بقلم/ساهر عريبي
تداولت وسائل الإعلام المحلية نبأ منح وزير النقل العراقي المهندس عامر عبدالجبار إجازة إجبارية لمدة شهر وتكليف وزير الأمن الوطني الذي كان يشرف على الوزراة سابقا مهام إدارتها وكالتها
.ووفقا لقانون الخدمة المدنية العراقي فإن الوزير يصبح بحكم المقال بعد إنتهاء مدة الأجازة الإجبارية التي تمنح له من قبل مسؤوله الأعلى ألا وهو في هذه الحالة رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي.
وقبل الخوض في أسباب الإقالة هذه فلابد من التطرق إلى شخصية الوزير المقال. فالمهندس عامر عبدالجبار يتميز بصفتين أساسيتين يندر إجتماعهما في عضو واحد من أعضاء الحكومة أو مسؤول من مسؤولي الدولة العراقية. واما هاتان الصفتان فهما الكفاءة والنزاهة. فالسيد الوزير يمتلك عددا كبيرا من الشهادات الدراسية التي حصل عليها من دول مختلفة في العالم وخاصة في مجال النقل البحري.
وهواول من طرح فكرة مشروع ميناء الفاو الكبير والتي عرضها على رئيس الوزراء العراقي الحالي وكان حينها مديرا عاما لدائرة الغاز في وزارة النفط العراقية. ولقد زرته في مكتبه في الوزارة حينها فحدثني عن معاناته مع مكتب المالكي الذي تسيطر عليه المافيات الحزبية والمناطقية والشخصية. إذ اخبرني بان رئيس الوزراء قد رحب بالمشروع وقرر تشكيل لجنة في رئاسة الوزراء لهذا الغرض على ان يرأسها المهندس عامر بإعتباره صاحب المشروع ووعده بإصدار أمر ديواني بذلك.
إلا ان أمرا من هذا القبيل لم يصدر رغم مرور مدة طويلة , حتى علم المهندس عامر بان امرا قد صدر ولكن تم تعيين شخص مقرب من مكتب المالكي رئيسا للجنة!!ثم طلب هذا الشخص من المهندس عامر أن يعمل مستشارا عنده!!! علما بان الشخص الذي تم تعيينه لايفقه بالنقل ولاكفاءة لديه في هذا المضمار وهذا هو ديدن المالكي ومكتبه في تعيين المقربين وإبعاد الكفاءات. إلا ان وطنية السيد عامر دعته إلى قبول العمل كمستشار عند ذلك الشخص لشعوره بأن مشروعه الوطني هذا فيه خير للعراق ولاضير إن عمل تحت يد شخص لاكفاءة له وهو موقف يستحق عليه كل إحترام وتقدير.
وبعد ان ساءت الأوضاع في وزارة النقل التي يلفها الفساد ومن الباب إلى المحراب وخاصة في الفترة التي أشرف على إدارتها وزير الأمن الوطني الحالي شيروان الوائلي ,تم تعيين المهندس عامر عبدالجبار وزيرا للنقل في خطوة تستحق كل تقدير وإحترام من رئيس الوزراء العراقي الذي وضع حقا الرجل المناسب في المكان المناسب وأعاد الإعتبار للمهندس عامر عبدالجبار إسماعيل , ولقد إستبشرنا حينها بأمر التعيين وقلنا لا يصح إلا الصحيح.
وبالفعل نجح السيد الوزير في إدارة وزارة النقل وأحدث نقلة نوعية فيها وعلى مختلف الأصعدة بدأ من توسيع دائرة نشاط الخطوط الجوية العراقية التي أضحت تسير رحلات عديدة إلى عدد كبير من البلدان وإنتهاءا بالخدمات التي تقدمها الوزارة للمسافرين والتي تحسنت وبشكل ملموس.غير أن هذا النجاح لم يرق للكثير من المتنفذين في مكتب المالكي. فوزارة النقل واحدة من الوزارات الهامة التي تتصارع الكتل السياسية للفوز بها نظرا لميزانيتها الكبيرة ولكبر مساحة عملها.
فهي تشرف على مختلف أنواع النقل في العراق سواء الجوي أو البري او البحري منها, ولذا فإن العقود في هذا الوزارة دسمة إذا أحسن الوزير الأستفادة منها كما هو عليه الحال في الوزارات الهامة الأخرى كوزارة التجارة التي أبدع في إدارتها الوزير السابق فلاح السوداني الذي لم يقله المالكي لأنه كان كفوءا ونزيها بنظره!!!!
واما الوزير الحالي فهو معروف بنزاهته منذ ان كان مديرا عاما لدائرة الغاز في وزارة النفط العراقية. ولقد ألف كتابا حول النزاهة أهداني نسخة منه عند زيارتي له قبل تعيينه وزيرا. فطيلة عمله كمدير عام كان يتبع القوانين ولايهادن ولايجامل في ذلك ولايخشى أحدا في هذا الطريق , وعندما يتم الضغط عليه من قبل الوزير لتمشية معاملة معينة غير مستوفية للشروط كان يرفض إمضائها ويطلب من الوزير ان يمضيها بنفسه.
وأذكر أن أحد المستثمرين من أبناء محافظة الأنبار دخل عليه راجيا منه الموافقة على مشروع له لأفتتاح محطة غازية , إلا ان المشروع لم يكن مستوفيا للشروط القانونية وحينها رفض الموافقة عليه. فما كان من المستثمر إلا وأخرج رزمة من الدولارات ووضعها امام المهندس طالبا منه التوقيع !!إلا ان المهندس عامر رفض ذلك طالبا منه ان يضع امواله في جيبه فهو ليس من ذلك النوع الذي يقبض الرشوة مقابل ان يبيع مبادئه. وحينها نهض المستثمر وهو يحييه بحرارة قائلا له ظننت ان الأمر شيئا أخر ويقصد تمييزا طائفيا , وطالما أن الأمر هكهذا فإني قد صرفت النظر عن المشروع, وإلا لكان لي معك حساب أخر!!.
وهذا الموقف يذكرني بموقف حصل معي أيام كنت اعمل في وزارة الأعمار العراقية عندما جائني شخص هو من أقرب المقربين للمالكي اليوم مصطحبا معاه مستثمر ينوي إنشاء محطة للوقود غير مستوفية للشروط حيث طلب مني ان أقنع الوزير بإمضاء المعاملة وعند مناقشتي الأمر مع الوزير قال لي بان المعاملة غير مستوفية للشروط ولاأستطيع إمضائها وعندما أخبرت سكرتير المالكي بذلك قال حسنا سأكلم مسؤول الوزير الحزبي ليأمره بإمضائها!!!!
هكذا يدير هؤلاء الدولة وفق منطق المحسوبية والمنسوبية والجهل وعدم الكفاءة والنزاهة فهل نعجب إن أقال المالكي وزير النقل النزيه ودافع طيلة فترة حكمه عن الوزراء الفاسدين والمتخلفين من مزوري الشهادات الدراسية ومن عديمي الخبرة والكفاءة؟ ولاشك بان الصراع على الخطوط الجوية العراقية هو احد الأسباب الرئيسية التي ادت إلى إقالة الوزير. فبعد حل الخطوط الجوية بسبب الأزمة مع الكويت وعدم السعي لحل الأزمة بالطرق القانونية , بدأ الصراع للسيطرة على النقل الجوي في العراق عبر إنشاء شركة خاصة وهو الأمر الذي جوبه بمعارضة من قبل وزير النقل الذي إعتبر حل الخطوط الجوية قضية سياسية.
وهو الأمر الذي أثار حفيظة المالكي وحلفائه الذين يسعون اليوم لوضع يدهم على النقل الجوي في العراق عبر تأسيس شركة خاصة مرتبطة بمافياتهم الحزبية والعائلية وهو الأمر الذي يعارضه وبشدة السيد وزير النقل الذي أصبح حجر عثرة امامهم فكان لابد من إقالته وإعادة تكليف شيروان الوائلي للأشراف على الوزارة بغية تحقيق مبتغاهم وبأسرع وقت وقبل تشكيل الحكومة الجديدة. فتحية للوزير عامر عبدالجبار الذي لم يسعى للتوزير أساسا والذي لم تضف له الوزارة شيئا سوى المزيد من السيرة العطرة وتعسا لكل الجهلة والمتخلفين الفاسدين ولكل حماتهم المتشبثين بكرسي الحكم الزائل.
نقول هذا حال طواغيت العصور
فهم يبعدون الصالح ويقربون الطالح
لاحول ولا قوة الابالله العلي العظيم
لك الله ياعراق