أنواع الإجماع عند الإمامية :
من كتاب سقيفة الغيبة
ينقسم الإجماع في بادئ الأمر عند فقهاء الإمامية إلى نوعين وهما :
النوع الأول: الإجماع المحصل :
وهو الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه من خلال اطلاعه على أقوال جميع فقهاء الإمامية بحيث لم يجد مخالف منهم وقد ذكر هذا النوع من الإجماع الشيخ المظفر في قوله : ﴿" الإجماع المحصل " والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه بتتبع أقوال أهل الفتوى﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120﴾
إن مسألة تحصيل الإجماع من المسائل المستحيلة لوجهين :
الوجه الأول : إن مسألة تتبع أقوال الفقهاء في مسألة ما لهي من المسائل الغير ممكنه قطعاً لأن اعداد فقهاء الإمامية منذ الغيبة والى الآن لا تحصى ولا تُعد فضلاً على ان جميع أقوالهم وفي كل المسائل لم تصل إلينا حتى يتسنى لنا تتبع أقوالهم لتحصيل الإجماع على مسألة واحدة من مسائل الفقه .
الوجه الثاني : إننا قد علمنا ومنذ زمن بعيد والى اليوم بأن فقهاء الإمامية مختلفون غاية الاختلاف في جميع أبواب الفقه فلا تجد مسألة واحدة خالية من اختلافهم وتفاوت أقوالهم وقد ذكر الفقهاء هذه المسألة في أكثر من مقام منهم الشيخ الطوسي في قوله : ﴿ ويفتي أحدهم - أي فقهاء الإمامية - بما لا يفتي صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديات . من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك. مثل اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم . واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات ان يقع واحدة أو لا . ومثل اختلافهم في باب الطهارة في مقدار الماء الذي لا ينجسه شيء. ونحو اختلافهم في حد الكر . ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين. واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس . واختلافهم في عدد فصول الأذان والإقامة . وغير ذلك في سائر أبواب الفقه حتى أن باباً منه لا يسلم إلا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسائل متفاوتة الفتاوى﴾﴿ العدة في أصول الفقه – الطوسي- ج1 - ص137
وقال الفيض الكاشاني في كتابه الوافي: ﴿ تراهم يختلفون - أي فقهاء الإمامية - في المسألة الواحدة إلى عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد . بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها﴾﴿ - مقدمة الوافي - الفيض الكاشاني -ج1- ص9
ويتبين لنا في الوجهين استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية ولو على مسألة واحدة وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية استحالة هذا الأمر أيضاً في قوله : ﴿ومن أدعى أو يدعي أنه استقصى أقوال جميع فقهاء عصره أو عصر من تقدم عليه ، وأنه اطلع على أقوالهم واحدا فواحدا ، من أدعى ذلك فإنه لا يستند في دعواه إلا على الحدس والتخمين ، رأى قول بعض العلماء فظن أنه قول الجميع قياسا للغائب على الشاهد ، والمجهول على المعلوم ، ﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323
وقال أيضاً : ﴿أن الاطلاع على أقوال جميع علماء العصر متعذر﴾﴿ نفس المصدر السابق
وقال الشيخ المظفر بعد أن حقق الإجماع المحصل ما هذا نصه : ﴿والتحقيق : أنه يندر حصول القطع بقول المعصوم من الإجماع المحصل ندرة لا تبقى معها قيمة لأكثر الإجماعات التي نحصلها ، بل لجميعها بالنسبة إلى عصور الغيبة﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 116 ﴾﴾.
ومما تقدم يتبين لنا استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية على حكم مسألة واحدة فضلاً عن ادعاء الإجماع في كل صغيرة وكبيرة كما هو الحال في الكتب الفقهية عند الإمامية وعليه لا يعد لذكر هذا النوع من الإجماع قيمة علمية أبداً إذ انه قد تبين لنا عند التحقيق بانه غير ممكن الحصول أبداً ومع هذا تمسك الفقهاء به وأعطوه قيمة علمية خيالية لا واقع لها إطلاقاً .
النوع الثاني: الإجماع المنقول
وهو الإجماع الذي ينقله بعض الفقهاء الذين قاموا بتحصيله بانفسهم أو نقلوه عن غيرهم وقد ذكر المظفر هذا النوع قائلاً : ﴿" الإجماع المنقول " والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء ، سواءً كان النقل له بواسطة أم بوسائط . ﴾﴿ أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120
وهذا النوع قد اختلف فيه الفقهاء لكثرة من يدعي الإجماع من فقهاء الإمامية حتى في المتناقضات من المسائل إلا أن الفقهاء قد صبوا اهتمامهم في التحقيق بمسألة طريقة نقل الإجماع هل نقل على نحو التواتر ام على خبر الاحاد، أما الأول فقد حكم الفقهاء عليه بحكم الإجماع المحصل وأما الثاني فقد وقع الخلاف بينهم في حجيته غير الدخولي منه على أقوال :
1 - إنه حجة مطلقا .
2 - إنه ليس بحجة مطلقا .
3 - التفصيل بين نقل إجماع جميع الفقهاء في جميع العصور الذي يعلم فيه من طريق الحدس قول المعصوم فيكون حجة ، وبين غيره من الإجماعات المنقولة الذي يستكشف منها بقاعدة اللطف أو نحوها قول المعصوم فلا يكون حجة﴿ - المصدر السابق - ص 121﴾
إن ادعاء الإجماع ونقله في بطون الكتب جيلاً بعد جيل لا يعد دليلاً وحجة أبداً لعلمنا بأن الفقهاء مختلفين غاية الاختلاف في الفتوى وفي جميع أبواب الفقه، وهذا الاختلاف لا يتناسب مع الإجماع أبداً كما اننا قد بينا في مبحث الإجتهاد ظاهرة الاستنساخ في كتب الإمامية فإن أدعى أحدهم مسألة قلده الباقون في الفتوى وهذه من المسائل المعتادة عندهم كما لا يخفى على المنصف المطلع . وعليه فإن مسألة ادعاء الإجماع يمكن ان تنقل تقليداً ليس إلا دون تحقيق وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية بأن الإجماع المنقول ليس بحجة وان نقله لنا شيخ الأولين والآخرين وذلك في قوله : ﴿ أن الإجماع المنقول بلسان أحد العلماء لا يكون دليلاً لحكم شرعي ، وإن كان الناقل شيخ الأولين والآخرين ، لأن دين الله لا يصاب بحدس فقيه وبما يختلج في خياله﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323 ﴾.
إن حجية الإجماع عند الإمامية لا تتم إلا بدخول المعصوم في جملة المجمعين حيث لم يضع أغلب فقهاء الإمامية حجة للإجماع في ذاته أي بمعنى إذا أجمع فقهاء الإمامية في أي عصر من العصور على حكم مسألة ما فلا اعتبار للإجماع ما لم يكشف فيه عن قول المعصوم وهنا يتبادر إلى الاذهان سؤال مُلح وهو كيف تتم معرفة دخول قول المعصوم في الإجماع ؟
وقد زعم فقهاء الإمامية بأن هنالك طرق يتم من خلالها معرفة قول المعصوم في حال غيبته وقد أدعى الفقهاء بأن هذه الطرق توجب القطع بمعرفة قول المعصوم مع العلم بأن هذه الطرق يعرف القارئ من تسميتها وقبل أن يقرأ محتواها بانها تدل على الظن والتخمين ليس الا وقد ذكر الشيخ المظفر اربع طرق – وهي المشهورة عندهم - تؤدي الغرض لمعرفة قول المعصوم في المسألة المجمع عليها وهي :
1- طريقة الحس:
يلخص هذه الطريقة الشيخ المظفر في قوله : ﴿وهذه الطريقة إنما تتصور إذا استقصى الشخص المحصل للإجماع بنفسه وتتبع أقوال العلماء فعرف اتفاقهم ووجد من بينها أقوالا متميزة معلومة لأشخاص مجهولين حتى حصل له العلم بأن الإمام من جملة أولئك المتفقين . أو يتواتر لديه النقل عن أهل بلد أو عصر فعلم أن الإمام كان من جملتهم ولم يعلم قوله بعينه من بينهم ، فيكون من نوع الإجماع المنقول بالتواتر . ومن الواضح : أن هذه الطريقة لا تتحقق غالباً إلا لمن كان موجودا في عصر الإمام . أما بالنسبة إلى العصور المتأخرة فبعيدة التحقق ، لا سيما في الصورة الأولى وهي السماع من نفس الإمام . وقد ذكروا أنه لا يضر في حجية الإجماع - على هذه الطريقة - مخالفة معلوم النسب وإن كثروا ممن يعلم أنه غير الإمام . بخلاف مجهول النسب على وجه أنه الإمام ، فإنه في هذه الصورة لا يتحقق العلم بدخول الإمام في المجمعين﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 113 - 114﴾.
لقد بينا فيما تقدم بانه لا عبرة في الإجماع أساساً في زمن الأئمة (ع). إذ الحجة هي معرفة قول المعصوم ولا تتم هذه المعرفة بمعرفة إجماع الفقهاء . فقد يجمع الفقهاء على مسألة ما والإمام على خلافهم ولم يصلنا قوله أو قد أضمره البعض خوفاً من القدح بالإجماع المدعى أو قد يجمع الفقهاء والإمام يسكت تقية ولم تصلنا ظروف الإمام من ذلك الإجماع . فقد نتخيل بأن الإمام لم يكن في حالة تقية أو نتخيل العكس . وفي جميع الأحوال لا يعتد بإجماع الفقهاء أبداً . لأن الحجة إنما هي لقول المعصوم فقط.
أما في حال الغيبة فإن الفقهاء زعموا أن بإمكانهم الاحساس بقول الإمام المعصوم ! ويتم هذا الاحساس من خلال تتبع أقوال الفقهاء فإذا أحس الفقيه بأن أحد هذه الأقوال مميز عن غيره وان قائلها مجهول النسب فعند ذلك يوحي هذا الاحساس للفقيه بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !!
إن هذه الطريقة ظنية من أولها إلى أخرها ولم تقام الحجة الواضحة عليها أبداً وقد قال أبي عبد الله (ع): ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400﴾.
ولأهمية هذا الموضوع سوف نفصل النقاش فيه فيما يلي :
هل المجهول هو الإمام ؟
إن من عجائب ما فعله الفقهاء هو اهتمامهم بأقوال المجاهيل واعطائها القدر الأعظم من الأهمية . عسى ولعل ان يكون أحد هؤلاء المجاهيل هو الإمام المعصوم !!
إن الفقيه الذي يقوم بتحصيل الإجماع بتتبعه لأقوال فقهاء الإمامية وعرف انهم متفقون على قول واحد وجب في ذلك الحين ان يوافق الإمام على إجماع الفقهاء وان يدخل فيه شاء ام ابا . لأن الفقهاء قد أجمعوا !! وكأن الإمام تابع لهم ومقلد لإجماعهم فإذا حصل الإجماع وجب على الإمام أقراره لأن الحق معهم ولا حق لغيرهم !
إن هذه المسألة هراء من أولها إلى أخرها وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ﴾﴿ - الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119﴾ .
وبهذا يتبين بأن الحق لا يمكن أن يعرف بالكثرة أبداً ولا حتى بإجماع فرقة هم أساساً في غضب الله لما بينا في حينها بأن الغيبة هي غضب من الله على عباده .
أما الحالة الثانية في تحقق دخول المعصوم في جملة المجمعين هي عندما يتتبع الفقيه أقوال الفقهاء في مسألة ما فوجود من بين هذه الأقوال التي حصلها بنفسه ما هي متميزة عن غيرها بشرط ان يكون أصحابها مجهولين النسب علم ذلك الفقيه بطريق الاحساس بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !! أما إذا افترق الفقهاء إلى فرقتين أو أكثر في مسألة ما فإن الفقيه سوف يتتبع أقوال الفقهاء ليكتشف المجهول في أي الفرق هو ليتبع قوله . عسى ولعل ان يكون ذلك المجهول هو المعصوم !! وسوف نعرض فيما يلي بعض أقوال الفقهاء الذين ذكروا اهتمامهم بقول المجهول :
قال المحقق الحلي : ﴿ فإن علم أن لا مخالف ثبت الإجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين بأسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في الإجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك إجماعا ، لإمكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الإمام عليه السلام . ﴾ . وقال أيضاً في مسألة اختلاف الإمامية إلى قولين ايهما يعد إجماعاً ما هذا نصه : ﴿إذا اختلفت الإمامية على قولين : فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الإمام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فإن كان مع إحدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الإمام معها قطعا وان لم يكن مع إحداهما دليل قاطع: قال الشيخ ره : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلاً من غيرهما ، وضعف الشيخ ره هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الإمام ﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 132-133
وقال الشيخ الطوسي : ﴿المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة ، فلا بد من أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء ﴾ . إلى أن قال : ﴿فإذا اعتبرنا أقوال الأمة ، ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه ، فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه ، لم نعتد بقوله ، لعلمنا بأنه ليس بإمام ، وإن شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعا﴾﴿- الغيبة – الشيخ الطوسي - ص 18
وقال الشيخ سديد الدين محمود الحمصي : ﴿إن الحجة هو الإجماع المشتمل على قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلى العلم بتعيينه﴾ . إلى أن قال : ﴿الاستدلال بالإجماع لا يصح إلا إذا علم قطعا إجماع جميع علماء الإمامية على الحكم من غير إستثناء أحد منهم ، إلا من كان معلوم النسب وكان غير الإمام ، فلا يضر خروجه﴾﴿ - كشف القناع - ص 94 .
وقال الشيخ محمد أبن إدريس الحلي : ﴿وجه كون الإجماع حجة عندنا ، دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك ، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول ، أن المعصوم ليس هو في جملتهم ، لا نقطع على صحة قولهم إلا بدليل غير قولهم . وإذا تعين المخالف من أصحابنا بأسمه ونسبه ، لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ﴾. إلى أن قال: ﴿وبما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على المسألة بالإجماع ، وإن كان فيها خلاف بين من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب﴾﴿ - السرائر- أبن إدريس الحلي- ج2 - ص 529
وقال محمد بن جمال الدين العاملي الملقب بالشهيد الأول ما هذا نصه : ﴿الإجماع ، وهو : اتفاق علماء الطائفة على أمر في عصر ، وجدواه لا مع تعيين المعصوم فإنه يعلم به دخوله ، والطريق إلى معرفة دخوله أن يعلم إطباق الإمامية على مسألة معينة ، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه بخلاف قول من يعلم نسبه ﴾﴿ - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - الشهيد الأول - ج 1 - ص 49 - 50﴾.
إن مسألة إتباع قول المجهول على انه الإمام هي من المسائل التي يعجز الإنسان عن وصف ضعفها وبيان عدم حجيتها ليس لصعوبتها بل لتفاهتها. فكيف يمكن العلم بأن المجهول هو الإمام ؟ وهل ان كل مجهول هو المعصوم ؟ وقد علمنا من سير الأنبياء (ع) وقصص الماضين بأن الشيطان كان يأتي الناس بصيغة المجهول متمثلاً بصورة البشر ليلقي بينهم الفتنة فهل يعقل ان نحكم بأن كل مجهول هو الإمام المعصوم ؟ مع علمنا بأن الشيطان أيضاً يمكن ان يتمثل بصيغة المجهول !
ثم لو تحقق بأن المجهول ليس بشيطان بل هو إنسان فهل يعقل ان ننسب إلى كل مجهول الإمامة ثم من علم بأن هذا المجهول يقول حقاً ومن علم بأن الإمام ربما يوافق القول الذي علم نسب صاحبه ويعارض قول المجهول من الأساس فلعل المجهول يفتي عن إجتهاد كما يفتي باقي الفقهاء المجتهدين والإجتهاد كما بينا يحتمل الخطأ والصواب فرب مجتهد مجهول يخطأ في الحكم ثم يتبعه الفقهاء ظنا منهم بانة المعصوم ! ورب مجتهد معلوم النسب يجتهد فيصيب الحكم ثم يرفض قوله الفقهاء لأنه معلوم النسب ! فكيف يمكن مع هذه الوجوه ووجوه أخرى ان يقول الفقهاء بأن الجهل بنسب القائل يعد دليلاً على انه المعصوم الغائب ؟
وقد تعجب بعض الفقهاء من هذه المسألة أيضاً وأنتقدها بشدة فقد ذكر الحر العاملي هذه المسألة قائلاً : ﴿وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب ، وأي دليل دل عليه ؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به﴾﴿ - نقلاً عن مقتبس الأثر – الحائري - ج3 - ص63﴾.
إن هذه المسألة من أعظم الشواهد على تحقق سُنة التيه عند الإمامية فأصبحوا يتبعون قول كل من جهلوا نسبه محتملين بانه المعصوم فهل هنالك شاهد اقوى يدل على وقوع سُنة التيه عند الإمامية كهذا الشاهد .
وبعد ما تقدم من البيان نقول : إن نقاشنا فيما تقدم كان تنزلاً منا لأصل الموضوع حيث ان موضوع وجود المجتهد المجهول هو مما نسجه الفقهاء من الخيال الغير ممكن الوقوع أبداً لسبب بسيط هو عدم توفر المجتهد المجهول النسب منذ الغيبة والى يومنا هذا !! فلم تـشهد ساحة فقهاء الإمامية ظهور مثل هكذا مجتهد أصلاً، فكل المجتهدين والفقهاء والمحدثين هم من علم الناس نسبهم ومولدهم ونشأتهم علماً بأن أساتذتهم وطلابهم يشهدون عليهم بذلك وهذه كتب الرجال عند الإمامية حاكية عن أحوال الفقهاء منذ الغيبة والى يومنا هذا وقد صرح بهذه المسألة العديد من فقهاء الإمامية منهم الشيخ جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي المتوفي سنة ﴿1011 هـ﴾ حيث قال بعدم توفر الطائفة المجهولة أو الفقيه المجهول وهذه المسألة تعد مانعاً من تحقق الإجماع في زمن الغيبة وذلك في قوله: ﴿الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه ، من غير جهة النقل ، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام. كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ، ويكون قوله مستورا بين أقوالهم ؟ وهذا مما يقطع بانتفائه﴾﴿ معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 175
يتبع
من كتاب سقيفة الغيبة
ينقسم الإجماع في بادئ الأمر عند فقهاء الإمامية إلى نوعين وهما :
النوع الأول: الإجماع المحصل :
وهو الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه من خلال اطلاعه على أقوال جميع فقهاء الإمامية بحيث لم يجد مخالف منهم وقد ذكر هذا النوع من الإجماع الشيخ المظفر في قوله : ﴿" الإجماع المحصل " والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه بتتبع أقوال أهل الفتوى﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120﴾
إن مسألة تحصيل الإجماع من المسائل المستحيلة لوجهين :
الوجه الأول : إن مسألة تتبع أقوال الفقهاء في مسألة ما لهي من المسائل الغير ممكنه قطعاً لأن اعداد فقهاء الإمامية منذ الغيبة والى الآن لا تحصى ولا تُعد فضلاً على ان جميع أقوالهم وفي كل المسائل لم تصل إلينا حتى يتسنى لنا تتبع أقوالهم لتحصيل الإجماع على مسألة واحدة من مسائل الفقه .
الوجه الثاني : إننا قد علمنا ومنذ زمن بعيد والى اليوم بأن فقهاء الإمامية مختلفون غاية الاختلاف في جميع أبواب الفقه فلا تجد مسألة واحدة خالية من اختلافهم وتفاوت أقوالهم وقد ذكر الفقهاء هذه المسألة في أكثر من مقام منهم الشيخ الطوسي في قوله : ﴿ ويفتي أحدهم - أي فقهاء الإمامية - بما لا يفتي صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديات . من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك. مثل اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم . واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات ان يقع واحدة أو لا . ومثل اختلافهم في باب الطهارة في مقدار الماء الذي لا ينجسه شيء. ونحو اختلافهم في حد الكر . ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين. واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس . واختلافهم في عدد فصول الأذان والإقامة . وغير ذلك في سائر أبواب الفقه حتى أن باباً منه لا يسلم إلا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسائل متفاوتة الفتاوى﴾﴿ العدة في أصول الفقه – الطوسي- ج1 - ص137
وقال الفيض الكاشاني في كتابه الوافي: ﴿ تراهم يختلفون - أي فقهاء الإمامية - في المسألة الواحدة إلى عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد . بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها﴾﴿ - مقدمة الوافي - الفيض الكاشاني -ج1- ص9
ويتبين لنا في الوجهين استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية ولو على مسألة واحدة وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية استحالة هذا الأمر أيضاً في قوله : ﴿ومن أدعى أو يدعي أنه استقصى أقوال جميع فقهاء عصره أو عصر من تقدم عليه ، وأنه اطلع على أقوالهم واحدا فواحدا ، من أدعى ذلك فإنه لا يستند في دعواه إلا على الحدس والتخمين ، رأى قول بعض العلماء فظن أنه قول الجميع قياسا للغائب على الشاهد ، والمجهول على المعلوم ، ﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323
وقال أيضاً : ﴿أن الاطلاع على أقوال جميع علماء العصر متعذر﴾﴿ نفس المصدر السابق
وقال الشيخ المظفر بعد أن حقق الإجماع المحصل ما هذا نصه : ﴿والتحقيق : أنه يندر حصول القطع بقول المعصوم من الإجماع المحصل ندرة لا تبقى معها قيمة لأكثر الإجماعات التي نحصلها ، بل لجميعها بالنسبة إلى عصور الغيبة﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 116 ﴾﴾.
ومما تقدم يتبين لنا استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية على حكم مسألة واحدة فضلاً عن ادعاء الإجماع في كل صغيرة وكبيرة كما هو الحال في الكتب الفقهية عند الإمامية وعليه لا يعد لذكر هذا النوع من الإجماع قيمة علمية أبداً إذ انه قد تبين لنا عند التحقيق بانه غير ممكن الحصول أبداً ومع هذا تمسك الفقهاء به وأعطوه قيمة علمية خيالية لا واقع لها إطلاقاً .
النوع الثاني: الإجماع المنقول
وهو الإجماع الذي ينقله بعض الفقهاء الذين قاموا بتحصيله بانفسهم أو نقلوه عن غيرهم وقد ذكر المظفر هذا النوع قائلاً : ﴿" الإجماع المنقول " والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء ، سواءً كان النقل له بواسطة أم بوسائط . ﴾﴿ أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120
وهذا النوع قد اختلف فيه الفقهاء لكثرة من يدعي الإجماع من فقهاء الإمامية حتى في المتناقضات من المسائل إلا أن الفقهاء قد صبوا اهتمامهم في التحقيق بمسألة طريقة نقل الإجماع هل نقل على نحو التواتر ام على خبر الاحاد، أما الأول فقد حكم الفقهاء عليه بحكم الإجماع المحصل وأما الثاني فقد وقع الخلاف بينهم في حجيته غير الدخولي منه على أقوال :
1 - إنه حجة مطلقا .
2 - إنه ليس بحجة مطلقا .
3 - التفصيل بين نقل إجماع جميع الفقهاء في جميع العصور الذي يعلم فيه من طريق الحدس قول المعصوم فيكون حجة ، وبين غيره من الإجماعات المنقولة الذي يستكشف منها بقاعدة اللطف أو نحوها قول المعصوم فلا يكون حجة﴿ - المصدر السابق - ص 121﴾
إن ادعاء الإجماع ونقله في بطون الكتب جيلاً بعد جيل لا يعد دليلاً وحجة أبداً لعلمنا بأن الفقهاء مختلفين غاية الاختلاف في الفتوى وفي جميع أبواب الفقه، وهذا الاختلاف لا يتناسب مع الإجماع أبداً كما اننا قد بينا في مبحث الإجتهاد ظاهرة الاستنساخ في كتب الإمامية فإن أدعى أحدهم مسألة قلده الباقون في الفتوى وهذه من المسائل المعتادة عندهم كما لا يخفى على المنصف المطلع . وعليه فإن مسألة ادعاء الإجماع يمكن ان تنقل تقليداً ليس إلا دون تحقيق وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية بأن الإجماع المنقول ليس بحجة وان نقله لنا شيخ الأولين والآخرين وذلك في قوله : ﴿ أن الإجماع المنقول بلسان أحد العلماء لا يكون دليلاً لحكم شرعي ، وإن كان الناقل شيخ الأولين والآخرين ، لأن دين الله لا يصاب بحدس فقيه وبما يختلج في خياله﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323 ﴾.
إن حجية الإجماع عند الإمامية لا تتم إلا بدخول المعصوم في جملة المجمعين حيث لم يضع أغلب فقهاء الإمامية حجة للإجماع في ذاته أي بمعنى إذا أجمع فقهاء الإمامية في أي عصر من العصور على حكم مسألة ما فلا اعتبار للإجماع ما لم يكشف فيه عن قول المعصوم وهنا يتبادر إلى الاذهان سؤال مُلح وهو كيف تتم معرفة دخول قول المعصوم في الإجماع ؟
وقد زعم فقهاء الإمامية بأن هنالك طرق يتم من خلالها معرفة قول المعصوم في حال غيبته وقد أدعى الفقهاء بأن هذه الطرق توجب القطع بمعرفة قول المعصوم مع العلم بأن هذه الطرق يعرف القارئ من تسميتها وقبل أن يقرأ محتواها بانها تدل على الظن والتخمين ليس الا وقد ذكر الشيخ المظفر اربع طرق – وهي المشهورة عندهم - تؤدي الغرض لمعرفة قول المعصوم في المسألة المجمع عليها وهي :
1- طريقة الحس:
يلخص هذه الطريقة الشيخ المظفر في قوله : ﴿وهذه الطريقة إنما تتصور إذا استقصى الشخص المحصل للإجماع بنفسه وتتبع أقوال العلماء فعرف اتفاقهم ووجد من بينها أقوالا متميزة معلومة لأشخاص مجهولين حتى حصل له العلم بأن الإمام من جملة أولئك المتفقين . أو يتواتر لديه النقل عن أهل بلد أو عصر فعلم أن الإمام كان من جملتهم ولم يعلم قوله بعينه من بينهم ، فيكون من نوع الإجماع المنقول بالتواتر . ومن الواضح : أن هذه الطريقة لا تتحقق غالباً إلا لمن كان موجودا في عصر الإمام . أما بالنسبة إلى العصور المتأخرة فبعيدة التحقق ، لا سيما في الصورة الأولى وهي السماع من نفس الإمام . وقد ذكروا أنه لا يضر في حجية الإجماع - على هذه الطريقة - مخالفة معلوم النسب وإن كثروا ممن يعلم أنه غير الإمام . بخلاف مجهول النسب على وجه أنه الإمام ، فإنه في هذه الصورة لا يتحقق العلم بدخول الإمام في المجمعين﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 113 - 114﴾.
لقد بينا فيما تقدم بانه لا عبرة في الإجماع أساساً في زمن الأئمة (ع). إذ الحجة هي معرفة قول المعصوم ولا تتم هذه المعرفة بمعرفة إجماع الفقهاء . فقد يجمع الفقهاء على مسألة ما والإمام على خلافهم ولم يصلنا قوله أو قد أضمره البعض خوفاً من القدح بالإجماع المدعى أو قد يجمع الفقهاء والإمام يسكت تقية ولم تصلنا ظروف الإمام من ذلك الإجماع . فقد نتخيل بأن الإمام لم يكن في حالة تقية أو نتخيل العكس . وفي جميع الأحوال لا يعتد بإجماع الفقهاء أبداً . لأن الحجة إنما هي لقول المعصوم فقط.
أما في حال الغيبة فإن الفقهاء زعموا أن بإمكانهم الاحساس بقول الإمام المعصوم ! ويتم هذا الاحساس من خلال تتبع أقوال الفقهاء فإذا أحس الفقيه بأن أحد هذه الأقوال مميز عن غيره وان قائلها مجهول النسب فعند ذلك يوحي هذا الاحساس للفقيه بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !!
إن هذه الطريقة ظنية من أولها إلى أخرها ولم تقام الحجة الواضحة عليها أبداً وقد قال أبي عبد الله (ع): ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400﴾.
ولأهمية هذا الموضوع سوف نفصل النقاش فيه فيما يلي :
هل المجهول هو الإمام ؟
إن من عجائب ما فعله الفقهاء هو اهتمامهم بأقوال المجاهيل واعطائها القدر الأعظم من الأهمية . عسى ولعل ان يكون أحد هؤلاء المجاهيل هو الإمام المعصوم !!
إن الفقيه الذي يقوم بتحصيل الإجماع بتتبعه لأقوال فقهاء الإمامية وعرف انهم متفقون على قول واحد وجب في ذلك الحين ان يوافق الإمام على إجماع الفقهاء وان يدخل فيه شاء ام ابا . لأن الفقهاء قد أجمعوا !! وكأن الإمام تابع لهم ومقلد لإجماعهم فإذا حصل الإجماع وجب على الإمام أقراره لأن الحق معهم ولا حق لغيرهم !
إن هذه المسألة هراء من أولها إلى أخرها وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ﴾﴿ - الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119﴾ .
وبهذا يتبين بأن الحق لا يمكن أن يعرف بالكثرة أبداً ولا حتى بإجماع فرقة هم أساساً في غضب الله لما بينا في حينها بأن الغيبة هي غضب من الله على عباده .
أما الحالة الثانية في تحقق دخول المعصوم في جملة المجمعين هي عندما يتتبع الفقيه أقوال الفقهاء في مسألة ما فوجود من بين هذه الأقوال التي حصلها بنفسه ما هي متميزة عن غيرها بشرط ان يكون أصحابها مجهولين النسب علم ذلك الفقيه بطريق الاحساس بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !! أما إذا افترق الفقهاء إلى فرقتين أو أكثر في مسألة ما فإن الفقيه سوف يتتبع أقوال الفقهاء ليكتشف المجهول في أي الفرق هو ليتبع قوله . عسى ولعل ان يكون ذلك المجهول هو المعصوم !! وسوف نعرض فيما يلي بعض أقوال الفقهاء الذين ذكروا اهتمامهم بقول المجهول :
قال المحقق الحلي : ﴿ فإن علم أن لا مخالف ثبت الإجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين بأسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في الإجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك إجماعا ، لإمكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الإمام عليه السلام . ﴾ . وقال أيضاً في مسألة اختلاف الإمامية إلى قولين ايهما يعد إجماعاً ما هذا نصه : ﴿إذا اختلفت الإمامية على قولين : فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الإمام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فإن كان مع إحدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الإمام معها قطعا وان لم يكن مع إحداهما دليل قاطع: قال الشيخ ره : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلاً من غيرهما ، وضعف الشيخ ره هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الإمام ﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 132-133
وقال الشيخ الطوسي : ﴿المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة ، فلا بد من أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء ﴾ . إلى أن قال : ﴿فإذا اعتبرنا أقوال الأمة ، ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه ، فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه ، لم نعتد بقوله ، لعلمنا بأنه ليس بإمام ، وإن شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعا﴾﴿- الغيبة – الشيخ الطوسي - ص 18
وقال الشيخ سديد الدين محمود الحمصي : ﴿إن الحجة هو الإجماع المشتمل على قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلى العلم بتعيينه﴾ . إلى أن قال : ﴿الاستدلال بالإجماع لا يصح إلا إذا علم قطعا إجماع جميع علماء الإمامية على الحكم من غير إستثناء أحد منهم ، إلا من كان معلوم النسب وكان غير الإمام ، فلا يضر خروجه﴾﴿ - كشف القناع - ص 94 .
وقال الشيخ محمد أبن إدريس الحلي : ﴿وجه كون الإجماع حجة عندنا ، دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك ، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول ، أن المعصوم ليس هو في جملتهم ، لا نقطع على صحة قولهم إلا بدليل غير قولهم . وإذا تعين المخالف من أصحابنا بأسمه ونسبه ، لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ﴾. إلى أن قال: ﴿وبما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على المسألة بالإجماع ، وإن كان فيها خلاف بين من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب﴾﴿ - السرائر- أبن إدريس الحلي- ج2 - ص 529
وقال محمد بن جمال الدين العاملي الملقب بالشهيد الأول ما هذا نصه : ﴿الإجماع ، وهو : اتفاق علماء الطائفة على أمر في عصر ، وجدواه لا مع تعيين المعصوم فإنه يعلم به دخوله ، والطريق إلى معرفة دخوله أن يعلم إطباق الإمامية على مسألة معينة ، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه بخلاف قول من يعلم نسبه ﴾﴿ - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - الشهيد الأول - ج 1 - ص 49 - 50﴾.
إن مسألة إتباع قول المجهول على انه الإمام هي من المسائل التي يعجز الإنسان عن وصف ضعفها وبيان عدم حجيتها ليس لصعوبتها بل لتفاهتها. فكيف يمكن العلم بأن المجهول هو الإمام ؟ وهل ان كل مجهول هو المعصوم ؟ وقد علمنا من سير الأنبياء (ع) وقصص الماضين بأن الشيطان كان يأتي الناس بصيغة المجهول متمثلاً بصورة البشر ليلقي بينهم الفتنة فهل يعقل ان نحكم بأن كل مجهول هو الإمام المعصوم ؟ مع علمنا بأن الشيطان أيضاً يمكن ان يتمثل بصيغة المجهول !
ثم لو تحقق بأن المجهول ليس بشيطان بل هو إنسان فهل يعقل ان ننسب إلى كل مجهول الإمامة ثم من علم بأن هذا المجهول يقول حقاً ومن علم بأن الإمام ربما يوافق القول الذي علم نسب صاحبه ويعارض قول المجهول من الأساس فلعل المجهول يفتي عن إجتهاد كما يفتي باقي الفقهاء المجتهدين والإجتهاد كما بينا يحتمل الخطأ والصواب فرب مجتهد مجهول يخطأ في الحكم ثم يتبعه الفقهاء ظنا منهم بانة المعصوم ! ورب مجتهد معلوم النسب يجتهد فيصيب الحكم ثم يرفض قوله الفقهاء لأنه معلوم النسب ! فكيف يمكن مع هذه الوجوه ووجوه أخرى ان يقول الفقهاء بأن الجهل بنسب القائل يعد دليلاً على انه المعصوم الغائب ؟
وقد تعجب بعض الفقهاء من هذه المسألة أيضاً وأنتقدها بشدة فقد ذكر الحر العاملي هذه المسألة قائلاً : ﴿وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب ، وأي دليل دل عليه ؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به﴾﴿ - نقلاً عن مقتبس الأثر – الحائري - ج3 - ص63﴾.
إن هذه المسألة من أعظم الشواهد على تحقق سُنة التيه عند الإمامية فأصبحوا يتبعون قول كل من جهلوا نسبه محتملين بانه المعصوم فهل هنالك شاهد اقوى يدل على وقوع سُنة التيه عند الإمامية كهذا الشاهد .
وبعد ما تقدم من البيان نقول : إن نقاشنا فيما تقدم كان تنزلاً منا لأصل الموضوع حيث ان موضوع وجود المجتهد المجهول هو مما نسجه الفقهاء من الخيال الغير ممكن الوقوع أبداً لسبب بسيط هو عدم توفر المجتهد المجهول النسب منذ الغيبة والى يومنا هذا !! فلم تـشهد ساحة فقهاء الإمامية ظهور مثل هكذا مجتهد أصلاً، فكل المجتهدين والفقهاء والمحدثين هم من علم الناس نسبهم ومولدهم ونشأتهم علماً بأن أساتذتهم وطلابهم يشهدون عليهم بذلك وهذه كتب الرجال عند الإمامية حاكية عن أحوال الفقهاء منذ الغيبة والى يومنا هذا وقد صرح بهذه المسألة العديد من فقهاء الإمامية منهم الشيخ جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي المتوفي سنة ﴿1011 هـ﴾ حيث قال بعدم توفر الطائفة المجهولة أو الفقيه المجهول وهذه المسألة تعد مانعاً من تحقق الإجماع في زمن الغيبة وذلك في قوله: ﴿الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه ، من غير جهة النقل ، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام. كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ، ويكون قوله مستورا بين أقوالهم ؟ وهذا مما يقطع بانتفائه﴾﴿ معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 175
يتبع
تعليق