السيد القحطاني يناقش كمال الحيدري التأويل المطلق ومطلق التأويل
ذهب الاملي وتبعه على ذلك الحيدري الى القول بأن تأويل القران قسمان الأول هو التأويل المطلق وهو حسب زعمهم من مختصات الأنبياء والأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , وأسموه التأويل {الكامل التام}. أي القدرة على تاويل القرآن بأكمله. والقسم الثاني وهو مطلق التأويل وهو بحسب رأيهم بأمكان عامة الناس نيله وقطف ثماره والتقاط جواهره ، إلا انه دون الأول في الدرجة ، وهو تأويل جزئي وليس تام كالقسم الأول . فقد أورد السيد الحيدري في الصفحة (160) من كتابه تأويل القرآن ما هذا نصه : [لابد هنا من الإشارة إلى أن الآملي قد قر عنوان هذه المسألة في تفسيره المحيط الأعظم ، . بالتأويل المطلق أو مطلق التأويل]
لكن يرد على هذا الكلام عدة إشكالات وقبل الشروع في ذكر الإشكالات لابد من بيان أمر مهم ، وهو أن تأويل القرآن ينقسم إلى تأويل مطلق معناه تأويل كل القرآن بلا استثناء لأن معنى الشيء المطلق هو عدم تحققه إلا بتحقق جميع أفراده من دون تخلف ولو فرداً واحداً لأنه لا يسمى عندها شيء مطلق . ومعنى هذا أن من أعطاه الله تبارك وتعالى هذه القدرة عالم ومحيط بتأويل كل القرآن .
مطلق التأويل ومعناه تأويل بعض آيات القرآن أو سورة ، لأن مطلق الشيء كما قرر المناطقة يتحقق أحد أفراده ولا يهم تخلف الأفراد المتبقية ، وبعبارة أخرى هو ما جعله المولى عز وجل من القدرة على تأويل بعض الآيات الكريمات لا كلها .وسنأتي الآن لذكر الإشكالات ، فنقول
الإشكال الأول : إن نسبة التأويل المطلق للأنبياء أو الأوصياء مما لا دليل عليه وهو يفتقر إلى الدقة بل إنه غير صحيح إطلاقاً والدليل على خلافه إنه ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة ما ينفي كون الأنبياء والأولياء قد أعطاهم الله عز وجل العلم والإحاطة بكل التأويل ، نعم عندهم شيء من التأويل أو بعضه إلا أنه ليس كل التأويل كما يدعي السيد (حيدر الآملي) وتبعه الحيدري في ذلك . وقد دلت الآيات القرآنية على نفي علم الأنبياء والأولياء بكل التأويل والإحاطة به قال تعالى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}الأعراف 51 -52 وقد ورد في تفسير هذه الآية (يوم يأتي تأويله) أي يوم المهدي يأتي تأويل القرآن تاماً كاملاً بعبارة أخرى .
إن التأويل المطلق للقرآن لا يأتي إلا عند ظهور المهدي (ع) وهذا يعني إن كل ما موجود من تأويل لا يمثل إلا بعض التأويل وليس كله فقد جاء في الرواية الشريفة التي نقلها صاحب تفسير البرهان في الجزء الثاني ص558 والتي جاء فيها هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) فهو من الايات التي تأويلها بعد تنزيلها . قال : ذلك في قيام القائم (ع)..]
وبهذا المخطط ومن كل ما تقدم يكون مائزاً موضوعياً بين زمن الامام الخاتم محمد بن الحسن (ع) وبين من سبقه من الأنبياء والاولياء (ع) ، ومصداق لقوله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}
ثم إنا نجد ان الحيدري قد ناقض نفسه بنفسه حيث بين في موضوع اخر من الكتاب ان التأويل التام لا ياتي في زمن المهدي فقد ذكر السيد الحيدري ذلك في كتابه صفحة ( 156 ) حيث كتب يقول: ( ويرى الآملي ان من ادلة اختصاص التأويل باهل البيت عليهم السلام , تاكيد ثبوته لخاتم الأولياء مفيداً ان المهدي المنتظر عليه السلام وافتراض ان عصره هو عصر التأويل على ما هو عليه , وفي أجلى صورة وأوضح معانيه يقول مركزاً على هذه الفكرة .
فلو لم يكن مخصوصاً بهم وبتابعيهم , لم يكن الله تعالى يقيد التأويل بالإمام المنتظر منهم المسمى بالمهدي في قوله : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) الأعراف 52 -53
فزمان المهدي اذاً يقتضي ظهور التأويل على ما هو عليه , فظهور الشريعة على ما ينبغي , ورفع المذاهب والملل بحيث لا يبقى الا مذهب واحد , كما اشار إليه الحق تعالى في قوله ( يريدون ان يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون الذي أرسل رسوله بالهدى ودرين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة 32- 33
وذكر ايضا في الصفحة (98 ) ما هذا نصه [والقول الثاني ايضاً يشهد بأن التأويل واجب ، لكن يشير الى ان التأويل حق التأويل موقوف على حضور خليفته الذي لا يحكم الا بالتاويل وهو المهدي(عليه السلام)] الى هنا انتهى كلامه
* ثم ان الأنبياء جاءوا بالتنزيل وليس بالتأويل وهذا لا يعني اننا ننفي ان يكون عندهم علم بالتأويل بل يعلمون بعض التأويل لا لقصور فيهم حاشاهم من ذلك بل لان الله عز وجل يعطيهم بحسب ما يحتاجون إليه , فالتأويل متعلق بالزمان والمكان.
فهذا نبي الله موسى عليه السلام يشهد عل نفسه بعدم علمه بالتأويل في قصته مع سيدنا الخضر عليه السلام فانه لم يستطيع ان يصبر على رفقة الخضر بسبب عدم علمه بالتأويل ولو كان عالماً بالتأويل لما اعترض على الخضر عليه السلام ثلاث مرات حتى افترقا.
وهذا عيسى ابن مريم عليهما السلام يؤكد انه لم يأت الا بتنزيل اما التأويل فهو ليس من مختصاته بل ان التأويل يأتي به (الفار قليط ) في اخر الزمان والعجيب ان الحيدري والاملي قد ذكر في هذا الصدد خبر مروي عن رسول الله (ص) عن عيسى ابن مريم عليهما السلام حيث كتب الحيدري في الصفحة 157 من كتابه قوله : ( وقد اشير الى هذا اليوم بخبر منسوب الى رسول الله (ص) يقول فيه : قال عيسى عليه السلام : نحن نأتيك بالتنزيل , واما التأويل فسيأتي به (الفار قليط ) في اخر الزمان , والفار قليط بلسانهم هو المهدي عليه السلام ) فاذا كان كذلك كيف جاز للسيد الحيدري والسيد الاملي ان يدعيان ان التأويل المطلق والتام من مختصات الأنبياء والأولياء وهذا عيسى ابن مريم عليهما السلام يخبر بأنه لم يأتي بالتأويل بل جاء بالتنزيل , وان التأويل سوف يأتي به الفار قليط الذي هو المهدي عليه السلام.
كما اننا لو تفحصنا التاريخ الإسلامي وبالأخص تاريخ اهل البيت عليهم السلام لم نجد تأويل كاملاً تاماً للقران , ورد عن رسول الله ( ص) او احد الائمة الاطهار عليهم السلام فان غاية ما وجدناه هو تأويل لبعض ايات القران وليس ذلك قصوراً فيهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين بل ان ذلك يعزى للزمان والمكان والظروف المحيطة فلم يكن قد اتى اوان التأويل بعد ولم تتهيأ الظرف المناسب لذلك كما ان القران والسنة الشريفة يخبران بأن التأويل الكامل التام المطلق لا يأتي الا عند ظهور المهدي عليه السلام اذن فدعوى السيد الحيدري والسيد الاملي بان التأويل التام المطلق من مختصات الانبياء والاولياء مما لا دليل عليها بل ان الدليل بخلافها هو ان التأويل التام المطلق هو من مختصات الإمام المهدي مكن الله له في الأرض . ومعنى دعواهما في هذا الخصوص رد على القرآن والسنة الشريفة لان القران والسنة أكدا ان التأويل لم يكن يأتي او انه في زمان الأنبياء والأئمة بل بينا ان اوانه عند ظهور المهدي (ع) .
الآملي والحيدري يخطأن في تفسير القرآن
ذهب الآملي وتبعه على ذلك السيد كمال الحيدري ان معنى قوله تعالى {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}القصص49 ، حيث ذهبا الى القول بأن معنى (منهما) يعني من الكاتبين الافاقي والأنفسي وهذا في الواقع غير صحيح ولا ادري كيف قالا ذلك علماً ان المفسرين أجمعوا على ان المقصود منهما اي التوراة والقرآن وهو الصحيح .
فعند ذكر الحيدري في كتابه تأويل القرآن في الصفحة (116) يقول : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}وليس المراد بقوله ((منهما))كما يرى الاملي الا كتابي (الافاق والانفس) المعبر عنهما في لغة اهل الباطن بالعالم الكبير والعالم الصغير. قال في ذيل هذه الاية : ( اشارة الى الكتاب الافاقي والانفسي المعبر عنهما الكتاب الكبير والكتاب الصغير لقولهم :العالم انسان كبير , والانسان عالم صغير ,لا الى التوراة والانجيل او غيرهما من الكتب المفسرين ). وترد في الحقيقة عدة اشكالات على هذا الكلام تؤكد على عدم صحته وبطلانه:-
الاول:ـ ليس هناك اي مناسبة بين ما ذهب اليه وبين الاية القرآنية لقرينة السياق فقد جاء في الاية وماتلاها من ايات ما يؤكد ان المقصود بـ(منهما )التوراة والقرآن قال تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{49} فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{50} وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{51} لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ{52} وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ{53}فما هو الذي يتلى يا ترى اليس هو الكتاب التدويني ومنه هو الذي يتبع اليس هو الكتاب الذي انزله الله عز وجل فيه تبيان لكل شيء فهل يعقل احد ان الذي يتلى ويتبع هو كتاب الافاق او الانفس كما يقول الاملي ويذهب الحيدري.
ثانياً:- ان الاية ظاهرة في ان المولى تبارك وتعالى يأمر نبيه بتحدي اولئك القوم بأن يأتوا بكتابين اهدى من الكتابين المشار اليهما في الاية ولابد حينها ان يكون كل من موسى(ع) ومحمد(ص) اتى بكتاب معين ولا يمكن بحال ان نتصور ان يكونا الكتابين هما الافاقي والانفسي لانه لاموسى(ع) ولامحمد (ص) هما من اتيا بهذين الكتابين لان هذين الكتابين(الافاقي والانفسي) موجودان قبل وجود موسى(ع) ومحمد(ص) ولكن كان من الممكن للكافرين الاحتجاج على النبي (ص) وهو في مقام التحدي بأن هذين الكتابين لم تأت بهما انت حتى نصدقك.ولما كانت الاية تتحدث عن موسى (ع)ومحمد(ص)وذلك يتضح من خلال السياق فأن الاية التي سبقتها جاء فيهما{ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ.
لزم ان يأتي كل من موسى (ع) ومحمد(ص) بكتابين بعبارة اخرى ان موسى جاء بكتابين ومحمد(ص) جاء بكتابين ومعنى ذلك وجود اربعة كتب لاكتابين كما تشير الاية التي هي موضع النقاش .
الثالث:ـ لو كان المقصود بكلمة (منهما)في الاية الكتاب الافقي والكتاب الانفسي كما يدعي الاملي والحيدري لكان طلب الاتيان بهما من المحال ولم نسمع ان نبياً او ولياً اوعالماً مهما كان اختصاصه قد اتى بالكتاب الافاقي او الانفسي ولو كان الطلب الاتيان بهما لكان من الممكن ان يحتج الكافرون بأن ذلك من المحال ولم يأت احد الانبياء والرسول بما تطلبه.وبهذا يتبين عدم صحة ما قاله السيد حيدر الاملي وذهب اليه السيد كمال الحيدري وبطلان رأيهما في هذه المسألة .
تعليق