حزب الله اللبناني يستعد للمواجهة ويؤجل النهاية فقط
اليكس فيشمان - "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية - 18/05/2010
هل ستندلع أم لن تندلع حرب في لبنان في الصيف، على هذا السؤال لا يوجد لدى أحد جواب. ما هو واضح دون ريب هو ان الحرب التي ستنشب في الشمال - اذا ما وعندما تنشب - لن تكون مشابهة لتلك التي وقعت في 2006. فحزب الله يتعاظم من يوم الى يوم، سواء بكمية المقاتلين، بعدد الصواريخ أم بقدراتهم. وما هو أكثر أهمية، هو أن الطريقة التي تستخدم فيها هذه القوة ستكون مغايرة جوهريا.
كل بضعة اسابيع تنزل علينا معلومة اخرى عن هذه الجبهة. لتؤشر الى الشكل الجديد للمواجهة المتبلورة هناك، بانه على جانبي الحدود، يستعدون للجولة القادمة بكل القوة - ولكن بالنسبة للمواطن العادي لا يعني هذا الكثير. صاروخ آخر مهرب الى حزب الله، فلديهم منذ الان 40 الفا، وماذا يغير هذا في الصورة. كل الصواريخ هي ذات الشيء، كما يقول لنفسه الاسرائيلي.
كما أن المؤسسة الامنية لا تكلف نفسها عناء الشرح للجمهور لاي مواجهة ينبغي له ان يستعد. وقد فوجئ مواطنو اسرائيل من شدة الدمار الذي يمكن ان يحدثه الطرف الاخر وسألوا عن حق كيف عرفنا، كيف لم نستعد ومن المسؤول عن القصور. ولكن هذا بالضبط ما يحصل الان ايضا.
في جهاز الامن وفي اوساط خبراء في الاكاديمية صورة ميدان القتال الجديد في لبنان واضحة جدا اما للمواطن، الذي سيكون شريكا كاملا في القتال في المعركة القادمة فليس لديه أي فكرة. أحد لا يروي له شيئا.
بالصدفة تماما، نشرت الاسبوع الماضي صحيفة مهنية أجنبية نبأ يعنى بصواريخ ام 600 زودتها سوريا لحزب الله. ولكن مريح لاحد ما في البلاد ان يخفي هذه المعلومة، تماما مثل ادخال صواريخ سكاد الى لبنان كان سرا مكتوما في اسرائيل الى أن كشفت عنه النقاب صحيفة عربية. في الحالتين لم يؤكدوا في البلاد المعلومة ولكن محافل مجهولة الى هذا الحد او ذاك تحدثت عن «سلاح خارق للتوازن».
هنا وهناك يلمح أحد ما بالتوتر على الحدود الشمالية، وبين الحين والاخر تنشر في وسائل الاعلام العربية انباء عن طلعات جوية استثنائية لسلاح الجو في سماء لبنان ولكن بالنسبة للاسرائيلي العادي كل هذه الاحداث خارج النطاق، بأمر من السلطات. فلماذا لم تمنع اسرائيل دخول الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الى لبنان؟ سؤال جيد لعلنا نحصل على جواب عليه في كتب التاريخ التي ستكتب في المستقبل.
ليس مجرد مقذوفة صاروخية
من المهم الفهم بان صواريخ ام 600 بحوزة حزب الله ليست مجرد اضافة عادية لترسانته. فهذا هو الـ dna. هو الرمز الذي يكشف النمط الجديد لاستعداد المنظمة للمواجهة القادمة.
لنبدأ من حقيقة ان ام 600 ليس مقذوفة صاروخية بل سلاح أكثر دقة ونجاعة بكثير، ذو قدرة استراتيجية بمعايير الشرق الاوسط. اذا ما رغب حزب الله في الحرب القادمة بضرب مبنى هيئة الاركان في وزارة الجيش في تل أبيب، فان بوسعه - نظريا - ان يفعل ذلك. في 2006، هذه القدرة لم تكن بحوزته، مع «زلزال» والمقذوفات الصاروخية السورية المتوسطة.
هل يعني هذا ان الصورة التي رأيناها في حرب لبنان الثانية، بمئات المقذوفات الصاروخية للمدى القصير والمتوسط والتي تطلق كل يوم نحو شمالي الدولة، حتى خط زخرون يعقوب - طبريا، لن تتكرر؟ تماما لا. فالكتلة الاساس من أصل 40 الف مقذوفة صاروخية يحوزها حزب الله لا تزال هي المقذوفات الصاروخية من هذه الانواع، وبواسطتها سيحاول في المرة التالية ايضا زرع الدمار في البلدات والمس بقوات الجيش الاسرائيلي قبل ومع دخولها الى لبنان.
من تجربة الحرب السابقة، فان هذه المقذوفات الصاروخية هي سلاح عمومي: النار غير دقيقة، معظمها تسقط خارج المناطق المأهولة، كمية المصابين والدمار ليست كبيرة. غير أنه في الحرب التالية، كما اسلفنا، الى جانب الصليات المعروفة ستكون لحزب الله امكانية أن يطلق في آن عشرات الصواريخ الدقيقة ايضا، من عشرات النقاط من شمالي وجنوبي الليطاني، نحو هدف واحد محدد ومنسق. وليس فقط اصابة هذه الصواريخ ستكون أكثر دقة وشدة، بل سيكون معقدا أكثر بكثير اعتراض وتدمير عشرات الصواريخ المنفردة التي ستنطلق دفعة واحدة في اماكن مختلفة من الرد بالنار على منطقة كاملة يطلق منها وابل الصواريخ.
الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله تستهدف تدمير منشآت استراتيجية في غوش دان. صواريخ كهذه تنتشر منذ الان في جنوب لبنان، حيث ان نية حزب الله على ما يبدو هي تنفيذ صليات من عشرات الصواريخ كل يوم على مدى ايام عديدة. وبالتوازي فانهم يخططون لاطلاق الاف المقذوفات الصاروخية الى مسافات مشابهة، موجودة منذ الان في حوزتهم، ومن خلال النار المتداخلة هذه يأملون بتدمير البنى التحتية وتحطيم المنشآت. هدف الاف الصواريخ الى مسافات بعيدة يجمعها حزب الله سيكون في واقع الامر زرع الارهاب لغرض الارهاب ضد المواطنين، وضعضعة الاستعداد للقتال.
صحيح حتى اليوم، بما في ذلك على أساس مفهومهم، لا يزال ليس لدى حزب الله كميات كافية من السلاح الدقيق لتحقيق هذه العقيدة. وهذه بالضبط نقطة الزمن لنشاط دولي، وكذا اسرائيلي، اكثر كثافة بكثير، من أجل وقف عبور السلاح الدقيق الى لبنان. قبل ان يفوت الاوان.
حزب الله يريد ان يصل الى وضع يمكنه فيه أن ينفذ على مدى فترة طويلة نارا من مئات المقذوفات الصاروخية والصواريخ في اليوم نحو وسط البلاد، ومن أجل فهم قوة الدمار مدار الحديث ينبغي ضرب كل صاروخ او مقذوفة صاروخية بـ 250كغم من المواد المتفجرة.
ليس صدفة أن خرج الاسبوع الماضي رئيس وزراء لبنان، سعد الدين الحريري، بتصريح يقول ان حكومة لبنان تساند حزب الله في موضوع الصواريخ. فهو يفهم بان هذا هو جوهر استراتيجية المنظمة. مبنى القوة العسكرية ذات الحكم الذاتي هو العصب الاكثر حساسية في العلاقات المشحونة بين المنظمة الشيعية والحكم المركزي، والحريري يعرف بان حزب الله سيفجر على هذا العصب كل اتفاق.
يجمعون ويحفرون
صواريخ سكاد التي يتلقاها حزب الله، حسب المنشورات، من سوريا، تستهدف هدفا محددا اكثر من ذلك. اذا ما تبين بالفعل بأن الحديث يدور عن تهريب صواريخ سكاد دي، فان الحديث يدور على ما يبدو عن تهديد ديمونا.
بقدر ما هو معروف، ليس لمنظمة نصرالله خطط لاحتلال اراض في الجليل. قد تكون لديه قدرة على تنفيذ اقتحام لبلدة، لخلق دراما، ولكن حربه ستتركز على اطلاق المقذوفات الصاروخية والصواريخ نحو العمق الاسرائيلي، على مدى الزمن. وعليه، فان معظم هذه المنظومات ترمي الى الدفاع عن الذراع الاستراتيجي وتغذيته.
هذا الدفاع يقوم على أساس نحو 160 نطاقا عسكريا اقيم في جنوب لبنان، في البلدات القروية وبجوارها، بما في ذلك في الجيوب المسيحية. لهذا الغرض، عندما تدرب الجيش الاسرائيلي على خطط العمل، فقد تعاطى مع البلدات وكأنها نطاقات عسكرية بكل معنى الكلمة. والى الحرب التالية في لبنان سينطلق لغرض التغيير، بخطط سبق أن تدرب عليها.
حسب تجربة الحرب السابقة، فان تواصل مثل هذه النطاقات القروية يخلق منظومة فيها سلسلة قيادية مرتبة. كل مجموعة التشكيلات تكون ألوية حزب الله: «ناصر»، «بدر» و «عزيز». لكل لواء وجبة الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الخاصة بها، وفي كل نطاق ايضا قوة برية، مهمتها الدفاع عنها ضد هجوم بري. كل منظومة مبنية بهدف تنفيذ اطلاق للصواريخ بشكل مستقل، حتى لو انقطعت عن كل النطاقات الاخرى.
حزب الله بدأ بعملية استخلاص الدروس في اعقاب حرب لبنان الثانية، وحدثها وأكدها بعد «رصاص مصبوب». الحملة في الجنوب في 2008 مثلت حتى اكثر من الحرب في الشمال في 2006، المعنى العسير لـ «عقيدة الضاحية»، ونصرالله يفهم بان الجيش الاسرائيلي يوجد اليوم في مكان آخر تماما - سواء من ناحية الحركة ام من ناحية النار. وعليه، فحتى حزب الله، وليس فقط حماس، يحفر اليوم تحت الارض بوتيرة سريعة - خنادق، قيادات، مراكز تحكم وممرات من قاطع الى قاطع في الجبهة.
من أجل تنفيذ نار منسقة نحو ذات الهدف، ثمة حاجة الى منظومة قيادة وتحكم متطورة أكثر بكثير من تلك التي كانت حتى الان لحزب الله. وهنا، في واقع الامر، تبدأ نقاط الضعف لديه. فمن جهة، من الصعب التصدي لمنظمة ارهابية تتصرف كجيش بكل معنى الكلمة. ومن جهة اخرى فانه يعاني منذ الان من كل أمراض المنظمة العسكرية المؤطرة، لا تعاني منها وحدات حرب العصابات الصغيرة والسرية.
في حرب لبنان الثانية دمر سلاح الجو في غضون 35 دقيقة الصواريخ بعيدة المدى لدى حزب الله. 50 في المائة من الصواريخ التي اطلقت من وسائل اطلاق معيارية الى مسافة متوسطة وقصيرة دمرت قبل اول اطلاق لها، فيما صفي الباقي بعده. من المعقول الافتراض بان قدرات سلاح الجو والجيش البري الاسرائيلي في مجال السلاح الدقيق واغلاق الدوائر تحسنت منذئذ، وبعدة درجات.
)
تعليق