منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
الاختلاف في مسألة الخمس :
ولعل من أبرز مواضع الاختلاف كان بشأن مصرف الخمس في زمن الغيبة فقد اختلف الفقهاء وتباينت الآراء في مصرف الخمس في غيبة المعصوم حتى لا يستطاع تحديد عدد الفتاوى في هذه المسألة تحديداً دقيقاً وسوف نستعرض بعضاً منها فيما يلي :
1-قال الشيخ المفيد : ﴿ ... فإن خشي إدراك المنية قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته ، ليسلمه إلى الإمام عليه السلام إن أدرك قيامه ، وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة : والديانة ، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام . وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق وجب لغائب ، لم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه ، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه ، أو التمكن من إيصاله إليه ، أو وجود من انتقل بالحق إليه﴾﴿المقنعة - الشيخ المفيد - ص 286 ﴾.
2-وذكر الشيخ المفيد أقوالا أخرى منها : ﴿وبعضهم يوجب كنزه ، وتناول ، خبراً ورد : أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم مهدي الأنام. وأنه عليه السلام إذا قام دله الله سبحانه ، وتعالى على الكنوز ، فيأخذها من كل مكان . وبعضهم يرى صلة الذرية ، وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ، ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب . - المقنعة - الشيخ المفيد - ص 285 – 286 .
3- قال الشيخ الطوسي : ﴿وقال قوم : يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام : فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته . والثلاثة أقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم .
وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه ... وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوما . فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول ، فهو ضد الاحتياط ، والأولى اجتنابه حسب ما قدمناه﴾﴿النهاية – الشيخ الطوسي – ص201
4-وذكر كلا من سلار بن مير العزيز والمولى محمد باقر الخراساني ومشهور الأخباريين بأن دفع الخمس ليس واجباً زمن الغيبة ﴿ - المراسم – المطبوع في الجوامع الفقهية - ص582 / الحدائق الناضرة – ج12 – ص439
5-وقالوا بأن نصف الخمس للهاشميين ونصفه الآخر هو سهم الإمام (ع) ويجب صرفه على فقراء الشيعة﴿ - الوسيلة – أبن حمزة – مطبوع في الجوامع الفقهية – ص718
6-ينقل المحقق البحراني قول المحدث الكاشاني بأن سهم الإمام (ع) لا يجب دفعه زمن الغيبة ويجب دفع سهم الهاشميين إليهم ﴿- الحدائق الناضرة -12-463
7-وذكر الحر العاملي بانه يجب دفع سهم الهاشميين إليهم ودفع سهم الإمام (ع) إلى الإمام فإن تعذر صُرف إلى الهاشميين فإن استغنوا أبيح للشيعة﴿- وسائل الشيعة – الحر العاملي – ج6 – ص378
8-وذكر المحقق الحلي بأن الخمس كله للسادة ﴿- شرائع الاسلام – المحقق الحلي – ج1 – ص184 ﴾
9-وقالوا يدفع سهم الهاشميين إليهم ويصرف سهم الإمام (ع) في الموارد التي يحرز بها رضا الإمام وقبوله ﴿ - كتاب الطهارة – الشيخ الانصاري – ص551 ﴾
10-تعددت الأقوال وتباينت الآراء حتى جاء السيد الخميني فافتى بفتوى لم يفتِ أحد بها من قبل حيث قال بوجوب دفع الخمس كحق واحد وضريبة حكومية إلى الولي الفقيه وحاكم المسلمين ليصرف برأيه وتحت إشرافه في مصالح الإسلام والمسلمين ويؤمن منه معاش فقراء الهاشميين ﴿ - كتاب البيع – السيد الخميني – ج2 - ص 495/ وكذلك في كتاب الخمس – الشيخ منتظري – ص261 ﴾.
نكتفي بما تقدم من الأقوال ونقول : كانت مسألة الخمس وكما تقدم محلا لتورع بعض الفقهاء عن اخذه او التصرف به، فكان فريق منهم قد ذهب إلى الدفن والكنز أو ان يوصى به ويؤتمن عليه عند الامين الثقة ليدفعه إلى مثله وصولا إلى زمن الظهور وفريقا آخر ذهب إلى تقسيم الخمس إلى اسهم وصرف بعضها وادخار بعضها إلى الإمام (ع) وفريق آخر لم يتورع كما تورع غيره فقال بصرف الخمس فيما يحرز به رضا المعصوم (ع) وهذا قول لا يمكن تحققه بشكل تام فإن احراز رضا المعصوم (ع) أمرا لا يمكن إدراكه بشكل تام وذلك لوجود تصرفات كثيرة خصوصاً من الفقهاء المعاصرين ومن تقدم عليهم ليس فيها رضا للمعصوم فضلاً عن رضا الله ورسوله والأئمة (ع) ومن هذه التصرفات هي التفاضل المشهود في الحوزات العلمية من حيث صرف الأموال لجهة دون أخرى وكذلك طبع الكتب الخاصة بالفقهاء وخصوصاً الرسائل العملية وباعداد هائلة ونشر صورهم بشكل ملفت للنظر وأعطاء نسبة لناقل الخمس، وهذه من اشد البدع وقوعا في عرف الفقهاء .
إن من المتعارف والمسلم اليوم ان لوكيل الفقيه حصة من الخمس تتراوح من النصف إلى الثلث وحسب قربه من الفقيه ودرجته العلمية عند استاذه ولا ندري في أي شريعة أو ناموس هذا الأمر قد كتب أو خُط فكيف يرضا الإمام (ع) بأن يكون لشخص واحد نصف الخمس أو ثلثه وباقي المسلمين بالنصف الآخر أو الثلثين كما انه من عجائبهم هو تسجيل ما يجمعونه من الخمس والأموال في البنوك بأسمائهم وعند وفاتهم يورثها ابنائهم ويذهبون ليتنعمون بأموال الإمام (ع) في دول اوربا والغرب فهل هذا يحرز رضا الإمام ؟
ومن العجائب أيضاً هو بناء قبور الفقهاء ومساجدهم الخاصة وترف العيش الرغيد من قبيل الدور الفاخرة واختيارهم للاحياء الراقية لغرض السكنى كما هو الحال في أغلب فقهاء النجف، فقد سكن الكثير منهم حي الحنانة وهو من اغلى احياء النجف وارقاها بل حتى الذين يسكنون قرب المرقد العلوي فإن منازلهم تعادل اثمانا باهضة جداً وكل هذا في مقابل جوع الكثيرين من الارامل والايتام والفقراء والمساكين من الإمامية بل من الهاشميين كما نشاهده اليوم في بلداننا وان ذهب إليهم ذاهب لغرض المساعدة في علاج أو حاجة اعطوه القليل القليل الذي لا يقابل ثمن المواصلات التي صرفها لغرض زيارتهم وهذا إن اعطوه شيء ، مع العلم بإنهم إذا مرضوا تسارعوا للسفر إلى أرقى مستشفيات لندن لغرض العلاج بل لغرض الفحوصات خوفاً من ان يصيبهم مرض محتمل وفي نهاية سفرهم هذا يخبرهم الطبيب بانهم باحسن حال فهل يرضى الإمام المظلوم (ع) بهذه التصرفات ؟!
لقد احتج الفقهاء في مسألة التقليد بالتوقيع الوارد عن إسحاق بن يعقوب والذي جاء فيه : ﴿ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم﴾ .
ونحن قد ناقشنا هذا التوقيع سنداً ومتناً في بحث التقليد عند الإمامية كما سيأتي في محله إلا أن الغريب عند الفقهاء أنهم قد أهملوا ذيل هذا التوقيع الحاوي على إباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة وكذلك بالوعيد على من استحل شيء من أموال الإمام (ع) وإليكم ما جاء في التوقيع : ﴿... وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث﴾﴿كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 483 – 485 ﴾ .
إن الملاحظ فيما تقدم بأن الإمام قد توعد الذين يستحلون شيئاً من أمواله ووصفهم بانهم يأكلون النيران وهذا بحد ذاته يعطي وبشكل جلي مفهوماً لحرمة الإقدام على التصرف بأموال الإمام حال غيبته وحتى في حظوره فالأمر سواء إلا من حصل له الأذن المباشر بالتصرف بأموال الإمام وهذا مما لا آثر له لأي فقيه من فقهاء الإمامية فلم يحصل أي واحدٍ منهم على رخصة بالتصرف بأموال الإمام في زمن الغيبة وهذه مسألة طبيعية جداً كما أنها ليست منحصرة بالمعصوم فقط فأي شخص يمتلك أموالاً لغائب لا يحق له أن يتصرف بها بأي شكل من الاشكال إلا إذا حصل له الأذن في التصرف وهذا الأذن لم يرد في أي خبر عن الامام المهدي (ع) أما من يحتج بروايات وردت عن الأئمة الاطهار (ع) جاء فيها وجوب دفع الخمس فالذي غفل عنه الفقهاء أو تغافلوا بمعنى أصح هو أن الأئمة (ع) لم يجوزوا لأحد التصرف بأموالهم فمن أجاز للفقهاء بأن يتصرفوا بها ؟ ومن أجاز لهم أن يستلموها فضلاً عن التصرف بها ؟
أن الفقهاء لم يعملوا بهذه الجزء من التوقيع إلا قليل منهم وأما الأعم الأغلب من فقهاء الإمامية فقد ذهبوا إلى تأويله بما يخدم مصالحهم فإن قالوا بإباحة الخمس للشيعة فهذا يعني توقف رواتبهم التي تؤخذ من أموال المعصوم وهذا مما لا يرضيهم !!
ومن العجيب أنهم لم يتوقفوا عن ابراز هذا التوقيع لأي سائل يسئل عن حجية التقليد فإن سألتهم اليوم عن حجية التقليد قالوا بالتوقيع والذي نصه ﴿ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا ...﴾ . إلا إنهم لا يكملون باقي فقرات التوقيع التي تتحدث عن الخمس وإباحته في زمن الغيبة وكاننا صرنا كمن يؤمن ببعض ويكفر ببعض وكما قال تعالى : ﴿ ... يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ ...﴾﴿ ﴾ . على أننا سنناقش هذا التوقيع سنداً ومتناً في مبحث التقليد الذي سيأتينا .
نكتفي بما تقدم من بيان الاختلاف الذي وقع فيه فقهاء الإمامية في مسألة الخمس ووجوه صرفه وهذه إحدى اختلافاتهم الكثيرة على أننا قد نقلنا بعض الأقوال لا كلها تحاشياً منا للاطالة ومن أراد المزيد فليراجع .
تعليق