تجد هذه الظاهرة بارزة في ثنايا السطور من ذلك –على سبيل المثال- ان منهم من قال في مباحث الأصول بأن الوصف لا مفهوم له وأن الشهرة في الفتوى ليست بحجة وأن الإجماع إذا عرف سببه لا يعتمد عليه وأن الأصل محكوم بالدليل وأن الاستعبادات والاستحسانات لا تصلح دليلاً للأحكام الشرعية وأسسوا – أي البعض – هذا في الأصول ولما وصلوا إلى الفقه استبعدوا واستحسنوا وقالوا بمفهوم الوصف أو توقفوا واعتبروا الشهرة في الفتوى والإجماع مع العلم بالسبب أو أحتاطوا وعارضوا الدليل بالأصل ... - مع علماء النجف الاشرف – محمد جواد مغنية – ص128.
    إن هذا التخبط الذي وقعوا فيه يكشف وبشكل ملحوظ عدم معصومية هذا العلم الموضوع وكيف يبلغ العصمة وهو من اختراع المخالفين لأهل بيت العصمة (ع) وقد ذكرنا شواهد عديدة تدل على عدم خروجه من هذا البيت الطاهر ومما يؤكد ان علم الأصول ليس من علوم أهل البيت (ع) هو إن هذا العلم علم إضطراري ووجوده نتيجة عدم وجود نص معصومي وخصوصاً مباحث العقل والأصول العملية وذلك لأنها تأتي في مرحلة متأخرة أي بعد فقدان النص ولذلك هو قائم حتى قيام الإمام المهدي (ع) فكيف يأتي علم بعد مرحلة متأخرة عن المعصوم أو بعد مرحلة النص يكون صادرا من النص وهذا مما يثبت انه ليس منهم (ع) وإلا لماذا يلغى بوجود المعصوم.
    ومن نقاط الضعف فيه إن هذا العلم ظني قائم على أسس منطقية ومبادئ لغوية ومباني فلسفية كما ذكرنا وله نتائج ظنية وأحكام ظاهرية وكلنا يعرف إن علوم أهل البيت (ع) بعيدة عن هذه الأمور بل ورد النهي عن الخوض بمثل هذه الأمور والأكثر من ذلك إن الأصوليين يتفقون على إن نتائج علوم أهل البيت (ع) أحكام واقعية وليست ظاهرية مما يؤكد بأن علم الأصول ليس من علومهم.
    إن علوم الأئمة (ع) كلها لها أصل وتأريخ وشخصيات نقلت عنها مثل الفقه عن زرارة أبن أعين وعلم الكلام عن هشام أبن سالم وعلم الكيمياء والطب عن جابر أبن حيان الكوفي وعلم النحو عن أبي الأسود الدؤلي فيا ترى لمن ينسب هذا العلم ولماذا لا يُذكر له ولو شاهد واحد في روايات أهل البيت (ع) أو شاهدا من كلام بعض اصحابهم.
    إن علوم أهل البيت (ع) وأصولهم قائمة على أسس قرآنية كما بينا في بداية الفصل وان الأصول لا بد أن تلقى منهم (ع) وعلينا التفريع فقد جاء عن أبي عبد الله (ع)، قال: ﴿ إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرعوا﴾﴿ مستطرفات السرائر - أبن إدريس الحلي - ص 575

    وهذا الخبر وغيره كما ذكرنا يدل على بطلان جميع الأصول التي لم تخرج من أئمة أهل البيت (ع) فالأصول هي ما ألقاها الأئمة (ع) اما الأصول العقلية والقواعد الظنية التي وضعها الفقهاء النابعة من منابع المخالفين فهي باطلة جملة وتفصيلا ومصداق بطلانها هو ما جاء عن فضيل قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ﴿ كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 74 – 75
    -
    ﴾. ﴾. وعن أبي مريم قال : قال أبو جعفر (ع) لسلمه بن كهيل والحكم بن عتيبة : ﴿ شرقا وغربا ، فلا تجدان علما صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت﴾﴿ نفس المصدر السابق - ص 43
    وهذا ما يؤكد بأن العلم الصحيح هو ما خرج من الأئمة (ع) وما عداه فهو من الباطل ولهذا المعنى جاءت الأخبار والأحاديث، وقد بينا جزءاً يسيراً منها وعليه فقد أصبح من الواضح بأن أكثر هذه الأصول باطلة ولا نقول كلها فإن بعضها مأخوذ فعلا عن بعض الروايات إلا إنه قليل جداً بالمقارنة بالأصول الأخرى وهذه هي طبيعة لكل العلوم الباطلة فقد جاء عن أبي جعفر (ع) قال خطب علي أمير المؤمنين (ع)الناس فقال : ﴿... ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316﴾.
    ﴾.
    قد ذكرنا في سُنن الماضين ما فعله السامري حين اخذ شيئاً من اثر الرسول وخلطه مع زينة القوم وصنع العجل وقال لبني إسرائيل هذا الهكم واله موسى وقد نسيه هاهنا وذهب يطلبه فعبدوه بدلا من ان يكفروا به .
    وقد ذكرنا تفاصيل هذه السُنن فيما تقدم كما ذكرنا اوجه انطباقها خصوصاً بعد غيبة ولي الله وحجته .
    إننا حين تحدثنا عن علم الأصول المعمول به عند فقهاء المخالفين والإمامية أيضاً نحب أن نبين بأننا لا ننفي وجود أصول عند الأئمة (ع) ولكن هذه الاصول جاء بها المعصوم وهي تختلف عن تلك الاصول التي يعمل بها الفقهاء والتي اسسها المخالفون، فقد أكد لنا أهل البيت (ع) بانه مامن أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال وقد غصت كتب الحديث في بيان هذه المعاني فقد جاء عن أبي عبد الله الصادق (ع) انه قال: ﴿ ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال ﴾﴿ الكافي – المحدث الكليني - ج 1 - ص 60

    وقال المازندراني في شرح أصول الكافي في شرح هذه الرواية وفي بيان أصول كتاب الله ومدى اشتمالها قائلا : ﴿سواءً كان ذلك الأمر من أصول العقائد أو فروعها أو غير ذلك من الحالات الجزئية التي يحتاجون إليها في التمدن والتعيش والتكاسب والتعامل ﴾﴿ - شرح أصول الكافي - المازندراني - ج 2 - ص 286

    وجاء عن محمد بن شريح قال قال أبو عبد الله (ع): ﴿ ... انا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول الا ما قال ربنا أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ﴾﴿ - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 1 - ص 130﴾.
    ومما تقدم نفهم بأن أصول الأئمة (ع) كلها أصول قرآنية نابعة من الكتاب لا يعلمها الا اهلها كما انها لا تبلغها عقول الرجال وهذا ما يؤكد بأن الأصول لا يمكن ان تكون عقلية لعلّة بُعد العقل عن إدراك الأصول وبنص كلام المعصوم .
    كما أن هذه الأصول مخزونة عند الأئمة (ع) مثلما يخزن الناس الذهب والفضة وهذا العلم لو تعرض للكشف وعرفت طرقه للعدو والصديق فسيؤدي ذلك إلى خلق جهات مضلة بأسم الحق بمعنى ﴿مبطنة بالباطل﴾ .
    وبعدما تقدم نقول : كيف يمكن القول بأن هذه الأصول الموجودة اليوم في المدارس الأصولية والتي اختلف القائلون بها أيما اختلاف حتى بالغوا في مخالفة بعضهم البعض ليس في الفتوى فحسب بل في أصل القواعد الأصولية وحجيتها بانها أصول شرعية صادرة من الأئمة (ع).
    إن هذه الأصول هي من أدوات الإجتهاد التي يستعين بها المجتهد في إقامة الدليل على الفتوى وكما ذكرنا في بداية الموضوع وقد ذكر مرتضى المطهري الإجتهاد في قوله : ﴿ان الإجتهاد ابتكار وأن يُرجع الإنسان بنفسه الفرع إلى الأصل ولذا فالمجتهد الواقعي في كل علم هو كذلك ولكن هناك مجتهدون يُعدون من جملة المقلدين أجل أنهم مقلدون من طبقة عليا﴾﴿ - التربية والتعليم – مرتضى مطهري – ص14﴾.
    إن المجتهد عند الإمامية وغيرهم هو المبتكر للأحكام حسب تعبير المطهري كما انه يجب عليه في عقيدة الأصوليين عدم تقيده بفتاوى الآخرين وقد حرموا عليه التقليد . يقول السيد موسى الصدر: ﴿ والمجتهد أيضاً لا يتقيد بفتاوى الآخرين بل يحرم على المجتهد التقليد بحسب رأي الشيعة وما أكثر المجتهدين الذين خالفوا الماضين وأبدوا آراءً جديدة وفهماً جديداً للأدلة فقوبل عملهم هذا بالتكريم﴾﴿ - أبجدية الحوار – محاضرات وأبحاث السيد موسى الصدر ص23﴾.
    إن هذا التكريم سوف يعطيه القارئ الكريم حين يقرأ بعض الفتاوى التي صدرت من كبار مجتهدي الإمامية الأصوليين وكما ذكرنا فتاوى وآراء لفقهاء المدارس الأخرى في الفصل السابق نحب أن نبين الآن بعض هذه الفتاوى لفقهاء المدرسة الإمامية :
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق

    يعمل...
    X