التقليد في التأريخ الإسلامي
جرت الأمة الإسلامية على سُنن اليهود والنصارى في مسألة التقليد حذو النعل بالنعل حتى أنهم أختلفوا في حجية هذه المسألة كما أختلف من كان قبلهم وكما قرأنا في الفصل السابق .
لم يكن للتقليد أثر صريح في أحاديث النبي محمد (ص) ولم تذكر ضوابط التقليد ولا قيوده أو حدوده عند أحد من الصحابة أو التابعين، بل إننا شهدنا ظهور التقليد بعد عدة قرون خلت من الدعوة وبالتحديد بعد أنتشار مسألة الإجتهاد واختلاف المجتهدين من فقهاء المسلمين إلى مذاهب مختلفة حتى أشتد التناحر والتنافر فيما بينهم وكما قرأنا في مبحث الإجتهاد . كل هذه المسائل صعبت على الناس أن يتعلموا أحكام الإسلام من جميع الفقهاء فكل فقيه يفتي بخلاف الآخر وكل فقيه هو مذهب قائم بذاته له أحكامه وأصوله وقواعده بل إن شئت فقل لكل واحد منهم شريعة مختلفة عن غيره كيف لا ؟ وهم مختلفون في الكثير من الحلال والحرام والقواعد والأصول .
إن هذا الاختلاف دعاهم إلى القول بالتقليد حتى عقدوا له أبوابا في كتبهم لم تكن تكتب من قبل في كتب الفقهاء السابقين حتى قالوا ان من أسلم فله ان يختار مذهباً من مذاهبنا فيقلده ويتعبد بأحكامه ونسبوا ذلك إلى الإجماع كما أدعى ذلك القرافي وغيره حيث قال : ﴿انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حجر . وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر وقلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ، ويعمل بقولهم بغير نكير﴾﴿ - أضواء البيان-الشنقيطي-ج7-ص306/تيسير التحرير- ج2 - ص256 / مسلم الثبوت - ج2 -ص357 ﴾ .
إن هذا الإجماع المدعى سوف يتبين زيفه من خلال البحث وسيُرى كيف ان الكثير من الفقهاء يعارضون التقليد بل ان رؤساء المذاهب الاربعة وأئمتهم يحرمون التقليد .
إن ما يهمنا هنا ان نتسائل كيف تحول الإسلام من دين واحد إلى شرائع متعددة بل ومتنافرة ؟ حتى أصبح الداخلين للإسلام يتخيرون أيٍ من هذه المذاهب تعجبهم لكي يدخلوا تحت عباءته !!
إن هذه المسألة من المهازل التي مر بها تأريخنا الإسلامي والى يومنا هذا كيف لا ؟ وهي مخالفة للكتاب والسُنة فالكتاب أمرنا وأمر جميع الأديان من قبل بأن لا يتحزبوا ولا يتفرقوا قال تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...﴾وقال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
إن مسألة التقليد والتمذهب مخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسُنة والايات الكريمة، والأحاديث الشريفة في هذا الصدد كثيرة جدا فقد أمرنا الرسول الكريم (ص) في أكثر من حديث بلزوم الجماعة وأجتناب الفرقة علماً بأن التقليد والتمذهب منافي لهذه المسألة هذا من جهة ومن جهة أخرى وهي إن حكم الله واحد في كل واقعة فحلال الله واحد وحرامه واحد ولا يجوز الاختلاف في الحلال والحرام أبداً وقد أمرنا الله تعالى بقوله : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾. وقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾
إن الحديث عن بطلان الإجتهاد قد تقدم وقد فصلنا في حينها بطلانه وبطلان أدواته كالقياس والرأي وغيرها من المسائل التي دأب الفقهاء على أعتمادها والإنقياد لنتائجها. فالعمدة في معرفة الدين هو الكتاب والسُنة فليس لنا التشريع ولم يوكل أمره إلى أحد من الخلق أبداً وكما مر بيانه .
وإننا قد علمنا في مبحث الإجتهاد ان الفقهاء سائرين على خط لم يرسمه الله لنا أبداً ولم يبينه نبينا لنا أبداً هذا الخط الذي رسمه الفقهاء من تلقاء عقولهم وأطلقوا عليه أسم الإجتهاد وزعموا ان نتائجه توصل العبد إلى مرضاة الله مع إننا قد رأينا ما حل بالمسلمين من اختلاف شديد وتناحر وتفتت لكلمتهم من جراء الإجتهاد وكثرة الآراء التي جلبت لنا القيل والقال، وبعد هذا هل يستطيع عاقل ان يتبع هذا السبيل أو أن يتبع القائمين على هذا السبيل ويزعم أن تقليدهم والعمل بآرائهم مبرئ للذمة أمام الله تعالى .
إننا في هذا الفصل والفصل القادم عقدنا العزم على أبطال ما أستدل به الفقهاء على حجية التقليد فضلاً عن وجوبه على الناس وسنبين بمشيئة الله بطلان الأدلة المخترعة للتقليد فيما يلي وقبل ذلك نحب أن نبين تعريف التقليد الذي ذكره فقهاء العامة في كتبهم الفقهية :
تعريف التقليد: عرف الفقهاء التقليد في أكثر من قول منها ما ذكره أبن حجر في قوله : ﴿المراد بالتقليد اخذ قول الغير بغير حجة﴾﴿فتح الباري - أبن حجر - ج 13 - ص 295 ﴾ وقال الآمدي : ﴿أما التقليد فعبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة ، وهو مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه﴾﴿- الاحكام - الآمدي - ج 4 - ص 221
إن الفقهاء بعد أن ذكروا تعريف التقليد وهو أشهر من أن يخفى بدأوا يتلاعبون بالألفاظ حتى يصرفوا معنى التقليد عن تعريفه الذي ذكروه حيث ذكر الآمدي كلا من المفتي والمستفتي في كتابه ﴿الأحكام﴾ وذكر لكل منهما ما عليه وفق طرق الأصوليين فقال في المفتي : ﴿وأما المفتي فلا بد وأن يكون من أهل الإجتهاد ، وإنما يكون كذلك بأن يكون عارفا بالأدلة العقلية﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 222 ﴾.
إن هذه اللابدية لم تذكر في أي دليل من الكتاب والسُنة بل أن كل الأدلة ضد هذا الكلام حيث اثبتنا في بحث الإجتهاد ان المسلم لا بد وأن يكون خاضعاً للشريعة لا متقدماً عليها والأدلة العقلية هي تقدم على قول المشرع كيف لا ؟ وهي تستخدم حين فقدان النصوص .
إن نبينا محمد (ص) تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها يوم أكمل لنا ديننا واتم علينا النعمة، إلا أن الفقهاء صعبوا الدين على الناس بتفريعاتهم المعقدة حتى أصبح لاي مسألة من مسائل الفقه أكثر من كتاب كل هذا ليجبروا الناس على الإنقياد لهم ويعطوا للناس فكرة بأن الدين ليس بمتناول ايديكم وأنه لا بد أن تقضوا سنين العمر بالتعلم والإجتهاد حتى تتمكنوا من معرفة دينكم، وكأن الدين نزل عليهم فقط ولم ينزل على باقي الناس وكأنه مخصوص فيهم وليس لكل الناس، والحق يقال ان الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وان الله رحيم بالعباد فلا يعقل ان ينزل الله لنا ديناً يتوجب علينا ان نقضي أكثر العمر لكي نفهمه أو نستوعبه فهل هذا الدين رحمة أو هو بلاء نزل علينا ؟!
إن الفقهاء بعد أن أعطوا للناس صورة مشوهة عن الدين من خلال كثرة التفريعات والمصطلحات العجيبة الغريبة قالوا بأن العامي -كما يحبون ان يسمون الناس- ليس أمامه إلا التقليد أو الإجتهاد لكي يبرئ ذمته أمام الله، أما الإجتهاد فإن العامي يحتاج إلى أكثر من ثلاثين سنة - إن كان من الاذكياء !- لكي يحصل على هذه المرتبة فإن لم يستطع فعليه أن يقلد أحد المجتهدين من أئمة المذاهب قال الآمدي : ﴿العامي ومن ليس له أهلية الإجتهاد، وان كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الإجتهاد، يلزمه إتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه ، عند المحققين من الأصوليين﴾﴿ - الاحكام - الآمدي - ج 4 - ص 228 ﴾.
نقول : إذا كان للإجتهاد والتقليد هذه الأهمية وجب على النبي (ص) أن يبلغ الناس بانهم لا بد أن يكونوا اما مجتهدين أو مقلدين للمجتهدين ومن لم يفعل هذا فقد عصى الله إلا إننا لم نجد النبي الكريم (ص) قد أمر الناس بهذه المقالة فمن أين جئتم بها أذن ؟؟ فإن كانت من عند أنفسكم فنحن غير ملزمين بأن نأخذ ما يختلج في أوهامكم وإن كانت بالدليل المزعوم فنحن سنناقش ما توهمتموه بانه من الأدلة على حجية التقليد أو وجوبه
جرت الأمة الإسلامية على سُنن اليهود والنصارى في مسألة التقليد حذو النعل بالنعل حتى أنهم أختلفوا في حجية هذه المسألة كما أختلف من كان قبلهم وكما قرأنا في الفصل السابق .
لم يكن للتقليد أثر صريح في أحاديث النبي محمد (ص) ولم تذكر ضوابط التقليد ولا قيوده أو حدوده عند أحد من الصحابة أو التابعين، بل إننا شهدنا ظهور التقليد بعد عدة قرون خلت من الدعوة وبالتحديد بعد أنتشار مسألة الإجتهاد واختلاف المجتهدين من فقهاء المسلمين إلى مذاهب مختلفة حتى أشتد التناحر والتنافر فيما بينهم وكما قرأنا في مبحث الإجتهاد . كل هذه المسائل صعبت على الناس أن يتعلموا أحكام الإسلام من جميع الفقهاء فكل فقيه يفتي بخلاف الآخر وكل فقيه هو مذهب قائم بذاته له أحكامه وأصوله وقواعده بل إن شئت فقل لكل واحد منهم شريعة مختلفة عن غيره كيف لا ؟ وهم مختلفون في الكثير من الحلال والحرام والقواعد والأصول .
إن هذا الاختلاف دعاهم إلى القول بالتقليد حتى عقدوا له أبوابا في كتبهم لم تكن تكتب من قبل في كتب الفقهاء السابقين حتى قالوا ان من أسلم فله ان يختار مذهباً من مذاهبنا فيقلده ويتعبد بأحكامه ونسبوا ذلك إلى الإجماع كما أدعى ذلك القرافي وغيره حيث قال : ﴿انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حجر . وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر وقلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ، ويعمل بقولهم بغير نكير﴾﴿ - أضواء البيان-الشنقيطي-ج7-ص306/تيسير التحرير- ج2 - ص256 / مسلم الثبوت - ج2 -ص357 ﴾ .
إن هذا الإجماع المدعى سوف يتبين زيفه من خلال البحث وسيُرى كيف ان الكثير من الفقهاء يعارضون التقليد بل ان رؤساء المذاهب الاربعة وأئمتهم يحرمون التقليد .
إن ما يهمنا هنا ان نتسائل كيف تحول الإسلام من دين واحد إلى شرائع متعددة بل ومتنافرة ؟ حتى أصبح الداخلين للإسلام يتخيرون أيٍ من هذه المذاهب تعجبهم لكي يدخلوا تحت عباءته !!
إن هذه المسألة من المهازل التي مر بها تأريخنا الإسلامي والى يومنا هذا كيف لا ؟ وهي مخالفة للكتاب والسُنة فالكتاب أمرنا وأمر جميع الأديان من قبل بأن لا يتحزبوا ولا يتفرقوا قال تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...﴾وقال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
إن مسألة التقليد والتمذهب مخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسُنة والايات الكريمة، والأحاديث الشريفة في هذا الصدد كثيرة جدا فقد أمرنا الرسول الكريم (ص) في أكثر من حديث بلزوم الجماعة وأجتناب الفرقة علماً بأن التقليد والتمذهب منافي لهذه المسألة هذا من جهة ومن جهة أخرى وهي إن حكم الله واحد في كل واقعة فحلال الله واحد وحرامه واحد ولا يجوز الاختلاف في الحلال والحرام أبداً وقد أمرنا الله تعالى بقوله : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾. وقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾
إن الحديث عن بطلان الإجتهاد قد تقدم وقد فصلنا في حينها بطلانه وبطلان أدواته كالقياس والرأي وغيرها من المسائل التي دأب الفقهاء على أعتمادها والإنقياد لنتائجها. فالعمدة في معرفة الدين هو الكتاب والسُنة فليس لنا التشريع ولم يوكل أمره إلى أحد من الخلق أبداً وكما مر بيانه .
وإننا قد علمنا في مبحث الإجتهاد ان الفقهاء سائرين على خط لم يرسمه الله لنا أبداً ولم يبينه نبينا لنا أبداً هذا الخط الذي رسمه الفقهاء من تلقاء عقولهم وأطلقوا عليه أسم الإجتهاد وزعموا ان نتائجه توصل العبد إلى مرضاة الله مع إننا قد رأينا ما حل بالمسلمين من اختلاف شديد وتناحر وتفتت لكلمتهم من جراء الإجتهاد وكثرة الآراء التي جلبت لنا القيل والقال، وبعد هذا هل يستطيع عاقل ان يتبع هذا السبيل أو أن يتبع القائمين على هذا السبيل ويزعم أن تقليدهم والعمل بآرائهم مبرئ للذمة أمام الله تعالى .
إننا في هذا الفصل والفصل القادم عقدنا العزم على أبطال ما أستدل به الفقهاء على حجية التقليد فضلاً عن وجوبه على الناس وسنبين بمشيئة الله بطلان الأدلة المخترعة للتقليد فيما يلي وقبل ذلك نحب أن نبين تعريف التقليد الذي ذكره فقهاء العامة في كتبهم الفقهية :
تعريف التقليد: عرف الفقهاء التقليد في أكثر من قول منها ما ذكره أبن حجر في قوله : ﴿المراد بالتقليد اخذ قول الغير بغير حجة﴾﴿فتح الباري - أبن حجر - ج 13 - ص 295 ﴾ وقال الآمدي : ﴿أما التقليد فعبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة ، وهو مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه﴾﴿- الاحكام - الآمدي - ج 4 - ص 221
إن الفقهاء بعد أن ذكروا تعريف التقليد وهو أشهر من أن يخفى بدأوا يتلاعبون بالألفاظ حتى يصرفوا معنى التقليد عن تعريفه الذي ذكروه حيث ذكر الآمدي كلا من المفتي والمستفتي في كتابه ﴿الأحكام﴾ وذكر لكل منهما ما عليه وفق طرق الأصوليين فقال في المفتي : ﴿وأما المفتي فلا بد وأن يكون من أهل الإجتهاد ، وإنما يكون كذلك بأن يكون عارفا بالأدلة العقلية﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 222 ﴾.
إن هذه اللابدية لم تذكر في أي دليل من الكتاب والسُنة بل أن كل الأدلة ضد هذا الكلام حيث اثبتنا في بحث الإجتهاد ان المسلم لا بد وأن يكون خاضعاً للشريعة لا متقدماً عليها والأدلة العقلية هي تقدم على قول المشرع كيف لا ؟ وهي تستخدم حين فقدان النصوص .
إن نبينا محمد (ص) تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها يوم أكمل لنا ديننا واتم علينا النعمة، إلا أن الفقهاء صعبوا الدين على الناس بتفريعاتهم المعقدة حتى أصبح لاي مسألة من مسائل الفقه أكثر من كتاب كل هذا ليجبروا الناس على الإنقياد لهم ويعطوا للناس فكرة بأن الدين ليس بمتناول ايديكم وأنه لا بد أن تقضوا سنين العمر بالتعلم والإجتهاد حتى تتمكنوا من معرفة دينكم، وكأن الدين نزل عليهم فقط ولم ينزل على باقي الناس وكأنه مخصوص فيهم وليس لكل الناس، والحق يقال ان الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وان الله رحيم بالعباد فلا يعقل ان ينزل الله لنا ديناً يتوجب علينا ان نقضي أكثر العمر لكي نفهمه أو نستوعبه فهل هذا الدين رحمة أو هو بلاء نزل علينا ؟!
إن الفقهاء بعد أن أعطوا للناس صورة مشوهة عن الدين من خلال كثرة التفريعات والمصطلحات العجيبة الغريبة قالوا بأن العامي -كما يحبون ان يسمون الناس- ليس أمامه إلا التقليد أو الإجتهاد لكي يبرئ ذمته أمام الله، أما الإجتهاد فإن العامي يحتاج إلى أكثر من ثلاثين سنة - إن كان من الاذكياء !- لكي يحصل على هذه المرتبة فإن لم يستطع فعليه أن يقلد أحد المجتهدين من أئمة المذاهب قال الآمدي : ﴿العامي ومن ليس له أهلية الإجتهاد، وان كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الإجتهاد، يلزمه إتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه ، عند المحققين من الأصوليين﴾﴿ - الاحكام - الآمدي - ج 4 - ص 228 ﴾.
نقول : إذا كان للإجتهاد والتقليد هذه الأهمية وجب على النبي (ص) أن يبلغ الناس بانهم لا بد أن يكونوا اما مجتهدين أو مقلدين للمجتهدين ومن لم يفعل هذا فقد عصى الله إلا إننا لم نجد النبي الكريم (ص) قد أمر الناس بهذه المقالة فمن أين جئتم بها أذن ؟؟ فإن كانت من عند أنفسكم فنحن غير ملزمين بأن نأخذ ما يختلج في أوهامكم وإن كانت بالدليل المزعوم فنحن سنناقش ما توهمتموه بانه من الأدلة على حجية التقليد أو وجوبه
تعليق