منقول من المموسوعة القرآنية للسيد القحطاني (الجزء الثاني)
تأويل سورة التكوير
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأي ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * انهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَان رَجِيمٍ * فَأين تَذْهَبُونَ * ان هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ ان يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا ان يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }( ) .
كما ذكرنا ان علم التأويل من العلوم الباطنية القائمة على إرجاع الفرع إلى أصله وهو من آل يؤول أي رجع رجوع وبهذا نعرف ان هذا الرجوع يكون ضمن دلالات وإشارات يعرفها المؤول .
وكما نعلم بان التأويل له عدة وجوه تتغير حسب تغيير الزمان أو المكان والبطون ، حيث ورد ان للقران سبعة بطون فكل بطن يختلف عن الآخر .
والان سوف نطرح تأويل سورة التكوير التي تعد من السور الخاصة بالإمام المهدي (عليه السلام) وتبين أشراط الساعة .
لذلك استعمل الباري جل ذكره أداة الشرط ( إذا ) التي هي تدل على الشرطية وبيان هذه الأمور المذكورة انما هي من أشراط الساعة سواءً كانت الصغرى أو الكبرى ومعنى الصغرى هي قيام الإمام المهدي (عليه السلام) ومعنى الكبرى هي قيام الباري جل ذكره .
ولا يخفى عليكم ان الله سبحانه وتعالى ذكر أداة الشرط في هذه السورة اثنا عشر مرة ، ولهذا العدد أسرار ودلالات مرتبطة بعالم العقيدة والدين ، حيث الأئمة إثنى عشر ونقباء المهدي إثنى عشر ودعاة الضلالة اثنى عشر من بني هاشم وغيرها من الانطباقات .
إذن ان الشمس تكور ومعنى الشمس هو الإمام المهدي (عليه السلام) .
ومعنى كورت أي تحقق الظهور الأصغر للإمام المهدي (عليه السلام) حينما يبدأ بتكوير الأرض أي يتصل بأصحابه عن طريق الرؤيا والمكاشفة واللقاء ويخبرهم بقرب الظهور الأكبر وقيام الحق ، مما يؤدي إلى تجمعهم من كل أطراف الأرض فعبر عنها بالتكوير إشارة إلى انه (عليه السلام) يتخذ مساراً كروياً مكوراً نظراً لكروية الأرض بالتحرك على أصحابه لكي يجمعهم من كل الكور كورة كورة .
إذن أول أشراط الساعة هو تكوير الشمس وهو الظهور الأصغر لصاحب العصر والزمان .
{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } ان معنى النجوم هو الأولياء والأبرار الربانيين أو بعبارة أدق هم الأبدال ، حيث ذكر أرباب المعرفة ان الأرض لا تثبت إلا بوجود القطب وهو الإمام (عليه السلام) والأوتاد ( أربعة صالحين ) والأبدال ( الذين بعضهم يعدهم ثلاثين ) .
وانما مثلهم الله سبحانه بالنجوم لان مثلهم في الأرض والسماء كالنجوم فهي معلقة في السماء لكي تكون زينة وهداية للعباد قال تعالى : {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } النحل 16 ، أو {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا } الانعام 97
.
فهؤلاء كالنجوم لان أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى ، وان كانت أجسادهم مع الناس بل هم يضيئون لأهل الأرض طريقهم ويبينون منهجهم ، فهم بولايتهم لعلي (عليه السلام) واتصالهم به وتعلق أرواحهم بروحه الطاهرة أصبحوا كالمصابيح لان علي (عليه السلام) هو المصباح الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه في آية النور :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَواتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } النور 35
.
فالمصباح هو علي كما ورد في المأثور عن أهل البيت لذلك سما الأبدال مصابيح قال تعالى :
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } الملك 5
.
فانكدار النجوم هو موت هؤلاء الأولياء الإلاهيين وهؤلاء يعرفهم من في السماء وينكرهم من في الأرض إذن ليس المقصود هؤلاء أصحاب الشهرة والرئاسة من علماء والفقهاء الذين تعارف عليهم واشتهروا بين الناس بل انهم اناس مجهولين كما وصفهم الحديث ( أخفى الله وليه في أرضه ) وهم سبب الهداية للناس فلا يظهر القائم حتى يموت هؤلاء .
وقد ورد في الحديث ما يعضد ذلك أي (موت العلماء الصالحين وبقاء علماء الضلالة والدجل ) وهذا يؤدي إلى نقصان الهداية في الأرض التي هي من العلل الرئيسية لظهور المهدي لذلك ورد في تأويل قوله تعالى : { انا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } الكافي ج1 – ص38 .
قال علي بن الحسين (عليه السلام) : ( هو فقد العلماء) الكافي ج1 – ص38.
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ومعنى الجبال هم الرجال وبالأخص هم العلماء وشبههم الله سبحانه وتعالى بالجبال لان الجبل له شهرة وقوة وبيان لا يخفى ، وقد ورد هذا المعنى في تأويل قوله تعالى : ({ وَان كَان مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } ، قال تزول منه قلوب الرجال ) تفسير نور الثقلين ج2 ص553.
ومعنى تسيير هذه الجبال هو حركتها وبالتالي انكشافها لانها كانت ثابتة في مكانها فلا يرى الناس ما تحتها وما خفي من خبث سريرتها ، حتى إذا جمعت من هذا وذاك تحركت نحو الدعوة لنفسها والسير مع ألفتن وطرح الخدع والأباطيل .
وقد ورد من علامات قيام الإمام (عليه السلام) عن أبي خديجة قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( لا يخرج القائم حتى يخرج إثنا عشر رجلا من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه) الإرشاد ج2 ص272
وبعد فترة من الزمن ينكشف ويظهر باطله وتكون نهايته ان ينسفهم الإمام نسفاً ويجعلهم في أدنى مستوى لا ترى لهم سمعة ولا شهرة قال تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً* لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً } طه 107- 106 .
وبذلك يخرج داعي الحق ويجيبه أهل الخير فيقدم لهم طريق مستقيم لاعوج فيه لذلك بعد هذه الآيات أعقبها سبحانه :
{ يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له } وكما قدمنا سابقاً ان الداعي للإمام هو السيد اليماني الموصوف في روايات أهل البيت (عليهم السلام) انه يهدي إلى طريق مستقيم وهو مصداق الآية في قوله تعالى { لا عوج له } فالطريق المستقيم لا عوج له كذلك وصف اليماني في ما ورد ( انه يدعوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم) غيبة النعماني 264
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } ، المقصود من العشار على حسب التأويل هي الليالي العشرة والأيام العشرة التي هي عشرة أيام من شهر ذي الحجة التي يحج بها الناس وتسمى أيام الحج .
فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكره لعلامات قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وتعطيل الحج ، فقال في حديث طويل : ( ... فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين ... ) بحار الانوار ج52 ص217 ، وهي الليالي العشرة التي وردت في قوله تعالى :
{ والفجر وليال عشر } ومعنى الفجر هو ظهور الإمام (عليه السلام) لان الله سبحانه سماه بالفجر في سورة القدر { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفجر } .
وأيام عشر هي ليالي عاشوراء التي تعتبر عند الشيعة أيام مقدسة حيث في آخرها يظهر صاحب العصر والزمان أي يطلع الفجر عليها كما ورد في الحديث بان ظهور القائم في العاشر من محرم وهذه الليالي العشر من عاشوراء سوف تعطل قبل قيام القائم .
وذلك لان السفياني (عليه اللعنة) الذي هو من أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) سوف يقتل كل من يعترف بالحسين أو يبكي عليه ، وسوف يمنع إقامة العزاء وإحياء هذه الشعائر المقدسة .
{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ، والوحوش هم بعض الناس قبل قيام القائم حيث يكون هؤلاء في حالة من المسخ الروحي المبني على الوحشية ، حيث يرون خصمائهم يموتون جوعاً وهم يأكلون أكلهم ويمنعوهم حقهم ويتصرفون بأموال الطاهر المطهر الإمام المهدي (روحي له الفداء) بصورة وحشية لا يرحمون يتيماً ولا يعطون أرملة ولا يعطفون على مسكين فهؤلاء يصبحون كالذئاب كما قال المعصوم (عليه السلام) :
( يأتي زمان على الناس يصبحون كالذئاب) وكما اشتهر بين الناس ( ان لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب ) .
ومعنى حشرت أي يحشرون ويتجمعون لحرب بعضهم بعضاً فتصبح حرب الوحوش أو بعبارة أخرى يسلط الله سبحانه وتعالى الوحوش على الوحوش فيحشرهم جميعاً من أجل خلق الفتن وإشعال النار داخل البحار التي هي الجيوش لذلك قال تعالى :
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } ، ومعنى هذه البحار هي الجيوش التي تأتي وتجتمع من أجل الحرب في ساعة الفتنة حيث تشتعل نار الفتن فيها فتصبح كالبحار المتوقدة تحرق كل من دخل فيها .
لذلك ورد في الحديث من علامات الإمام (عليه السلام) هو ظهور الفتن وأي فتن هي ، فالقاتل والمقتول في النار وأحسنهم حالا من ترك هذا الطريق وسلك طريق الاعتزال إذ ان معنى سجرت أي إحترقت نار الحرب وشبت نار الفتن داخل هذه الجيوش .
يتبع يتبع
تأويل سورة التكوير
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأي ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * انهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَان رَجِيمٍ * فَأين تَذْهَبُونَ * ان هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ ان يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا ان يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }( ) .
كما ذكرنا ان علم التأويل من العلوم الباطنية القائمة على إرجاع الفرع إلى أصله وهو من آل يؤول أي رجع رجوع وبهذا نعرف ان هذا الرجوع يكون ضمن دلالات وإشارات يعرفها المؤول .
وكما نعلم بان التأويل له عدة وجوه تتغير حسب تغيير الزمان أو المكان والبطون ، حيث ورد ان للقران سبعة بطون فكل بطن يختلف عن الآخر .
والان سوف نطرح تأويل سورة التكوير التي تعد من السور الخاصة بالإمام المهدي (عليه السلام) وتبين أشراط الساعة .
لذلك استعمل الباري جل ذكره أداة الشرط ( إذا ) التي هي تدل على الشرطية وبيان هذه الأمور المذكورة انما هي من أشراط الساعة سواءً كانت الصغرى أو الكبرى ومعنى الصغرى هي قيام الإمام المهدي (عليه السلام) ومعنى الكبرى هي قيام الباري جل ذكره .
ولا يخفى عليكم ان الله سبحانه وتعالى ذكر أداة الشرط في هذه السورة اثنا عشر مرة ، ولهذا العدد أسرار ودلالات مرتبطة بعالم العقيدة والدين ، حيث الأئمة إثنى عشر ونقباء المهدي إثنى عشر ودعاة الضلالة اثنى عشر من بني هاشم وغيرها من الانطباقات .
إذن ان الشمس تكور ومعنى الشمس هو الإمام المهدي (عليه السلام) .
ومعنى كورت أي تحقق الظهور الأصغر للإمام المهدي (عليه السلام) حينما يبدأ بتكوير الأرض أي يتصل بأصحابه عن طريق الرؤيا والمكاشفة واللقاء ويخبرهم بقرب الظهور الأكبر وقيام الحق ، مما يؤدي إلى تجمعهم من كل أطراف الأرض فعبر عنها بالتكوير إشارة إلى انه (عليه السلام) يتخذ مساراً كروياً مكوراً نظراً لكروية الأرض بالتحرك على أصحابه لكي يجمعهم من كل الكور كورة كورة .
إذن أول أشراط الساعة هو تكوير الشمس وهو الظهور الأصغر لصاحب العصر والزمان .
{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } ان معنى النجوم هو الأولياء والأبرار الربانيين أو بعبارة أدق هم الأبدال ، حيث ذكر أرباب المعرفة ان الأرض لا تثبت إلا بوجود القطب وهو الإمام (عليه السلام) والأوتاد ( أربعة صالحين ) والأبدال ( الذين بعضهم يعدهم ثلاثين ) .
وانما مثلهم الله سبحانه بالنجوم لان مثلهم في الأرض والسماء كالنجوم فهي معلقة في السماء لكي تكون زينة وهداية للعباد قال تعالى : {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } النحل 16 ، أو {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا } الانعام 97
.
فهؤلاء كالنجوم لان أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى ، وان كانت أجسادهم مع الناس بل هم يضيئون لأهل الأرض طريقهم ويبينون منهجهم ، فهم بولايتهم لعلي (عليه السلام) واتصالهم به وتعلق أرواحهم بروحه الطاهرة أصبحوا كالمصابيح لان علي (عليه السلام) هو المصباح الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه في آية النور :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَواتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } النور 35
.
فالمصباح هو علي كما ورد في المأثور عن أهل البيت لذلك سما الأبدال مصابيح قال تعالى :
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } الملك 5
.
فانكدار النجوم هو موت هؤلاء الأولياء الإلاهيين وهؤلاء يعرفهم من في السماء وينكرهم من في الأرض إذن ليس المقصود هؤلاء أصحاب الشهرة والرئاسة من علماء والفقهاء الذين تعارف عليهم واشتهروا بين الناس بل انهم اناس مجهولين كما وصفهم الحديث ( أخفى الله وليه في أرضه ) وهم سبب الهداية للناس فلا يظهر القائم حتى يموت هؤلاء .
وقد ورد في الحديث ما يعضد ذلك أي (موت العلماء الصالحين وبقاء علماء الضلالة والدجل ) وهذا يؤدي إلى نقصان الهداية في الأرض التي هي من العلل الرئيسية لظهور المهدي لذلك ورد في تأويل قوله تعالى : { انا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } الكافي ج1 – ص38 .
قال علي بن الحسين (عليه السلام) : ( هو فقد العلماء) الكافي ج1 – ص38.
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ومعنى الجبال هم الرجال وبالأخص هم العلماء وشبههم الله سبحانه وتعالى بالجبال لان الجبل له شهرة وقوة وبيان لا يخفى ، وقد ورد هذا المعنى في تأويل قوله تعالى : ({ وَان كَان مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } ، قال تزول منه قلوب الرجال ) تفسير نور الثقلين ج2 ص553.
ومعنى تسيير هذه الجبال هو حركتها وبالتالي انكشافها لانها كانت ثابتة في مكانها فلا يرى الناس ما تحتها وما خفي من خبث سريرتها ، حتى إذا جمعت من هذا وذاك تحركت نحو الدعوة لنفسها والسير مع ألفتن وطرح الخدع والأباطيل .
وقد ورد من علامات قيام الإمام (عليه السلام) عن أبي خديجة قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( لا يخرج القائم حتى يخرج إثنا عشر رجلا من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه) الإرشاد ج2 ص272
وبعد فترة من الزمن ينكشف ويظهر باطله وتكون نهايته ان ينسفهم الإمام نسفاً ويجعلهم في أدنى مستوى لا ترى لهم سمعة ولا شهرة قال تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً* لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً } طه 107- 106 .
وبذلك يخرج داعي الحق ويجيبه أهل الخير فيقدم لهم طريق مستقيم لاعوج فيه لذلك بعد هذه الآيات أعقبها سبحانه :
{ يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له } وكما قدمنا سابقاً ان الداعي للإمام هو السيد اليماني الموصوف في روايات أهل البيت (عليهم السلام) انه يهدي إلى طريق مستقيم وهو مصداق الآية في قوله تعالى { لا عوج له } فالطريق المستقيم لا عوج له كذلك وصف اليماني في ما ورد ( انه يدعوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم) غيبة النعماني 264
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } ، المقصود من العشار على حسب التأويل هي الليالي العشرة والأيام العشرة التي هي عشرة أيام من شهر ذي الحجة التي يحج بها الناس وتسمى أيام الحج .
فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكره لعلامات قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وتعطيل الحج ، فقال في حديث طويل : ( ... فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين ... ) بحار الانوار ج52 ص217 ، وهي الليالي العشرة التي وردت في قوله تعالى :
{ والفجر وليال عشر } ومعنى الفجر هو ظهور الإمام (عليه السلام) لان الله سبحانه سماه بالفجر في سورة القدر { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفجر } .
وأيام عشر هي ليالي عاشوراء التي تعتبر عند الشيعة أيام مقدسة حيث في آخرها يظهر صاحب العصر والزمان أي يطلع الفجر عليها كما ورد في الحديث بان ظهور القائم في العاشر من محرم وهذه الليالي العشر من عاشوراء سوف تعطل قبل قيام القائم .
وذلك لان السفياني (عليه اللعنة) الذي هو من أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) سوف يقتل كل من يعترف بالحسين أو يبكي عليه ، وسوف يمنع إقامة العزاء وإحياء هذه الشعائر المقدسة .
{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ، والوحوش هم بعض الناس قبل قيام القائم حيث يكون هؤلاء في حالة من المسخ الروحي المبني على الوحشية ، حيث يرون خصمائهم يموتون جوعاً وهم يأكلون أكلهم ويمنعوهم حقهم ويتصرفون بأموال الطاهر المطهر الإمام المهدي (روحي له الفداء) بصورة وحشية لا يرحمون يتيماً ولا يعطون أرملة ولا يعطفون على مسكين فهؤلاء يصبحون كالذئاب كما قال المعصوم (عليه السلام) :
( يأتي زمان على الناس يصبحون كالذئاب) وكما اشتهر بين الناس ( ان لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب ) .
ومعنى حشرت أي يحشرون ويتجمعون لحرب بعضهم بعضاً فتصبح حرب الوحوش أو بعبارة أخرى يسلط الله سبحانه وتعالى الوحوش على الوحوش فيحشرهم جميعاً من أجل خلق الفتن وإشعال النار داخل البحار التي هي الجيوش لذلك قال تعالى :
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } ، ومعنى هذه البحار هي الجيوش التي تأتي وتجتمع من أجل الحرب في ساعة الفتنة حيث تشتعل نار الفتن فيها فتصبح كالبحار المتوقدة تحرق كل من دخل فيها .
لذلك ورد في الحديث من علامات الإمام (عليه السلام) هو ظهور الفتن وأي فتن هي ، فالقاتل والمقتول في النار وأحسنهم حالا من ترك هذا الطريق وسلك طريق الاعتزال إذ ان معنى سجرت أي إحترقت نار الحرب وشبت نار الفتن داخل هذه الجيوش .
يتبع يتبع
تعليق