مناقشة الكوراني
حول دور اليهود في عصر الظهور الشريف
رأي الشيخ الكوراني
في الوعد الإلهي بتدمير اليهود
في كتاب عصر الظهور ص45 - 50
قال الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا . ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا .
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا .
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا . إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَاعَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }( ( سورة الإسراء :1-8) ) .
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا .
أي حكمنا في القضاء المبرم في التوراة الذي أنزلنا عليهم أنكم سوف تنحرفون عن الصراط المستقيم ، وتفسدون في المجتمع مرتين ، كما أنكم سوف تستكبرون على الآخرين وتعلون عليهم علواً كبيراً .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ ..
فإذا جاء وقت عقوبتكم على إفسادكم الأول ، أرسلنا عليكم عباداً منسوبين إلينا ، أصحاب بطش ومكروه ينزلونه بكم .
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا ..
وهو كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين ، وأن جنود المسلمين تجولوا خلال بيوتكم يتعقبون بقايا مقاتليكم وكان ذلك وعداً قطعياً حاصلاً .
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا .
ثم أعدنا لكم الغلبة على هؤلاء المسلمين الذين بعثناكم عليكم ، وأعطيناكم أموالاً وأولاداً، وجعلناكم أكثر منهم أنصاراً في العالم يستنفرون لكم ضدهم .
{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..} .
ثم يستمر وضعكم على هذه الحال فترة من الزمن ، لابد ان تكون مستبطنة في الآية ، فإن تبتم وعملتم خيراً بما أعطيناكم من أموال وأولاد فهو خير لأنفسكم ، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً .
{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } .
ولكنكم سوف تُسيؤون ولاتحسنون فنمهلكم ، حتى إذا جاء وقت العقوبة على إفسادكم الثاني سلطنا عليكم نفس العباد المنسوبين إلينا بأشد من المرة الأولى ، فأنزلوا بكم مكروهاً يسوء وجوهكم ، ودخلوا المسجد الأقصى فاتحين كما دخلوه عندما جاسوا خلال دياركم في المرة الأولى . ثم يسحقون علوكم وإفسادكم سحقاً .
{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } .
لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية بالهداية . وإن عدتم إلى إفسادكم بعد العقوبة الثانية ، عدنا إلى معاقبتكم ، وحصرناكم عن ذلك في الدنيا ، ثم جعلنا لكم جهنم حبساً وحصراً في الآخرة .
* *
والنتيجة الأولى من الآيات الكريمة: أن تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام إلى آخر حياتهم يتلخص بأنهم يفسدون في المجتمع في المرة الأولى ، حتى إذا جاء وقت عقوبتهم على ذلك بعث الله تعالى عليهم قوماً فيغلبونهم بسهولة .
ثم يجعل الله تعالى الغلبة لليهود على أولئك القوم لحِكَمٍ ومصالح ، ويعطي اليهود أموالاً وأولاداً ويجعلهم أكثر أنصاراً منهم في العالم .
ولكن اليهود لا يستفيدون من أموالهم وأنصارهم بل يسيئون ويفسدون للمرة الثانية ، وفي هذه المرة يضيفون إلى إفسادهم العلو ، فيستكبرون ويعلون على الناس كثيراً .
فإذا جاء وعد عقوبتهم على ذلك سلط الله عليهم نفس أولئك القوم مرة ثانية فأنزلوا بهم عقاباً أشد من العقاب الأول على ثلاث مراحل .
والنتيجة الثانية : أن القوم الذين يبعثهم الله عليهم في المرة الأولى يغلبونهم بسهولة ويدخلون المسجد الأقصى ، ويتعقبون مقاتليهم في بيوتهم {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} ويُنهون قوتهم العسكرية .
ثم يرسلهم الله عليهم ثانيةً على رغم غلبة اليهود عليهم وكثرة أنصارهم ضدهم ، فينزلون بهم العقوبة على ثلاث مراحل ، حيث يوجهون إليهم أولاً ضربات تسوء وجوههم ، ثم يدخلون المسجد فاتحين كما دخلوه أول مرة ، ثم يسحقون علوهم على الشعوب سحقاً . كما تدل عليه اللام في قوله تعالى: { لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ } وفي قوله تعالى : { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ....وَلِيُتَبِّرُوا..} .
والسؤال الأساسي الذي طرحه المفسرون : هل أن هذين الإفسادين- اللذين يرافق أحدهما علو كبير- قد مضيا ، ووقعت العقوبتان الموعودتان عليهما ، أم لا ؟
فقال بعضهم: إنهما مضيا ووقعت العقوبة على الإفساد الأول على يد نبوخذ نصر ، وعلى الإفساد الثاني على يد تيطس الروماني .
وقال بعضهم : لم تقع العقوبتان بعد .
والرأي الصحيح : أن العقوبة الأولى على إفسادهم الأول وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين ، ثم رد الله الكرة لليهود على المسلمين عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام ، وأن اليهود أفسدوا مرة ثانية وعلوا في الأرض، وستكون على أيدي المسلمين أيضاً ، عندما يعودون إلى رشدهم مجدداً .
وبهذا التفسير وردت الأحاديث الشريفة عن الأئمة عليهم السلام ، فقد فسرت هؤلاء القوم الذين سيبعثهم الله تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي عليه السلام وأصحابه، وبأنهم أهل قم، وأنهم قوم يبعثهم الله تعالى قبل ظهور القائم عليه السلام .
ففي تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } : ( هو القائم وأصحابه ، أولو بأس شديد ) .
وفي تفسير نور الثقلين عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في تفسيرها: ( قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه).
وفي بحار الأنوار:60/216 عن الإمام الصادق عليه السلام ( أنه قرأ هذه الآية .. فقلنا : جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ) .
والروايات الثلاث متفقة في المقصود ولاتعارض بينها ، لأن أهل قم بمعنى شيعة أنصار المهدي عليه السلام من إيران الذين ورد أنهم ينهضون معه وينصرونه .
ويبدو أن مقاومة اليهود من أتباع المهدي عليه السلام تكون على مراحل حتى يظهر المهدي عليه السلام فيكون القضاء النهائي على اليهود بقيادته وعلى يده أرواحنا فداه .
ومما يدل على أن العقوبة الثانية الموعودة لليهود ستكون على أيدي المسلمين ، أن القوم الذين وعد الله تعالى أن يبعثهم عليهم في المرتين أمة واحدة ، والصفات التي ذكرت لهم ، وصفات حربهم لليهود لاتنطبق إلا على المسلمين .
فملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ، ممن تسلط على اليهود لايوصفون بأنهم (عباداً لنا) ، ولاحدث أنْ غلبهم اليهود بعد العقوبة الأولى ، كما ذكرت الآيات الشريفة .
بينما غلَبَ اليهودُ المسلمين بعد عقوبتهم بأيديهم في صدر الإسلام ، وأمدَّ الله اليهود بأموال وبنين وجعلهم أكثر منا أنصاراً في العالم ، ونفيراً بمساعدة الدول الكبرى . وهاهم يفسدون في الأرض ويستعلون علينا وعلى الشعوب . وهاهم مجاهدونا بدؤوا يوجهون إليهم ضربات تسئ وجوههم .
* *
ومما يدل على ذلك أيضاً أن مراجعة تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام تدل على أنهم قد تحقق منهم الإفساد في تاريخهم وحاضرهم ، ولكن علوهم الموعود لم يتحقق على أيِّ شعب إلا في عصرنا الحاضر ، فهو العلو الوحيد الموعود ، الذي تأتي على أثره العقوبة الموعودة بتتبيرهم !
وهو أمر واضح لكل ناظر في خلاصة تاريخهم التي سنذكرها .
السيد القحطاني يناقش رأي الشيخ الكوراني
استمر اليهود وعبر مراحل زمنية مختلفة بعدائهم الدائم للأمم وكل ذلك نتيجة لأنانيتهم وأهوائهم الفاسدة حيث أطلقوا على أنفسهم شعب الله المختار وقام كبرائهم بتقسيم الناس إلى طبقات ووضعوا أنفسهم في الطبقة العليا وقد ظهر هذا المعنى واضحاً في كتاب الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء :
{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً}(الاسراء4-8 ) .
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآيات ، فمنهم من ذهب إلى أن الإفسادين الذين تحدث عنهما المولى تبارك وتعالى ، قد وقعا من قبل اليهود .
وقد وقعت العقوبة الأولى التي وعد بها الله عز وجل على يد نبوخذ نصر ، الذي قتل اليهود واسر رجالهم ودمر إمبراطوريتهم .
واستمر ذلك الحال لسنوات طويلة حتى وقعت العقوبة الثانية على الإفساد الثاني على يد تيطس الروماني ، هذا على رأي بعض المفسرين .
وهناك بعض المفسرين ذهبوا إلى القول بأن الإفسادين لم يقعا بعد وان العقوبتين لم يقعا أيضاً .
وقال آخرون إن الإفساد الأول لليهود وقع وكانت العقوبة عليه قد وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين واستمرت كذلك إلى مئات من السنين حتى عاد اليهود مرة أخرى لإفسادهم باحتلالهم فلسطين وان العقوبة سوف تكون على يد أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) قبل قيام الإمام (عليه السلام) أو بعد قيامه .
وهذا الرأي مما ذهب إليه الشيخ علي الكوراني في كتابه عصر الظهور في فصل (اليهود ودورهم في عصر الظهور) .
والواقع أن هذه القضية لابد أن تناقش بموضوعية ولابد أولاً وقبل طرح أي رأي ، مناقشة آراء المفسرين ولِمَ وقع بينهم ذلك الاختلاف .
فأما على القول الأول من أن الإفسادين قد وقعا وان العقوبتين عليهما أيضاً قد وقعتا على يد نبوخذ نصر وعلى يد تيطس الروماني .
فأقول : إن هذا الرأي غير صحيح إطلاقاً لأن الذي يظهر من الآيات القرآنية أن الذين يقع على أيديهم العقاب لليهود هم عباد الله أي انهم قوم موحدون مؤمنون لذا وصفهم الله بهذه الصفة وهي كونهم عباد له سبحانه وتعالى .
والمعلوم إن نبوخذ نصر وتيطس الروماني وأقوامهما هما من الكافرين والمشركين الذين لا يؤمنون بعبادة المولى عز وجل فلا يصح أن يوصفوا بكونهم عباد لله وبهذا يتبين لنا واضحاً خطأ هذا الرأي وبطلانه .
وأما بالنسبة لما ذهب إليه بعض المفسرين ومنهم الشيخ الكوراني من أن الإفسادين قد وقعا وان إحدى العقوبتين قد وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين وان العقوبة الثانية ستكون على يد أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) .
سواء أكان ذلك قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) كما دلت بعض الروايات أو بعد قيام الإمام (عليه السلام) .
فأقول : إن هذا الرأي غير صحيح ، ويرد عليه إشكالات ثلاثة:-
يتبع لطفآ
حول دور اليهود في عصر الظهور الشريف
رأي الشيخ الكوراني
في الوعد الإلهي بتدمير اليهود
في كتاب عصر الظهور ص45 - 50
قال الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا . ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا .
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا .
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا . إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَاعَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }( ( سورة الإسراء :1-8) ) .
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا .
أي حكمنا في القضاء المبرم في التوراة الذي أنزلنا عليهم أنكم سوف تنحرفون عن الصراط المستقيم ، وتفسدون في المجتمع مرتين ، كما أنكم سوف تستكبرون على الآخرين وتعلون عليهم علواً كبيراً .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ ..
فإذا جاء وقت عقوبتكم على إفسادكم الأول ، أرسلنا عليكم عباداً منسوبين إلينا ، أصحاب بطش ومكروه ينزلونه بكم .
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا ..
وهو كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين ، وأن جنود المسلمين تجولوا خلال بيوتكم يتعقبون بقايا مقاتليكم وكان ذلك وعداً قطعياً حاصلاً .
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا .
ثم أعدنا لكم الغلبة على هؤلاء المسلمين الذين بعثناكم عليكم ، وأعطيناكم أموالاً وأولاداً، وجعلناكم أكثر منهم أنصاراً في العالم يستنفرون لكم ضدهم .
{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..} .
ثم يستمر وضعكم على هذه الحال فترة من الزمن ، لابد ان تكون مستبطنة في الآية ، فإن تبتم وعملتم خيراً بما أعطيناكم من أموال وأولاد فهو خير لأنفسكم ، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً .
{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } .
ولكنكم سوف تُسيؤون ولاتحسنون فنمهلكم ، حتى إذا جاء وقت العقوبة على إفسادكم الثاني سلطنا عليكم نفس العباد المنسوبين إلينا بأشد من المرة الأولى ، فأنزلوا بكم مكروهاً يسوء وجوهكم ، ودخلوا المسجد الأقصى فاتحين كما دخلوه عندما جاسوا خلال دياركم في المرة الأولى . ثم يسحقون علوكم وإفسادكم سحقاً .
{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } .
لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية بالهداية . وإن عدتم إلى إفسادكم بعد العقوبة الثانية ، عدنا إلى معاقبتكم ، وحصرناكم عن ذلك في الدنيا ، ثم جعلنا لكم جهنم حبساً وحصراً في الآخرة .
* *
والنتيجة الأولى من الآيات الكريمة: أن تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام إلى آخر حياتهم يتلخص بأنهم يفسدون في المجتمع في المرة الأولى ، حتى إذا جاء وقت عقوبتهم على ذلك بعث الله تعالى عليهم قوماً فيغلبونهم بسهولة .
ثم يجعل الله تعالى الغلبة لليهود على أولئك القوم لحِكَمٍ ومصالح ، ويعطي اليهود أموالاً وأولاداً ويجعلهم أكثر أنصاراً منهم في العالم .
ولكن اليهود لا يستفيدون من أموالهم وأنصارهم بل يسيئون ويفسدون للمرة الثانية ، وفي هذه المرة يضيفون إلى إفسادهم العلو ، فيستكبرون ويعلون على الناس كثيراً .
فإذا جاء وعد عقوبتهم على ذلك سلط الله عليهم نفس أولئك القوم مرة ثانية فأنزلوا بهم عقاباً أشد من العقاب الأول على ثلاث مراحل .
والنتيجة الثانية : أن القوم الذين يبعثهم الله عليهم في المرة الأولى يغلبونهم بسهولة ويدخلون المسجد الأقصى ، ويتعقبون مقاتليهم في بيوتهم {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} ويُنهون قوتهم العسكرية .
ثم يرسلهم الله عليهم ثانيةً على رغم غلبة اليهود عليهم وكثرة أنصارهم ضدهم ، فينزلون بهم العقوبة على ثلاث مراحل ، حيث يوجهون إليهم أولاً ضربات تسوء وجوههم ، ثم يدخلون المسجد فاتحين كما دخلوه أول مرة ، ثم يسحقون علوهم على الشعوب سحقاً . كما تدل عليه اللام في قوله تعالى: { لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ } وفي قوله تعالى : { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ....وَلِيُتَبِّرُوا..} .
والسؤال الأساسي الذي طرحه المفسرون : هل أن هذين الإفسادين- اللذين يرافق أحدهما علو كبير- قد مضيا ، ووقعت العقوبتان الموعودتان عليهما ، أم لا ؟
فقال بعضهم: إنهما مضيا ووقعت العقوبة على الإفساد الأول على يد نبوخذ نصر ، وعلى الإفساد الثاني على يد تيطس الروماني .
وقال بعضهم : لم تقع العقوبتان بعد .
والرأي الصحيح : أن العقوبة الأولى على إفسادهم الأول وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين ، ثم رد الله الكرة لليهود على المسلمين عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام ، وأن اليهود أفسدوا مرة ثانية وعلوا في الأرض، وستكون على أيدي المسلمين أيضاً ، عندما يعودون إلى رشدهم مجدداً .
وبهذا التفسير وردت الأحاديث الشريفة عن الأئمة عليهم السلام ، فقد فسرت هؤلاء القوم الذين سيبعثهم الله تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي عليه السلام وأصحابه، وبأنهم أهل قم، وأنهم قوم يبعثهم الله تعالى قبل ظهور القائم عليه السلام .
ففي تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } : ( هو القائم وأصحابه ، أولو بأس شديد ) .
وفي تفسير نور الثقلين عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في تفسيرها: ( قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه).
وفي بحار الأنوار:60/216 عن الإمام الصادق عليه السلام ( أنه قرأ هذه الآية .. فقلنا : جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ) .
والروايات الثلاث متفقة في المقصود ولاتعارض بينها ، لأن أهل قم بمعنى شيعة أنصار المهدي عليه السلام من إيران الذين ورد أنهم ينهضون معه وينصرونه .
ويبدو أن مقاومة اليهود من أتباع المهدي عليه السلام تكون على مراحل حتى يظهر المهدي عليه السلام فيكون القضاء النهائي على اليهود بقيادته وعلى يده أرواحنا فداه .
ومما يدل على أن العقوبة الثانية الموعودة لليهود ستكون على أيدي المسلمين ، أن القوم الذين وعد الله تعالى أن يبعثهم عليهم في المرتين أمة واحدة ، والصفات التي ذكرت لهم ، وصفات حربهم لليهود لاتنطبق إلا على المسلمين .
فملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ، ممن تسلط على اليهود لايوصفون بأنهم (عباداً لنا) ، ولاحدث أنْ غلبهم اليهود بعد العقوبة الأولى ، كما ذكرت الآيات الشريفة .
بينما غلَبَ اليهودُ المسلمين بعد عقوبتهم بأيديهم في صدر الإسلام ، وأمدَّ الله اليهود بأموال وبنين وجعلهم أكثر منا أنصاراً في العالم ، ونفيراً بمساعدة الدول الكبرى . وهاهم يفسدون في الأرض ويستعلون علينا وعلى الشعوب . وهاهم مجاهدونا بدؤوا يوجهون إليهم ضربات تسئ وجوههم .
* *
ومما يدل على ذلك أيضاً أن مراجعة تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام تدل على أنهم قد تحقق منهم الإفساد في تاريخهم وحاضرهم ، ولكن علوهم الموعود لم يتحقق على أيِّ شعب إلا في عصرنا الحاضر ، فهو العلو الوحيد الموعود ، الذي تأتي على أثره العقوبة الموعودة بتتبيرهم !
وهو أمر واضح لكل ناظر في خلاصة تاريخهم التي سنذكرها .
السيد القحطاني يناقش رأي الشيخ الكوراني
استمر اليهود وعبر مراحل زمنية مختلفة بعدائهم الدائم للأمم وكل ذلك نتيجة لأنانيتهم وأهوائهم الفاسدة حيث أطلقوا على أنفسهم شعب الله المختار وقام كبرائهم بتقسيم الناس إلى طبقات ووضعوا أنفسهم في الطبقة العليا وقد ظهر هذا المعنى واضحاً في كتاب الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء :
{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً}(الاسراء4-8 ) .
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآيات ، فمنهم من ذهب إلى أن الإفسادين الذين تحدث عنهما المولى تبارك وتعالى ، قد وقعا من قبل اليهود .
وقد وقعت العقوبة الأولى التي وعد بها الله عز وجل على يد نبوخذ نصر ، الذي قتل اليهود واسر رجالهم ودمر إمبراطوريتهم .
واستمر ذلك الحال لسنوات طويلة حتى وقعت العقوبة الثانية على الإفساد الثاني على يد تيطس الروماني ، هذا على رأي بعض المفسرين .
وهناك بعض المفسرين ذهبوا إلى القول بأن الإفسادين لم يقعا بعد وان العقوبتين لم يقعا أيضاً .
وقال آخرون إن الإفساد الأول لليهود وقع وكانت العقوبة عليه قد وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين واستمرت كذلك إلى مئات من السنين حتى عاد اليهود مرة أخرى لإفسادهم باحتلالهم فلسطين وان العقوبة سوف تكون على يد أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) قبل قيام الإمام (عليه السلام) أو بعد قيامه .
وهذا الرأي مما ذهب إليه الشيخ علي الكوراني في كتابه عصر الظهور في فصل (اليهود ودورهم في عصر الظهور) .
والواقع أن هذه القضية لابد أن تناقش بموضوعية ولابد أولاً وقبل طرح أي رأي ، مناقشة آراء المفسرين ولِمَ وقع بينهم ذلك الاختلاف .
فأما على القول الأول من أن الإفسادين قد وقعا وان العقوبتين عليهما أيضاً قد وقعتا على يد نبوخذ نصر وعلى يد تيطس الروماني .
فأقول : إن هذا الرأي غير صحيح إطلاقاً لأن الذي يظهر من الآيات القرآنية أن الذين يقع على أيديهم العقاب لليهود هم عباد الله أي انهم قوم موحدون مؤمنون لذا وصفهم الله بهذه الصفة وهي كونهم عباد له سبحانه وتعالى .
والمعلوم إن نبوخذ نصر وتيطس الروماني وأقوامهما هما من الكافرين والمشركين الذين لا يؤمنون بعبادة المولى عز وجل فلا يصح أن يوصفوا بكونهم عباد لله وبهذا يتبين لنا واضحاً خطأ هذا الرأي وبطلانه .
وأما بالنسبة لما ذهب إليه بعض المفسرين ومنهم الشيخ الكوراني من أن الإفسادين قد وقعا وان إحدى العقوبتين قد وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين وان العقوبة الثانية ستكون على يد أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) .
سواء أكان ذلك قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) كما دلت بعض الروايات أو بعد قيام الإمام (عليه السلام) .
فأقول : إن هذا الرأي غير صحيح ، ويرد عليه إشكالات ثلاثة:-
يتبع لطفآ
تعليق