مناقشة رأي الأنبا شنودة
الأنبا شنودة هو بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وهو البابا رقم 117. كان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر (1928 - 1942) ومكاريوس الثالث (1942 - 1944) ويوساب الثاني (1946 - 1956) ، كتب العديد من المؤلفات والكتب في المسيحية والدين بشكل عام ، ولا شك ان مفكر وكاتب لديه هذه المنزلة والدرجة الكهنوتية الرفيعة مثل الأنبا فأن ما يسطره بقلمه له ثقل كبير ويتلقى منه المئات من المسيحيين في انحاء شتى ، لذلك ارتأينا مناقشة بعض آرائه حول التقليد املا" في وضع الأصبع على الجرح كما يقال ولتعم الفائدة للجميع . وسنقتصر في فصلنا هذا على النقاش حول ما سطره في موضوع التقليد في كتابه الموسوم (اللاهوت المقارن ج1) ، وقد انتقينا ما كتبه الانبا دون سائر رجال الكنيسة وسنقوم بعون الله بالرد على النقاط التي استدل بها على وجوب او أحقية التقليد ، ونقد الطائفة البروتستانتية في نقضها او رفضها للتقليد .
1. في مفهوم التقليد :-
هنا في بداية الفصل الثالث من الكتاب يبدأ بتعريف التقليد وتبسيط مفهومه للقاريء والمتلقي الذي يريد ان يتعلم معالم دينه من فم المعلمين ، هو يحاول ان يقول ان من أوجه قبول التقليد هو عدم معارضته للكتاب المقدس ، لنستمع الى قوله ( التقليد هو كل تعليم وصل إلينا عن طريق التسليم الرسولي والآبائي، غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس، في موضوعات ربما لم تذكر في الكتاب، ولكنها لا تتعارض معه في شيء.)ص50 ، هذا الكلام انما يشبه وضعية الملاكم الذي يدخل الى حلبة النزال فيبادر قبل ان يأذن الحكم بالألتحام بضرب الخصم ، وهذا عين ما فعله الانبا في اول كلامه هذا ، ولتوضيح هذه المسألة نقول ان من يقول بأرجحية التقليد على غيره يعلم جيدا" ان المعترضين انما ينطلقون في معارضتهم من تقاطع التقاليد مع روح الشريعة والكتاب ، ولذلك فان الانبا في اول فصل بادر بصد الهجوم المتوقع من قبل تلك الضفة الاخرى المناوئة فذكر ان هذا المبدأ من الأساس لا يتعارض مع الكتاب المقدس ، وانى له ان يثبت ذلك ؟..فبمجرد ان يلقي الانسان نظرة على كتاب تعليم الرسل الموجود ضمن العهد الجديد ، ويقرا عن الغاء شريعة الختان وأستحداث التبتل وغيرها من قبل الرسل الاوائل يعلم ان ما يدعيه الانبا من عدم مخالفة التقليد للكتاب انما هو محض ادعاء لا دليل عليه بل الدليل قائم على خلافه كما هو واضح .
على ان التعويل من قبل التقليديين على النص الذي صدح به المسيح في الأنجيل بقوله ( الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء. ) متى 18: 19، ولكن تعالوا لنفهم النص ان كان هذا النص صحيحاً ، اذا كان المسيح نفسه لا يخالف او ينقض الناموس كما يقال فكيف يصح ان يقوم التلميذ وهو اقل درجةً من أستاذه بالمخالفة صراحةً ؟!... ان معنى ان يحلون ما على الأرض بشرط ان لا يخالف الناموس ، لكن الذي حصل ان ما قام به الرسل هو مخالفة الناموس ليس في موضوع الختان فحسب ، بل حتى في موضوع الزواج والطلاق حين تجرأ بولس الطرطوسي بأبتداع الرهبنة والتبتل كما اسلفنا، ونشر هذا الفكر من خلال رسائله الى الكنائس والأمم التي كان يكتب إليها ، ومن خلال ذلك تبعه العالم المسيحي التقليدي الى اليوم ما خلا من تأثر بمارتن لوثر الذي ثار على هذا النظام الكنسي المبتدع . ومن هنا نوجه سؤال الى الأنبا شنودة : الم يتعارض التقليد مع الكتاب المقدس في المواضع التي ذكرنا ؟... إذن ما هي حجية التقليد عندك أيها الانبا والأب الروحي للكنيسة المرقسية ؟
2. يبدأ الأنبا بسرد ادلة أخرى على التقليد لكن هذه المرة يرجع بنفسه وبالقارئ الى التأريخ السحيق حيث هد أنبياء الله تعالى ، وأولهم ابو البشر آدم الذي يذهب الأنبا انه اول من عرف التقليد، انظر ماذا يقول (والتقليد هو أقدم من الكتاب، يرجع إلي أيام أبينا آدم : لعل أقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة، كان علي يد موسى النبي، الذي عاش في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، ولكن التقليد أقدم من هذا بكثير.. آلاف السنين مرت علي البشرية بدون شريعة مكتوبة. فمن الذي كان يقود تفكيرها: الضمير من جهة (ويسمي الشريعة الأدبية). والتقليد من جهة أخري وهو تسليم جيل لجيل آخر...) المصدر السابق ص50 ، نقول له :
ليس هنالك دليل واحد على معرفة او ممارسة التقليد في عهد آدم ابو البشر ، بل ان العهد القديم يقر ان أبونا آدم كان يتلقى من ربه التعاليم والوصايا ، ومن خلالها دخل الجنة وتعلم كيف يتخذ إمرأة له ويلد منها ذريته القآئمة الى اليوم ، لذلك يحتاج كلامه هنا الى ادلة أقوى لإثبات الحجة ،اما عن كلامه عن البشرية وأنها بلا قائد قبيل عصر موسى ، نقول ان الأنبياء كانوا هم قادة البشرية طوال قرون من الزمان من خلال تعاليمهم الإلهية والوحي السماوي ، ولا يوجد ما يسمى بالشريعة الأدبية !!، وأنا استغرب من هذه التسمية إذ لم اسمع بها الا في كلمات معلمي الكنيسة كشنودة وغيره ، ولا يوجد نص كتابي واحد يذكر هذه التسمية ، فشريعة الله أكبر من ان يحكمها الضمير او الوجدان ، ولو كانت تعاليم الأنبياء مصدرها الضمير الإنساني لأنتفت الحاجة لنسبتها للسماء والخالق العظيم ، لإن الضمير يعود للإنسان وما يصدر منه هو إنساني بحت وليس سماوي ، بقي ان نقول ان التسليم لو كان مبدئاً صحيحاً مستقيماً لما كان. هنالك داعٍ لإرسال الأنبياء ليقوموا مسيرة البشرية لمئات السنين .
3. أخذ يسرد أمثلة يعتقد انها صحيحة حول جواز التقليد ، وقد انتقل من أبونا آدم الى ولده هابيل الصديق ويحاول ان يقول انه تسلم الشريعة من أبيه بالتقليد ( ورد في سفر التكوين أن هابيل الصديق قدم قربانًا من ابكار غنمه ومن سمانها (تك4: 3). وشرح القديس بولس الرسول هذا الأمر (بإيمان قدم هابيل ذبيحة أفضل من قايين) (عب4:11). وهنا نسأل: من أين عرف هابيل فكرة الذبيحة التي تقدم قربانًا لله؟ ومن أين أتاه هذا الإيمان، ولم تكن في زمنه شريعة مكتوبة؟ ، لاشك أنه تسلمها بالتقليد من أبيه آدم، وأبونا آدم تسلمها من الله نفسه، كل ذلك قبل أن يكتب موسى النبي عن الذبائح والمحرقات بأربعة عشر قرنًا من الزمان. ..) المصدر السابق ص50-51
نقول :
ان الفاصلة الزمنية بين هابيل وآدم ليست كبيرة وعظيمة ، وبالتالي لا يثبت ذلك منهجية التقليد كنا موس انبياءي رصين ، مع ذلك لا أشكال في تقليد هابيل الصديق لأبيه كونه نبي وصديق وموسى اليه ، فتكون احتمالية الخطأ او الانحراف عن جوهر الناموس قليل بل منعدم لأننا قلنا ان لا جيل يفصل بين النبي وبينه ، وإذا التشكل أحدهم على كلامي وقال انك ناقضت نفسك بنفي التقليد تارة والإقرار بصحته تارة ، اقول رداً ان تقليد الأنبياء في شرآئعهم الثابتة غير المحرفة لا أشكال فيه ، لأن يسوع المسيح كان قد ذم تقليد آباء الكهنوت اليهودي الذين أبطلوا وصية الله بتعاليمهم المخالفة للناموس كما اثبتنا ، وعليه لا نجد ذماً لتقليد الأنبياء والدليل ان يسوع أوصى في كلامه الذي ذم به معلمي الشريعة الناس ان يعملو وفق تعاليم الأنبياء التي ينقلونها لهم الكهنة من الكتاب المقدس غير التقاليد البالية المبتدعة . إذن فالقرابين والذبائح عرفتها البشرية طوال قرون قبيل موسى ، كان بواسطة تعاليم الأنبياء المتلاحقة رسالةً بعد أخرى ووحياً تلو آخر ، ولا شك ان هذه الشرائع حرفت برحيل النبي المختار من الرب، ولهذا يرسل الرب رجلاً آخر لتصحيح المسيرة وتنبيه الناس الى البدع الدخيلة في الدين ، كما فعل يوحنا المعمدان في عهد المسيح .
ظ¤. يستمر في ضرب الأمثلة بشخوص وسير الأنبياء المقدسين يقول ( ونفس الوضع يمكن أن تقوله عن كل المحرقات التي قدمها آباؤنا نوح وإبراهيم واسحق ويعقوب، وأيوب أيضًا.. كلهم عرفوا الذبيحة وتسلموها عن طريق التقليد. وأيضًا تسلموا بناء المذابح كما فعل أبونا نوح بعد الطوفان حينما (بني مذبحًا للرب) (تك20:8).، وأبونا إبراهيم حينما بني مذبحًا عند بلوطة مورا (تك7:12). وتتابع معه بناء المذابح ولم يكن هناك كتاب مقدس يأمر ببناء المذابح....) نفس المصدر صظ¥ظ،
نقول :
لا يجوز مقارنة او قياس حالات الأنبياء وهم الرجال الإلهيين مع باقي البشر ، نعم هم صحيح قدوة لكل الناس ، الا ان حالاتهم ومستوياتهم تختلف ، كونهم يتلقون الوحي والأوامر مباشرةً من الرب العلي ، وقد ثبت ذلك من خلال الكتاب المقدس ، اما ان نقول ان رجال السماء يعتمدون التقليد المتسالم كما يفعل المسيحييؤن اليوم ، فهذا ضرب من التهافت في القول ، وحتى لو قلنا ان اسحق او يعقوب تعلموا الذبائح والقرابين وسائر الطقوس من أبيهم ابراهيم ، فهذا يثبت عدم اتخاذهم تقاليد وتعاليم الناس بديلاً عن ناموس الله الحقيقي لأنهم تلقوها مباشرةً من المعلم السماوي الذي سمعه من فم جبرائيل مباشرةً او أوحي اليه بوسيلة أخرى ، فأين التقاليد الباطلة في سير الأنبياء يا ترى ؟!
ظ¥. بخصوص نبي الله نوح بعد الطوفان قال ألأنبا ( يذكر الكتاب أن أبانا نوح بعد الطوفان (أخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، واصعد محرقات علي المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا) (تك8: 20،21). فمن أين عرف نوح فكرة تقديم الذبائح من الحيوانات الطاهرة؟ لعله أخذها عن الله مباشرة، ثم سلمها للأجيال من بعده، قبل أن يشرح موسى فكرة ووصف الحيوانات الطاهرة، في التواره...) المصدر الأسبق صظ¥ظ،
نقول :-
يا لذكاء الأنبا شنودة المفرط ، ولا ادري هل هو ذكاء مفرط؟!... ام هي حيلة يراد بها خداع السذج من الناس ؟!... الم يقرأ الأنبا الكتاب المقدس الذي تحدث عن بداية قصة نوح قبيل الطوفان حين ذكر ان الرب اخبر نوح ان يصنع الفلك او السفينة ؟... ترى هل كان بناء السفينة تقليداً عن أباء نوح كآدم او اخنوخ فتعلمها نوح بتقليده لهم ؟!... أم كان وحياً من الله عن طريق ملاكه جبريل ؟... لندع الكتاب المقدس يجيب الأنبا على خزعبلاته ( فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلث مئة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه وثلثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كوا للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك.
فيكون لك ولها طعاما. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل الأصحاح السابع
وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني إياك رأيت باراً لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب ....) الكتاب المقدس ص ظ،ظ،-ظ،ظ¢ ، اذا كان الرب قد اخبر نوح كل هذه التفاصيل من بناء السفينة وطولها وبقية أبعادها والمساكن التي فيها والمواد التي تكون مصنوعة منها وهي الخشب ، واختيار الذين يصعدون معه في الفلك من بشر وأصناف الحيوانات والطعام وغير ذلك ، كل هذه التفاصيل اخبر الرب بها نوح ففعلها وامتثل لأوامر الله دون تردد او كلل ، فهل يعجز ان يخبره عن تفاصيل القربان والذبائح وهي أسهل من تفاصيل صنع السفينة ؟!.... أي عاقل يقبل كلام كهذا ؟... وكيف يلجأ نوح الى تقليد الآباء في حين انه لا توجد واسطة بينه وبين الرب لأنه يوحي اليه ما يريد ويأمر ؟... لكن يبدو ان الأنبا شنودة عرف انه وقع في ورطة حيث عاد وطرح احتمالية كون نوح أخذ تلك الطقوس عن الرب مباشرةً لذلك أستدرك في حديثه أعلاه ، لذلك يلاحظ في كلامه عدم الثقة والتخبط ومحاولة تثبت رؤيته للشريعة المنقولة عبر الأجيال بوسيلة التقليد كما يزعم ، والنتيجة جملة من الآراء الدينية المرتبكة .
يتبع ...
الحلقة الأولى
الأنبا شنودة هو بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وهو البابا رقم 117. كان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر (1928 - 1942) ومكاريوس الثالث (1942 - 1944) ويوساب الثاني (1946 - 1956) ، كتب العديد من المؤلفات والكتب في المسيحية والدين بشكل عام ، ولا شك ان مفكر وكاتب لديه هذه المنزلة والدرجة الكهنوتية الرفيعة مثل الأنبا فأن ما يسطره بقلمه له ثقل كبير ويتلقى منه المئات من المسيحيين في انحاء شتى ، لذلك ارتأينا مناقشة بعض آرائه حول التقليد املا" في وضع الأصبع على الجرح كما يقال ولتعم الفائدة للجميع . وسنقتصر في فصلنا هذا على النقاش حول ما سطره في موضوع التقليد في كتابه الموسوم (اللاهوت المقارن ج1) ، وقد انتقينا ما كتبه الانبا دون سائر رجال الكنيسة وسنقوم بعون الله بالرد على النقاط التي استدل بها على وجوب او أحقية التقليد ، ونقد الطائفة البروتستانتية في نقضها او رفضها للتقليد .
1. في مفهوم التقليد :-
هنا في بداية الفصل الثالث من الكتاب يبدأ بتعريف التقليد وتبسيط مفهومه للقاريء والمتلقي الذي يريد ان يتعلم معالم دينه من فم المعلمين ، هو يحاول ان يقول ان من أوجه قبول التقليد هو عدم معارضته للكتاب المقدس ، لنستمع الى قوله ( التقليد هو كل تعليم وصل إلينا عن طريق التسليم الرسولي والآبائي، غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس، في موضوعات ربما لم تذكر في الكتاب، ولكنها لا تتعارض معه في شيء.)ص50 ، هذا الكلام انما يشبه وضعية الملاكم الذي يدخل الى حلبة النزال فيبادر قبل ان يأذن الحكم بالألتحام بضرب الخصم ، وهذا عين ما فعله الانبا في اول كلامه هذا ، ولتوضيح هذه المسألة نقول ان من يقول بأرجحية التقليد على غيره يعلم جيدا" ان المعترضين انما ينطلقون في معارضتهم من تقاطع التقاليد مع روح الشريعة والكتاب ، ولذلك فان الانبا في اول فصل بادر بصد الهجوم المتوقع من قبل تلك الضفة الاخرى المناوئة فذكر ان هذا المبدأ من الأساس لا يتعارض مع الكتاب المقدس ، وانى له ان يثبت ذلك ؟..فبمجرد ان يلقي الانسان نظرة على كتاب تعليم الرسل الموجود ضمن العهد الجديد ، ويقرا عن الغاء شريعة الختان وأستحداث التبتل وغيرها من قبل الرسل الاوائل يعلم ان ما يدعيه الانبا من عدم مخالفة التقليد للكتاب انما هو محض ادعاء لا دليل عليه بل الدليل قائم على خلافه كما هو واضح .
على ان التعويل من قبل التقليديين على النص الذي صدح به المسيح في الأنجيل بقوله ( الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء. ) متى 18: 19، ولكن تعالوا لنفهم النص ان كان هذا النص صحيحاً ، اذا كان المسيح نفسه لا يخالف او ينقض الناموس كما يقال فكيف يصح ان يقوم التلميذ وهو اقل درجةً من أستاذه بالمخالفة صراحةً ؟!... ان معنى ان يحلون ما على الأرض بشرط ان لا يخالف الناموس ، لكن الذي حصل ان ما قام به الرسل هو مخالفة الناموس ليس في موضوع الختان فحسب ، بل حتى في موضوع الزواج والطلاق حين تجرأ بولس الطرطوسي بأبتداع الرهبنة والتبتل كما اسلفنا، ونشر هذا الفكر من خلال رسائله الى الكنائس والأمم التي كان يكتب إليها ، ومن خلال ذلك تبعه العالم المسيحي التقليدي الى اليوم ما خلا من تأثر بمارتن لوثر الذي ثار على هذا النظام الكنسي المبتدع . ومن هنا نوجه سؤال الى الأنبا شنودة : الم يتعارض التقليد مع الكتاب المقدس في المواضع التي ذكرنا ؟... إذن ما هي حجية التقليد عندك أيها الانبا والأب الروحي للكنيسة المرقسية ؟
2. يبدأ الأنبا بسرد ادلة أخرى على التقليد لكن هذه المرة يرجع بنفسه وبالقارئ الى التأريخ السحيق حيث هد أنبياء الله تعالى ، وأولهم ابو البشر آدم الذي يذهب الأنبا انه اول من عرف التقليد، انظر ماذا يقول (والتقليد هو أقدم من الكتاب، يرجع إلي أيام أبينا آدم : لعل أقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة، كان علي يد موسى النبي، الذي عاش في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، ولكن التقليد أقدم من هذا بكثير.. آلاف السنين مرت علي البشرية بدون شريعة مكتوبة. فمن الذي كان يقود تفكيرها: الضمير من جهة (ويسمي الشريعة الأدبية). والتقليد من جهة أخري وهو تسليم جيل لجيل آخر...) المصدر السابق ص50 ، نقول له :
ليس هنالك دليل واحد على معرفة او ممارسة التقليد في عهد آدم ابو البشر ، بل ان العهد القديم يقر ان أبونا آدم كان يتلقى من ربه التعاليم والوصايا ، ومن خلالها دخل الجنة وتعلم كيف يتخذ إمرأة له ويلد منها ذريته القآئمة الى اليوم ، لذلك يحتاج كلامه هنا الى ادلة أقوى لإثبات الحجة ،اما عن كلامه عن البشرية وأنها بلا قائد قبيل عصر موسى ، نقول ان الأنبياء كانوا هم قادة البشرية طوال قرون من الزمان من خلال تعاليمهم الإلهية والوحي السماوي ، ولا يوجد ما يسمى بالشريعة الأدبية !!، وأنا استغرب من هذه التسمية إذ لم اسمع بها الا في كلمات معلمي الكنيسة كشنودة وغيره ، ولا يوجد نص كتابي واحد يذكر هذه التسمية ، فشريعة الله أكبر من ان يحكمها الضمير او الوجدان ، ولو كانت تعاليم الأنبياء مصدرها الضمير الإنساني لأنتفت الحاجة لنسبتها للسماء والخالق العظيم ، لإن الضمير يعود للإنسان وما يصدر منه هو إنساني بحت وليس سماوي ، بقي ان نقول ان التسليم لو كان مبدئاً صحيحاً مستقيماً لما كان. هنالك داعٍ لإرسال الأنبياء ليقوموا مسيرة البشرية لمئات السنين .
3. أخذ يسرد أمثلة يعتقد انها صحيحة حول جواز التقليد ، وقد انتقل من أبونا آدم الى ولده هابيل الصديق ويحاول ان يقول انه تسلم الشريعة من أبيه بالتقليد ( ورد في سفر التكوين أن هابيل الصديق قدم قربانًا من ابكار غنمه ومن سمانها (تك4: 3). وشرح القديس بولس الرسول هذا الأمر (بإيمان قدم هابيل ذبيحة أفضل من قايين) (عب4:11). وهنا نسأل: من أين عرف هابيل فكرة الذبيحة التي تقدم قربانًا لله؟ ومن أين أتاه هذا الإيمان، ولم تكن في زمنه شريعة مكتوبة؟ ، لاشك أنه تسلمها بالتقليد من أبيه آدم، وأبونا آدم تسلمها من الله نفسه، كل ذلك قبل أن يكتب موسى النبي عن الذبائح والمحرقات بأربعة عشر قرنًا من الزمان. ..) المصدر السابق ص50-51
نقول :
ان الفاصلة الزمنية بين هابيل وآدم ليست كبيرة وعظيمة ، وبالتالي لا يثبت ذلك منهجية التقليد كنا موس انبياءي رصين ، مع ذلك لا أشكال في تقليد هابيل الصديق لأبيه كونه نبي وصديق وموسى اليه ، فتكون احتمالية الخطأ او الانحراف عن جوهر الناموس قليل بل منعدم لأننا قلنا ان لا جيل يفصل بين النبي وبينه ، وإذا التشكل أحدهم على كلامي وقال انك ناقضت نفسك بنفي التقليد تارة والإقرار بصحته تارة ، اقول رداً ان تقليد الأنبياء في شرآئعهم الثابتة غير المحرفة لا أشكال فيه ، لأن يسوع المسيح كان قد ذم تقليد آباء الكهنوت اليهودي الذين أبطلوا وصية الله بتعاليمهم المخالفة للناموس كما اثبتنا ، وعليه لا نجد ذماً لتقليد الأنبياء والدليل ان يسوع أوصى في كلامه الذي ذم به معلمي الشريعة الناس ان يعملو وفق تعاليم الأنبياء التي ينقلونها لهم الكهنة من الكتاب المقدس غير التقاليد البالية المبتدعة . إذن فالقرابين والذبائح عرفتها البشرية طوال قرون قبيل موسى ، كان بواسطة تعاليم الأنبياء المتلاحقة رسالةً بعد أخرى ووحياً تلو آخر ، ولا شك ان هذه الشرائع حرفت برحيل النبي المختار من الرب، ولهذا يرسل الرب رجلاً آخر لتصحيح المسيرة وتنبيه الناس الى البدع الدخيلة في الدين ، كما فعل يوحنا المعمدان في عهد المسيح .
ظ¤. يستمر في ضرب الأمثلة بشخوص وسير الأنبياء المقدسين يقول ( ونفس الوضع يمكن أن تقوله عن كل المحرقات التي قدمها آباؤنا نوح وإبراهيم واسحق ويعقوب، وأيوب أيضًا.. كلهم عرفوا الذبيحة وتسلموها عن طريق التقليد. وأيضًا تسلموا بناء المذابح كما فعل أبونا نوح بعد الطوفان حينما (بني مذبحًا للرب) (تك20:8).، وأبونا إبراهيم حينما بني مذبحًا عند بلوطة مورا (تك7:12). وتتابع معه بناء المذابح ولم يكن هناك كتاب مقدس يأمر ببناء المذابح....) نفس المصدر صظ¥ظ،
نقول :
لا يجوز مقارنة او قياس حالات الأنبياء وهم الرجال الإلهيين مع باقي البشر ، نعم هم صحيح قدوة لكل الناس ، الا ان حالاتهم ومستوياتهم تختلف ، كونهم يتلقون الوحي والأوامر مباشرةً من الرب العلي ، وقد ثبت ذلك من خلال الكتاب المقدس ، اما ان نقول ان رجال السماء يعتمدون التقليد المتسالم كما يفعل المسيحييؤن اليوم ، فهذا ضرب من التهافت في القول ، وحتى لو قلنا ان اسحق او يعقوب تعلموا الذبائح والقرابين وسائر الطقوس من أبيهم ابراهيم ، فهذا يثبت عدم اتخاذهم تقاليد وتعاليم الناس بديلاً عن ناموس الله الحقيقي لأنهم تلقوها مباشرةً من المعلم السماوي الذي سمعه من فم جبرائيل مباشرةً او أوحي اليه بوسيلة أخرى ، فأين التقاليد الباطلة في سير الأنبياء يا ترى ؟!
ظ¥. بخصوص نبي الله نوح بعد الطوفان قال ألأنبا ( يذكر الكتاب أن أبانا نوح بعد الطوفان (أخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، واصعد محرقات علي المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا) (تك8: 20،21). فمن أين عرف نوح فكرة تقديم الذبائح من الحيوانات الطاهرة؟ لعله أخذها عن الله مباشرة، ثم سلمها للأجيال من بعده، قبل أن يشرح موسى فكرة ووصف الحيوانات الطاهرة، في التواره...) المصدر الأسبق صظ¥ظ،
نقول :-
يا لذكاء الأنبا شنودة المفرط ، ولا ادري هل هو ذكاء مفرط؟!... ام هي حيلة يراد بها خداع السذج من الناس ؟!... الم يقرأ الأنبا الكتاب المقدس الذي تحدث عن بداية قصة نوح قبيل الطوفان حين ذكر ان الرب اخبر نوح ان يصنع الفلك او السفينة ؟... ترى هل كان بناء السفينة تقليداً عن أباء نوح كآدم او اخنوخ فتعلمها نوح بتقليده لهم ؟!... أم كان وحياً من الله عن طريق ملاكه جبريل ؟... لندع الكتاب المقدس يجيب الأنبا على خزعبلاته ( فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلث مئة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه وثلثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كوا للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك.
فيكون لك ولها طعاما. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل الأصحاح السابع
وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني إياك رأيت باراً لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب ....) الكتاب المقدس ص ظ،ظ،-ظ،ظ¢ ، اذا كان الرب قد اخبر نوح كل هذه التفاصيل من بناء السفينة وطولها وبقية أبعادها والمساكن التي فيها والمواد التي تكون مصنوعة منها وهي الخشب ، واختيار الذين يصعدون معه في الفلك من بشر وأصناف الحيوانات والطعام وغير ذلك ، كل هذه التفاصيل اخبر الرب بها نوح ففعلها وامتثل لأوامر الله دون تردد او كلل ، فهل يعجز ان يخبره عن تفاصيل القربان والذبائح وهي أسهل من تفاصيل صنع السفينة ؟!.... أي عاقل يقبل كلام كهذا ؟... وكيف يلجأ نوح الى تقليد الآباء في حين انه لا توجد واسطة بينه وبين الرب لأنه يوحي اليه ما يريد ويأمر ؟... لكن يبدو ان الأنبا شنودة عرف انه وقع في ورطة حيث عاد وطرح احتمالية كون نوح أخذ تلك الطقوس عن الرب مباشرةً لذلك أستدرك في حديثه أعلاه ، لذلك يلاحظ في كلامه عدم الثقة والتخبط ومحاولة تثبت رؤيته للشريعة المنقولة عبر الأجيال بوسيلة التقليد كما يزعم ، والنتيجة جملة من الآراء الدينية المرتبكة .
يتبع ...
تعليق