إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أنواع الإجماع عند الإمامية :

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنواع الإجماع عند الإمامية :

    أنواع الإجماع عند الإمامية :
    من كتاب سقيفة الغيبة
    ينقسم الإجماع في بادئ الأمر عند فقهاء الإمامية إلى نوعين وهما :
    النوع الأول: الإجماع المحصل :
    وهو الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه من خلال اطلاعه على أقوال جميع فقهاء الإمامية بحيث لم يجد مخالف منهم وقد ذكر هذا النوع من الإجماع الشيخ المظفر في قوله : ﴿" الإجماع المحصل " والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بنفسه بتتبع أقوال أهل الفتوى﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120﴾
    إن مسألة تحصيل الإجماع من المسائل المستحيلة لوجهين :
    الوجه الأول : إن مسألة تتبع أقوال الفقهاء في مسألة ما لهي من المسائل الغير ممكنه قطعاً لأن اعداد فقهاء الإمامية منذ الغيبة والى الآن لا تحصى ولا تُعد فضلاً على ان جميع أقوالهم وفي كل المسائل لم تصل إلينا حتى يتسنى لنا تتبع أقوالهم لتحصيل الإجماع على مسألة واحدة من مسائل الفقه .
    الوجه الثاني : إننا قد علمنا ومنذ زمن بعيد والى اليوم بأن فقهاء الإمامية مختلفون غاية الاختلاف في جميع أبواب الفقه فلا تجد مسألة واحدة خالية من اختلافهم وتفاوت أقوالهم وقد ذكر الفقهاء هذه المسألة في أكثر من مقام منهم الشيخ الطوسي في قوله : ﴿ ويفتي أحدهم - أي فقهاء الإمامية - بما لا يفتي صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديات . من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك. مثل اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم . واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات ان يقع واحدة أو لا . ومثل اختلافهم في باب الطهارة في مقدار الماء الذي لا ينجسه شيء. ونحو اختلافهم في حد الكر . ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين. واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس . واختلافهم في عدد فصول الأذان والإقامة . وغير ذلك في سائر أبواب الفقه حتى أن باباً منه لا يسلم إلا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسائل متفاوتة الفتاوى﴾﴿ العدة في أصول الفقه – الطوسي- ج1 - ص137

    وقال الفيض الكاشاني في كتابه الوافي: ﴿ تراهم يختلفون - أي فقهاء الإمامية - في المسألة الواحدة إلى عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد . بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها﴾﴿ - مقدمة الوافي - الفيض الكاشاني -ج1- ص9

    ويتبين لنا في الوجهين استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية ولو على مسألة واحدة وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية استحالة هذا الأمر أيضاً في قوله : ﴿ومن أدعى أو يدعي أنه استقصى أقوال جميع فقهاء عصره أو عصر من تقدم عليه ، وأنه اطلع على أقوالهم واحدا فواحدا ، من أدعى ذلك فإنه لا يستند في دعواه إلا على الحدس والتخمين ، رأى قول بعض العلماء فظن أنه قول الجميع قياسا للغائب على الشاهد ، والمجهول على المعلوم ، ﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323
    وقال أيضاً : ﴿أن الاطلاع على أقوال جميع علماء العصر متعذر﴾﴿ نفس المصدر السابق

    وقال الشيخ المظفر بعد أن حقق الإجماع المحصل ما هذا نصه : ﴿والتحقيق : أنه يندر حصول القطع بقول المعصوم من الإجماع المحصل ندرة لا تبقى معها قيمة لأكثر الإجماعات التي نحصلها ، بل لجميعها بالنسبة إلى عصور الغيبة﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 116 ﴾﴾.
    ومما تقدم يتبين لنا استحالة تحصيل إجماع فقهاء الإمامية على حكم مسألة واحدة فضلاً عن ادعاء الإجماع في كل صغيرة وكبيرة كما هو الحال في الكتب الفقهية عند الإمامية وعليه لا يعد لذكر هذا النوع من الإجماع قيمة علمية أبداً إذ انه قد تبين لنا عند التحقيق بانه غير ممكن الحصول أبداً ومع هذا تمسك الفقهاء به وأعطوه قيمة علمية خيالية لا واقع لها إطلاقاً .
    النوع الثاني: الإجماع المنقول
    وهو الإجماع الذي ينقله بعض الفقهاء الذين قاموا بتحصيله بانفسهم أو نقلوه عن غيرهم وقد ذكر المظفر هذا النوع قائلاً : ﴿" الإجماع المنقول " والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء ، سواءً كان النقل له بواسطة أم بوسائط . ﴾﴿ أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120

    وهذا النوع قد اختلف فيه الفقهاء لكثرة من يدعي الإجماع من فقهاء الإمامية حتى في المتناقضات من المسائل إلا أن الفقهاء قد صبوا اهتمامهم في التحقيق بمسألة طريقة نقل الإجماع هل نقل على نحو التواتر ام على خبر الاحاد، أما الأول فقد حكم الفقهاء عليه بحكم الإجماع المحصل وأما الثاني فقد وقع الخلاف بينهم في حجيته غير الدخولي منه على أقوال :
    1 - إنه حجة مطلقا .
    2 - إنه ليس بحجة مطلقا .
    3 - التفصيل بين نقل إجماع جميع الفقهاء في جميع العصور الذي يعلم فيه من طريق الحدس قول المعصوم فيكون حجة ، وبين غيره من الإجماعات المنقولة الذي يستكشف منها بقاعدة اللطف أو نحوها قول المعصوم فلا يكون حجة﴿ - المصدر السابق - ص 121﴾
    إن ادعاء الإجماع ونقله في بطون الكتب جيلاً بعد جيل لا يعد دليلاً وحجة أبداً لعلمنا بأن الفقهاء مختلفين غاية الاختلاف في الفتوى وفي جميع أبواب الفقه، وهذا الاختلاف لا يتناسب مع الإجماع أبداً كما اننا قد بينا في مبحث الإجتهاد ظاهرة الاستنساخ في كتب الإمامية فإن أدعى أحدهم مسألة قلده الباقون في الفتوى وهذه من المسائل المعتادة عندهم كما لا يخفى على المنصف المطلع . وعليه فإن مسألة ادعاء الإجماع يمكن ان تنقل تقليداً ليس إلا دون تحقيق وقد بين الشيخ محمد جواد مغنية بأن الإجماع المنقول ليس بحجة وان نقله لنا شيخ الأولين والآخرين وذلك في قوله : ﴿ أن الإجماع المنقول بلسان أحد العلماء لا يكون دليلاً لحكم شرعي ، وإن كان الناقل شيخ الأولين والآخرين ، لأن دين الله لا يصاب بحدس فقيه وبما يختلج في خياله﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323 ﴾.
    إن حجية الإجماع عند الإمامية لا تتم إلا بدخول المعصوم في جملة المجمعين حيث لم يضع أغلب فقهاء الإمامية حجة للإجماع في ذاته أي بمعنى إذا أجمع فقهاء الإمامية في أي عصر من العصور على حكم مسألة ما فلا اعتبار للإجماع ما لم يكشف فيه عن قول المعصوم وهنا يتبادر إلى الاذهان سؤال مُلح وهو كيف تتم معرفة دخول قول المعصوم في الإجماع ؟
    وقد زعم فقهاء الإمامية بأن هنالك طرق يتم من خلالها معرفة قول المعصوم في حال غيبته وقد أدعى الفقهاء بأن هذه الطرق توجب القطع بمعرفة قول المعصوم مع العلم بأن هذه الطرق يعرف القارئ من تسميتها وقبل أن يقرأ محتواها بانها تدل على الظن والتخمين ليس الا وقد ذكر الشيخ المظفر اربع طرق – وهي المشهورة عندهم - تؤدي الغرض لمعرفة قول المعصوم في المسألة المجمع عليها وهي :

    1- طريقة الحس:
    يلخص هذه الطريقة الشيخ المظفر في قوله : ﴿وهذه الطريقة إنما تتصور إذا استقصى الشخص المحصل للإجماع بنفسه وتتبع أقوال العلماء فعرف اتفاقهم ووجد من بينها أقوالا متميزة معلومة لأشخاص مجهولين حتى حصل له العلم بأن الإمام من جملة أولئك المتفقين . أو يتواتر لديه النقل عن أهل بلد أو عصر فعلم أن الإمام كان من جملتهم ولم يعلم قوله بعينه من بينهم ، فيكون من نوع الإجماع المنقول بالتواتر . ومن الواضح : أن هذه الطريقة لا تتحقق غالباً إلا لمن كان موجودا في عصر الإمام . أما بالنسبة إلى العصور المتأخرة فبعيدة التحقق ، لا سيما في الصورة الأولى وهي السماع من نفس الإمام . وقد ذكروا أنه لا يضر في حجية الإجماع - على هذه الطريقة - مخالفة معلوم النسب وإن كثروا ممن يعلم أنه غير الإمام . بخلاف مجهول النسب على وجه أنه الإمام ، فإنه في هذه الصورة لا يتحقق العلم بدخول الإمام في المجمعين﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 113 - 114﴾.
    لقد بينا فيما تقدم بانه لا عبرة في الإجماع أساساً في زمن الأئمة (ع). إذ الحجة هي معرفة قول المعصوم ولا تتم هذه المعرفة بمعرفة إجماع الفقهاء . فقد يجمع الفقهاء على مسألة ما والإمام على خلافهم ولم يصلنا قوله أو قد أضمره البعض خوفاً من القدح بالإجماع المدعى أو قد يجمع الفقهاء والإمام يسكت تقية ولم تصلنا ظروف الإمام من ذلك الإجماع . فقد نتخيل بأن الإمام لم يكن في حالة تقية أو نتخيل العكس . وفي جميع الأحوال لا يعتد بإجماع الفقهاء أبداً . لأن الحجة إنما هي لقول المعصوم فقط.
    أما في حال الغيبة فإن الفقهاء زعموا أن بإمكانهم الاحساس بقول الإمام المعصوم ! ويتم هذا الاحساس من خلال تتبع أقوال الفقهاء فإذا أحس الفقيه بأن أحد هذه الأقوال مميز عن غيره وان قائلها مجهول النسب فعند ذلك يوحي هذا الاحساس للفقيه بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !!
    إن هذه الطريقة ظنية من أولها إلى أخرها ولم تقام الحجة الواضحة عليها أبداً وقد قال أبي عبد الله (ع): ﴿من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله ، إن حجة الله هي الحجة الواضحة﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 400﴾.
    ولأهمية هذا الموضوع سوف نفصل النقاش فيه فيما يلي :

    هل المجهول هو الإمام ؟
    إن من عجائب ما فعله الفقهاء هو اهتمامهم بأقوال المجاهيل واعطائها القدر الأعظم من الأهمية . عسى ولعل ان يكون أحد هؤلاء المجاهيل هو الإمام المعصوم !!
    إن الفقيه الذي يقوم بتحصيل الإجماع بتتبعه لأقوال فقهاء الإمامية وعرف انهم متفقون على قول واحد وجب في ذلك الحين ان يوافق الإمام على إجماع الفقهاء وان يدخل فيه شاء ام ابا . لأن الفقهاء قد أجمعوا !! وكأن الإمام تابع لهم ومقلد لإجماعهم فإذا حصل الإجماع وجب على الإمام أقراره لأن الحق معهم ولا حق لغيرهم !
    إن هذه المسألة هراء من أولها إلى أخرها وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ﴿لو لم يكن في الأرض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ﴾﴿ - الجواهر السنية - الحر العاملي - ص 118 - 119﴾ .
    وبهذا يتبين بأن الحق لا يمكن أن يعرف بالكثرة أبداً ولا حتى بإجماع فرقة هم أساساً في غضب الله لما بينا في حينها بأن الغيبة هي غضب من الله على عباده .
    أما الحالة الثانية في تحقق دخول المعصوم في جملة المجمعين هي عندما يتتبع الفقيه أقوال الفقهاء في مسألة ما فوجود من بين هذه الأقوال التي حصلها بنفسه ما هي متميزة عن غيرها بشرط ان يكون أصحابها مجهولين النسب علم ذلك الفقيه بطريق الاحساس بأن هذا المجهول هو الإمام المعصوم !! أما إذا افترق الفقهاء إلى فرقتين أو أكثر في مسألة ما فإن الفقيه سوف يتتبع أقوال الفقهاء ليكتشف المجهول في أي الفرق هو ليتبع قوله . عسى ولعل ان يكون ذلك المجهول هو المعصوم !! وسوف نعرض فيما يلي بعض أقوال الفقهاء الذين ذكروا اهتمامهم بقول المجهول :
    قال المحقق الحلي : ﴿ فإن علم أن لا مخالف ثبت الإجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين بأسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في الإجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك إجماعا ، لإمكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الإمام عليه السلام . ﴾ . وقال أيضاً في مسألة اختلاف الإمامية إلى قولين ايهما يعد إجماعاً ما هذا نصه : ﴿إذا اختلفت الإمامية على قولين : فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الإمام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فإن كان مع إحدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الإمام معها قطعا وان لم يكن مع إحداهما دليل قاطع: قال الشيخ ره : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلاً من غيرهما ، وضعف الشيخ ره هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الإمام ﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 132-133

    وقال الشيخ الطوسي : ﴿المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة ، فلا بد من أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء ﴾ . إلى أن قال : ﴿فإذا اعتبرنا أقوال الأمة ، ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه ، فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه ، لم نعتد بقوله ، لعلمنا بأنه ليس بإمام ، وإن شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعا﴾﴿- الغيبة – الشيخ الطوسي - ص 18

    وقال الشيخ سديد الدين محمود الحمصي : ﴿إن الحجة هو الإجماع المشتمل على قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلى العلم بتعيينه﴾ . إلى أن قال : ﴿الاستدلال بالإجماع لا يصح إلا إذا علم قطعا إجماع جميع علماء الإمامية على الحكم من غير إستثناء أحد منهم ، إلا من كان معلوم النسب وكان غير الإمام ، فلا يضر خروجه﴾﴿ - كشف القناع - ص 94 .

    وقال الشيخ محمد أبن إدريس الحلي : ﴿وجه كون الإجماع حجة عندنا ، دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك ، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول ، أن المعصوم ليس هو في جملتهم ، لا نقطع على صحة قولهم إلا بدليل غير قولهم . وإذا تعين المخالف من أصحابنا بأسمه ونسبه ، لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ﴾. إلى أن قال: ﴿وبما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على المسألة بالإجماع ، وإن كان فيها خلاف بين من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب﴾﴿ - السرائر- أبن إدريس الحلي- ج2 - ص 529

    وقال محمد بن جمال الدين العاملي الملقب بالشهيد الأول ما هذا نصه : ﴿الإجماع ، وهو : اتفاق علماء الطائفة على أمر في عصر ، وجدواه لا مع تعيين المعصوم فإنه يعلم به دخوله ، والطريق إلى معرفة دخوله أن يعلم إطباق الإمامية على مسألة معينة ، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه بخلاف قول من يعلم نسبه ﴾﴿ - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - الشهيد الأول - ج 1 - ص 49 - 50﴾.
    إن مسألة إتباع قول المجهول على انه الإمام هي من المسائل التي يعجز الإنسان عن وصف ضعفها وبيان عدم حجيتها ليس لصعوبتها بل لتفاهتها. فكيف يمكن العلم بأن المجهول هو الإمام ؟ وهل ان كل مجهول هو المعصوم ؟ وقد علمنا من سير الأنبياء (ع) وقصص الماضين بأن الشيطان كان يأتي الناس بصيغة المجهول متمثلاً بصورة البشر ليلقي بينهم الفتنة فهل يعقل ان نحكم بأن كل مجهول هو الإمام المعصوم ؟ مع علمنا بأن الشيطان أيضاً يمكن ان يتمثل بصيغة المجهول !
    ثم لو تحقق بأن المجهول ليس بشيطان بل هو إنسان فهل يعقل ان ننسب إلى كل مجهول الإمامة ثم من علم بأن هذا المجهول يقول حقاً ومن علم بأن الإمام ربما يوافق القول الذي علم نسب صاحبه ويعارض قول المجهول من الأساس فلعل المجهول يفتي عن إجتهاد كما يفتي باقي الفقهاء المجتهدين والإجتهاد كما بينا يحتمل الخطأ والصواب فرب مجتهد مجهول يخطأ في الحكم ثم يتبعه الفقهاء ظنا منهم بانة المعصوم ! ورب مجتهد معلوم النسب يجتهد فيصيب الحكم ثم يرفض قوله الفقهاء لأنه معلوم النسب ! فكيف يمكن مع هذه الوجوه ووجوه أخرى ان يقول الفقهاء بأن الجهل بنسب القائل يعد دليلاً على انه المعصوم الغائب ؟
    وقد تعجب بعض الفقهاء من هذه المسألة أيضاً وأنتقدها بشدة فقد ذكر الحر العاملي هذه المسألة قائلاً : ﴿وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب ، وأي دليل دل عليه ؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به﴾﴿ - نقلاً عن مقتبس الأثر – الحائري - ج3 - ص63﴾.
    إن هذه المسألة من أعظم الشواهد على تحقق سُنة التيه عند الإمامية فأصبحوا يتبعون قول كل من جهلوا نسبه محتملين بانه المعصوم فهل هنالك شاهد اقوى يدل على وقوع سُنة التيه عند الإمامية كهذا الشاهد .
    وبعد ما تقدم من البيان نقول : إن نقاشنا فيما تقدم كان تنزلاً منا لأصل الموضوع حيث ان موضوع وجود المجتهد المجهول هو مما نسجه الفقهاء من الخيال الغير ممكن الوقوع أبداً لسبب بسيط هو عدم توفر المجتهد المجهول النسب منذ الغيبة والى يومنا هذا !! فلم تـشهد ساحة فقهاء الإمامية ظهور مثل هكذا مجتهد أصلاً، فكل المجتهدين والفقهاء والمحدثين هم من علم الناس نسبهم ومولدهم ونشأتهم علماً بأن أساتذتهم وطلابهم يشهدون عليهم بذلك وهذه كتب الرجال عند الإمامية حاكية عن أحوال الفقهاء منذ الغيبة والى يومنا هذا وقد صرح بهذه المسألة العديد من فقهاء الإمامية منهم الشيخ جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي المتوفي سنة ﴿1011 هـ﴾ حيث قال بعدم توفر الطائفة المجهولة أو الفقيه المجهول وهذه المسألة تعد مانعاً من تحقق الإجماع في زمن الغيبة وذلك في قوله: ﴿الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه ، من غير جهة النقل ، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام. كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ، ويكون قوله مستورا بين أقوالهم ؟ وهذا مما يقطع بانتفائه﴾﴿ معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 175





    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    وقال الشيخ الأنصاري عن الإجماع الحسي بإنه: ﴿ وهذا في غاية القلة، بل نعلم جزما أنه لم يتفق لأحد من هؤلاء الحاكين للإجماع ﴾﴿ - فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 192﴾.
    إن كلام العاملي فيه بعض اللبس فإنه قد أدعى تحقق الإجماع من جهة النقل ورفضه من جهة التحصيل والحق ان كلتا الحالتين لا تتحقق إلا بفرض وجود الطائفة المجهولة . وقد نفى الشيخ نفسه توفر هذه الطائفة في فقهاء الإمامية وعليه فإن نقل الفقهاء للإجماع إنما هو باعتمادهم على قول المجهول فإذا انعدم المجهول انتفى نقل الإجماع أصلاً لعدم وقوعه من الأساس أما تحقق الإجماع في زمان حظور الأئمة (ع) فقد بينا بطلان الاعتماد على الإجماع في ذلك الزمن .
    وبعد أن تبين لنا انعدام وجود المجهولين ضمن مجتهدي الإمامية وبعد أن تبين هذا للفقهاء أيضاً راح فقهاء الإمامية إلى أدعاء الإجماع عند فقدانهم للدليل في الكثير من المسائل الفقهية علماً بأن هذه الإجماعات المدعاة لم يتحقق فيها وجود الفقهاء المجهولين بل أدعوا الإجماع في المسائل التي اتفق عليها بعض الفقهاء وليس كلهم !! كما يقول الشيخ جمال الدين العاملي : ﴿والعجب من غفلة جمع من الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهية ... حتى جعلوه عبارة عن مجرد اتفاق الجماعة من الأصحاب ، فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح من غير قرينة جلية ، ولا دليل على الحجية معتد به﴾﴿ - معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 174﴾.
    بعد ما تقدم من البيان يتضح لنا بطلان العلم بقول المعصوم بطريقة الحس التي زعم الفقهاء منها تمكنهم من العلم بدخول المعصوم في جملة المجمعين عن طريق مجهولي النسب وقد علمنا بانعدام وجود الفقهاء المجهولين عند الإمامية وبهذا يسقط الاحتجاج بهذه الطريقة فضلاً عن الملابسات التي فيها والتي قد ذكرناها.2- طريقة قاعدة اللطف الإلهي
    ويلخص الشيخ المظفر هذه الطريقة بقوله : ﴿وهي أن يستكشف عقلا رأى المعصوم من اتفاق من عداه من العلماء الموجودين في عصره خاصة أو في العصور المتأخرة مع عدم ظهور ردع من قبله لهم بأحد وجوه الردع الممكنة خفية أو ظاهرة - إما بظهوره نفسه أو بإظهار من يبين الحق في المسألة - فإن " قاعدة اللطف " كما اقتضت نصب الإمام وعصمته تقتضي أيضاً أن يظهر الإمام الحق في المسألة التي يتفق المفتون فيها على خلاف الحق ، وإلا للزم سقوط التكليف بذلك الحكم أو إخلال الإمام بأعظم ما وجب عليه ونصب لأجله ، وهو تبليغ الأحكام المنزلة . وهذه الطريقة هي التي اختارها الشيخ الطوسي ومن تبعه ، بل يرى انحصار استكشاف قول الإمام من الإجماع فيها . وربما يستظهر من كلام السيد المرتضى - المنقول في العدة عنه في رد هذه الطريقة - كونها معروفة قبل الشيخ أيضاً . ولازم هذه الطريقة عدم قدح المخالفة مطلقا سواءً كان من معلوم النسب أو مجهوله مع العلم بعدم كونه الإمام ولم يكن معه برهان يدل على صحة فتواه . ولازم هذه الطريقة أيضاً عدم كشف الإجماع إذا كان هناك آية أو سُنة قطعية على خلاف المجمعين وإن لم يفهموا دلالتها على الخلاف ، إذ يجوز أن يكون الإمام قد اعتمد عليها في تبليغ الحق﴾﴿ أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 114﴾.
    إن هذه الطريقة كما بينها المظفر تعتمد وبشكل أساس على اللطف الإلهي والمتمثل بوجوب اظهار الحق إذا أجمع الإمامية على شيء باطل وقد أنشأ هذه الطريقة السيد المرتضى وتابعه الفقهاء من بعده عليها وكما ذكرنا ذلك في مرحلة السيد المرتضى وقد بينا حينها بأن قاعدة اللطف إنما تكون سائرة في المجتمع الطائع لله الغير مشمول بغضبه سبحانه، وهذا ممتنع في حال الغيبة لما بيناه بأن الغيبة ما هي الا غضب الله على عباده وقد بينا بأن حال المسلمين بعد الغيبة كحال بني إسرائيل في التيه لقول رسول الله (ص) : ﴿ والذي نفسي بيده لتركبن سُنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى لا تخطئون طريقهم ، ولا يخطئكم سُنة بني إسرائيل﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 13 - ص 180﴾.
    وقد علمنا من قبل بأن العديد من الأنبياء (ع) قد غيبهم الله عن اقوامهم ولم تظهر هذه القاعدة في تلك الاقوام السابقة فما هي العلة من ظهورها في غيبة صاحب الزمان (ع) نعم إننا لا ننفي اللطف الإلهي بالكلية بل نقول : إن اللطف الإلهي يشمل المستحقين له ولا يمكن ان يشمل الكل، ولا يتناسب الاستحقاق للطف الإلهي مع غيبة الإمام المهدي (ع)المتمثل بالنعمة التي أنعم الله بها على خلقه فكيف يحجب الله النعمة عن الناس ويلطف بهم في نفس الوقت وقد علمنا من أقوال الأئمة (ع) بأن غياب الإمام المهدي (ع) هو غياب الماء المعين الذي يأتينا بحلال الله وحرامه وبغياب هذا النبع الصافي تنقطع أخبار السماء عنا، وهذا مما لا يتناسب مع ما ذكره السيد المرتضى وسائر الفقهاء بل يعارضه وينافيه.
    إن قاعدة اللطف تقتضي ان ينصب الله الإمام وأن يكون معصوماً عن الخطأ وهذا لا خلاف فيه إلا أن الخلاف يكمن في ظهور الإمام (ع) أو قوله في المسائل التي يجمع عليها الفقهاء على خلاف الحق .
    إن من أعظم الطعون على هذه المسألة هو كثرة الإجماعات التي ادعاها السيد المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم كثير، ثم قدح بها الكثير من الفقهاء وأنكروا هذه الإجماعات بالكلية، بل ان العجب من الشيخ الطوسي أنه كان يدعي الإجماع على مسألة ما ثم يدعي إجماع آخر على خلافها فأين اللطف الإلهي من هذه الإجماعات المتناقضة، وسنأتي فيما يلي بعدد من أقوال فقهاء الإمامية والتي تحكي عن اختلاف الفقهاء في الإجماع الذي يدعوه بل اختلاف الفقيه الواحد مع نفسه في ادعاء الإجماع بالمتناقضات، بل الأكثر من هذا انهم يدعون الإجماع على قول لم يعرف قائل به !! كل هذه المسائل ومسائل أخرى سيجدها القارئ في الأقوال الآتية :
    قال الشيخ محمد جواد مغنية : ﴿وقد رأيت كثيراً من الفقهاء يسألهم السائل عن حكم قضية هي من صميم الحياة تتصل بالدماء والأموال والأعراض ، فيرجعون إلى كتاب من كتب فروع الفقه التي ذكرت الفرع من غير أصله " ولم يسنده المؤلف إلى دليله ، ثم يحكم بقول صاحب الكتاب ، كأنه كتاب الله المنزل ، أو سُنة نبيه المرسل ، وإذا سألته عن الدليل اكتفى بدعوى الإجماع ، والذي يظهر للمتتبع أن هذه الطريقة مألوفة عند المتقدمين أيضاً ، فقد طعن العلماء على إجماعات أبن إدريس ، وأبن زهرة ، والشيخ الطوسي ، وغيرهم ، وقد جمع الشهيد الثاني أربعين مسألة " أدعى فيها الشيخ – أي الطوسي- الإجماع ، وهي مورد الخلاف ، بل الشيخ نفسه خالف في أكثرها في موارد أخرى وقال العلامة المجلسي في كتاب الصلاة من كتاب البحار " إن الفقهاء لما رجعوا إلى الفروع نسوا ما أسسوه في الأصول فادعوا الإجماع في أكثر المسائل ، سواءً أظهر فيها الخلاف أم لا ، وافق الروايات المنقولة أم لا ، حتى أن السيد وأضرابه كثيراً ما يدعون الإجماع فيما يتفردون به " وقال الميرزا حسين النائيني في تقريرات الخراساني " إذا كان الحاكي للإجماع من المتقدمين على العلامة والمحقق والشهيد فلا عبرة بحكايته " ﴾﴿ الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص323﴾.
    ومن تناقضات الشيخ الطوسي في ادعائه للإجماع هو ما نقله البابلي في قوله : ﴿حتى إنه ليدعي الإجماع في مسألة ، ويدعي إجماعا آخر - على خلافه - فيها، وهو كثير، ومن هذا طريقه في دعوى الإجماع كيف يتم الاعتماد عليه ، والوثوق بنقله؟!﴾﴿ - رسائل في دراية الحديث – أبو الفضل حافظيان البابلي –ج2 – ص226﴾.
    وقد بين الشيخ الطوسي بأن الإجماع لا يجوز نسخه لأنه دليل ثابت لا يتغير فكيف تناقض الإجماع ؟ وإليكم نص كلامه : ﴿واما الإجماع فعندنا لا يجوز نسخه لأنه دليل لا يتغير بل هو ثابت في جميع الأوقات لأن العقل عندنا يدل على صحة الإجماع وما هذا حكمه لا يجوز تغييره فيطرق عليه النسخ﴾﴿ عدة الأصول ﴿ط.ق) - الشيخ الطوسي - ج 3 - ص 44

    وإذا كان الأمر كذلك فما هو الوجه من تناقض الإجماع عند الشيخ !! وقد ذكر التبريزي الوجه في ذلك عند الفقهاء وهو ان المعيار في حجية الإجماع هو دخول قول المعصوم فإذا ثبت عند الفقيه قول الإمام تحقق معيار حجية الإجماع ، وصح دعواه ثم إن الفقيه إذا وقف على نص آخر في المسألة لم يقف عليه سابقا ، واستنبط رجحانه على النص الأول ، لكونه مخصصا له مثلاً ثبت له قول الإمام على طبقه ، أدعى تحقق معيار حجية الإجماع طبقا له﴿ - تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية - أبو طالب التجليل التبريزي -ج 1- ص277

    إن هذا الكلام الذي أدعاه التبريزي لا أساس له أبداً حيث ان ركون الفقهاء إلى القول بالإجماع لا يكون الا بفقدان النص كما قال المرتضى : ﴿الإجماع حجة في كل حكم ليس له دليل﴾﴿ - رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 16﴾.
    وعليه فإن مسألة القول بإجماع ترجع إلى إجتهاد المجتهدين فإذا أجمعوا على قول إجتهادي صح الإجماع والإجتهاد في أغلب احيانه بل كلها لا يرجع إلى نصوص واضحة كما صرح الفقهاء بذلك وكما ذكرناه في بحث الإجتهاد عند الإمامية وبالتحديد في مرحلة المحقق الحلي .
    نرجع الآن لبيان باقي أقوال الفقهاء في مسألة تناقض ادعاء الإجماع عند المجتهدين :
    يقول الشيخ محمد جواد مغنية : ﴿ لم أرَ شيئاً كثر مدعوه والمتشبثون به مثل الإجماع حتى أصبح التمسك به فوضى أو شبيهاً بالفوضى فكل من أعوزه الدليل يلتجئ إلى الإجماع بل قد يفتي بشيء ويستدل بالإجماع ثم يعدل ويفتي بضده ويستدل بالإجماع واخر ما اطلعت عليه ما جاء في ﴿الدرر النجفية﴾ ص282 لصاحب الحدائق ان بعض معاصريه أفتى بتحريم كل مأكول أو مشروب سقطت فيه نقطة من عرق الإنسان أو دمعة من عينيه أو شيء من بصاقه أو مخاطه مدعياً إجماع المتقدمين والمتأخرين مع العلم بأنه لا أساس لهذا الإجماع من الصحة وأنه لا شك في عدم التحريم﴾﴿ - مع علماء النجف الاشرف – الشيخ محمد جواد مغنية – ص73 ﴾.
    لقد ذكر الشيخ فيما تقدم أدعاء إجماع أحد الفقهاء على أمر لم يقل به أحد ونحب أن نبين للقارئ الكريم بأن هذه المسألة لم يتفرد بها هذا الفقيه أبداً فقد ذكر الطبرسي بأن السيد المرتضى والشيخ الطوسي قد حصل معهم نفس هذا الشيء حيث ادعوا الإجماع في المسائل التي لم يظهر لها قائل واليك نص كلام الطبرسي : ﴿ ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية على أمر وإن لم يظهر به قائل !!! ﴾﴿ فصل الخطاب –الطبرسي - ص34

    إن هذه المسألة من أعظم المهازل في تأريخنا الإسلامي حيث يدعى الإجماع ولم يدخل في الإجماع أحد من الإمامية ولا حتى القائل نفسه !!
    وعن هذه المسألة قال المحقق البحراني ما هذا نصه : ﴿ عن رسالة شيخنا الشهيد الثاني من ضبط جملة من الإجماعات التي أدعى الشيخ فيها الإجماع على حكم وأدعى الإجماع على خلافه وهكذا دعاوى المرتضى الإجماع على ما يتفرد به ونحوه غيره ، فإنه لا وثوق حينئذ بنقلهم لهذا الإجماع﴾﴿- الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 9 - ص 373 ﴾.
    وقال أيضاً : ﴿ إن أساطين الإجماع كالشيخ والمرتضى وأبن إدريس وأضرابهم قد كفونا مؤنة القدح فيه وابطاله بمناقضاتهم بعضهم بعضاً في دعواه ، بل مناقضة الواحد منهم نفسه في ذلك كما لا يخفى على المتتبع البصير﴾﴿ - المصدر السابق - ج 1 - ص 37﴾.
    وبعد هذه الأقوال نقول : أين اللطف الإلهي من هذا التناقض والتيه الذي بات عليه فقهاء الإمامية منذ الغيبة والى يومنا هذا فإذا كانوا تحت عناية اللطف الإلهي وجب أنتفاء التناقض في أقوالهم واجتماعهم على أمر واحد لا تناقض فيه وهذا مما لا أثر له البته بل ان المؤكد عندنا ووفق السُنن الإلهية ان الأمة الإسلامية في تيه تام الا من رحم ربي وشمله اللطف وليس كل الناس مستحقين لهذا اللطف فإنه خاص لمن حباهم الله برحمته وبرأهم من الاثام التي غيبت الإمام المظلوم (ع).
    ثم ان قلنا بوجود هذه القاعدة في زمان الغيبة لوجب على الإمام (ع) أيضاً ان يزيل الاختلاف الحاصل بين الفقهاء في المسائل الخلافية حتى لا يقع البعض بإتباع الباطل فإن الاختلاف إلى قولين أو أكثر يؤكد وفق العقل والمنطق بأن الحق مع واحد وهو المصيب والباقون إنما هم مخالفين للحق ومتبعين للباطل هم ومن يقلدهم من الناس فوجب على الإمام المعصوم (ع) في هذه الحالة وفق قاعدة اللطف الإلهي -التي فرضها الفقهاء- ان يزيل اللبس الحاصل عند بعض الفقهاء ويرشدهم إلى إتباع الحق في المسائل الخلافية، فإن هذه المسألة لا تقل أهمية عن إجماع الفقهاء على قول باطل أو إجماع فرقة منهم على خلاف الحق.
    إن هذا اللطف الإلهي -كما يحب ان يسميه الفقهاء- لم يحصل وعلى طول الغيبة والى يومنا هذا لا لتقصير من الإمام (ع) حاشاه من ذلك بل ان الغضب الإلهي لازال موجوداً إلى يومنا هذا ومن يشمله الغضب يبقى في التيه ما بقيت الحياة الا من تاب وأمن وعمل صالحا فَهُم في مأمن من الغضب الإلهي ولا ريب في ان يشملهم اللطف الإلهي بجميع أنواعه .
    وبعد هذا البيان نكون قد أنتهينا من هذه الطريقة التي زعم الفقهاء بانها كفيلة لمعرفة دخول المعصوم (ع) في إجماع الفقهاء .


    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3
      3- طريقة الحدس
      لخص الشيخ المظفر هذه الطريقة بقوله : ﴿ وهي أن يقطع بكون ما اتفق عليه الفقهاء الإمامية وصل إليهم من رئيسهم وإمامهم يداً بيد ، فإن اتفاقهم مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل يعلم منه أن الاتفاق كان مستندا إلى رأي إمامهم ، لا عن اختراع للرأي من تلقاء أنفسهم إتباعا للأهواء أو استقلالا بالفهم . كما يكون ذلك في اتفاق أتباع سائر ذوي الآراء والمذاهب ، فإنه لا نشك فيها أنها مأخوذة من متبوعهم ورئيسهم الذي يرجعون إليه . والذي يظهر أنه قد ذهب إلى هذه الطريقة أكثر المتأخرين . ولازمها أن الاتفاق ينبغي أن يقع في جميع العصور من عصر الأئمة إلى العصر الذي نحن فيه ، لأن اتفاق أهل عصر واحد مع مخالفة من تقدم يقدح في حصول القطع ، بل يقدح فيه مخالفة معلوم النسب ممن يعتد بقوله ، فضلاً عن مجهول النسب﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 114-115 ﴾.
      لقد بينا فيما تقدم بانه لم تبقى مسألة من مسائل الفقه لم يختلف فيها فقهاء الإمامية وعليه لم يتحقق إجماعهم على حكم مسألة واحدة في عصر الغيبة أبداً، ولو تنزلنا جدلا وقبلنا هذه الطريقة على حسب الفرض فإن الذي يردعنا هنا هو ان هذه الطريقة لم تتحقق لفقهاء الإمامية على مر التأريخ فلم يروي لنا بأن فقهاء الإمامية قد استلموا من الإمام (ع) في يوم من الأيام حكماً لمسألة ما يداً بيد كما يقول الشيخ المظفر .
      ولا يخفى لمن تمعن كلام الشيخ المظفر ان يفهم بأن معنى هذا الإجماع هو نفس المعنى الذي ذهب إليه فقهاء العامة، حيث وجّب فقهاء العامة دخول كل الفقهاء في جملة الإجماع وقد وجب فقهاء الإمامية دخول كل الفقهاء الإمامية في جملة الإجماع الحدسي ولم يفرقوا بين معلوم النسب وبين مجهول النسب ﴿ان وجد أصلا﴾ ولا يخفى ان هذه الطريقة هي طريقة المتأخرين فإننا قد ذكرنا بأن فقهاء الإمامية كلما مر بهم الزمان كلما اقتربت أصولهم من أصول المخالفين للأئمة (ع) فإن هذا الإجماع هو نفس إجماع العامة، قد تبناه متأخري الإمامية حتى صار عندهم الأصل إلا إنهم قد أختلفوا فيه فقد ذكر المظفر أن هذا النوع من الإجماع لا بد أن يتحقق فيه إجماع جميع فقهاء الإمامية من عصر الأئمة (ع) والى عصرنا هذا، وهذا الأمر ممتنع لسبب بسيط وهو اختلاف الفقهاء في جميع مسائل الفقه منذ الغيبة والى يومنا هذا كما ذكرنا ولهذا السبب بدل الفقهاء هذه المسألة أي إجماع جميع الفقهاء إلى القول بأن الإجماع الحدسي لا يشترط تحققه اتفاق كل الفقهاء ولا اتفاقهم في عصر واحد بل الذي يكفي الغرض هو استكشاف قول المعصوم بطريق الحدس من فتوى الفقهاء كما يقول آقا رضا الهمداني : ﴿إن المدار في حجية الإجماع على ما قررناه في محله واستقر عليه رأى المتأخرين ليس على اتفاق الكل بل ولا اتفاقهم في عصر واحد بل على استكشاف رأى المعصوم بطريق الحدس من فتوى علماء الشيعة﴾﴿ مصباح الفقيه – آقا رضا الهمداني – ج2ق2 – ص 436-437
      إن الحدس في اللغة هو : ﴿التوهم في معاني الكلام والأمور ، بلغني عن فلان أمر وأنا أحدس فيه أي أقول بالظن والتوهم . وحدس عليه ظنه يحدسه ويحدسه حدسا : لم يحققه﴾﴿ لسان العرب - أبن منظور - ج 6 - ص 46

      وعليه فإن الفقهاء يظنون ويتوهمون دخول المعصوم في إجماعهم وان كان المجمعون هم البعض وليس الكل فهل أصبح الدين يأخذ بالتوهم والظنون !! وإذا كان كذلك فعلى الإسلام السلام .
      إن العجيب عند الفقهاء هو قولهم بأن الإجماع يحصل تارة بحدس الفقيه وأخرى بأحساسه ثم يقولون بعد ذلك بأن الإجماع لا بد أن يكشف عن قول المعصوم على نحو القطع !! كما يقول الشيخ المظفر : ﴿ إن الإجماع بما هو إجماع لا قيمة علمية له عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم ... فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 110﴾.
      وقال أيضاً : ﴿ الإجماع إنما يكون حجة إذا كشف كشفا قطعيا عن قول المعصوم ﴾﴿ - المصدر السابق- ص 116﴾.
      فهل الحدس والحس يؤديان بنا إلى القطع أم إلى التوهم والظن ؟ إن هذه المسألة من التناقضات التي اعتاد الفقهاء عليها كيف وهم قد أجمعوا على مسألة ثم أجمعوا على نقيضها وكما تقدم ذكره .
      وبهذا نكون قد انتهينا من مناقشة ثالث الطرق التي أدعى الفقهاء من خلالها التمكن من معرفة دخول المعصوم في الإجماع وقد بينا بطلانها وعدم قدرتها على الكشف القطعي لقول المعصوم في حال غيبته .

      4- طريقة التقرير
      لخص الشيخ المظفر هذه الطريقة بقوله : ﴿وهي أن يتحقق الإجماع بمرأى ومسمع من المعصوم مع إمكان ردعهم ببيان الحق لهم ولو بإلقاء الخلاف بينهم ، فإن اتفاق الفقهاء على حكم - والحال هذه - يكشف عن إقرار المعصوم لهم فيما رأوه وتقريرهم على ما ذهبوا إليه ، فيكون ذلك دليلاً على أن ما اتفقوا عليه هو حكم الله واقعا . وهذه الطريقة لا تتم إلا مع إحراز جميع شروط التقرير ﴾﴿أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 116-117﴾.
      وقد ذكر الشيخ المظفر شروط التقرير في محل آخر قائلاً : ﴿المقصود من " تقرير المعصوم " أن يفعل شخص بمشهد المعصوم وحضوره فعلا ، فيسكت المعصوم عنه مع توجهه إليه وعلمه بفعله، وكان المعصوم بحالة يسعه تنبيه الفاعل لو كان مخطئا. والسعة تكون من جهة عدم ضيق الوقت عن البيان، ومن جهة عدم المانع، منه، كالخوف والتقية واليأس من تأثير الإرشاد والتنبيه ونحو ذلك. فإن سكوت المعصوم عن ردع الفاعل أو عن بيان شيء حول الموضوع لتصحيحه يسمى تقريرا للفعل ، أو إقرارا عليه، أو إمضاء له، ما شئت فعبر﴾﴿ - المصدر السابق - ص 70﴾.
      لقد ذكرنا فيما تقدم بأن الإجماع لا قيمة له في زمان الأئمة (ع) إطلاقاً لأن الحجة إنما هي لقول المعصوم (ع) وحده لأنه الحاكي الفعلي لشريعة رب العالمين، بل هو لسانها الناطق بالصدق عنها دون غيره ومن زعم انه مثله أو شبيه به فهو كاذب بل متمادي في الكذب والافتراء وعليه فإن تحصيل الإجماع في زمان الأئمة (ع) لا يعد الا لغواً في الكلام بل هو استنزاف للعقول فإن الواجب علينا فهمه وتحصيله هو قول المعصوم (ع) دون من سواه .
      إن طريقة التقرير هذه إذا تنزلنا جدلاً وقبلناها فإنها غير قابلة للتطبيق في زمان الغيبة لعلمنا جميعاً بأن المعصوم (ع) في غيبة لا يصح معها إظهار نفسه لكثرة أعدائه من الخاصة والعامة وأن حصل واظهر من يمثله ليبلغ قوله لبالغ الفقهاء في تكذيبه بل حتى قتله وقالوا له بأن من أدعى المشاهدة فهو كذاب مفتري اعتمادا منهم على خبر مرسل لم يعمل به ناقله﴿ ﴾.
      وبهذا نكون قد أنتهينا من بيان الطرق التي أدعى الفقهاء بانها كفيلة لمعرفة دخول المعصوم (ع) في جملة الإجماع وقد بينا ضعفها وعدم قدرتها على اعطاء القطع الجازم بدخول المعصوم (ع) في الإجماعات التي ادعاها الفقهاء وخصوصاً تلك التي نشأت بعد الغيبة .
      بعد مرور السنين الطويلة على غيبة الإمام المظلوم (ع) أختلف موقف الفقهاء من الإجماع فقد شهدت كتب المتقدمين من فقهاء الإمامية كثرة ادعاء الإجماع، بينما قلت هذه النسبة وبشكل ملحوظ في كتب المتأخرين بل ان متأخري الإمامية عندما يذكرون مسألة ما لا يعتمدون على الإجماع فيها إلا إذا كان الإجماع منظمّاً إلى دليل آخر هو في أغلب الاحيان دليل العقل وقد ذكر هذه المسألة الشيخ محمد جواد مغنية في قوله : ﴿أن ثمة تبايناً بين موقف متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم من مسألة الإجماع، حيث اتفق المتقدمون ﴿من الشيعة﴾ على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب، والسُنة، والإجماع، والعقل، وغالوا في الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلاً على كل أصل وكل فرع، وعد المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر ولكنهم أهملوه، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضماً مع دليل آخر في أصل معتبر﴾﴿ - أصول الفقه للشيعة الإمامية بين القديم والحديث/ بحث بمجلة رسالة الإسلام، السنة الثانية، العدد الثالث: ص 284-286﴾.
      إن اعراض أغلب الفقهاء وليس كلهم عن دليل الإجماع إنما هو لعدم تمكنهم من احراز القطع بدخول المعصوم (ع) في إجماعاتهم وهذه المسألة واضحة غاية الوضوح في قول الشيخ المظفر : ﴿لم تبق لنا ثقة بالإجماع فيما بعد عصر الإمام في استفادة قول الإمام على سبيل القطع واليقين﴾﴿ ﴾.
      وكذلك في قول السيد الخوئي : ﴿وأما الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام : فهو نادر الوجود . وأما غير الكاشف عن قوله عليه السلام ، فهو لا يكون حجة لأنه غير خارج عن حدود الظن غير المعتبر .﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 120 ﴾.
      وبهذا يتبين تباين المواقف بين متقدمي الإمامية ومتأخريهم وهذا التباين نتج عنه معارضة المتأخرين للكثير من الإجماعات التي ادعاها متقدمي الإمامية وسوف نذكر فيما يلي بعض الأمثلة التي تحكي لنا هذا التباين.
      اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

      تعليق

      يعمل...
      X